فيلم علاء الدين Aladdin … الوجه القبيح لديزني
15 د
بدأت ديزني قبل سنوات في اتباع سياسة تحويل أشهر أعمال الرسوم المتحركة الخاصة بها إلى نسخ حية Live-Action، كانت البداية من خلال فيلم Alice in Wonderland في 2010، Cinderella في 2015، ثم كانت الانطلاقة الحقيقية بفيلم The Jungle Book في 2016، وفيلم Beauty and The Beast في 2017، وأخيرًا تم الإعلان عن البدء في العمل على تطوير النسخة الحية من فيلم Aladdin الذي سبق تقديمه في 1992، وبالتزامن مع ذلك بدأت سلسلة الأزمات المستمرة حتى الآن.
فيلم Beauty and the Beast … عندما تدخل بقدميك عالم ديزني الساحر
فيلم علاء الدين يدور في مدينة خيالية ذات طابع شرقي طالما افترض المشاهد أنّها مدينة عربية بسبب الطراز المعماري ومظهر الشخصيات، ومع بدء الإعلان عن التحضير للفيلم الخاص بالشخصية تم تداول تصريحات مُخرجه جاي ريتشي المسيئة للشرقيين والتي وضعت ديزني في موقف حرج، لكن الحقيقة تفوق مجرد تصريحات المخرج وأصولها تعود إلى الفيلم الكرتوني نفسه الصادر في التسعينات، وجذورها تمتد لأكثر من 90 عامًا في عمق الزمن.
تصوير الحضارة العربية
تدور أحداث النسبة الأكبر من أفلام ديزني في الماضي البعيد وتسيطر عليها الأجواء الملحمية الأسطورية، تضمنت تلك الأفلام تصوير حضارات عديدة وشعوب مختلفة وبلاد شتى، لكن يمكن ببساطة مُلاحظة الفرق الشاسع بين تصوير مختلف الممالك الأسطورية التي ظهرت في أفلام ديزني – خاصةً أفلام الأميرات – وبين مدينة “أجرباه” الخيالية التي تم اتخاذها مسرحًا لأحداث فيلم علاء الدين.
“أجرباه” ما هي إلّا مدينة صحراوية مُقفرة خالية من كافة مظاهر الحضارة، يمكن القول بأنّها مدينة الصعاليك والرعاع، تتضمن عددًا قليلًا من القصور الفارهة المخصصة للملوك والأمراء وعلية القوم، بينما الشعب يحيا في خيّام أو أكواخ ومنازل طينية متواضعة، والمشكلة الحقيقية لا تكمن في الفقر إنما في تصوير الشعب – بأكمله – على أنّه حفنة من الصعاليك ذوي الطباع الحادة يتسم سلوكهم بالغوغائية والهمجية، ولو أنّ هناك صفة وحيدة مشتركة بينهم فهي الجهل، حياتهم بائسة خالية من كافة مظاهر البهجة أو التَمَدُن، انقطعت بينهم لغة الحوار وسادت بينهم لغة السيوف.
تلك الأجواء المُنفِرة تتنافى شكلًا وموضوعًا مع تصوير المجتمعات الأخرى – خاصةً الغربية – في أفلام ديزني، التي كانت تظهر دائمًا في قمة التحضر والتقدم، وهذا يعد بمثابة قلب للحقيقة مع الحقائق التاريخية المؤكدة بأنّ الحضارة العربية في العصور القديمة كانت في أوج عظمتها، بينما كان العالم الغربي غارقًا في الظلام.
نحن نُدرك تمامًا أنّ أفلام ديزني ليست أفلامًا تاريخيةً وأحداثها خرافيةً بالكامل، لكن في النهاية كل عمل فني يجب أن يؤسس على حد أدنى من المعقولية، وأنّ يتخذ من الثوابت والحقائق ركائزًا يُقيم عليها عالمه الخيالي، وبالتأكيد صورة الحضارة العربية التي صورها فيلم Aladdin مخالفةً لتلك الحقائق المُثبتة؛ لأنّ الحضارة الغربية قامت على أكتاف حضارة بلاد الشرق.
مصدر الشر وطبيعة الخصوم
تقوم أفلام ديزني بشكل عام على ثلاث ركائز أساسية هم المغامرة والاستعراض الغنائي والقصة الرومانسية، فيما يخص الركيزة الأولى والأساسية – أي المغامرة – فإنّها في العادة تنشأ عن مُلاحقة قوى الشر للبطلة “الأميرة” لسبب ما مما يُعرضها للخطر، ومن ثم يجد بطل القصة نفسه مُقحمًا في صراع – لم يكن طرفًا به بالأساس – بهدف إنقاذ الأميرة، ومن ثم يخوضان معًا رحلةً طويلةً يستكشفان خلالها العالم المحيط قبل الوصول إلى النهاية السعيدة المُتمثلة في القضاء على مصدر الشر والزواج.
هناك نقطة بارزة تُفرِق مصدر الشر في فيلم علاء الدين على الأخص عن غيره من أفلام أميرات ديزني الأخرى، فقد جرت العادة على أن يكون مصدر الشر خارجي، مُتمثلًا في شخص غريب الأطوار – بلا خلفية واضحة – يقتحم الحياة الهادئة المُستقرة ويُفسدها بأفعاله الشريرة، حتى يأتي الفارس المُنتظر ويُعيد الأمور إلى نصابها، لكن في فيلم Aladdin كان الأمر مختلفًا، فالشر هنا يتمثل في مجموعة من الأشخاص المُنتمين إلى ذات المجتمع الشرقي وعلى رأسهم بالطبع “جعفر”، فلا يمكن الإتيان بمصدر شر خارجي إذا كانت الأحداث – حسب منظور ديزني – تدور داخل معقل الشر ذاته!!
حَملت مجموعة كبيرة من أفلام ديزني ذات الرسالة الاجتماعية ولم تمل من تقديمها، والتي تتمثل في أهمية الترابط الأسري وأنّ العائلة هي مصدر القوة، وقد رأينا في الأفلام عدد كبير من نماذج الآباء الأقرب إلى المثالية، منها على سبيل المثال الملك في فيلم Tangled الذي أفنى حياته بحثًا عن طفلته التي تم اختطافها وهي رضيعة، لكن السلطان الأب في فيلم Aladdin كان مصدر الخطر الأول، هو ذلك الأحمق الذي يحاول إجبار ابنته على الزواج ممن لا تُحب، حتى أنّه دفعها للهرب من القصر بعكس أغلب أميرات ديزني اللواتي كان همهن الأكبر هو العودة للبيت حيث السكينة والأمان.
العنصرية الطبقية والبطل المُخادع
عرضت بعض التقارير الصحفية في وقت سابق القصص التي وردت في النصوص الأصلية التي استلهمت منها ديزني قصص أفلامها، والتي اتسمت بقدر كبير من السوداوية وكانت نهايات أغلبها مأساويةً، لكن كُتّاب السيناريو في ديزني قد غيروا بها كثيرًا، وهذا أمر مشروع ومفهوم ومنطقي، فنحن في النهاية أمام أعمال فنية موجهة للأطفال في المقام الأول، يجب أن تحمل قدرًا من الإيجابية وتنتهي إلى خاتمة سعيدة أيًا كان مسار الأحداث.
أثبت علاء الدين على مدار أحداث الفيلم أنّه مغوار يتسم بالنُبل والشجاعة واستطاع التصدي للأشرار ونُصرة الخير، لكن هذا كله لم يكن شفيعًا له، وكي يفوز بقلب الأميرة كان عليه أن يُصبح هو الآخر أميرًا، وكانت تلك هي إحدى الأمنيات التي طلب من جني المصباح أن يحققها له.
اعتادت ديزني إخبارنا بأنّ الجوهر أهم من المظهر. لذلك، تم حَمل أحدب نوتردام على الأعناق في نهاية الفيلم، وتزوجت الأميرة رابونزل من – اللص السابق – فلين رايدر، لكن ذلك لا ينطبق في نظرهم على مجتمع شرقي جاهل أبطاله مُحتالون مُخادعون أفعالهم لا تكفيهم شرفًا. لذا، كان على علاء الدين أن يصبح شخصًا غير نفسه حتى يفوز بقلب الأميرة ياسمين!!
الأبطال بصفات غربية، والأشرار شرقيون!
الوحدة العضوية للعمل الفني تُلزم صُنّاعه بخلق حالة من الاتساق بين مختلف عناصره. لذلك، كان من الطبيعي أن تحمل شخصيات فيلم علاء الدين مظهرًا شرقيًا يناسب البيئة التي تدور بها أحداثه، لكن هل كانت جميع الشخصيات شرقية بالكامل؟!
كانت اللحية هي السمة المُميزة للأشرار في فيلم Aladdin، وكأنّ وجودها دليل قاطع على توجهات هذا الشخص، كذلك يمكن ملاحظة أنّ جميع الأشرار كانت بشرتهم داكنةً أكثر من الشخصيات على جانب الخير، مثلًا: شخصيتي علاء الدين وياسمين كانتا ذوي بشرة أفتح قليلًا، كما أنّ علاء الدين بالأخص كان حليق الوجه تمامًا ذو شعر ناعم مما يجعله أقرب إلى الصفات الغربية بعكس باقي شخصيات الفيلم.
هل تعتقد الأمر مُصادفة؟! … بعض النقاد الأجانب أنفسهم لم يعتقدوا هذا، وهاجموا الفيلم الكرتوني الصادر في التسعينات؛ بسبب أنّ الشخصيات الإيجابية كانت تتحدث اللغة الإنجليزية بلكنة سليمة بينما كانت الشخصيات الشريرة تتحدثها بلكنة شرقية، وبقدر ما يُعد ذلك عيبًا فنيًا بالفيلم، فإنّه يُعد كذلك إثباتًا على نواياه ورسائله العنصرية الأقرب إلى المباشرة.
أغنية الفيلم الأصلي … واضحة، مباشرة، صريحة
إن كانت كافة النقاط السابقة تحمل إيحاءً بالعنصرية، وتفضيلًا للجنس الأبيض على الأسود واستحقار العرب، فإنّ الأغنية الافتتاحية للفيلم الكرتوني قد كانت أكثر وضوحًا ومباشرةً في الإعلان عن نظرة ديزني، حيث كانت تقول بعض مقاطعها واصفةً المدينة العربية “مدينة بربرية لكنها موطني” … “جئت من مكان حيث تُقطع به الآذان” … إلخ
تم توجيه انتقادات حادة إلى ديزني بعد صدور الفيلم بسبب الأغنية، حيث رأى الجميع أنّ كلماتها في الأصل لا تناسب فيلمًا كرتونيًا موجهًا للأطفال، بالإضافة إلى ما تبثه من سموم العنصرية في نفوس الصغار، وقد أُجبرت ديزني أمام الحملة الشرسة التي شُنت ضدها إلى حذف بعض مقاطع الأغنية في النسخة المُعدلة من الفيلم.
أزمة المسرحية سبقت أزمة الفيلم!
يبدو أنّ “علاء الدين” هو لعنة ديزني الأبدية، متى تردد الاسم فُضح الأمر ووُجهت إليها الاتهامات بالعنصرية. يكثر تلك الأيام الحديث عن فيلم Aladdin – النسخة الحية – المقرر عرضه في 2019، والذي شهدت أعمال الإعداد له العديد من مظاهر التفرقة العنصرية وبالأخص الشق الخاص باختيار الممثلين، لكن تلك لم تكن المرة الأولى! …
في عام 2014 أعادت شركة ديزني تقديم قصة علاء الدين من خلال عمل مسرحي استعراضي، حقق العرض نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر بأيامه الأولى، ولكن تمت مهاجمته من قبل اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز بسبب خلوه من أي موهبة عربية أو مسلمة، وقد تأثرت عائدات المسرحية بسبب حملة الهجوم التي شُنت ضد المُنتجين مما دفع الشركة للخروج عن صمتها، وتبرير موقفها بأنّها تتبع سياسة تسميها “عمى الألوان” والمقصود بها أنّها تختار الممثل تبعًا لكفاءته وملائمته للدور، وليس على أساس لونه أو عرقه أو ديانته.
يبدو تبرير شركة ديزني في ظاهره منطقيًا وعمليًا، وأقرب ما يكون إلى المثالية، لكن بعض الصحف قد ردت على هذا التبرير بالتأكيد على أنّ هناك الآلاف من ذوي الأصول العربية أرادوا إجراء تجارب أداء للحصول على أدوار بالمسرحية، إلّا أنّ مُنظمي العرض قد تجاهلوا طلباتهم ولم يُنظر لهم بشكل جدي مما يُعني أنّ القرار كان محسومًا من البداية.
العثور على الإرهابيين أسهل من البحث عن علاء الدين!
اضطرت شركة ديزني للاستجابة إلى الضغوط وفي محاولة يائسة لتجميل صورتها أعلنت عن إجراء تجارب أداء في الوطن العربي والهند بحثًا عن ممثلين من أصول عربية أو هندية تناسب الأدوار الرئيسية في النسخة الحية من فيلم Aladdin، والخلط بين “العرب و الهنود” يُعطي إحساسًا بانعدام الجدية وتشوش الرؤية نظرًا للاختلاف الشديد بين الملامح الشرقية العربية والملامح الهندية، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل أنّ ديزني أغرقت الصحف بالتقارير التي ترصد عملية البحث عن الوجوه الشابة في تلك البلدان، وكأنّ على شعوبها الشعور بالامتنان والعرفان، كما أنّ المسؤولين بالشركة لم يتوقفوا عن ترديد عبارات مثل: “من الصعب إيجاد موهبة شرقية تجيد التمثيل والرقص والغناء” …
يبدو أنّ شركة ديزني لديها قناعة بأنّ العثور على ممثلين من أصل عربي لتقديم شخصية الإرهابي أمر بالغ اليُسر، لكن حين يتعلق الأمر بشخصية محورية إيجابية يكون الأمر صعبًا!! … تلك الحجج الواهية يصعب تقبلها، خاصةً أن ممثلي بوليوود – على الأقل – يجيدون الفنون الثلاثة وأفلامهم دليل كاف على ذلك.
وصفت شركة ديزني أنّ رحلة البحث المطولة عن ممثل يليق بتجسد علاء الدين بالشاقة والمرهقة، في حين أنّها قبل سنوات وصفت رحلة البحث عن الطفل المناسب لشخصية هاري بوتر بالممتعة، كما أنّ ادعاء ديزني بعدم وجود موهبة عربية تصلح للمشاركة في فيلم عالمي يتعارض مع الواقع، فأساطير الإخراج أمثال ديفيد لين – الحائز على جائزتي أوسكار – وكذلك ريدلي سكوت وغيرهم استعانوا بالكثير من الممثلين العرب والشرقيين لأداء أدوار محورية في أفلامهم، بل إنّ منهم من اختار ممثلين عرب لتجسيد شخصيات أجنبية! … هؤلاء وجدوا مواهبًا مناسبة لسبب واحد هو أنّهم لم يجدوا غضاضةً في إشراك عربي بأفلامهم طالما يُلائِم رؤيتهم الفنية.
إضافة شخصية “بيضاء” رئيسية
يبدو أنّ الأبطال الشرقيين وأصحاب البشرة السمراء ليسوا كافيين لتقديم عمل فني جيد في نظر شركة ديزني والمخرج جاي ريتشي. لذلك، تم الإعلان عن إضافة شخصية جديدة إلى النسخة الحية من فيلم Aladdin المُنتظر عرضه في 2019، لم يكن لها وجود في النسخة الأصلية من الفيلم الكرتوني.
تحمل تلك الشخصية اسم الأمير آنديرّس ويُجسدها الممثل الأشقر بيلي ماجنوسن، وقد صاحب الإعلان عن الشخصية ومؤديها العديد من الاعتراضات، حيث لا يعلم أحد الحكمة من إضافة شخصية رئيسية إلى الحبكة المعروفة مسبقًا، وكذلك لا يعرف أحد الحكمة من أن تكون تلك الشخصية شقراء ضمن قصة تدور أحداثها في الشرق، وهو الأمر الذي دفع البعض لوصفه بالتعبير الساخر “تبييض هوليوود”.
الأمر يسبق علاء الدين بأكثر من 50 عامًا
فيلم Aladdin هو العمل الأبرز الذي يفضح عنصرية ديزني، وجاءت الملابسات التي أحاطت بأعمال الإعداد للنسخة الحية منه لتؤكد تلك الظنون، لكنه في النهاية ليس العمل الوحيد الذي يحمل إساءة للعرب ودول الشرق.
في عام 1947 قدمت شركة ديزني فيلمًا قصيرًا من أفلام مغامرات Donald Duck أو “بطوط” وGoofy أو “بندق” حمل عنوان Crazy with the Heat … رغم أنّ عنوان “جنون مع حرارة” ليس أفضل عنوان يُمكن التوصل إليه لحلقة رسوم متحركة موجهة للأطفال، إلّا أنّه كان مثاليًا للتعبير عن رسالة الفيلم ونظرة صُنّاعه للمحيط الذي دارت به الأحداث، وهو بالتأكيد الصحراء العربية؛ نظرًا لأنّ الصحراء هي كامل الوطن العربي في نظر ديزني! …
هل سبق لك مشاهدة شخصية بشرية في أفلام أو مسلسلات عالم ميكي ماوس؟!، ذلك العالم الكرتوني يعتمد بشكل كامل على الحيوانات والوحوش، لكن ما حاجة ديزني إلى وحوش طالما يتواجد بالأرجاء شخص عربي ذو لحية وعمامة! … كان نموذج الشر بهذا الفيلم بشري غوغائي شنيع منحوه اسم “ARAB”، هذا بالإضافة إلى تصوير المنطقة العربية – كالمعتاد – في صورة صحراء جرداء مُقفرة.
بين “علاء الدين” و “سندباد”
علاء الدين ليس الشخصية الرئيسية الوحيدة ذات الأصل العربي التي ظهرت في أعمال هوليوود، وأقرب مثال على ذلك شخصية سندباد التي قُدمت هي الأخرى في فيلم رسوم متحركة من إنتاج Dream Works Animation بعنوان Sinbad: Legend of the Seven Seas.
تتشابه شخصية سندباد بدرجة كبيرة مع شخصية علاء الدين؛ نظرًا لأنّ مغامراتهما تدور في أزمنة وأجواء مُتشابهة، بالإضافة إلى أنّ كلاهما ينتمي إلى ذات المصدر وهو كتاب “ألف ليلة وليلة” الذي أضيفت له قصة علاء الدين في القرن الثامن عشر على يد أحد المستشرقين الفرنسيين.
لم تأخذ دريم ووركس من القصة الأصلية سوى اسم الشخصية “سندباد”، ومن ثم نسجت حولها قصة مغايرة تمامًا، وسندباد في الفيلم لم يكن بريئًا تمامًا بل تم إظهاره في صورة قرصان – وليس بحارًا – وذلك كي تتسق طبيعة الشخصية مع الخط الدرامي المرسوم لها، لكن في النهاية لا يمكن اتهام دريم ووركس بالعنصرية؛ لأنّ هناك فرق شاسع بين رسم أبعاد الشخصية الدرامية المُفردة وبين تسخير العمل بشكل عام لانتقاص قدر أمة كاملة وتشويه حضارة كاملة. فيلم سندباد لم يقدم نموذجًا مثاليًا – وليس مُطالبًا بذلك – لكنه في ذات الوقت لم يحمل أي رسائل يمكن اتهامها بالعنصرية تجاه العرب أو أي أمة أخرى.
بعيدًا عن فيلم Sinbad: Legend of the Seven Seas، والذي دار الجزء الأكبر من أحداثه في أعالي البحار وجزيرة صقلية الإيطالية، فقد تم تقديم الشخصية من خلال أعمال أخرى عديدة منها الفيلمين الكلاسيكيين The 7th Voyage of Sinbad في عام 1958، وThe Golden Voyage of Sinbad عام 1973، بالإضافة إلى مسلسل The Adventures of Sinbad الذي قُدم منه موسمان بالفترة ما بين 1996: 1998. تلك، الأعمال على اختلافها وتفاوت جودتها الفنية لم تحمل أي إساءة للعرب وصورت مدينة بغداد – مسقط رأس سندباد – وعدد من الموانئ العربية بصورة مقبولة وإن لم تكن ملائكية، كما أنّ طاقم سفينة سندباد في المسلسل كان يضم أشخاصًا من أعراق مختلفة بينهم الإفريقي “رونغر” والعربي المسلم “مصطفى” وغيرهم.
كانت حكايات ألف ليلة وليلة مصدر إلهام للعديد من كُتّاب هوليوود في زمن السينما الكلاسيكية، وقُدمت العديد من الأعمال المقتبسة عنها، والتي كانت بطبيعة الحال تدور أحداثها في عدد من البلدان العربية، لعل أبرزها فيلم The Thief of Bagdad من إنتاج 1940، تلك الأعمال هي الأخرى لم تصور المدن العربية على أنّها مدينة أفلاطون الفاضلة، لكن عند مشاهدتها لا تستشعر تعمد تشويه الصورة العربية – حضارةً وإنسانًا – كما هو الحال في أفلام ديزني وخاصةً فيلم علاء الدين.
ديزني .. تاريخ من الأزمات
يمكن القول أنّ شركة ديزني تمتلك تاريخًا حافلًا بأعمال الرسوم المتحركة، وتاريخًا مماثلًا من الأزمات وحملات الهجوم بسبب الرسائل العنصرية التي تحملها أعمالها قديمًا وحديثًا، والتي لم تكن على الدوام موجهةً إلى العرب.
يُعد فيلم Pocahontas بمثابة جريمة تاريخية أخرى، حيث يروي الفيلم قصة أميرة من سكان أمريكا الأصليين “الهنود الحمر”، والتي تجمعها قصة حب مع أحد “الرجال البيض” القادمين للاستيلاء على أرضها، وتُفضله على أبناء قبيلتها فهو الأكثر تحضرًا بينما هم مجموعة من الهمج البدائيين، وهذا بالتأكيد يتعارض مع الحقائق المُثبتة تاريخيًا، والتي تؤكد أنّ حرب المستعمرين ضد الهنود الحمر هي الأحقر في تاريخ البشرية.
تعرض فيلم Moana أيضًا للهجوم من قبل بعض السياسيين في منطقة جزر المحيط الهادئ ممن رأوا أنّ الفيلم يسيء لسكان هذه المناطق ويُظهرهم بشكل غير لائق ولا يعبر عن الحقيقة، مما دفع ديزني لإصدار عِدة بيانات تدافع بها عن موقفها وتؤكد على أنّ فيلمها لا يحمل أي إيحاء عنصري.
أمّا عن الأفارقة – وأصحاب البشرة السمراء – فحدث ولا حرج، فهم أكثر من أحرقتهم نار عنصرية ديزني، فالأمر بدأ في 1925 حين قدمت ديزني الفيلم القصير Alice Cans The Cannibals الذي أظهر الأفارقة في صورة كائنات غريبة ذات لون أسود غطيس يأكلون البشر ويمارسون طقوسًا غريبةً، ثم الفيلم الطويل Fantasia في 1940 والذي تضمنت إحدى قصصه ظهور الشخصيات السمراء في صورة عبيد يخدمون الأميرات ذوات البشرة البيضاء، مما عرض ديزني لحملة هجوم هي الأشرس على الإطلاق أجبرتها على استبدال الشخصية في النسخة المُعدّلة من الفيلم بعد عشرين عامًا، وفي 1946 أعادت الكرة بتقديم فيلم Song of the South الذي دارت أحداثه حول رجل أسمر يروي قصته مع العبودية، وهناك عشرات النماذج الأخرى في مختلف أفلام ديزني.
بشكل عام هل لاحظت أنّ النسبة الأكبر من الأبطال والنبلاء في أفلام ديزني من أصحاب البشرة البيضاء، بينما الأشرار في الأغلب يحملون بشرةً داكنةً؟ أبسط مثال على ذلك هو التصميم الذي ظهرت به شخصيات الأخوين: النبيل موفاسا والخبيث سكار في فيلم The Lion King.
يتلخص تاريخ شركة ديزني في سلسلة طويلة من الأزمات والانتقادات وحملات الهجوم، حيث أنّ أفلامها ليست بريئةً كما تبدو، ودائمًا ما كانت تتبع طرقًا ملتويةً في إبلاغ بعض الرسائل المسمومة، والتي لا تُناسب محتوى موجه للأطفال، الأمر لا يقتصر فقط على التفرقة العنصرية، بل تم اتهام الشركة بدّس إيحاءات جنسية ضمن مشاهد بعض أفلامها مثل: مشهد الظل في فيلم Toy Story 3، وكذلك تمت مهاجمة النسخة الحديدة من فيلم Beauty and The Beast؛ بسبب ما تضمنه من مشاهد تدعم الشذوذ الجنسي.
أمّا فيما يخص الأفكار العنصرية فقد استعرضنا العديد من مظاهرها – والتي هي قطرة من غيث – ويتبين منها أنّ سياسة ديزني لا تتربص بالعرب والشرقيين بشكل خاص بقدر ما تهدف إلى إعلاء الجنس الأمريكي – أو الجنس الأبيض – على غيره من الأعراق … ليبقى السؤال: لِمَ تتبع ديزني تلك السياسة وإلى متى سوف تستمر بها؟!، والأهم هل سوف يمتد ذات الداء إلى أفلام Star Wars و عالم مارفل السينمائي بعدما فرضت سيطرتها عليها، واستحوذت على حقوق استغلالها؟!
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.