فيلم “Belle à croquer”.. حين تأكُل الفتاة أثناء ممارسة الجنس معها
5 د
كثيرًا ما نشاهد أعمالًا سينمائية تتحدث عن العادات الجنسية، كون الجنس وممارسته قاسم مشترك في حياة جميع البشر ومادة خصبة للتناول السينمائي، له العديد من العادات والطقوس والنظرات المجتمعية والفكرية، يميل البعض أثناء ممارسته لبعض العادات الخاصة التي تساعده على تحقيق الاستمتاع الكامل له، ومن بين هذه العادات قدم فيلم "Belle à croquer" أو "حسناء للالتهام"، طقس من الطقوس التي يمارسها أحد الرجال لتحقيق الاستمتاع لديه، وهي أنه يقوم بالفرجة على النساء ومن ثم يتخيل أنه يطبخهن أو يأكلهن مضغًا كاللحوم،
هو فيلم فرنسي قصير مدته 15 دقيقة، من إخراج "أكسل كورتير"، تم إنتاجه عام 2017، تدور أحداث الفيلم في إطار فانتازي، حول تقديم أجسام السيدات على هيئة أكلات كالكعك، والجزر واللحوم وخلافه.. ليضع المتفرج أمام أول ثنائية متقاربة أراد التطرق إليها وهي علاقة (الأكل بالجنس).
الأكل والجنس
يرتبط الأكل بالجنس في العديد من الثقافات حول أهمية تناول بعض الأطعمة المعينة التي تساعد في زيادة معدل النشاط الجنسي، ويقال إن الأطعمة مثل الشوكولاته والمأكولات البحرية تكون منشطات جنسية صحية للرجل يجب عليه أن يأكلها قبل العلاقة الحميمة، ولكن على شاكلة أخرى ارتبطت ممارسة الجنس ذاته بالأكل عند بعض الأشخاص كرابط متشابه إلى حد كبير من حيث الخطوات المتبعة لتحقيق الاستمتاع.
تتحدث "Aine Collier" في كتابها "Amorous Appetites: A History of Sex and Food" أو "شهية غرامية: تاريخ من الجنس والطعام" عن تلك الثنائية وعلاقة طرفيها معًا تاريخيًا فترى أنه قد خلط الناس بوعي ودون وعي على مر التاريخ بين الجنس مع الطعام، وتضرب في ذلك أمثلة حول سعي العديد من اللغات في جميع أنحاء العالم بوضع الاستعارات جنسية لها علاقة بالطعام، مثل السكر، والعسل والشوكولاته والنبيذ، حين يريدون أن يشبهوا النساء بأشياء جميلة ومثيرة.
ثنائية لها أشكال عديدة
وتستعين الكاتبة في ذلك بمثال حول شخصية "Betty Crocker" هي شخصية خيالية اخترعتها شركة أجنبية شهيرة في مجال الأغذية تم تأسيسها في عشرينيات القرن الماضي واتخذتها كعلامة تجارية أساسية لها، والتي اعتبرتها الكاتبة أسلوبًا تجاريًا يرسخ لفكرة ربط الغذاء بالجنس والرومانسية فتقول: إنها باتت تظهر وكأنها تشير دائمًا للمخبوزات الجيدة على أنها ستساهم في بقاء الرومانسية حية بين الزوجين لفترة أطول من شراء الزوجة لأحمر الشفاه اللامع.
وفي ربطٍ آخر بين أطراف الثنائية في العديد من الثقافات أيضًا عن طريق كلمة "جوع" فالحاجة للأكل تسبب جوعًا والحاجة للجنس تسبب جوعًا أيضًا من وجهة نظر البعض، وعلى هذه الوتيرة اتبع بطل الفيلم خطوات تحقيق الشبع عن طريق تخيله أنه يأكل النساء حتى يشبع جنسيًا..
فيبدأ بالفرجة عليهن، ثم يطبخهن، ومن ثم يأكلهن، تحدث تلك المقاربة بتنميط لشكل الأنثى في مخيلة البطل، وهي أنها مجرد لحم لسد حاجته، ومنها يصاب بالعزلة، لأن طريقة تعامله مع السيدات لا تتناسب معهن، فيصبح وحيدًا وحدة كاملة، تتبع الصورة السينمائية تلك الوحدة القاتمة عن طريق تصوير منزله بلقطات عامة، وتؤكد على أن طريقته التي يتبعها ما هي إلا حدث مُتخيل يدور في ذهنه حينما يرى أي أنثى أمامه، ولكن واقعه بلا أي أنثى.
النساء من اللحوم والخضروات والرجل هو الطباخ
لم يقتصر الأمر في الفيلم حد التشبيه فحسب، بل يقدم النساء بالفعل على شكل أكلات حقيقية، فتتعامل الصورة السينمائية بأكملها لتتبع نظرة البطل للأشياء وللنساء، أي تدور أحداث الفيلم كاملة من "Point Of View" فنرى نحن كمُشاهدين أيضًا الفتاة الأولى وهي تتخرط وتوضع في الماكينة لتتحول إلى كريمة وخبز لأنها تشبه الكعكة في نظرة، ونرى جارته "الجزرة" فهي لا ترتدي جزرة بل يُحدث الفيلم تماهيًا تامًا بين نظرته للنساء وحقيقتهن بالفعل، فهي بالتأكيد مُمثلة تلبس ملابس برتقالية اللون وشعرًا أخضر لتقدم الشكل الخارجي المُماثل للجزرة، ولكن الفيلم لم يقدم أي فصل بين شكلها الخارجي ونظرته لها، وتعود كونها جزرة لأنها فتاة تتبع نظامًا غذائيًا صحيًا وهو "Vegetarian" أو "النباتي" وبما أنها تتبع أسلوبًا غذائيًا صحيًا وبالعودة للمقاربة بين الغذاء والجنس لديه نكتشف أنه شخص يخشى ذلك الأسلوب الغذائي السليم لأنه يتماس بشكل مباشر مع الأسلوب الجنسي المتأني لا العنيف الذي يتمثل لديه في أكل الفتاة لا النوم معها بتريث وحميمية. وبالتالي يخشى تلك الجارة على الرغم من إعجابه بها.
الفانتازيا هي الحل
يعتبر اللجوء لتقديم تلك الأطروحة بشكل فانتازي هو الخيار الأهم في الفيلم فضلًا عن طريقة الإخراج وفريق الممثلين، ولكن المزج بين الأكل والجنس بهذه الصورة كان لا يمكن له أن يُقدم إلا فنتازيًا، لتحقيق التماهي المطلوب بين أطراف الثنائية الواحدة من وجهة نظر البطل، أما عن التفاصيل الإخراجية التي قدمت بوعي شديد حالة الوحدة التي يعيشها البطل، مقابل حالة اللاوحدة التي تعيشها الجارة، على الرغم من أن كليهما يسكن في شقة بمفرده، إلا أن تفاصيل الصورة عند رصد حياة الرجل واللقطات العامة والألوان البنفسجية القاتمة في شقته مقارنة بسيطرة اللون الأخضر على شقة الجارة، ورصد شكل النباتات في مسكنها، بلقطات متوسطة تبرز الحالة الحميمة بينها وبين النباتات والطبيعة بل وتأتي زهرة عباد الشمس هي الأخرى في صورة كائن يتكلم معها، ليوضح تلك الحالة الفريدة التي تعيشها هذه الفتاة مع الحياة الطبيعية البسيطة الهادئة التي اختارتها، في مقابل اضطراب ووحدة الرجل الذي لا يجيد التعامل مع الأنثى.
النهاية.. ترويض الرجل
في مشهد حضور الرجل في شقة الجارة لتلبية دعوتها على العشاء "النباتي" يقدم الفيلم مبارزة كوميدية عن طريق جمع متناقضين في مكان واحد، ذلك الرجل بأفكاره، وتلك الفتاة بعالمها الطبيعي النباتي الهادئ، يحاول الرجل أن يلتزم بجوها، وتحاول هي الأخرى أن تروضه حتى تعلمه فن التعامل مع الأنثى، تظهر لحظات ضعف الرجل أمامها جنسيًا حين ينقض عليها من الخلف محاولًا أكلها، وتخشاه هي الأخرى ويظهر ذلك حين تتخيل أنه بدأ بأكل إصبعها، وتظل تلك المبارزة في الاستمرار حتى تظهر "قُبلة" ولأول مرة في الفيلم بأكمله، ينتهي بها الفيلم ليؤكد أن الانتصار في تلك المبارزة ذهب للأنثى فهي قد نجحت في ترويضه لفهم هوية الأنثى ومداعبتها لا الانقضاض عليها كأنها قطعة لحم شهية، ولكن ينتهي الفيلم بلقطة أخرى كوميدية توضح أن الأزمة لم تنتهِ بعد حين تظهر الجزرة "النبات لا الأنثى" الموجود في صينية العشاء، في لقطة قريبة تُؤكل وفي شريط الصوت يأتي صوت مضغها.
وهي نهاية كوميدية لكنها تعتبر مفتوحة تسمح بالعديد من التأويلات، بين أن الأزمة ما زالت قائمة عند البطل ولم تنته بعد فهو ما زال يأكل النساء كما هو -أي أن نظرته لم تتغير بعد- أو ربما أن الجزرة بذاتها رضيت بأن تؤكل، ولكنه من المؤكد أنه قد عدل عن رأيه في خوفه من أكل الجزر، وهذا يكفي كمؤشر مطمئن أن أزمته في طريقها للحل.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.