في الذكرى العشرين لفيلم American Beauty: دليلك للوصول للحياة المثالية على الطريقة الأمريكية

كيفن سبيسي فيلم الجمال الأمريكي
ٍسارة يوسف
ٍسارة يوسف

7 د

كان فيلم الجمال الأمريكي الذي صدر في أكتوبر عام 1999، بمثابة الصدمة لمن شاهدوه، فاسم الفيلم اللطيف، والبوستر الشهير الخاص به، والذي يُمثل النعومة والجَمَال، وربما بعضًا من الإغواء، لم يكن إلا فخًّا نُصب للمشاهد، وسقط فيه بنجاح، ولكن لحسن الحظ، لن تستمر التوقعات عن مشاهدة فيلم لطيف وحالم طويلًا، فالدقيقة الأولى من الفيلم، ستجعلك تتخلى عن أفكارك بخصوص طبيعته، وعمّا يُمكن أن يحتويه، وعليك أن تتوقع أيضًا أنّ مفهومك لكلمة “الجَمَال” بشكل عام، سيتغير بعد مشاهدة الفيلم.

نحتفل هذا العام بمرور عشرين عامًا على إصدار فيلم American Beauty أو الجمال الأمريكي، الذي استطاع أن يستحوذ على خمس من أهم جوائز الأوسكار في عام 2000، كأفضل فيلم، وأفضل ممثل لدور رئيسي، وأفضل إخراج، وأفضل نص أصلي، وأفضل تصوير سينمائي، هذا غير ترشّحه لثلاث جوائز أخرى.

في هذا المقال سننظر عن قرب لهذا الفيلم المُهم في تاريخ السينما الأمريكية، والذي يحمل مضمونًا أبلغ وأعمق ممّا يبدو عليه.


صدمة البداية

مُعضلة الفيلم تظهر في الدقيقة الأولى منه، حينما نرى الابنة تقول: “لا أُريد أبًا مهووسًا جنسيًا، لا يُمكنه أن يتمالك نفسه، كُلما أُحضر معي صديقة إلى المنزل“، وهو المشهد الذي اقتُطع من سياقه في منتصف الفيلم تقريبًا ليتصدّر بداية الفيلم، وهي حركة ذكية من المخرج (سام ميندس)، الذي استطاع أن يجذب انتباه المُشاهد على الفور بهذا المشهد، ويزيد التشويق أكثر، عندما نسمع صوت الزوج لستر برنم (كيفن سبيسي)، الذي يقوم بدور الراوي في الفيلم، والذي يُخبرنا في الدقيقة الثانية من الفيلم تقريبًا، بمفاجأة أخرى، وهي أنّه وفي خلال أقل من عام سيسقط ميتًا.


اُنظر إلى أبعد من ذلك..

american beauty

يدعوك كل من شعار الفيلم، وإعلانه كما سنرى حالًا، أن تقترب أكثر، وتنظر إلى ما هو أبعد من الصورة التي تراها أمامك. فمثلًا، عند النظر مليًّا لعائلة برنم، هذه العائلة التي تبدو مثالية، الزوج اللطيف المُسالم، الزوجة الطموحة ذات الشخصية القوية، والابنة الوحيدة التي تبدو كأي مُراهقة أخرى، سنكتشف بعد وقتٍ قصير من الفيلم أنّ كل ذلك ما هو إلا كذبة كبيرة، فوراء استسلام الزوج (كيفن سبيسي) غضب عظيم، وسخرية مريرة، واحتياجات مُلحّة غير مُشبعة، ووراء قوة الزوجة (آنيت بنينغ) وسخطها الدائم، امرأة أخرى ضعيفة، ومهزومة، تُعاني في صمت، تُفضّل التظاهر بأنّ حياتها مثالية بالكامل، وتقسو على نفسها كثيرًا إن بدا منها غير ذلك. أمّا الابنة التي استطاعت بذكاء مُراهقة، أن تلاحظ نقاط ضعف والديها، فلم تستطع إخفاء كرهها واحتقارها لهما معًا، شاعرة بعدم الانتماء لأيٍ منهما.

فيديو يوتيوب

هذه هي عائلة لستر برنم، بنسختيها، النسخة السعيدة، المُزيّفة، كصورة جميلة لا تُشبه صاحبها إلّا من بعيد، والنسخة الواقعية التي تبدو كصورةٍ طبق الأصل من الواقع، حقيقية نعم، ولكنّها قبيحة، يُخفيها المرء منّا في دولابه، بينما يُعلّق الصورة الأخرى على الحائط كي يراها الجميع.


لستر برنم، والتر وايت آخر..

American Beauty

ألم يُلاحظ أحدكم تشابه شخصيتي لستر برنم في الجمال الأمريكي، مع شخصية والتر وايت في المسلسل الشهير الذي عُرض عام 2008 Breaking Bad؟ كلاهما كان خانعًا مُسالمًا، تاركًا القيادة في أيدي زوجته، كلاهما كان يشعر أنّه غير مرئي، وبالتالي غير مؤثر فيما يجري حوله من أحداث، كلاهما شعر بالموت قبل أن يموت فعليًا، وكلاهما تحرّر من شخصيته القديمة، وتحول إلى شخصية أخرى تمامًا، كل على طريقته.

تأمل معي ما يقوله لستر برنم عن نفسه:

“بطريقةٍ ما.. أنا ميت الآن”

“زوجتي وابنتي يعتقدان أنّي فاشل، وهذا حقيقي، لأنّي فقدت شيئًا لا أعرف ما هو..”

“سئمت من معاملتي، وكأنّي لست موجود”

ووجدت أنّ هذه الجملة التالية قيلت على لسان والتر وايت مع بعض التغيير الطفيف:

“أشعر أنّي كنت في غيبوبة لمدة 50 سنة واستيقظت الآن!”

في حالة برنم، كانت الرغبة الشديدة في إقامة علاقة مع أنجيلا صديقة ابنته هي الدافع لكل التغيير الهائل الذي حدث في شخصيته. فكانت هذه الرغبة دافعًا قويًا له كي ينتفض، ويستعيد شعوره برجولته مُجددًا، وحينها رأينا شخصية أخرى للستر برنم، أكثر جرأة، وأكثر ذكاءً، وأكثر جاذبية أيضًا.

تحدث كيفن سبيسي عن شخصية لستر فور فوزه بجائزة أوسكار قائلًا إنّه يُهدي هذه الجائزة إلى أصدقائه، الذين رغم علمهم بصفاته الأسوأ لا زالوا يحبونه كما هو، وهو الشيء نفسه الذي شعر به تجاه شخصية لستر، الذي لم تمنعه خصاله السيئة عن حب المشاهدين له.


كارولين.. التي لم تعد ضحية زواج تعيس

20 عام على American beauty كيفن سبيسي

في الواقع لم أُدرك كم يتشابه كل من لستر وكارولين إلا بعد فترة من مشاهدة الفيلم، فكلاهما مُحبط، كلاهما غير سعيد، كلاهما يُلقي بتهمة بؤسه على شريكه، الفارق أنّ كارولين مُتشبثة برسم الصورة الزائفة للحياة السعيدة التي تعيشها أسرتهما، بينما ملّ برنم من لعب هذه اللعبة السخيفة، وبدأ في تحرير نفسه من ذلك القيد الذي كانت تفرضه كارولين فرضًا عليه. لذا لم يكن غريبًا انبهار كارولين بالرجل الذي كان شعاره في الحياة “من أجل أن يكون الانسان ناجحًا، يجب أن يصنع صورة النجاح دائمًا” فهذه هو مبدؤها الأهم الذي تحيا به. 

ذلك الإحباط المستمر في علاقة كل من لستر وكارولين، جعل كل منهما لم يعد لديه ما يعطيه للآخر، بينما هو قادر على إعطاء الكثير جدًا لشخصٍ آخر. لذا خانت كارولين زوجها، وأوشك برنم على خيانتها هو الآخر، صحيح أنّه لم يفعل، ولكنه تمنّى ذلك وسعى إليه، وهذا ما يجعلهما متعادلان، فكلاهما جاني، وكلاهما ضحية.


الورود الحمراء.. صورة أخرى للزيف

20 عاما عي فيلم الجمال الأمريكي

لا يخفى على أحد ممن شاهدوا الفيلم، تكرار ظهور الورود الحمراء في الكثير من المشاهد، والتي بدت لافتة للنظر جدًا، بداية من بوستر الفيلم، وفي المشهد الأول حيث نرى كارولين تهتم للغاية بزراعة والاعتناء بورودها الحمراء، وبعدها في تخيلات لستر الجنسية لأنجيلا، مرورًا بكل المشاهد التي تظهر فيها الورود الحمراء بكثرة، وخاصة في بيت لستر وكارولين.

وجدت بعد البحث في هذا الأمر، أنّ هذه الورود جميلة الشكل وفاقعة اللون كلون باب بيت ليستر، ولون عربته الشبابية الجديدة، ما هي إلا رمز لكل ما هو جذّاب، ومزيف في نفس الوقت. الورود التي تعتني بها كارولين، وتضعها في كل ركن في البيت تقريبًا، ما هي إلا صورة جمالية تُخفي بها بؤسها وصرخاتها المكتومة.

الورود التي تسقط من السماء على فراش لستر، والتي تتطاير حول أنجيلا، أو تخرج من داخل ملابسها في أحلام لستر المريضة، ما هي إلا رمز للرغبة الشديدة التي في الحقيقة لا تبدو بهذه الروعة عندما تقترب من تحقيقها، فأنجيلا نفسها كما رأينا في النهاية ليست الفتاة المثيرة واللعوب كما كانت ترى نفسها، وكما كانت تحب أن يراها الآخر، أنجيلا في الحقيقة لم تكن إلا فتاة فاقدة للثقة بالنفس، وفاقدة للشعور بالأمان، مما جعلها تبدو كطفلة خائفة بين ذراعي ليستر، وهي الصورة التي طردت رغبته فيها في الحال. كانت أحلام لستر بأنجيلا، أروع بكثير مما جرى بينهما في الواقع.

الجمال الأمريكي 1999

هذا هو الجمال الأمريكي، الذي يرى الجمال في وردة حمراء يانعة تُمثل أعلى درجات جمال اللون والشكل، بينما رأينا كيف يرى الفتى ريكي الجمال في امرأة مشردة تجمدت حتى الموت في الشارع، وفي طائر سقط ميتًا على الأرض، أو في كيس بلاستيك تحركّه الرياح بلا مقاومة ليدور حول نفسه بلا انقطاع. ريكي أرانا عدة صور من صور الحياة الحقيقية، والتي استطاع أن يرى فيها جمالًا فريدًا من نوعه لكونه بلا ذرة زيف واحدة، حتى وإن كانت هذه الصور قبيحة أو مؤلمة، فصدقها كافٍ لجعلها جميلة، جميلة جدًا أيضًا.

أقرأ أيضًا: أفلام فتحت باب المحظور وناقشت قضايا جريئة لم نعتد عليها من قبل


هذه البلاد مُتّجهة مُباشرةً نحو الجحيم

الجمال الأمريكي

قالها كولونيل فيتز العقيد بالبحرية الأمريكية (كريس كوبر) بينما كان يتصفح الجرائد، وهو الذي انتقل للسكن حديثًا في المنزل المُجاور للستر برنم. هذه الجملة التي لم تُوضع عبثًا في حوار الفيلم، بمثابة إنذار لما يُمكن أن تصل الأمور إليه، لو استمرت الأُسْرْ مُتمسكة بالصورة المثالية للحياة الأمريكية.

يُقدّم فيلم الجمال الأمريكي صورة أعمق من رجل يمر بأزمة منتصف العمر، فهو يتناول فكرة الحياة الزائفة، وهي التي يُهم فيها أكثر كيف نبدو، على كيف نكون حقيقةً، وهي الفكرة التي تتبناها معظم العائلات. وهناك أيضًا فكرة الخوف والتحقير من المثلية الجنسية، وإدمان المخدرات، وانعدام الأمان الذي يشعر به المراهقون، ورغبتهم المريضة في التميز والظهور، وذلك يبرز بشكل واضح في الجملة التي تكررت مرتين في الفيلم على لسان أنجيلا:

“لا يوجد شيء أسوأ في الحياة من أن تكون شخصًا عاديًا”

في النهاية، سيجعلك فيلم الجمال الأمريكي تتسائل بالتبعية بعد مشاهدته، عن مفهومك الشخصي لفكرة الجَمَال، جَمَال الأشخاص وجَمَال الأشياء، وستكتشف لأي نوغ من الجَمَال تميل أكثر، لجمال الورود الحمراء الزاهية، أم لجمال ذلك الكيس الأبيض الذي يطير في الهواء بغير هدف؟

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.