فيلم Pad Man… رجل الفوطة محارب ضد الفقر والجهل في الهند
7 د
“في أمريكا هناك سوبرمان، باتمان وسبايدرمان، لكن في الهند هناك Pad Man/بادمان! “.
بهذه العبارات بدأَ الإعلان الدعائي لفيلم “Pad Man”، واحد من أهم أفلام بوليوود هذا العام، والمتوقع أن ينال حظًا وافرًا من جوائز السينما الهندية الهامة. العمل يناقشُ قضيةً إنسانيةً حساسةً بطريقةٍ رومانسية لا تخلو من بعض الطرافة، وهو الأُسلوب الذي يتبعه نجم العمل “أكشاي كومار” دومًا لجذب المشاهد الهندي أولًا، فالمشاهد العالمي؛ لتسليط الضوء عن المسكوت عنه.
بادمان كان مقررًا له أن يُعرض في 25 يناير، ثم تمَّ التأجيل للتاسع من فبراير؛ كي لا يصطدم بفيلم Padmaavat. صاحبَ الفيلمُ ضجةً إعلاميةً كبيرةً، خاصةً بعد أن أطلقَ فريقُ العمل حملةَ Pad Man Challenge، والتي استجاب لها نجوم بوليوود بقوّة، فكان لها صدى مدويًا عالميًا. الفيلم حقّق نجاحًا منقطع النظير في الهند، وأصبحَ الفيلمُ الهندي الأول الذي يُعرض في 50 دولةً في العالم.
في التقرير التالي يطول الحديث عن الفيلم، الحملة الإعلامية المصاحبة له، والبطل الحقيقي الذي ألهم صُنّاع الفيلم.
مأساة أن تكون امرأةً في الهند
“نحن النساء نفضل الموت بالمرض، على العيش بالخجل!”
العبارةُ السابقةُ وردت على لسانِ بطلة الفيلم، وهي تلخص 90% من قضايا المرأة الهندية التي تعاني الاضطهاد والظلم بسبب الثقافة الشعبية من ناحية، والسطوة الدينية من ناحية أُخرى. في الهند، وتحديدًا في القرى الفقيرة، تصبحُ أمورٌ كاستخدام الفوط الصحية رفاهيةً بعيدة المنال لأسبابٍ عديدة.
أول هذه الأسباب الثقافة الدينية والشعبية التي تنظر للمرأة على أنَّها دنسة طوال فترة الحيض، حيثُ يتمُّ عزلها عن بقية المنزل، ولا يُسمح لها بلمس أيَّ شيء، ولا يُمكن الاقتراب منها أو لمسها أيضًا. هذه الثقافة جعلت من حدثٍ طبيعي للغاية، أن يصبحَ أمرًا مشينًا يجب أن تداريه المرأة، فلا يصح أن يشعر بها أحد، أو أن يلمح الخِرق التي تستخدمها طوال هذه الفترة، بالإضافة إلى أنَّ لفظة “حيض” أو “فوطة صحية” يشبه أن تلقي لعنة في وجه محدّثك.
نعم… المرأة الهندية تستخدمُ الخرق؛ لأنَّها لا تستطيع أن تتحمل ارتفاع ثمن الفوط الصحية المبالغ به، وفي حالات الجهل تلجأ لاستخدام الرماد أو التراب لمحاولة إيقاف النزيف، ما يسبب لها الكثير من الأمراض على رأسها العقم. الجهل والفقر والموروثات العقيمة في الهند حوّلوا فترة الحيض بكلِّ ما تعنيه من خصوبة وحياة إلى فترة مواتٍ وموت مجازًا وحقيقةً.
قصةُ الفيلم
“لاكشيمي/أكشاي كومار” شاب متزوج حديثًا، يعشق زوجته بجنون، ويسعى بكلِّ الطرق للاهتمام بها وإرضائها. يومًا ما يلمح خرقةً متسخةً في يدها تحاول أن تداريها عنه، فيكتشف أنَّ تلك الخرقة هي وسيلةُ زوجته لتدبر أمرها في فترة الحيض.
يخاف الزوج أن تصاب زوجته بالأمراض بسبب ذلك، فيسارع لشراء علبة فوط صحية، ليكتشف أنَّ هذه السلعة مرتفعة الثمن بشكلٍ مبالغ به. ناهيك عن أنَّ البائعَ قام بلف العلبة وكأنَّه يبيع شيئًا محظورًا.
عاد “لاكشيمي” بهذه الهدية الثمينة لزوجته، فرفضتها رفضًا قاطعًا؛ لأنَّ ثمنها سيدمر ميزانية الأسرة، وربما يحرمهم شيئًا من طعامهم. هذا الأمر كانَ نقطةَ تحول في حياة الزوج الذي قرّر أن يصنع فوطًا صحيةً لزوجته بتكلفة قليلة.
يستعرضُ الفيلم محاولات “لاكشيمي” لصناعة الفوط الصحية، والتي تأرجحت بين الفشل، الفضيحة، الطرد من القرية، ثم الوصول إلى قمة النجاح باختراعٍ سيغيّر حياة النساء في القرى الهندية الفقيرة.
بادمان الحقيقي
“نيل أرمسترونغ” كانَ أولَ رجل يصل إلى القمر، و”هيلاري” و”تنزنغ” كانا أولَ من تسلقا قمة إفرست، وأنا “مورغان” سأصبحُ أولَ رجل في العالم يرتدي فوطةً صحيةً”.
بهذه الكلمات دائمًا ما يُعرّف عن نفسه رجل الأعمال الهندي “أروناتشالام موروغانتام”، الرجل الذي اخترع ماكينةً لصنع الفوط الصحية بكمياتٍ كبيرةٍ وأسعارٍ زهيدةٍ؛ وذلك لرغبته في تغيير الوسائل غير الصحية التي تستخدمها النساء الهنديات، وعلى رأسهن زوجته في فترة الحيض.
“موروغانتام” احتاج إلى أربع سنوات لكي يطوّر ماكينةً تعمل يدويًا لصنع الفوط الصحية. يتمُّ تشغيل الماكينة الواحدة من قبل أربع إلى ست نساء، وتنتج فوط صحية بجودة عالية لا يتجاوز سعرها 25% من تكلفة المنتج المُصنع والمعبأ في المصانع، وتبلغ تكلفة الماكينة ألف دولار فقط.
اللافت في تجربة “موروغانتام” أنَّه لم يجد متطوعات لتجربة منتجه في بداياته، فقد رفضت زوجته وشقيقاته التجربة؛ لأنَّ المجتمع الهندي يحيط فترة الحيض بهالة من العيب والحرج، فما كان منه إلَّا أن قامَ بتجربة الفوط الصحية بنفسه!
صنع “موروغانتام” ما يشبه الرحم الصناعي، باستخدام البطانة المطاطية الموجودة داخل كرة القدم، حيثُ وضع فيها دم حيوان، ثم أحدثَ ثقبًا صغيرًا بها، وأوصله بأنبوبٍ يصل إلى سرواله الذي يحتوي على الفوطة الصحية التي صنعها.
“موروغانتام” الذي أرادَ أن يصنعَ فوطةً صحيةً نظيفةً لزوجته، نجح في اختراع ماكينة وفرت الفوط الصحية لملايين النساء في الهند، كما وفرت أيضًا كمًا كبيرًا من فرص العمل للنساء الفقيرات.
تحدّي الفوط الصحية
“Pad Man Challenge / تحدي الفوط الصحية” هو تحدٍ دعا إليه رجل الأعمال الهندي “أروناتشالام موروغانتام”، في أوائل شهر فبراير، مع بدء الترويج لفيلم “باد مان”. يتمثل التحدي في نشر صورة للمشارك على حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، حاملًا فوطة صحية، وهو ما قام به “موروغانتام”، ثم دعا إليه فريق عمل الفيلم، فاستجاب له بطل الفيلم “أكشاي كومار”، والمنتجة “توينكل خانا”.
يهدفُ التحدّي إلى دعم النساء في الهند، ورفع الوصمة الاجتماعية المصاحبة لكلِّ ما يخص فترة الحيض، وهو بذلك دعوةٌ للبوْح والحكي دون خجل عن آلام تلك الفترة الجسدية والنفسية، بعد أن كانت مثل هذه الدعوة من المحرمات.
استجاب للمبادرة عددٌ كبيرٌ من نجوم بوليوود، نذكر منهم: “عامر خان، ديبيكا بادوكون، أنيل كابور، أرجون كابور، أنوشكا شارما، فارون دهاوان، عاليا بهات، وأديتي راو حيدري”.
عن الفيلم
الإخراج:
مخرج العمل هو “آر بالكي”، الذي شارك في الكتابة أيضًا، عرفه الجمهور العربي منتجًا لواحد من أشهر الأفلام الهندية، فيلم “English Vinglish”. اختار “بالكي” التركيز على قضية الفيلم الرئيسية، من خلال التناول البسيط لحياة المجتمع الهندي، كما استطاع إيصال تفاصيل الحياة الهندية بكلِّ تعقيداتها للمشاهد الأجنبي ببراعة.
يُحسب للمخرج أيضًا حُسن إدارة فريق التمثيل، فقد نجح في إخراج ذروة الموهبة التمثيلية ابتداءً من نجم العمل، وانتهاءً بأصغر الأدوار.
التمثيل:
أكشاي كومار
من المعروف عن “كومار” أنَّه غزيرُ الإنتاج، فهو يقدّم سنويًا من 4 – 5 أفلام، بعضها في غاية القوة، والبعض الآخر في غاية الابتذال!
العام الماضي عندما قام ببطولة فيلم “Toilet – Ek Prem Katha” اعتقدنا أنَّه قدّم الأداء الأفضل على الإطلاق، لكنَّه في بادمان تفوّق على نفسه، وعلى كل تصوراتنا عنه.
“أكشاي كومار” في بادمان يمثّلُ بجوارحه، لا يُشعر المشاهد أنَّه يبذل مجهودًا، مع ذلك الأداء عظيم، ويكفي مشاهد النهاية التي يمتزج فيها البكاء والضحك، وتشعر مع انتهائِها بالرغبة في التصفيق لهذا الغول التمثيلي.
راديكا أبتي
نجحت “أبتي” في أداء دور “غاياتري” الزوجة المستسلمة للعادات والتقاليد، الممزقة ما بين محبة زوجها وسطوة مجتمعها. الأداء الجيد الذي قدمته سيفتح لها الأبواب المغلقة في بوليوود، بعد أن ظلت فترةً طويلةً بطلة للأفلام القصيرة، والمسلسلات.
سونام كابور
قدّمت “كابور” في هذا الفيلم دور “باري” المرأة التي دعمت “لاكشيمي/أكشاي كومار” لتحقيق حلمه، بعد أن طُرد من قريته. تظهر “باري” في النصف الثاني من الفيلم، بعد غياب دور “غاياتري/راديكا أبتي”، ما يُشعر المشاهد أنَّها امتدادٌ للوجود الأنثوي الذي يضفي لمسةً رومانسيةً على الأحداث. أداء “كابور” للدور جاء عاديًا، أداء متوسط، لا تجديد فيه عن ما قدمته في سابق أعمالها.
الموسيقى التصويرية والأغاني:
الموسيقى التصويرية حملت توقيع “أميت تريفيدي”، مؤلف الموسيقى التصويرية لأفلام مثل: Dear Zindagi” ،”Queen” و”Secret Superstar”. جاءت موسيقى فيلم “بادمان” جيدةً، ومعبرةً عن الحالات الشعورية المختلفة التي عُرضت خلاله.
يحتوي الفيلم على خمس أغاني، وخلا من الاستعراضات. الأغاني وُظفت جيدًا لخدمة أحداث الفيلم، فنجد أنَّ الفيلم يبدأ بأغنية “Aaj Se Teri”، وهي أغنيةٌ رومانسيةٌ أوصلت للمشاهد قوّة الحب التي تجمع بين الزوجين “لاكشيمي وغاياتري”، في حين جاءت أغنية “Sayaani” لتستعرض طقوس الاحتفال بالفتاة عند البلوغ.
أمَّا الأغنية الأشهر، فهي “The Pad Man” الأغنية الرئيسية للفيلم، والتي عُرضت في نهايته، وعبرت عن طبيعة “بادمان” الرجل القوي الخارق بإصراره وعزيمته.
رجل الفوطة… محارب الفقر والجهل
في أمريكا هناك سوبرمان، باتمان وسبايدرمان، لكن في الهند هناك بادمان، وهو البطلُ الخارقُ الحقيقي، الذي حارب الجهل والفقر وانتصر. “Pad Man” قضيةٌ هامةٌ وفيلمٌ يستحق المشاهدة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.