مسلسل الأنمي Attack on Titan.. كيف كانت النهاية ملحمية حقًا؟
18 د
"كرّسوا قلوبكم" إنها الجملة القوية الشاعرية التي علقت في ذهن كل مَن تابع وبشغف تحفة الموت والدمار التي أبدعها الياباني أيسياما هجوم العمالقة، لعقد كامل من الزمن تابعنا قصة ثلاثة أطفال أبرياء إيرين ميكاسا وأرمين، أطفال وجدوا أنفسهم يعيشون في عالم محصور بالأسوار يحلمون برؤية ما في خارجها برؤية ذلك الشيء الجميل الغامض المحيط.
لكن خارج الأسوار يوجد عمالقة مفترسة ترغب في جعلهم وجبة طعام وتنقلب حياة الأصدقاء عندما يقتحم العمالقة أسوارهم المنيعة لأول مرة منذ قرن كامل، لتكون هذه فاتحة مغامرات لا تنتهي دموية عنف قتالات مذهلة وحبكات رائعة أسرار وخفايا تكشفت شيئاً فشيئاً إضافة إلى فلسفة عميقة حكمت القصة وأضافت لها عمقاً لا يضاهى، كل هذا ميز رحلة رائعة خضناها مع الأنمي الأشهر عالمياً والذي يعتبر من أنجح وأكثر الأنميات شعبية وشهرة على مستوى العالم كله.
لقد انتهت رحلة Attack on Titan بعد طول انتظار أخيراً وشهدنا نهاية أسطورية لأنمي أسطوري يصعب أن يتكرر عَبر 90 دقيقة اختتم هجوم العمالقة رحلته المثيرة بنهاية أثارت انقساماً واسعاً في الآراء؛ فالبعض وجدها مثالية قوية صادمة والبعض الآخر رأى أنها كانت محيرة ضعيفة.
لكن الأمر المؤكد كان أن هذه الحلقة كانت أكثر حلقات الأنمي انتظارًا منذ عقود؛ فكيف كانت النهاية حقًا؟.. اليوم في "أراجيك فن" نقدم لك عزيزي القارئ وجهة نظرنا الخاصة بهذه الحلقة كما سنقدم في هذا المقال مراجعة تفصيلية خالية من أي تحيز تكشف أسرار وفلسفة خاتمة أنمي استطاع شغل العالم كله وجعله يتلهف شوقاً ليرى كيف ستنتهي هذه المجزرة الدموية التي بدأت قبل عشرة أعوام بطفل يستيقظ دامع العينين بعدما رأى حلماً غريباً لم يدرك حينها أنه أكثر من حلم!
Attack on Titan
“المانغا” من تأليف “هاجيمي إيسياما” والمسلسل “+17” أي أن المسلسل لا يصلح للأطفال فهو يستهدف الفئة الشابة، ويأتي المسلسل من إخراج المبدع تيتسورو أراكي الذي أشرف بنفسه على إخراج مسلسل الأنمي الناجح Death Note. تبدأ القصة باستعراض حياة الناس وكيف أنهم يعيشون حياة قد رُسمت لهم من سنين بقرارات أناس آخرين، قد تكون هذه القرارات صحيحة في وقتها ولكنها تحوّلت إلى قيد في أعناق الناس بعد مرور عقود. فبعد أن تم تدمير مدينته وقتل والدته، أقسم الشاب إرين جاجير أنه سينظف الأرض من العمالقة (التيتان) الذين وضعوا البشرية على حافة الانقراض. هذا الأنمي ذو مستوى رفيع جدًا، قصته جميلة جدًا. رسومات خلابة، المناخ العام للمسلسل رائع!
فكرة أن العمالقة يأكلون البشر قد تبدوا فكرة سخيفة لمسلسل، لكن بعد مشاهدتك لهذا الأنمي الذي انطلق عرضه للمرة الأولى في 2013 وسطر نهايته الملحمية في أواخر عام 2023.. ستغير رأيك.
عرض المزيد
إنتاج
2013
إخراج
تيتسورو أراكي
بطولة
متاح على
آن الأوان لختام الحكاية، لا مزيد من الأسرار بعد اليوم
"أنت تفهم أليس كذلك؟ في النهاية وفي يوم ما سيموت كل شخص تهتم لأمره إنه شيء يصعب تقبله ببساطة، إنه إدراك قد يدفعك للجنون"
-هانجي
عَبر حلقات ومواسم العمل تابعنا مغامرات فيلق الاستطلاع بقيادة إروين سميث المقاتل الشجاع الذي يؤمن أن هذه الجزيرة المحدودة ليست بنهاية العالم وأن هناك عالماً كبيراً واسعاً يقبع خلف أسوار وطنه المنيعة مع انضمام إيرين وميكاسا وأرمين إلى الفيلق بدأت أسرار العمالقة تتكشف.
خاصة مع قدرة إيرين على التحول إلى عملاق يمكنه بعدها العودة إلى هيئته البشرية ليكتشف الفيلق أن هناك بالفعل عالماً آخر يجهلون عنه كل شيء وأن والد إيرين الذي وُجد فجأة خارج الأسوار منذ أعوام يخفي الكثير مما ينبغي معرفته وأثناء إحدى مهامهم يتعرضون لهجوم من عملاقة أنثى يبدو واضحاً أنها تمتلك إرادة بشرية وأنها مثل إيرين تماماً تمتلك القدرة على العودة إلى هيئتها البشرية بإرادتها.
لتنضم إلى خطر العملاق الضخم والعملاق المدرع وبعد معركة ملحمية مع إيرين تهزم العملاقة التي نكتشف أنها آني ليونهارت لكن الفيلق لا يستطيع استجوابها لأنها أحاطت نفسها بغلاف صلب.
تنكشف أعظم أسرار العمل بعد معركة دموية لاستعادة شينغانيشا موطن إيرين وأصدقائه والمكان الذي دمره العمالقة قبل خمسة أعوام حيث يصدم إيرين بحقيقة أن راينر وبيرتهولت هما العملاق المدرع والضخم وأنهما كانا من اخترق سور روز قبل خمسة أعوام.
ونكتشف بعدها ومن خلال قصة يومير العملاقة الأخرى أن هناك عالماً خارج الجزيرة وأنها تحولت إلى عملاق ذكي بعدما التهمت أحد رفاق راينر وبيرتهولت وآني وبعد معركة رائعة دموية خسر فيها فيلق الاستطلاع الكثير من رجاله ونسائه نكتشف أكثر أسرار هجوم العمالقة تعقيداً وظلمة هذه الأسوار تحبس في داخلها قوماً يعرفون باسم الألديين وهم نسل المؤسسة يومير زوجة الملك فريتز العبدة التي دخلت شجرة غريبة لتلتحم مع طفيلي أعطاها القدرة على التحول إلى عملاق عرف باسم العملاق المؤسس لتتحول يومير إلى سلاح حربي للجزيرة.
وتثير الرعب في قلوب الأعداء وبعد موتها أرغم فريتز بناتها الثلاث على التهامها ليكتشف أن قوة العمالقة تتركز في النخاع الشوكي لمالكه ليبتلى العالم بتسعة عمالقة أذكياء قادرين على التدمير والقتل لقد تحولت يومير إلى لعنة على سلالتها.
وبعد قرون استطاعت دولة مارلي السيطرة على هؤلاء الألديين واستعمالهم كسلاح وقت الحاجة حيث عاملتهم معاملة أدنى من البشر ومن تلك الدولة والظلم جاء والد إيرين جريشا الذي تمكن من امتلاك العملاق الضخم فهرب إلى جزيرة بارادايس وهناك قتل كل أفراد العائلة الملكية واستولى على العملاق المؤسس الذي سيجعله قادراً على إنهاء معاناة شعبه ومع معرفة فيلق الاستطلاع للحقيقة وخسارة القائد إروين سميث الجدلية.
تنتقل الحرب إلى مستوى آخر تماماً شعب إلديا يريد الحرية وإيرين يريد الانتقام لم يعد إيرين ذلك الطفل الصغير البريء لقد تغير تماماً وقرر التعاون مع أخيه غير الشقيق العملاق الوحش زيك لإعادة العملاق المؤسس الذي يمتلكه إيرين حيث إن إيرين لا يستطيع تفعيل قواه بلا زيك بسبب عدم امتلاكه لدماء ملكية.
في الحقيقة لو كانت أسرار هجوم العمالقة السابقة صادمة فإن أعظم تلك الأسرار لم يكشف إلا قرب نهاية الأنمي حيث عرفنا أن عملاق إيرين يمتلك كباقي العمالقة قوى خارقة لكن قواه أكثر تفرداً إنه قادر على معرفة المستقبل والتحكم بالعمالقة الآخرين بعملاقه المؤسس.
لقد كان إيرين الكبير هو من أرغم والده على قتل العائلة الملكية حتى الأطفال منهم والتهام فريدا مالكة العملاق المؤسس السابقة ليحوز قواها لاحقاً أمًا الأسوأ فهو حقيقة أن إيرين تسبب بموت أمه كي يعطي نسخته الطفولية دافعاً للانتقام والانضمام للفيلق.
فوضى زمنية جنونية أوقعنا بها أيسياما البارع الذي قدم لنا تلميحات كثيرة لم ندركها من قبل إيرين يدرك تماماً ما يفعله وما سيفعله وهو مصر على تفعيل دك الأرض والقضاء على بقية البشرية بلا أي رحمة لتنتهي الحلقة قبل الأخيرة بمشاهد مريعة للدمار والموت والدماء التي تسبب بها عبد الحرية إيرين ييغر، كان هذا تذكيراً بالأسرار التي اكتشفناها عَبر حلقات الأنمي ومواسمه وبالطبع لم تخلِ الحلقة النهائية من المزيد من الأسرار المظلمة التي سنتطرق لها ونكشفها خلال بقية مقالنا.
فوضى الزمن مع الختام
"لا يهم مدى قوة المعارضة..لا يهم مدى خوف العالم..لا يهم مدى قسوة العالم..قاتل قاتل "
إيرين ييغر
عَبر رحلة الأنمي فقدنا شخصيات كثيرة محبوبة وحزنًا على فراقها لكن القاسم المشترك بين كل هذه الميتات العنيفة التي شهدناها كان التضحية، إنها أساس الأنمي وقلبه النابض كل من رحلوا إنما رحلوا فداء للبشرية أو لرفاقهم أو لمستقبل مبشر بأمل حقيقي.
مع اكتشافنا قدرة عملاق إيرين على رؤية المستقبل تحول البطل إلى الشرير إنه مصر على دك الأرض وأفعاله أثارت انقساماً حاداً بين رفاقه القسم الأول هم أولئك الحاقدون على بقية البشرية، أمًا البقية فهم الذين يرفضون كل هذه الوحشية على رأسهم القائد ليفاي الذي خسر ساقه وعينه وبعض أصابعه بسبب زيك لكن إن كان إيرين يعرف كل هذا فلم فعلها؟
تتوضح الفوضى الزمنية قرب ختام الحلقة عندما نكتشف أن أرمين كان يعرف كل شيء لكنه أرغم على النسيان واستطعنا فهم القليل مما يدور في رأس إيرين لقد رأى إيرين في طفولته كتاباً يحمله أرمين يحتوي صوراً جميلة للعالم خارج الجزيرة عالم مسالم هادئ لطيف لكنه اصطدم بالواقع القاسي عندما أدرك أن العالم قذر عنيف كريه وأن سلالة يومير ستظل دومًا موصومة بالعار والحقد.
حتى لو انعزل مع ميكاسا بعيداً ليقضي آخر أعوام عمره معها سيظل الكره والحقد مسيطراً على العالم إن العملاق المهاجم يمتلك قدرة غريبة بلا شك فهو يرى المستقبل كما يرى الحاضر وكأنما هذا لا يكفيه إذ أنه يرى ماضي كل من امتلكه من قبل ضغط نفسي هائل وقع على إيرين الذي حتى لو لم يفعل دك الأرض لن ينعم قومه بأي سلام كان.
لقد أراد منح رفاقه حرية من نوع مختلف حرية أن يكونوا الأبطال الذين أوقفوا دك الأرض وأنقذوا البشرية من الفناء إنه يختلف مع زيك في خطته لإفناء عرق ألديا بكامله رفاقه يستحقون الحرية والحياة المديدة والسلام لكنه ومع ذلك يريد الدمار والموت يريد أن يفني 80% من سكان الأرض فقط لأنه قادر على ذلك، تناقض نفسي غريب يذكرنا بالرائع برايان كرينستون عندما قال على لسان شخصيته الأشهر والتر وايت " لقد فعلتها لأجل نفسي، أحببت الأمر كنت جيداً فيه، كنت حقاً حياً حينها".
بطريقة غريبة مضللة ملتوية ضحى إيرين بنفسه لأجل حرية قومه واضعاً أصدقاءه بمهمة مستحيلة إيقاف مئات العمالقة والاضطرار لقتل صديقهم العزيز مات إيرين على يدي أكثر من أحبه في هذا العالم ميكاسا لقد أحب إيرين ميكاسا واعترف لها بمشاعره قبيل موته لكنه كان يعلم تماماً نهايته ويدرك أن حبه لها سيكون سلاسل تقيدها إليه لتصبح يومير أخرى لذا أخبرها بكراهيته لها وحطم قلبها لأنه فقط أراد رؤيتها سعيدة.
كان هذا سراً آخر كشفته لنا الحلقة النهائية سر ذلك الولاء المطلق الذي حملته يومير لفريتز وسلالته إنه الحب، لألفي عام بقيت يومير أسيرة لفريتز عبدة لحبه رغم أنه أذلها وقطع لسانها وقتل أهلها لكنها أحبته وبقيت أمينة على رغبته في جعل إلديا فوق العالم عندما فهم إيرين شعور يومير أدرك أن الشخص الوحيد القادر على فك أسرها هو ميكاسا.
نالت يومير حريتها وانتهت لعنتها بعد ألفي عام قضتها حبيسة عالم المسارات تعيد بناء أجساد العمالقة بلا كلل ولا ملل تلبية لرغبات وأوامر فريتز، كان حوار أرمين وإيرين طويلاً مرضياً قدم القليل من المنطق لأفعال إيرين الذي نال ما أراده وجعلت تضحيته من رفاقه سفراء سلام في عالم أرعبته العمالقة لقرون من الزمن.
نرشح لك: لماذا يُعد Attack on Titan “هجوم العمالقة” من أنجح الأعمال في تاريخ الأنمي؟
لقد انطلقت أحداث الأنمي بمشهد إيرين النائم تحت الشجرة توقظه ميكاسا لتسأله عن سر دموعه لم يكن إيرين حينها يحلم بل كان يرى مستقبله يرى نفسه يودع صديق عمره أرمين وحب حياته ميكاسا ويرغب بشدة أن يعود طفلاً صغيراً يرقد تحت تلك الشجرة، انتهى إيرين دون أن ينال حريته وتحول في أعين الكثيرين إلى وحش يعميه الحقد والكراهية لكنها ورغم كل شيء نهاية مرضية منطقية مقنعة لفتى حلم بالحرية وأراد أن يدمر العالم كله لأجلها.
ألهذا كرستم قلوبكم؟
"هل كرستم قلوبكم لتدهس أرواح البشر بهذا الشكل؟ لا لقد حلمنا بعالم بلا عمالقة عالم مليء بالمثالية والبراءة بشكل سخيف إن لم يكن كما تصورناه فهو لا يستحق قلوبهم التي كرسوها لأجله"
-ليفاي أكرمان
لم يكن هجوم العمالقة مجرد أنمي آخر عن المغامرات المثيرة بل كان عملاً فلسفياً من الطراز الرفيع، فلسفة توضحت منذ أولى حلقاته إنها فلسفة الحرية.
عانى قوم إلديا لقرون من العمالقة الذين حاصروهم ضمن أسوار ضيقة منيعة ظنوا أنها غير القابلة للاختراق لكنهم أيضاً أرادوا أن يعرفوا ماذا يوجد هناك خلف تلك الأسوار؟
كانت عقوبة تساؤل كهذا هي الموت لم ترد هذه المعلومة في الأنمي لكن في المانجا أعدم والدا أرمين لأنهما أرادا اكتشاف ما خلف الأسوار بمنطاد فيما أعدم والد إروين لأنه كان مقتنعاً بوجود عالم ما خلف أسوار الجزيرة لقد كرس إيروين وليفاي وهانجي قلوبهم وقدراتهم لأجل حماية البشرية والقضاء على العمالقة.
وهنا يبرز تساؤل فلسفي مهم طرحه ليفاي، هل هذه هي الحرية التي دفعوا أرواحهم ثمناً لها هل سيكون ثمن الحرية هي أرواح الآخرين؟ قطعاً لا لقد أراد أهل الجزيرة أن يمتلكوا أبسط أنواع الحرية حرية ألا تؤكل حرية ألا تقضي حياتك خائفاً محتمياً خلف أسوار عالية، لقد كانوا جنوداً مفعمين بالأمل أمل بعالم بسيط بريء مسالم لكن هذا الذي فعله إيرين لا يمثلهم ولا يمثل ما فعلوه وضحوا به لأجله.
منذ أن تحول أرمين إلى العملاق الضخم ظهر تساؤل ملحمي في عقل كل مَن شاهد الأنمي، لماذا اختار ليفاي أرمين ولم يختر قائده الذي أقسم على تحقيق حلمه؟
لقد قدمت الحلقة الأخيرة تفسيراً لهذا السؤال طال انتظاره بلا شك، لقد رأى ليفاي في أرمين ذلك البريق المبشر الذي رآه في عيني إيروين لأعوام وأدرك بفطرته أن أرمين سيكون له دور كبير في المستقبل، تبدى صواب قرار ليفاي عندما رأينا كيف كان أرمين دائماً صوت العقل في فوضى عالم العمالقة واستطاع إنقاذ العالم من الدمار الشامل، لربما كان إروين قائداً شجاعاً لكن كان متعباً مرهقاً أراد أن ينقل شعلة الحرية إلى الجيل الأصغر وأن يرقد بسلام في عالم تغمره الرحمة.
لم تقتصر فلسفة الأنمي على هذه المسألة فحسب إذ كان هناك تساؤل فلسفي من نوع آخر شكله تناقض التفكير بين زيك وأرمين زيك العدمي المتشائم الذي يرى أن أفضل ما قد يحدث للبشرية هو توقفهم عن التكاثر وأرمين الوجودي الواقعي الذي يرى أن معنى الحياة شيء تصنعه أنت بنفسك.
كان اللقاء المطول بين زيك وأرمين في عالم المسارات رائعاً بما لا يقاس، زيك الذي رأى المعاناة الأبدية لشعبه والذي عامله أبوه كأداة لا كابن حتى تمرد عليه وخانه يرى أن الاستمرار في التكاثر محض جنون ما الذي قد يدفع الإنسان ليولد في عالم يراه عبداً لا أكثر.
أمًا أرمين فكان نقيضاً لزيك كان النور لظلامه والأمل ليأسه أرمين الذي كان منذ أول حلقة روح الأنمي والأمل المشع الذي يضيء طريق الحرية والذي يعشق الحياة بأصغر تفاصيلها إذ يرى أن هذه التفاصيل الصغيرة هي ما يجعل الحياة رائعة وفي مشهد لا يمكن أن ينسى يمسك أرمين بورقة شجر ترمز إلى الشجرة التي كان يجري إليها مع ميكاسا وإيرين وعندما تنتقل الصورة إلى وجهة نظر زيك يرى كرة البيسبول التي كان يتقاذفها مع معلمه تلك اللعبة البسيطة كانت الشيء الوحيد الطبيعي في حياته المعقدة التعسة.
لقد رأى كل منهما ما يربطه بهذا العالم الهش، كان عقاب زيك قاسياً بقدر قسوة أفعاله عقاب يذكرنا برائعة غوته فاوست الرجل الذي باع روحه للشيطان وعندما أدرك جمالية الحياة انتهت تماماً، وهذا ما حدث لزيك لكن بصورة أكثر قتامة إذ أنه وفي اللحظة التي أدرك فيها أن هذا العالم جميل للغاية وأنه أكثر من مجرد معركة مستمرة قطع ليفاي رأسه واضعاً نهاية دموية للرجل الذي سلبه كل شيء.
لقد كان هجوم العمالقة عملاً من نوع خاص احتوى كل ما يمكن تصوره قصة رائعة معارك دموية حبكات ملتوية صادمة شخصيات رائعة لا تنسى والأهم عمق فلسفي قلما تراه في أعمال الأنمي لهذه الأسباب استطاع هجوم العمالقة حفر مكان لنفسه كواحد من أشهر وأفضل الأنميات في العالم.
مابا يفعلها مجددًا معركة النهاية ملحمية لا تنسى
"اصرخوا يا جنودي..اغضبوا يا جنودي..قاتلوا يا جنودي "
-إروين سميث
منذ أن انتقل أنمي هجوم العمالقة إلى استديو مابا الحديث النشأة لاحظ المتابعون تغيراً واضحاً في دقة الرسم وتحريك الشخصيات ورغم بعض التحفظات على استخدام الـ CGI في بعض المشاهد القتالية إلا أن أحداً لا ينكر روعة الرسم والتفاصيل العميقة التي أضافها الاستديو إلى الأنمي الشهير، خلال أعوام هجوم العمالقة شهدنا معارك رائعة قوية حماسية بتفاصيل دموية لا تراها في أي أنمي آخر.
ودومًا ما انتهت هذه المعارك بخسارة قاسية لشخصية محبوبة ضحت بنفسها لأجل البشرية، مَن منا ينسى معركة القائد سميث مع العملاق الوحش زيك لقد ضحى إيروين سميث بروحه وبأرواح رجاله ليتيح لليفاي قتل زيك وانتهت حياة القائد العظيم نهاية مؤثرة تليق به بلا شك.
إن ما يميز معارك أنمي هجوم العمالقة هو الرشاقة والسلاسة في التحريك ذلك أن مقاتلي الجزيرة يمتلكون عدة مناورة تمكنهم من الطيران والتحليق للوصول إلى مؤخرة عنق العملاق لقتله وهو ما يجعل كل معركة يخوضها البشر ضد العمالقة شيئاً ممتعاً حماسياً بما لا يقاس.
كانت معركة النهاية معركة منتظرة بشدة، العدو هذه المرة ليس العمالقة عديمي الإرادة ولا المارلي العدو هو إيرين الرفيق والصديق والحبيب الذي ينبغي إيقافه بأي ثمن، لقد قدم لنا مابا في المعركة الأخيرة صورة مؤلمة مريعة للموت والدمار والألم وجوه ذاهلة تبحث عن النجاة بعيداً عن أقدام العمالقة الساحقة ألوان قاتمة باردة تعكس الخوف وقرب النهاية.
وفي أحد المشاهد التي لا تنسى كان ضوء أمل البشرية متمثلاً بطفل رضيع يتقاذفه البشر المتلونون بالرمادي الكئيب ما عدا الطفل الذي تلونت ثيابه بلون أحمر قان في مشهد أعاد للذاكرة المشهد الشهير للطفلة ذات المعطف الأحمر في رائعة سبيلبيرغ Schindler's List، أمًا المشاهد القتالية فكانت أسطورية تحريك مميز رسوم دقيقة معارك لا تنتهي مع العمالقة الذين ترسلهم يومير واحداً تلو الآخر لمساعدة إيرين.
كانت هذه المعارك الجانبية التي تمتزج مع المواقف المؤثرة العاطفية أفضل ما قدمه لنا استديو مابا بلا شك خاصة عندما رأينا عمالقة كل من بيرتهولت وماركو ومارسيل يدافعون عن رفاقهم كأنما عادت بهم الذاكرة إلى الحياة، كان القتال في المعركة النهائية أسطورياً بلا شك فهو من تقديم الرسام الأسطوري أريغومي إيماي الذي كان مسؤولاً عن قتال ليفاي ضد العملاق الوحش.
لقد امتلكت النهاية جوهر هجوم العمالقة الحقيقي التضحية ميكاسا ضحت بقلبها واخترقت جوف المؤسس لتصل إلى إيرين وتقتله ليضحي الأخير بنفسه لأجلها ولأجل جميع رفاقه فيما نال ليفاي ثأره وقطع رأس زيك دون أن يعيقه جسده المشوه.
وفي ختام الرحلة المريرة حازت كل شخصية على نهاية رائعة تليق بها، ونحن المشاهدون حزنًا على حلقة تحتوي معركة ملحمية عنيفة مميتة وتقلبات حبكة خيالية فاقت بروعتها المصدر الأصلي المانغا كأنما أراد أيسياما أن يذكرنا بالسبب الذي جعلنا مغرمين بتحفته الرائعة هذه وهنا يطرأ تساؤل مهم يسعدنا أن نجيب عنه..
هل اختلف الأنمي عن المانغا حقًا؟
"هنا يرقد بسلام أغلى من أحب..عزيزي 854"
الكلمات المنقوشة على قبر إيرين
قبل عامين صدر الفصل 139 والأخير من مانغا هجوم العمالقة رغم كونه منتظراً بشدة إلا أنه أثار سخطاً واسع المدى بين أوساط المعجبين الذين رأوا أن بطل القصة إيرين تحول إلى شخص مثير للشفقة أسوأ من كل الأعداء الذين واجههم منذ بداية القصة.
وطالبوا أيسياما بتغيير النهاية المحبطة في الأنمي، لم تتغير النهاية بالطبع ومات إيرين على يدي ميكاسا لكن أيسياما الذكي أدرج تغييرات صغيرة جوهرية أضافت عمقاً ومنطقية حقيقية للأحداث وأزالت الشكوك الأخلاقية عن شخصياته لعل أبرز التغييرات كان في الحوار الدائر بين إيرين وأرمين.
في المانغا ظهر إيرين بمظهر أبله قاس عندما أخبر صديقه أنه " لا يدري لماذا أيقظ دك الأرض" بدت الجملة غامضة بشكل يثير السخط كان إيرين في المانغا يتحدث ببرود عن قتله لـ 80% من البشر لذا فقد تدارك أيسياما هذا الغموض ومنح إيرين فرصة ليكون إنساناً طبيعياً.
إذ رأينا الألم والمعاناة مرسومة على ملامحه حينما أدرك أنه مجرد طفل سخيف منح قوة جبارة أراد الوصول إلى الحرية بأي ثمن كان وعندما أدرك ما حدث كان الأوان قد فات أمًا أرمين ففي المانغا كان مستفزاً بلا شك إذ بدا مقتنعاً بفلسفة صديقه التدمرية.
ولم يظهر على وجهه إلا بعض الحزن دون أن يلوم صديقه بأي شكل الأمر الذي رأى المتابعون أنه يحطم الأساس العقلاني الإنساني لأرمين، أمًا في الأنمي فقد كان أرمين متأثراً بشدة وانهار بالبكاء والصراخ عندما علم أن صديقه المقرب سيقتل في المستقبل 80% من البشر.
ووقف في وجه إيرين يلومه على ما يريد فعله كما أن الذنب تآكله عندما أدرك أنه كان المحرك الأساسي للدك، هذه التفصيلة لم تتوضح في المانغا بوضوح لربما تركها أيسياما لفهم القارئ لكنها في الأنمي ذكرت بشفافية كاملة لقد كان لأفكار أرمين وتطلعاته إلى عالم مثالي خال من البشر تأثير كبير على عقل إيرين الذي صدم بالعالم الخارجي الممزق الذي رآه.
في المانغا بدا أرمين موافقاً على فكرة الدك بل وشاكراً لإيرين عليها أمًا في الأنمي فقد أدرك أرمين دوره فيما حدث وأنه مذنب بقدر إيرين وهو ما يتضح من ختام حديثه حينما قال: "سنتعذب معاً في الجحيم بعد أن قتلنا 80% من البشر" لم يغير أيسياما نهاية تحفته الدموية لكن تعديلاته الذكية والإضافات الدرامية القوية جعلت محبي هجوم العمالقة راضيين تماماً عن النهاية التي قدمت لهم، نهاية نالت فيها كل شخصية مصيراً ملائماً.
ليفاي الذي قضى حياته يحارب ليعيش تقاعد بعدما أرهقه الفقدان والقتال لا شك أن ذلك المشهد الذي يرى فيه ليفاي رفاقه الراحلين لتنهمر دموع المقاتل الشرس كان واحداً من أجمل مشاهد الحلقة وأكثرها عاطفية.
أرمين المسالم البريء أصبح مع بقية الرفاق واحداً من دعاة السلام الذين بذلوا جهدهم لإيقاف نزف الدماء بين بارادايس والعالم الخارجي المستمر منذ قرون، أمًا ميكاسا فقد خسرت حب حياتها وأمضت أيامها جالسة بجوار قبر إيرين الذي ارتاح أخيراً تحت الشجرة التي استيقظ في أحد الأيام تحت أغصانها باكياً بعدما رأى مستقبله المظلم، عاشت ميكاسا طويلاً بعد إيرين لكنها لم تنسه للحظة وبقيت ترتدي وشاحه الأحمر لتتذكر دومًا ذلك الصبي اللطيف البريء الذي وقعت في حبه.
إنها النهاية.. وداعًا إيرين ييغر
"كانت الشمس تغرب كنا ثلاثتنا نتسابق نحو شجرة على قمة التل إيرين أتى بالفكرة فانطلق فجأة، لحقته ميكاسا ولم تسبقه عمداً وبالطبع كنت أنا الأخير لكن النسيم كان عليلاً ودافئاً يومها والركض كان شعوراً جميلاً، كانت أوراق الشجر ترفرف في الأرجاء ولسبب ما راودتني فكرة حينها ربما كان سبب ولادتي هو لنتمكن ثلاثتنا من التسابق هناك "
-أرمين
سواء أحببت هجوم العمالقة أم لم تحبه لا يمكنك إنكار التأثير الهائل الذي تركه في عالم الأنمي، لقد نجح هجوم العمالقة في تقديم نهاية مرضية مثيرة للتفكير لتنتهي الرحلة الطويلة المليئة بالرعب والقتال والتضحية والموت نهاية لا تُنسى، لم يكن هجوم العمالقة مجرد أنمي آخر عن عالم أسطوري له قوانينه وقصصه كان عملاً عميقاً قوياً فلسفياً.
استطاع شغل العالم وتعطيل خوادم منصات المشاهدة أكثر من مرة، لقد انتهت الرحلة المذهلة التي استمرت عشر سنوات بنهاية احتوت كل ما قد يرغب فيه المشاهد أحداث رائعة شخصيات جمعها عدو مشترك ورغبة قوية لحماية ما تبقى من البشرية رسومات مذهلة بتحريك لا يقل إذهالاً.
لقد كانت الحلقة الأخيرة من هجوم العمالقة بمثابة ختام مثالي لعمل سنفتقده طويلاً بلا شك وقد ودعنا مبدع العمل أيسياما برسالة قال فيها:
" لقد مرت عشر سنوات منذ بدأ الأنمي التلفزيوني شكراً جزيلاً لكم على بقائكم معنا كل هذه المدة، كان من الصعب حقاً رسم مشهد الذروة الذي يحدث في الحلقة الأخيرة في المانغا الأصلية أيضاً لذا لم أستطع إلا أن أفكر سيكون هذا صعباً على استديو مابا أيضاً، من المحتمل أنهم يقولون الآن من فضلك توقف، أنا آسف مابا أنا آسف حقاً وحتى ذلك الحين أنا متحمس جداً لرؤية كيف سينتهي الأمر في الأنمي وهذه المرة أيضاً بناء على طلبي قمت برسم القليل من المسودة الأولية في النهاية أرجوا أن تشاهدوا الحلقة حتى نهايتها".
كانت المشاهد التي تحدث عنها أيسياما موجودة في نهاية الحلقة حيث نرى مشاهد متعاقبة لجزيرة بارادايس التي تغيرت وتطورت وأصبحت مدينة مزدحمة ضخمة تنهال عليها القنابل والصواريخ ويحكمها الموت والدمار بنهاية واقعية تظهر أن كل هذه التضحيات لن تغلق دائرة الكراهية والعنف وبعمالقة أو بدونهم ستظل الحروب مستعرة ولن يفهم البشر فلسفة السلام على الإطلاق.
لقد انتهى هجوم العمالقة ويصعب حقاً تخيل عدم رؤية ليفاي وإيرين وإروين وغيرهم الكثيرين ممن أحببناهم وعشنا معهم أجمل وأعنف مغامرة يمكن تصورها، سواء أحببت هجوم العمالقة أم كرهته سيظل دومًا عملاً أسطورياً نجح في اختراق أسوار موطنه ليحتل العالم ويتربع بجانب أعمال أسطورية أخرى ليكون عملاً سيخلد طويلاً في ذاكرة الأنمي والفن السابع.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.