مسلسل The Clearing.. كيف تقدم “ديزني” أول حكاية أسترالية أصلية عن طائفة سرية؟

“شيئان يملآن نفسي إعجابًا واحترامًا: السماء المزدانة بالنجوم فوقي، والقانون الأخلاقي في أعماقي”. 

يشير الفيلسوف الألماني "إيمانويل كانط" في عبارته تلك، إلى أهمية أخلاق الإنسان، والتي قارنها بجمال الوجود وما خلقه الله تعالى. حيث إن مكانة الإنسان عالية وذات قيمة، فهي جزء من هذا الكون العظيم. 

ويقول الإمام "علي بن أبي طالب" عليه السلام: “وتحسب أنك جرمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبر”. 

لذا على الكائن البشري أن يتصرف بفضيلة وإنسانية، حتى يستأهل صورة الخالق الجمالية، التي خلق عليها. 

وللعائلة دور كبير في تقويم الفرد، وتنشأته على مكارم الأخلاق، وإكسابه القيم الحميدة وتعزيز حس المسؤولية لديه، وهذا ما يحتاجه لحياته الشخصية والاجتماعية والمهنية. إذًا هي الحصن المنيع، والحب والرحمة، والقوة النفسية، وكل ما هو داعمٌ لك في الحياة والمجتمع. هي أعظم هدية من الله. 

لكن بعض العائلات هي بمثابة عبئ على أفرادها، وكابوس حقيقي يطارد حياتهم، هم نقمة ولا يعون ذلك. 

تمامًا كما هو الحال مع أحدث إصدارات شبكة Hulu، مسلسل "The Clearing"، وهو أيضًا أول إنتاج أصلي لشركة Disney+، فعائلة The Clearing لا تشبه العائلات التي نعرفهم، لا بتركيبتها ولا بتصرفاتها. 

"هيا لنتعرف على عائلة أدريان مع "أراجيك فن... 

“تعتمد كيفية انتهاء عملية الاختطاف إلى حد كبير على هوية الخاطفين” 

(جوليانا سغرينا/ صحافية إيطالية اختطفت سابقًا في عام 2005 على يد جماعة مسلحة). 

لكن عملية الاختطاف التي حصلت مع بداية أحداث مسلسل The Clearing، لا يمكن أن تنتهِ، ولا يجوز لها ذلك. وإلا ستكون ماما أدريان في ورطة كبيرة. 

"أدريان بوفورت" هي زعمية طائفة  "العائلة/Kindred"، ويتم مناداتها "مايتريا". طائفة أدريان مؤلفة من أطفال صغار متفاوتين في الأعمار، إلا أنهم موحدين باللباس ولون وقصة الشعر، والبشرة الشاحبة نتيجة قلة الغذاء. تريد مايتريا من خلال هذه الطائفة، حماية الأطفال من الشر المتواجد في العالم الخارجي، والتأثير على قلوبهم وعقولهم حتى يغدو أناس مثاليين. على الرغم من أن ممارساتها وما اقترفته في السابق، غير أخلاقية. 

تقول لمريديها عن طائفتها: "إنها نقية وغير الملوثة. جيل نشأ بعيدًا، عن قواعد المجتمع الخانقة،  تمت تربيته في أفضل الظروف".

ظلت الزعيمة وأتباعها وأطفالها، لفترة طويلة، بعيدين قدر المستطاع عن أعين الشرطة، إلى أن قامت واحدة من أتباعها بارتكاب خطأ فادح، وهو اختطاف الفتاة الصغيرة سارة في أثناء عودتها من المدرسة، وضمها إلى قصر  المجموعة دون علمها، في بلاكمارش ببلدة صغيرة في أستراليا. 

أولاد أدريان تحصلت عليهم بطرق غير الشرعية، ومنهم من تخلى أهلهم عنهم، بسبب ولعهم بأدريان. 

في البداية نعتقد أن العمل يروي حكايتين؛ ربما هناك خيط يربط بينهما، سندركه تباعًا. ليتبين أن القصتين متشابكتين، والأحداث تجري في زمنين مختلفين، الأول في ذروة الطائفة، والثاني بعد سنواتٍ من سقوطها. 

المشترك في الروايتين هي أم عزباء تدعى "فريا"، سمعت في الوقت الحاضر عن اختفاء طفلة، الأمر الذي جعل شياطين الماضي تستيقظ من ثباتها المؤقت، خوفًا على ابنها الصغير "بيلي". فهي تعلم ماذا يعني اختفاء طفل! كونها كانت مسؤولة عن تعليم الطفلة سارة عن تقاليد الطائفة، وهي الناجية من براثن أدريان، والتي فضحت مجتمعها السري. 

وهذا الخبر بمثابة صاعقة لها، هل عادت نشاطات الطائفة من جديد.. وكيف؟ 

قصة The Clearing مستندة على أحداث واقعية، جرت في أستراليا عن طائفة سرية يطلق عليها "The Family"، بقيادة معلمة اليوغا "آن هاملتون بيرن"، تم فضح آلاعيبها وطقوسها السرية، في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. والتي اتهمت باحتجاز وغسل عقول الأطفال. 

نرشح لك: عروض Disney+ .. استمتع بقائمة من أروع سلاسل المغامرات التي لا تنتهي!

بعيدًا عن المعالجة الدرامية وتطوير القصة والأحداث لما يتناسب مع عملية السرد، نجد أن هناك إسقاطات عديدة على واقع الثمانينيات، إن كان من الممارسات الدينية التي اتبعتها آدريان، وطريقتها المعتمدة للسيطرة على الأطفال وغسل أدمغتهم، بواسطة التعاليم الدينية المغلفة بطقوسٍ روحيةٍ، واستخدام عقار إل إس دي، وكثير من العلاجات المثيرة للجدل. والغضب. 

الممثلة "ميراندا أوتو" جسدت الشخصية بحرفية وامتاع حقيقي، امرأة مضطربة نفسيًا، استغلت ذلك بمحاولة السيطرة على غيرها، وإخضاعه لإرادتها، من خلال خداعها وإقناعها لهم بالعبادات الروحانية والدينية للتقرب من الله، والعلو بالروح لأسمى درجات السكينة والطمأنينة، بعيدًا عن الماديات. تبرز أوتو القوة في لحظات كثيرة، ونشاهد إنكسارها قليلًا، بفضل جاذبيتها التي لا تقاوم، ووعيها التام بأهميتها، وأهمية ما تريده. امرأة حديدية متعجرفة تقود طائفة بأكملها، وهذه من الحالات القليلة في التاريخ! 

أمًا الممثلة "تيريزا بالمر" عَبر شخصية فريا، الحكاية وأصلها، والمحركة الفعلية للأحداث، والمغيرة لأحوال الجميع في الطائفة. لها خصوصيتها، لا يمكن إلا التعاطف معها، حتى وهي تسيئ التصرف. 

على الرغم ما تظهره من قوة، إلا أنها هشة من الداخل، فهي لم تعرف الخروج التام من ظل مايتريا، وهي من قلبت الطاولة عليها، وأفشلت مخططها. وهذا ما يكثر الأسئلة حول خضوعها، واهتمامها بها للآن، بعد ما جرى. 

تنقل بالمر مشاعر التخبط للشخصية بأمانة، والحرية التي تعيشها محض هراء، فالخوف هو الذي يتملك تفاصيل حياتها. ويتضح هذا من لغة جسدها، وعيناها الواسعتان التائهتان. 

هي خائفة أن يتكرر سيناريو سارة، تريد إنقاذ الأطفال من شر العائلة والعبادة. 

بعدها عالقة بكابوس الماضي، وما زاد الطين بلة صدمتها بأحداث الوقت الحالي. 

هل تنجح فريا من التحرر من شخصيتها السابقة وذكرياتها، والتخلي عن ولائها لأدريان؟ 

تعتمد أي جماعة أو طائفة سرية، على غسل أدمغة مريديها، أو كل من يريدون ضمهم إلى صفوفهم، وإن تمنعوا بدايةً. حيث يقومون بإعادة تشكيل وبرمجة العقل الباطن، على عادات ومعتقدات واعتقادات جديدة. من خلال التحكم بالسلوك وطريقة التفكير. وقد تصل إلى إعادة صياغة الذكريات. وهذه الأفعال شاهدناها في أفلام ومسلسلات كثيرة، بعضها تعمق بتفاصيل ممارسات تلك الطوائف والجماعات، وبعضها اكتفى بذكر ماهية عملها، وغاياتها. 

غالبًا ما تتناول تلك المجتمعات السرية موضوعات تتعلق:  بالسياسة، والسلطة، والدين، والثروة، وأيضًا الجنس. 

ولكن مهما اختلفت أهدافها أو تعددت، تبقى طوائف مرعبة في أثناء المشاهدة، أو بمجرد التفكر والتساؤول: هل يوجد هكذا في الواقع؟ والمهم أن طقوسهم  غريبة، وغامضة، وخطرة.  

في مسلسل The Clearing، وبالرغم من أن موضوع العمل حساس ومؤذٍ نفسيًا، ومستفز، لكون الأطفال العنصر الأساسي في تشكيل الطائفة، تم الحفاظ على أجواء من الرهبة والغموض في عملية السرد الحكائي، خلال الحلقات. 

تم التركيز على العامل النفسي لضحايا تلك الجماعة، و النتائج السلبية والكارثية التي تخلفها في نفوس الناجيين، ما يؤثر في الصحة النفسية، بسبب الذكريات الآليمة. وهذا ما حدث مع فريا، التي كادت أن تقتل طفلتها. وصعوبة البعض من الناجيين الآخرين، الخروج من فكرة الطائفة، والاستقلال بعيدًا عنها، وبناء حياة جديدة. 

خصوصًا أن زعماء الطائفة السرية، دومًا هم أصحاب شخصية مخادعة ولكن تتمتع بجاذبية فعالة، لامتلاكهم الرأفة الزائفة، والحكمة. 

نرشح لك: فيلم The Little Mermaid.. هل تصمد حورية البحر في شباك تذاكر السينما بعد تعرضها للعنصرية؟

من الأمور التي جعلت فعل المشاهدة محتملًا، أداء الشخصيتين الرئيسيتين، والمناظر والمواقع الخلابة في أستراليا. وتعاطف وتضامن بعض الضحايا مع الجاني. 

مسلسل The Clearing دراما نفسية مثيرة للعاطفة والأعصاب، وطائفة لا يمكن الخروج منها وأنت معافى تمامًا.