فيلم Bird Box.. هل اختلفت محاولات النجاة الإسبانية عن ملاذ الفرار الأمريكي؟

أحاديث السينما عن نهاية العالم كثيرة، وسيناريوهاتها مختلفة، من كوارث طبيعية وأخرى اصطناعية، إلى الأمراض والأوبئة، وحتى التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي من خلال الروبوتات ومعاركها الطاحنة مع البشر.

تلك الرؤية الخيالية العلمية، ناجمة عن فكرة التعمق بالطبيعة البشرية، وما أخلفته ممارساتها الفاسدة بحق الأرض، مثل الانفجارات النووية التي قد يمتد أثرها لسنوات على الإنسان والبيئة، نتيجة المواد المشعة التي تنتشر في الغلاف الجوي.

نرشح لك: أفلام الذكاء الاصطناعي: تأثير الذكاء الاصطناعي في السينما ومخاطره على البشر!

وصناع الفن السابع خير من تخيل وأبدع في تصوراتهم، وقدراتهم في دراسة ونقل ممارسات الإنسان ونتائجه على نهاية العالم، سينمائيًا. وربما للتوعية حول أسوأ ما في الإنسانية، لمحاولة تداركها قبل فوات الآوان.

ولعل الفيلم الأحدث "Oppenheimer" والذي يتطرق لسيرة حياة العالم الفيزيائي "روبرت أوبنهايمر" -مطور الأسلحة النووية المدمرة والتي كان لها انعكاسات سلبية على الكون- سرق الأنظار عن فيلم صدر قبله والذي جاء جزءًا ثانيًا لفيلمٍ طرح قبل سنوات.

ولكن ليس مكملًا له، وهو الفيلم الإسباني "Bird Box Barcelona" من نتفليكس. على الرغم من أنه يتناول نفس قصة الجزء الأول "Bird Box" -قصة مجموعة من الناجين يحاولون البقاء على قيد الحياة في عالم يهلك بسبب المخلوقات الغريبة- إلا أن الأحداث تجري ببلدين مختلفين.

ترى ما أوجه الاختلاف والشبه بين الحكايتين، وهل كان Bird Box Barcelona "على قدر مستوى التوقعات.. "أراجيك فن يجاوبك على هذه الأسئلة.. هيا بنا…

شوارع إسبانيا غير آمنة بعد الآن، ليست من قبِل المخلوقات الغريبة والمجهولة وغير المرئية التي قد تسلب منك نظرك، وتتحكم في عقلك فقط، بل أيضًا من قبِل الأفراد الجامحين الساعين وراء الناس، في الأبنية والشوارع والأزقة لدفعهم على فتح أعينهم ومعانقة الموت. 

لذا نشاهد برشلونة تعيش رعب نهاية العالم، فكل الأحياء في حالة إرتياب وخوف، وآخرين أكثر عنفًا من غيرهم، فهم يتعاملون مع كائنات يجهلون مصدرها، لكن مدركين تمامًا لمقدار القوة التي تتمتع بها، كونها أخلفت مئات الآلاف من الجثث وراءها، إن لم يكن الملايين.

حيث تحثهم على الانتحار لمجرد النظر إليها، أو استماع الأحاديث التي تتلاعب من خلالها بعقولهم. لذلك عليك أن تبقي عينيك مغمضتين، وتحاول عدم الإنصات لها، لأنها تعلم كيف تؤثر على عاطفتك. 

بطل الحكاية هو "سيباستبان" والذي يسعى جاهدًا لخداع الآخرين، حتى ترى أرواحهم النور غصبًا عنهم، معتقدًا بذلك أنه يحررهم من ظلام الأرض. سيباستبان هذا ليس كما نعتقد في البداية، أنه يريد النجاة والبقاء على قيد الحياة وابنته، بل هو يريد الكل أن ينظر، إلى المخلوقات التي يظنها ملائكة.

 يمكن اعتباره أنه من المختارين لتنفيذ غايات تلك الكائنات الغريبة، كونه من الذين نظروا إليها ولم ينتهِ حتفه، بل اقتحمت الكائنات عقله، وجعلته يتهيأ أن ابنته تتواصل معه، لكي يجعل الناس تنظر، ويجتمعان في النهاية. 

تباعًا يلتقي بمجموعة ترغب بالوصول إلى قلعة مونتجويك، الملاذ الآمن والتي يسيطر عليها الجيش، ويصعب على الكائنات اقتحامها. لكن السؤال هل يستيقظ سيباستبان من تلك اللعنة ويفسح المجال لأفراد المجموعة بالنجاة خصوصًا أن هناك طفلة بينهم؟ 

بما أن فيلم Bird Box Barcelona هو الجزء الثاني من فيلم Bird Box الصادر في عام 2018، كان من المتوقع تقديم أجوبة شافية حول تلك الكائنات الغريبة، من أين أتت وما دوافعها؟ هل هي كائنات فضائية، أو من عالم آخر موازي، أم لها ارتباط بالأموات؟ 

للأسف كان الحماس ببلوغ الإجابة خلال أحداث الفيلم، لكن يبدو أن القائمين على العمل يطمحون باستمرار السلسلة، واستمرار الغموض إلى ما لا نعلم. 

نرشح لك:  فيلم The Bird Box… حينما تقاوم الخوف بالأحلام والأمل 

. البداية: يمكن اعتبار أول 15 دقيقة من Bird Box Barcelona ممتعة ومشوقة في آن، تطورت الأحداث بسرعة، وسيطر عليها عنصر الإثارة. 

في حين كانت بداية Bird Box بطيئة، ومليئة بالمشاهد الدرامية والحوارات العاطفية. 

نرشح لك: أفضل الأفلام الإسبانية.. سينما تنبض بالحياة والألغاز التي لا تنتهي!

. الزمان والمكان: صندوق الطائر 2018 يقع في الولايات الأمريكية، ويتعامل بأحداثه مع خطين متوازيين الوقت الحالي والذي يصور رحلة الأم عَبر النهر مع الطفلين، والزمن الماضي أي عند انتشار الوباء قبل خمس سنوات. 

أمًا النسخة الحالية وكما يتضح من العنوان فهي تجري في مدينة برشلونة، 

والقصة تتنقل في أحياء المدينة الإسبانية مع لحظة اندلاع الكارثة، وبعد تسعة أشهر على المأساة الإنسانية. 

. الخوف والعائلة: لا شك أن العلاقات العائلية لها تأثيرها الكبير في التغلب على الصعاب في أحلك الظروف.

والعملان يصوران قوة الحب والترابط الأسري. في نسخة 2018 نلحظ مدى قوة العاطفة في اجتياز الأم لحظات الضعف والخوف لحماية أطفالها، للعبور بهم إلى شط الأمان، ولو أنها كانت قاسية قليلًا في تعاملها. لكنها نجحت في التخلص من كل التهديدات الخارجية. 

في نسخة برشلونة نشاهد العلاقة الأسرية بين البطل وابنته وعامل الخوف من منظور آخر، هو هنا خسرها بسبب الكائنات الغريبة. والصدمة التي تعرض لها جعلته من الناجيين القلائل، لكن الكائنات أثرت على صحته العقلية، وصار يتواصل مع شبحها على أنه حقيقة ملموسة. فتحول عامل الخوف من فكرة فقدانها نتيجة تأثير المخلوقات، إلى الخوف من عدم تنفيذ مآربهم وقتل الناس، وحرمانه التواجد الدائم مع ابنته. 

. الشخصيات: شخصيات Bird Box تم رسمها بعناية، وتحديدًا الشخصية الرئيسية، حيث أن خطها الدرامي في تطورٍ مستمرٍ مع تصاعد الأحداث. كما كان لحضور "ساندرا بولوك" وقعه الخاص الإيجابي. 

بينما مع Bird Box Barcelona لا تشعر بروح الشخصيات، وكأنها إكسسوارات مكملة، لا تتعاطف ولا تتآلف معها، حتى شخصية البطل سيباستيان لا تصدق صراعه الداخلي مع إيمانه ومعتقداته، وهو الذي كان رافضًا لسياسة رجل الدين مع انتشار الكارثة، وأن كل ما يمر به نتيجة الصدمة العاطفية التي آلمت به. 

نرشح لك:  السيدة من Bird Box .. أهم أفلام نجمة التسعينات ساندرا بولوك

. التصوير والفلاش باك: يعتمد فيلم Barcelona على التصوير السينمائي في نقل واقع المدينة الإسبانية المدمرة، بعد أن غدت مدينة أشباح، وإيصال الحالة الدرامية من خلال شوارعها الخاوية وغير الآمنة، والتي تحاكي نفوس السكان. 

أمًا Bird Box يلجأ إلى الفلاش باك كثيرًا في سرد قصته وأبطاله، التي تقع غالبًا  في مكانٍ واحد، وهو البيت الذي جمع من بقي على قيد الحياة في المدينة. 

. الأمل:  هو الدافع الأساسي للنجاة والذي يحرك البطلة مالوري في عام 2018، وفي النهاية تصل إلى مجتمع صغير وأطفالها، على أمل إعادة هيكلة حياتها مع من تبقى. 

بينما أمل سيباستيان في النجاة يمنحه لغيره من الناجيين، كلير والصغيرة صوفيا، بعد أن استعاد السيطرة على عقله. لكن مع نهاية الفيلم لا ندرك تمامًا إن كان هناك أمل في إيجاد حل جذري لإنقاذ البشرية من مصابها. 

في النهاية يمكن القول أن فيلم Bird Box Barcelona وعلى الرغم من وتيرته البطيئة وحبكته الضعيفة قليلًا، يطرح أسئلة مهمة حول الطبيعة البشرية ومدى قدرتها على التكيف مع المتغيرات على أمل النجاة، بعيدًا عن الجشع البشري.