تريند 🔥

📺 Netflix

فيلم “Death On The Nile”.. علاقات رديئة تحاول أن تبدو شكسبيرية في قصة بوليسية لا يكتنفها الغموض

سارة يحيي محمد
سارة يحيي محمد

6 د

أعتقد أنه على السينما والدراما أن يتوقفوا عن تحويل روايات أجاثا كريستي إلى أعمال مرئية؛ لأنه فقط يجعل الأمر أسوأ في كل مرة.

أنا معجبة كبيرة بروايات أجاثا كريستي البوليسية، أراها الكاتبة الأكثر عبقرية بين كتَّاب الأدب البوليسي في عصرها، لا تقدم فقط لغزًا جيدًا وجريمة ممتعة إلا أنها أيضًا تقدم شخصيات وعلاقات وقصص فرعية جيدة وتحقيق مثير للاهتمام، في ظل عصر كانت روايات الجريمة فقط تقتصر على لغز ومحقق فائق الذكاء وحل، لكن حتى مع اهتمامها بتقديم ثقل درامي للشخصيات إلا أنه لا يكفي لصناعة فيلم أو مسلسل متماسك وجيد، إن لم تكن جيدة للغاية لتضيف أبعادًا درامية لا تؤثر على الجريمة واللغز والشخصيات المرسومة لا تصنع أفلامًا من كتبها. 

بعد "Murder On The Orient Express" الذي صدر عام 2017 والذي كان كعادة الأفلام المقتبسة عن روايات كريستي مقبولًا، تم الإعلان عن طرح فيلم جديد مستند لرواية من رواياتها، وبعد خمس سنوات تم إنتاج فيلم "Death On The Nile" المقتبس من رواية بنفس الاسم نشرت عام 1937،  إخراج وبطولة كينيث براناه، سيناريو مايكل جرين، بطولة أرمي هامر، غال غاودت وعلى فضل، توم بيتمان وإيما ماكي وليشيا رايت.  

القصة عن المحقق البلجيكي هيركيول بوارو التي تتحول عطلته إلى تحقيق في جريمة قتل وقعت على متن باخرة نهرية، جريمة كانت شاهدة على الفصل الأول العاطفي منها حيث تتزوج لينيت المليونيرة الأرستقراطية المشهورة من خطيب صديقتها جاكلين، ثم بعد ذلك تلقى مصرعها في الباخرة لتترك مجموعة من المشتبه بهم ليعرف بوارو القاتل من بينهم.


 مسرحية شكسبيرية رديئة في فيلم "Death On The Nile"

فيديو يوتيوب

يبدأ الفيلم بمقدمة بالأبيض والأسود لعام 1914 حيث يظهر بوارو الشاب في الحرب العالمية الأولى، يظهر فيه لمحة من ذكائه كأنه يقدم خلفية درامية عن المحقق حيث كان جنديًا شابًا مُصابًا ثم جنديًا جريحًا واقعًا في الحب وسببًا للشارب المضحك.

ثم يتنقل الفيلم إلى حفل في لندن عام 1934 لتبدأ عين بوارو التجول وتقديم مثلث الحب وبعض الشخصيات التي ستتابع معًا لنهاية الفيلم.

الجزء الأول من الفيلم ومقداره ساعة كاملة هو عبارة عن دراما علاقات رديئة تحاول أن تبدو شكسبيرية الطابع من خلال أداء الممثلين، بينما هي دراما تقليدية بالنسبة للكلاسيكية نفسها، كل شيء واضح جدًا لدرجة أن الفيلم لا يحمل أي عنصر غموض لا في جانبه الدرامي أو البوليسي، فحتى إذا كنت لم تشاهد سوى فيلم جريمة وحيد فسوف تستطيع التوقع بقصة كل شخصية وعلاقتها ومن الفاعل بسهولة.

لذلك أمامك تلك الدراما المسرحية الرديئة المقدمة لجمهور السينما لساعة كاملة لحين حدوث الجريمة ليبدأ الجزء في ساعة أخرى وهو الجزء الممتع عادةً من روايات أجاثا كريستي، التعرف على اللاعبين أو المشتبه بهم والتحقيق معهم ومشاهدة الأسرار والقرائن تكشف عن نفسها أثناء ذلك.

إحدى عشر شخصية: الزوج والخطيبة السابقة، الخادمة والمحامي والطبيب، المغنية وابنتها، الرسامة وابنها، الممرضة والسيدة عرابة لينيت، ومصدر الضعف الوحيد في الشخصيات هو نقل مقدار الثقل من رواية إلى الفيلم دون إعطائه أبعادًا أخرى على الرغم من اختلاف الشخصيات التام عن الرواية.

لم يهتم المخرج أو السيناريست بإضافة تفاصيل أكثر وأبعاد أكثر درامية تناسب فيلمًا، فالشخصيات لا تتطور، بل تقدم كصور وتظل كصور متحدثة، تحقيق وراء آخر يكشف فيه بوارو عن أسرارهم ببراعته ثم ننتقل للتالي دون إرساء درامي مناسب لفيلم. 

ثم نجد أننا وصلنا للحظة الكشف عن القاتل والذي لن تتوقعه بالتأكيد إذا كنت لم تشاهد أو تقرأ أي عمل بوليسي قط، أما إذا كنت تعرف ما هو فستعرف شخصية القتيلة والقاتل وحل اللغز من المشهد الثاني. 


عناصر الأوسكار في فيلم لن يترشح للأوسكار

أضاف براناه العناصر التي وضعتها لجنة الأوسكار لقبول الأفلام، والتي باتت غالبية الأفلام تضيفها سواء ناسبت السياق أم لا. 

في "موت على ضفاف النيل" أعاد رسم هيكلة الشخصيات تمامًا مبتعدًا عن المادة الأصلية في الرواية، فقدم شخصية السيدة والممرضة على أنهما واقعتان في الحب، لم يكن له أهمية درامية رئيسية أو فرعية، لم يقدم حتى فيه قصة أو خلفية، بل ظهرت كاكتشاف قدمه بوارو للمرأتين ثم تخطاه للمشهد التالي!. 

ثم قصة الحب بين الشاب الأبيض بوك والفتاة ابنة المغنية سوداء البشرة، كما لو أنه لا يدعم العنصرية في فيلم بعيد تمامًا عن ذلك، فجاءت القصة سطحية للغاية، تقليدية بشكل سيئ. 

ربما قدمت إيما ماكي أفضل أداء للشخصية الوحيدة الجيدة، جاكلين الخطيبة الراغبة في الانتقام، ربما لأن الأدوار الشريرة مركبة وربما لأن أداء ماكي كان الأبرز من بين الجميع إلا أنها في بعض مشاهدها مع بوارو عمدت المبالغة المسرحية، لا أعرف تحديدًا هل هذا لتجعل الشك حولها وتصبح الخيط الذي يقود بوارو للحقيقة أم لأنها بالفعل أفضل السيئ في الأداء التمثيلي.


غال غادوت

فحين خرجت غال غادوت من شخصية "wonder women" عادت لكونها ممثلة درامية مقبولة، أداؤها ليس مميزًا وليس سيئًا.

بالتأكيد براناه يؤدي دور المحقق البلجيكي هيركيول بوارو جيدًا، أفضل من أي ممثل سبق له أن لعب الدور، لا يجعل منه أضحوكة بل شخص مميز، لكنه ليس خاليًا من العيوب، فالشخصية -رغم اهتمامه بصناعة خلفية مبررة لها- إلا أنها ليست مثقلة، فالمحقق بوارو عبارة عن استنتاجات ذكية وحركات متشنجة، كان جيدًا وضع خلفية عاطفية لكنها ليست كافية لرسم شخصية مثقلة، لكنه يظل الأفضل من بين الجميع. 


موت على ضفاف النيل عبر العصور 

تم اقتباس الرواية في فيلم يحمل ذات العنوان عام 1978، ثم في 2004 في إحدى حلقات المسلسل التلفزيوني "poirot"، ويبدو أن فيلم عام 2022 مختلف تمامًا عنهم، فحين أن التزام الآخرين بالرواية بشكل أقرب لحرفي، حاول برانا تقديم شيء مختلف لدرجة أفقدت الفيلم هويته بين دراما وجريمة غير غامضة. 

كانت المرئيات جيدة، قام هارس زامبرلوكس بعمل جيد في تصوير الأهرامات والنيل، الثياب والخزائن والناس، لامعة قليلًا كأنها صور سطح المكتب في النسخ الأولى من الويندوز لكنها مقبولة. 

لا أستطيع تحديد النسخ الأفضل للقصة من بين الثلاث لأنهم جميعًا يقعون في حيز المقبول، وهذا ما تحصل عليه أفلام أجاثا كريستي في العادة، فتقيمها لا يرتفع أبدًا عن 6 لأنها ليست جيدة فقط مقبولة. 

لم يركز الفيلم على تقنية "whodunit" للحفاظ على التوازن في الفيلم بين الدراما واللغز الجيد بدلًا من الغرق في دراما الحب والخيانة والانتقام.

فارقت أجاثا كريستي الحياة عام 1976 ولا زالت رواياتها تُباع وهناك ما يقارب من 200 عمل سينمائي وتلفزيوني عن رواياتها، ولا عمل منهم استطاع أن يقدم فيلم جريمة جيد! 

أعتقد بشكل شخصي أن أجاثا كريستي تقدم أفضل ألغاز وقصص بوليسية، تقود أكثر التحقيقات إثارة لكن كي تنقل ذلك لصورة مرئية تحتاج لقالب درامي جيد ووجود حي للشخصيات، وليس فقط تقديمها كفيلم في ذات القالب، كتب أجاثا كريستي هي روايات بوليسية وليست سيناريوهات.

ذو صلة

وهذا ما يجعل من كل عمل مرئي لأجاثا كريستي مقبولًا فقط، لأنها كاتبة بوليسية جيدة في حاجة لمؤلف جيد لتحويلهم وليس فقط تقديمهم.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة