فيلم Musica.. عليك أن تختبر العالم بصوت بطل مصاب بالسينيستيزيا!
5 د
ينبؤك فيلم Musica منذ دقائقه الأولى أنك على وشك أن تشاهد فيلمًا مختلفًا وممتعًا ذا أجواء صيفية رائعة. مَن منا لم يتعثر في يوم من الأيام بمقطع من برنامج Awkward Puppets وأخذ يضحك بشدة طوال المقطع؟ يأتي رودي مانكوسو، صاحب فكرة هذا البرنامج الفريد من نوعه ليرحب بنا في عالمه الخاص، حيث يحشد كل شغفه وفنه وجنونه داخل فيلم لا يتعدى التسعين دقيقة ونأخذكم في عالمه اليوم مع "أراجيك فن".
Musica
قصة حب قادمة تتبع مبدعًا طموحًا مصابًا بالتآزر الحسي، والذي يجب أن يتكيف مع مستقبل غير مؤكد، في حين يتعامل مع ضغوط الحب والعائلة وثقافته البرازيلية في نيوارك، نيو جيرسي.
عرض المزيد
إنتاج
2024
إخراج
رودي مانكوسو
بطولة
النوع
متاح على
صوت عادي.. أغنية طازجة
بطل فيلم Musica الذي يلعب دوره الممثل رودي مانكوسو ويحمل الاسم نفسه مصاب أو ربما موهوب بـالسينيستيزيا. وهي حالة عصبية تجعل الشخص يفسر حاسة ما على أنها حاسة أخرى، وفي حالة بطل فيلمنا هنا، فإنه يختبر أصوات العالم العادية من حوله وكأنها أغنية تدندن داخل عقله.
على سبيل المثال، في المشهد الأول نختبر مع رودي كيف أن كل حركة في المطعم بداية من صوت حفيف المقشة وهي تتأرجح بخفة لالتقاط الأتربة، مرورًا بصوت حبيبته الغاضب، وصولاً إلى صوت الأواني المتخبطة القادم من المطبخ والمتسلل إلى أذن رودي، كل ذلك يصنع سيمفونية داخل عقله وينتج أغنية طازجة لا يستمع إليها أحد سواه.
وكأن كل مَن في المطعم يلعب دورًا داخل أوركسترا تقبع فقط في رأس رودي، كلٌ يمسك بآلته، شخص بالمقشة التي تشبه الجيتار وآخرٌ يطرق اللحم بمطرقة تشبه عصا الطبلة. ولهذا صار رودي ماقتًا لكل الأماكن المزدحمة المتكدسة بالأشخاص والأصوات ويحاول تجنبها على قدر المستطاع، وصار رودي يرى تلك الحالة الاستثنائية التي ترافقه أشبه بلعنة لا بموهبة.
بينما يتلقى رودي دورات تسويق لإرضاء والدته ويصنع عروضًا للدمى داخل محطة المترو لا يعيرها أحد اهتمامه وتدفعه حبيبته هايلي لكي يبحث عن مصدر دخل ثابت وفرص عمل حتى يستطيعا الانتقال للعيش في المدينة، ويجد رودي ذاته تائهًا بين هذا وذاك.
ويتطلب الأمر من رودي أن يأخذ رحلة سريعة إلى محل مأكولات بحرية مكتظ بالأصوات والروائح، ويصطدم بسمكة طائرة حتى يعثر على القطعة الناقصة في حياته ـ بالطبع لا أتحدث هنا عن السمكة بل عن موظفة المحل الفاتنة إيزابيلاـ ولأول مرة يشعر رودي بالأريحية للتحدث عن موهبته أو بالأحرى لعنته الخاصة مع أحدهم.
ويحاول أن يفسر لإيزابيلا لمذا يشرد كثيرًا وكيف تبدو الحياة بالنسبة له مثل أغنية لا تنتهي أبدًا. بينما تسمع إيزابيلا أصوات حركة مرور وزقزقة طيور ووقع أقدام، يسمع رودي بدوره نغمات لها إيقاع مميز تنسج على مهل أغنية جديدة.
نغمات رائعة.. نشاز مدوّي
يمضي الفيلم منقسمًا إلى خمسة فصول، يبدأ بـ (الإيقاع) حيث يتعرف المشاهد على كل الشخصيات بهدوء ويقع كل شيء في إيقاعه المضبوط. ثم يأتي الفصل الثاني (النغمات) حيث تمتزج كل الأحداث مع بعضها البعض ممهدة لقدوم الحبكة.
ثم الفصل الثالث (الديناميكية) ليحرّك الأحداث قليلاً ويعرفّنا بشخصية جديدة. ثم الفصل الرابع (سرعة الإيقاع) حيث تتسارع وتيرة كل الأحداث فجأة من حول رودي وتعلو موسيقى الفيلم والتي تحتل رأسه على حدٍ سواء، ويكتشف رودي أنه يهوي على مهلٍ داخل ورطة كبرى، ويجد رودي نفسه عالقًا بين إيزابيلا وهايلي.
وأخيرًا يأتي الفصل الخامس (النشاز) حيث ينهار كل شيء فوق رأسه المفعم بالأغنيات، بين كل النغمات التي تملأ حياته، فجأة يصدر شيء ما صوت (بوووم) وإذ هي رأسه تصطدم بأرضية الورطة الصلبة.
احتفاظ رودي باسمه في الفيلم، أن تلعب والدته الحقيقية ماريا مانكوسو دور الأم، أن يقرر رودي تصوير الفيلم داخل البيت الذي نشأ فيه.
تلك الأحاديث الطريفة التي يتبادل أطرافها مع دميته الشهيرة (دييغو)، كل تلك التفاصيل تضفي على فيلم Musica صفة جديدة بجانب أنه مبهج ومبتكر وكوميدي، ألا وهي أنه يتحلى بالكثير من الواقعية والمصداقية، ولهذا يدرك المشاهد أنه أمام فيلم شخصي للغاية عن حياة رودي مانكوسو، ولكنه أيضًا يستمتع به بشدة ويستطيع أن يعثر على أجزاء من شخصيته بين سطور قصة رودي.
واقعية مرحة
استطاع رودي أن يؤلف ويخرج فيلمًا به روح مرحة وصادقة تعبر عنه بحق، ليخبر العالم من خلاله أن لديه قصةً مميزة يحكيها.
وأعتقد أن فيلم Musica برُمته هو محاولة من رودي لأخذنا في جولة داخل ذلك العالم السري والساحر القابع داخل رأسه، يحاول أن يجعلنا نختبر ـ بطريقة مبدعةـ ما يختبره هو منذ كان طفلاً، تمامًا مثل ذلك المشهد المذهل الذي يجمع رودي وإيزابيلا، وهي تحاول أن تستمع للعالم من خلال أذني رودي.
يأخذ فيلم Musica أكثر تفاصيل الحياة ضئالة، مثل ضجيج نابع من حديقة عامة أو كرة سلة تتقافز على الأرض ويخلق من تلك التفاصيل مشاهدًا مليئة بالحيوية، ويساعده على هذا مكان التصوير، حيث تم تصوير الفيلم في مدينة نيوارك بولاية نيوجيرسي، حيث يوجد دومًا الكثير من الصخب ينبض في الخلفية.
وبينما يشعر رودي بالتيه في بداية الفيلم ولا يستطيع التحكم في شروده الدائم، ينجح في نهاية Musica في أن يدير ذلك الصخب المتسلل من الحياة الخارجية إلى عقله ويستخدمه لصالحه. كم ينجح فيلم Musica مع دقائقه الأخيرة في إيصال رسالة ربما نسمعها كثيرًا ولكن لا نرى أثرها بصدق كما نراه في ذلك الفيلم، وتقدم الرسالة بكلمات شديدة البلاغة: "لا يمكنك إطعام الأخرين إن كانت معدتك فارغة"!
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.