فيلم RRR.. سحر السينما الهندية يسيطر على الأوسكار والجوائز العالمية!

منذ اخترق الإنسان البحار والمحيطات أصبح بإمكانه استكشاف أراض جديدة وحضارات لم يتخيل أنها موجودة أصلاً، يعتبر أغلب المؤرخين أن اكتشاف أمريكا كان أفضل ما حصل للإنسانية إنها أرض جديدة واسعة خصبة مليئة بالفرص والأحلام لكن بعضهم الآخر يرى أن الهند كانت الاكتشاف الأعظم والأهم تاريخياً.

لطالما كانت الهند أرض الأساطير والسحر والجمال تتفرد هذه البلاد الجميلة بمساحتها الواسعة التي احتضنت وتحتضن مئات وآلاف الحضارات والثقافات المتنافرة، لا يوجد مثيل لحضارة الهند المميزة الملابس الجميلة التي تسمى الساري أو التوابل اللذيذة التي غزت العالم وجعلت الطعام وطبخه فناً رفيعاً كالكاري والفلفل والشطة وغيرها الكثير.

 لكن هذه البلاد الجميلة وبسبب تفردها وثرواتها الكثيرة عانت عبر القرون من طمع المستعمرين والمحتلين وتوالى عليها الكثير من أصحاب الحضارات الأخرى الذين تركوا بصمتهم الخاصة التي زادت حضارة الهند تميزاً وتفرداً، ولعل الاستعمار الإنكليزي الذي دام عقوداً كان أكثر من ترك بصمة وأثراً في تاريخ الهند، من منا لم يسمع باسم الثائر المسالم المهاتما غاندي الذي استطاع تأسيس ثورة وحشد آلاف الهنود خلفه دون عنف أو سلاح.

لا يقتصر الأثر الحضاري للهند على الملابس والطعام فقط رغم تميزهما إذ أن الهند قدمت للعالم مخزوناً مهما من الأساطير والصروح التاريخية المهمة والأدب العريق، ككتاب كليلة ودمنة الذي ألفه الفيلسوف الهندي بيدبا وترجمه ابن المقفع إلى العربية، ومع بداية ظهور السينما وانتشارها حفرت الهند اسمها عميقاً في عالم الفن السابع وقدمت أفلاماً رائعة ذات طابع مميز مختلف تماماً عن أفلام هوليوود الأمريكية وأصبح للسينما الهندية اسم خاص بها هو بوليوود.

غالباً ما تبقى الأفلام الهندية حبيسة وطنها رغم تميزها وروعة القصص التي تقدمها ذلك أنها لا تمتلك شعبية كاسحة أو قدرات مالية كهوليوود.

لكن بعض الأفلام الهندية تتخطى المستحيل وتقدم إبداعاً يجعلها تخترق حدود الهند واللغة والثقافة وتصبح محط أنظار العالم، وهو ما شهدناه في العام الفائت عندما دخل الفيلم الهندي RRR التاريخ وفاز بجائزة أوسكار عن أغنية naatu naatu وهو ما لفت أنظار العالم الغافلين عن سحر السينما الهندية إليه.

في الواقع لم يكن RRR أول فيلم يخترق حدود الهند إلى العالم لكن فوز الفيلم بجائزة أوسكار كان حدثاً تاريخياً فارقاً دون شك، لا يزال فيلم RRR يحقق الكثير من النجاح الجماهيري والنقدي كما نال كثيراً التكريمات المهمة التي سنتحدث عنها وأكثر في مراجعتنا الخاصة الشاملة للفيلم الرائع RRR اليوم في "أراجيك فن".

تدور أحداث الفيلم الملحمي خلال فترة الحكم البريطاني في عام 1920، عندما قام الحاكم سكوت بوكستون وزوجته كاثرين بزيارة غابة في عادل أباد، وهناك يتم اختطاف مالي وهي فتاة صغيرة موهوبة من قبيلة جوند من أمها. 

يثير اختطافها غضب رئيس القبيلة كومارام بيهيم الذي يقرر التوجه إلى دلهي لإنقاذها متنكراً في هيئة رجل مسلم يُدعى أختار.

يحذر حاكم حيدر آباد مكتب سكوت من الخطر الوشيك فتسارع كاثرين إلى الاستعانة بخدمات أ.راما راجو وهو ضابط في الشرطة الإمبراطورية الهندية شديد الطموح ذلك لقمع التهديد، يتظاهر راجو وعمه فينكاتيسوارولو بدعم الاستقلال، عبر حضورهم العديد من التجمعات المؤيدة لاستقلال الهند عن بريطانيا.

 يصدق لاتشو مساعد بيهيم الساذج حيلة راجو لذا يحاول تجنيده في خطة بيهيم لكن قبل أن يأخذ راجو إلى بيهيم يكتشف لاتشو هوية راجو ويهرب. وبعد فترة وجيزة يلتقي بيهيم وراجو بعضهما البعض ويتعاونان غير مدركين أنهما يقفان في صفين متعارضين لإنقاذ صبي صغير من حطام قطار.

وبعد هذا الموقف تتشكل صداقة بينهما ويزداد تقاربهما، يساعد راجو بيهيم في مساعيه لمغازلة ابنة أخت سكوت جيني غير مدرك أن هذه خطة منه للتسلل إلى منزل سكوت حيث يحدد الغرفة احتجزت فيها مالي عندما تأخذه جيني إلى منزلها ويعدها بتحريرها قريباً.

يكشف بيهيم نفسه وحقيقة مهمته لصديقه راجو غير عالم بحقيقته ونواياه المتوارية وعندما يهاجم بيهيم ورجاله منزل سكوت لإنقاذ مالي تفشل المهمة بسبب معرفة راجو لتفاصيلها ويتم ترقيته فيما يتم القبض على بيهيم، يقع راجو في صراع نفسي قاس يين طموحاته كضابط شرطة وبين إرثه كابن لرجل ثوري حارب لأجل الهند، تستمر أحداث الفيلم في مزيج مميز من الشجاعة والحماس وحب الوطن والميلودراما مع لمسات السينما الهندية المميزة طبعاً. 

إن اسم الفيلم هو اختصار ل Rise Roar Revolt أي صعود ثورة الزئير وقد استطاع مخرجه راجامولي تقديم ملحمة أسطورية ذاتية قومية ورمز وطني قوي في عمل ممتع استطاع فرض نفسه في عالم السينما التنافسي الشرس. 

يستوحي فيلم RRR أحداثه من أشخاص حقيقيين هما مقاتلا التيلجو جنوب الهند ألوري سيتاراما راجو وكومارام بيهيم، كان راجو الحقيقي رجلاً ينحدر من الطبقة الراقية ساعد في قيادة التمرد والمقاومة ضد البريطانيين أما بيهيم فقد نشأ في قبيلة جوند وتحول لاحقاّ إلى قائد ثوري.

لم يلتقي هذان الرجلان الأسطوريان مطلقاً خلال حياتهما لكنهما تركا أثراً قوياً في نفوس الهنود مما ألهم المخرج راجامولي ليخرج لنا بقصة خيالية خاصة به ماذا لو التقى هذان الرجلان معاً وأصبحا صديقين؟

لقد أراد راجامولي تقديم ملحمة وطنية مستوحاة من رجلين ناضلا لأجل وطنهما دون أن يفسح لهما القدر مجالاً للقاء سوى في خيال مخرج هندي مميز حكى قصة خيالية كانا بطليها.

بأسلوب مميز كما اعتدنا من السينما الهندية قدم لنا راجامولي ملحمة حماسية رغم افتقار الفيلم إلى السياق التاريخي إلا أن هذا تم تعويضه عندما تمكن صناع الفيلم من تحويل عملية إنقاذ طفلة صغيرة إلى صرخة حاشدة ضد المستعمر عن طريق شخصيتين رائعتين متناقضتين تشتركان في رغبة واحدة هي حب الوطن.

جسّد إن.تي.راما راو جونيور دور بيهيم قائد قبيلة جوند الذي يترك كل شيء ليرحل إلى دلهي ويحاول إعادة مالي إلى أمها بأداء مميز قوي استطاع راما راو تمثيل بيهيم اللطيف الساذج والشديد البأس عند الحاجة.

وقد شكل مع رام شاران الذي جسّد دور راجو ثنائية متناغمة مميزة احتاجها الفيلم كثيراً، كان دور شاران معقداً صعباً وقد نجح في نقل الصراع النفسي الذي عاشته شخصية راجو بين الماضي والمستقبل، الوطن والطموح.

نرشح لك: أفضل الأفلام الهندية 2023.. لا تفوت جرعة الإثارة والمرح مع سينما بوليوود!

كان أداء شاران صارماً محدوداً بما يكفي كي يكون صادقاً حقيقياً واستطاع التقاط أفضل جوانب الشخصية، لقد حققت الكيمياء اللطيفة بين راو وشاران تناغماً مميزاً سواء من الناحية النفسية أو الجسدية على حد سواء، لا يوجد بطل واحد في هذا الفيلم إنهما بطلان منسجمان يعبران رغم اختلافهما عن رغبة واحدة قوية هي رغبة الشعب في الحرية.

كان الفيلم صاخباً صارخاً بالألوان القوية والإضاءة الواضحة ولم يخلُ طبعاً من بعض المبالغات الدرامية والأغاني والرقصات المميزة كأي فيلم هندي آخر.

لو كنت لا تحب السينما الهندية بسبب الأغاني والرقصات فإن هذا شبيه بألا تحب أفلام هوليوود بسبب كثرة مشاهد الحركة والأكشن، إن الهند بلد سعيد مبتهج والسينما تجسيد لروح الوطن الذي تصوره.

إن الرقصات والحركات المنسجمة هي ذروة الفيلم ونقطة قوته وتميزه، في الواقع رغم قصة الفيلم المميزة القوية استطاع الفيلم فرض نفسه عالمياً بفضل أغنية رائعة مصحوبة بتسلسلات رقص مميزة استطاعت التحليق بالفيلم إلى العالمية إنها أغنية Naatu Naatu الرائعة التي جسدت روح الفيلم وجوهره الحقيقي واقتنصت رغم قوة المنافسة جائزة أوسكار لأفضل أغنية أصلية وهو تكريم لم ينله أي فيلم هندي من قبل 

كان حفل جوائز الأوسكار الـ 95 صادماً دون أي شك إذ شهد تكريماً خيالياً للفيلم الغريب Everything everywhere all at once الذي سيطر على فئات التمثيل كافة بإستثناء جائزة أفضل ممثل في دور رئيسي والتي ربحها وعن جدارة ابن هوليوود الضال برايدن فريزر لكن المفاجأة الأقوى كانت فوز أغنية Naatu Naatu من فيلم RRR بجائزة أفضل أغنية أصلية عن استحقاق وجدارة.

لقد كانت الأغنية مزيجاً غريباً رائعاً من الفرح والحماس والأكشن وحركات الرقص المنسجمة المضبوطة بدقة خاصة أن كلاً من شاران وراو يمتلكان أسلوباً خاصاً بهما فيما يتعلق بالرقص، لكن مصمم الرقصة أدى عملاً بارعاً دون شك بتصميم حركات منسجمة تجمع ما بين الرجلين دون تحطيم التناغم بينهما، لم تكن Naatu Naatu مجرد أغنية جميلة و ورقصة معدية بحركات جميلة، لقد احتضنت هذه الأغنية روح الفيلم وقصته في دقائقها القليلة هذه.

لم يكن الأوسكار التكريم الوحيد الذي نالته الأغنية والفيلم إذ نال عام إصداره جوائز متعددة مهدت الطريق نحو الأوسكار حيث نال المخرج راجامولي جائزة النقاد في نيويورك وجائزة أخرى في سياتل إضافة إلى ترشحه إلى الغولدن غلوب ونال جائزة أفضل أغنية أصلية لقد استطاع فيلم RRR خلق حالة جميلة لم تعرفها السينما الهندية من قبل إذ أنه بفوزه بالأوسكار والغولدن غلوب دخل التاريخ من أوسع أبوابه.

نرشح لك: مفاجاَت حفل الأوسكار 95.. إليكم القائمة الكاملة للفائزين بجوائز الأوسكار 2023!

لم تنتهي بعد نجاحات فيلم راجامولي الرائع إذ أنه ومنذ أيام قليلة استطاع الفوز بست جوائز رفيعة المستوى في حفل National Film Awards أي جوائز السينما الوطنية في دورته التاسعة والستين الذي يعتبر أكبر حفل توزيع جوائز في الهند وهو إنجاز حقيقي كبير للمخرج والأبطال على حد سواء.

لم تنته أصداء فيلم RRR حتى الآن إذ يبدو أن هذا العمل الملحمي في طريقه ليخلد في ذاكرة السينما العالمية، في الواقع لم يكن RRR أول من استطاع نقل اسم الهند إلى هوليوود إذ أن هناك أفلاماً أخرى استطاعت جذب أنظار العالم وبعضها نجح في الترشح إلى أقوى جائزة في عالم الفن السابع الأوسكار لكن ومع هذا يبقى إنجاز راجامولي وفيلمه علامة فارقة حقيقية. 

لا يدرك كثيرون سحر الأفلام الهندية ربما يكون السبب هو سيطرة هوليوود على عالم السينما وربما حقيقة أن الأفلام الهندية تعج بالرقصات والأغاني والمبالغات الهزلية الأمر الذي لا يعجب الكثيرين خاصة أن مدة عرض هذه الأفلام تتجاوز الثلاث ساعات أحياناً.

لكن ورغم كل هذا لا يمكن إطلاقا إنكار السحر والجمال والفن الذي نقلته الهند إلى فنها وخلال الأعوام استطاعت بعض الأفلام القوية فرض نفسها على العالم سواء بقصتها الرائعة الملهمة أو بالجوائز الرفيعة التي نالتها نذكر من هذه الأفلام على سبيل المثال لا الحصر طبعاً..

كان هذا مثالاً بسيطاً عن الأفلام الرائعة التي سحرتنا بها الهند، بعضها استطاع الترشح للأوسكار وبعضها الآخر رغم أنه لم يترشح لهذه الجائزة الرفيعة إلا أنه حقق نجاحاً نقدياً وجماهيرياً باهراً جعلته عملاً لا ينسى.

 لعل أكثر ما ميز هذه الأفلام كان القصص المميزة المختلفة عن التقليدية والتكرار الذي نراه كثيراً في هوليوود وكذلك الأجواء اللطيفة المفعمة بالحياة التي تجعل متابعتها متعة حقيقة لا تضاهيها متعة.

إن RRR ينتمي إلى هذه النوعية إنه تجربة حماسية مثيرة رائعة تجمع التاريخ والشجاعة والإخراج السينمائي المميز الذي استطاع فيه راجامولي إيصال هذه القصة الملحمية الخارجة من وطنه جنوب الهند إلى العالم كله وتحقيق إنجاز مهم لم يسبقه أحد إليه.

إن مشاهدتك لفيلم RRR سيفتح عينيك وقلبك على عالم السحر والجمال والبهجة الخاص بالسينما الهندية.

نرشح لك: ديزني تخاطر بميزانية الإعلانات لعرض برومو “The Little Mermaid” في حفل جوائز الأوسكار 2023!

 بالطبع يجدر بنا التنويه إلى أمر بسيط هو أن فيلم RRR فيلم ناطق بلغة التيلجو المستخدمة جنوب الهند أي أنه ليس فيلماً بوليوودياً على الإطلاق لتقريب الأمر إلى ذهنك فلنأخذ مثلاً فيلم سكر بنات هو فيلم لبناني لطيف للمخرجة نادين لبكي لو أنك أسميته فيلماً عربياً أنت على حق لكن لو قلت أنه فيلم مصري مثلاً فستكون بعيداً عن الصواب تماماً.

وهكذا الأمر بالنسبة لفيلم RRR القادم من جنوب الهند وليس من دلهي أو مومباي ربما تكون هذه معلومات غير مهمة لكننا في أراجيك فن نتحرى الدقة في أي شيء وكل شيء نقدمه لك عزيزي القارئ وختاماً.. هل شاهدت الفيلم وما رأيك فيه هل أثار إعجابك؟