رواد الموسيقى التصويرية بالأفلام المصرية الكلاسيكية … إن لم تعرفهم فقد فاتك الكثير
5 د
في بعض الأحيان قد يكون سماعك للموسيقى التصويرية المصاحبة للمشهد السينمائي كافيًا أن تفهمه دون الحاجة لوجود حوار بين الممثلين، فلا شك أنّ الموسيقى لغة بمفردها، هذه اللغة التي تصل إلى قلوب مستمعيها مباشرةً دون الحاجة لترجمة أو شرح.
ولعل هذا ما جعل صُنّاع السينما يهتمون وبشدة عند اختيار الموسيقى التصويرية الملائمة لأفلامهم، فتلك المعزوفة القصيرة لديها مفعولٌ ساحر في جعل المشاهد يندمج رويدًا رويدًا داخل الأحداث، فيبتهج مع النغمات السعيدة وتتسارع دقات قلبه مع المخيفة، ولأنّني شخص كلاسيكي للغاية يُقدر بشدة روعة وبهاء الأفلام المصرية القديمة فقررت الحديث اليوم عن رواد الموسيقى التصويرية الذين آثروا هذا المجال و فتحوا الأبواب أمام الأجيال الأخرى من بعدهم، فإليهم يرجع الفضل في نقل السينما المصرية من عصر استخدام السيمفونيات العالمية إلى عصر تأليف الموسيقى التصويرية لكل فيلم على حده.
أندريه رايدر
حينما شاهدت فيلم دعاء الكروان للمرة الأولى في حياتي ظلت موسيقاه عالقة في ذهني طوال الوقت، فتلك الموسيقى جعلت من مشهد قتل هنادي أحد أشهر المشاهد الكلاسيكية في السينما المصرية، ومؤلف هذه الموسيقى العبقرية هو بالطبع أندريه رايدر.
يوناني المولد مصري القلب، استطاع أن يترك بصمة واضحة في عشرات الأفلام السينمائية المصرية منذ خمسينيات القرن الماضي، فقام بتلحين الموسيقى التصويرية لأكثر من 60 فيلم من أشهرهم موسيقى فيلم نهر الحب، وفيلم الرجل الثاني، وفيلم الباب المفتوح، وفيلم غروب وشروق، وفيلم اللص والكلاب، كما قام بتوزيع العديد من الأغنيات لمشاهير الطرب كمحمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ.
حصل على وسام الاستحقاق من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومُنح الجنسية المصرية عام 1970، واعتمد ملحنًا من الدرجة الأولى في الإذاعة المصرية، كما اُختير كأحسن مؤلف موسيقي في مئوية السينما المصرية.
وفي عام 1971 قُتل رايدر على أثر مشاجرة في إحدى شوارع مدينة بيونس آيرس عاصمة الأرجنتين أثناء جولة فنية هناك.
فؤاد الظاهري
موسيقى عصرية غارقة في الطابع المصري… هذا ما اشتهرت به موسيقى فؤاد الظاهري الذي قدم لنا مئات المقطوعات الموسيقية في عالم الفن، هذا الملحن غزير الإنتاج قدم لنا على مدار مشواره الفني أكثر من 300 عمل موسيقي منهم موسيقى فيلم دليلة، وفيلم رد قلبي، وفيلم الزوجة الثانية، وفيلم الوسادة الخالية، وفيلم باب الحديد، وفيلم أميرة حبي أنا وغيرهم الكثير.
ولد فؤاد جرابيد بانوسيان عام 1916 وهو ملحن مصري من أصل أرمني، وترجع تسميته بالظاهري نسبة إلي مولده بحي الظاهر بالقاهرة، تخرج في مدرسة الفرير وحصل على شهادة الكفاءة والتحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية، وقام برعايته أستاذه الفلسطيني قسطندي الخوري الذي شجعه على العزف على آلة الكمان، وبعد التخرج عين مدرس للأناشيد بوزارة المعارف ثم عمل أستاذا للغناء الكورالي بمعهد الفنون المسرحية.
مسيرة فؤاد الظاهري الموسيقية لم تقتصر على تأليف الموسيقى التصويرية للأفلام والمسلسلات فقط، بل ضمت أيضًا مجموعة مميزة من المؤلفات الموسيقية في المسرح القومي ومسرح التلفزيون، بجانب توزيعه للعديد من الأغنيات لأكبر المطربين آنذاك، وخلال مشواره الفني حصل الظاهري على عدة جوائز أبرزها جائزة عن موسيقى فيلم رد قلبي من مؤسسة دعم السينما، أو المعهد الحالي للسينما حاليًا عام 1959.
وفي عام 1988 توفي فؤاد الظاهري عن عمر يناهز الثمانين عامًا تاركًا هذا الميراث الموسيقي الكبير الذي سيظل شاهدًا على إبداعه.
علي إسماعيل
اتفقت أو اختلفت مع المخرج يوسف شاهين، إلاّ أنّنا لابد أن نذكر له اهتمامه بالتفاصيل في أفلامه، وعلى رأسها اختيار الموسيقى التصويرية المميزة لكل فيلم من إخراجه، فموسيقى فيلم الاختيار هي السبب الفعلي وراء مشاهدتي للفيلم في الأساس، فصوت الصفارة في بداية المقطوعة سيدفعك للدندنة بها في مختلف الأوقات، تلك المعزوفة البديعة من تأليف الموسيقار علي إسماعيل.
علي إسماعيل هو علامة بارزة في عالم التأليف الموسيقي، فقام بتأليف أكثر من 350 عمل موسيقي متنوع ما بين التلحين والتوزيع منهم موسيقى فيلم الأيدي الناعمة، وفيلم كرامة زوجتي، وفيلم الأرض.
ولد علي إسماعيل عام 1922 وامتلك أذنًا موسيقية حساسة منذ الصغر؛ وذلك بفضل نشأته الموسيقية، فوالده مدرس موسيقى وأيضًا قائد لفرقة الموسيقى الملكية، والتحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية ضمن دفعة لامعة ضمت أسماء معروفة فيما بعد كعبد الحليم حافظ، وكمال الطويل، وأحمد فؤاد حسن.
كان رئيسًا للفرقة الموسيقية بفرقة علي رضا الاستعراضية، والمؤلف الموسيقي للرقصات واللوحات الاستعراضية التي قدمتها كما قام أيضًا بتأليف الموسيقى التصويرية لأفلام الفرقة كغرام في الكرنك، وإجازة نصف العام، كما ابتكر إسماعيل فكرة فرقة الثلاثي المرح وقدم لهم أشهر أغانيهم كأغنية العتبة جزاز، وشمل عطاءه الفني الأغنيات الوطنية فقام بتأليف العديد منها أشهرهم رايحين شايلين في أيدنا سلاح، وأم البطل لفايدة كامل.
في يونيو 1974 توفي علي إسماعيل أثناء إجراء بروفة مسرحية كبارية، وكرمه الرئيس أنور السادات بافتتاح متحف في منزله يوم 13 يونيو 1975.
إبراهيم حجاج
من المعروف أنّ أندريه رايدر وفؤاد الظاهري وعلي إسماعيل ينتمون إلى الجيل الثاني المجدد للموسيقى المصرية ويمثلون المثلث الذهبي للموسيقى التصويرية، ولكن شاءت الصدف أن أتعرف على ملحن آخر لم يحظ بذات الشهرة ولكن أعماله غنية عن التعريف، إنّه إبراهيم حجاج.
هو مؤلف موسيقي مصري الجنسية ولد عام 1916 بالقاهرة، والتحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية، واتجه إلى التوزيع الموسيقي عقب تخرجه فقام بتوزيع أغاني فيلم عايدة لأم كلثوم، ومن ثم انطلق في عالم التلحين السينمائي، ومن أشهر أعماله موسيقى فيلم سفير جهنم، وفيلم النداهة، وفيلم البوسطجي، وفيلم الملاك الصغير، وتنوعت أعماله بين التأليف والتوزيع للأغاني والمسرحيات، و الأفلام، و البرامج الإذاعية، والمقطوعات الموسيقية للإذاعة المصرية، كما تولى حجاج إنشاء وقيادة أوركسترا الفرقة القومية الشعبية، و في نوفمبر عام 1987 توفي إبراهيم حجاج عن عمر يناهز الواحد والسبعين عامًا.
اقرأ أيضًا : بعد مرور ما يقارب القرن.. مازال فيلم سفير جهنم أحد أفضل أفلام الرعب المصرية
ربما لم تسلط الأضواء بشكل كافي على إبراهيم حجاج كزملائه ولكنه ترك أعمالًا موسيقية مؤثرة في عالم الفن.
والآن شاركونا أرائكم…ما هي الموسيقى التصويرية الأقرب إلى قلوبكم من زمن الفن الجميل؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.