مسلسل When They See Us : كي لا نتناسى آلام الماضي..

مسلسل When They See Us هو عبارة عن جرعة مكثفة من الكآبة والحزن الخام. إذا كنت حزينًا أو على أعتاب الاكتئاب، لا تشاهد هذا المسلسل على الإطلاق، فإنه سوف يؤجج بداخلك جميع مشاعر الغضب تجاه القمع والظلم بكل صورة وأشكاله. ولأنك لا تستطيع تغيير شيء في هذا العالم المقيت، ستقع في دوامة من السوداوية، فتبكي حتى تحرقك عيناك.

هل جعلتك تكره المسلسل قبل أن تشاهده؟ بالتأكيد لا، أعلم أنك تحب هذه النوعيّة من الأعمال، ولذلك أنت تقرأ هذا السطر الآن بعد احتمال حزن الفقرة السابقة. المسلسل في الواقع قوي جدًا بالمقارنة مع عدد حلقاته القليل جدًا (4 حلقات فقط)، فبالتالي هو وجبة خفيفة، لكن مؤلمة يمكن لك أكلها بين الوجبات الأخرى الكبيرة ذات المواسم المتعددة والحلقات مترامية الأطراف.

والآن، لندخل في صلب الموضوع ونتحدث عن قصة مسلسل When They See Us بشيء من التفصيل والدقة، مُتحدثين عن أهم مزاياه وعيوبه.

أقرأ أيضًا: ردود فعل إيجابية حول فيلم Avengers: Endgame!

*المراجعة خالية من الحرق*

مسلسل When They See Us  تدور أحداثه في فترة الثمانينات. حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية في حالة من الرفض الجزئي لذوي البشرة السمراء. أجل، مُعترف بهم في الأعمال والحقوق المدنية والقضائية والسياسية والمواريث وكل شيء، لكن بداخل الشعب الأمريكي كان يوجد نبذ غير محسوس لهم. ولذلك المجتمع ينتظر أي خطأ أو مشكلة ينخرط فيها أحد ذوي البشرة السمراء، فيتدخل القانون بالعنف ليُحول الأمر إلى قضية رأي عام تجعلهم في نظر المجتمع عبارة عن أشخاص يحتاجون إلى تأهيل نفسي في السجون كي يُكفروا عن خطاياهم. ومن هنا بدأت قصتنا..

في يوم من الأيام يذهب 5 شباب إلى المُنتزه العام ليلًا ليتسكعوا، لكن يجدوا جمهرة من الشباب يتنمرون على سيدة بيضاء البشرة كانت تركض في دوامها الليلي المُعتاد. وتم الاعتداء عليها من قبل آخرين بعنف، ثم تركوها تنزف بشدة وحالتها مأساوية تمامًا. وفجأة تأتي الشرطة لتقوم باعتقال كل شخص تقع أيديها عليه. وبالفعل بعدها تم أخذ مجموعة شباب للاستجواب، وكلهم تحت السن القانوني ما عدا واحد، وكلهم لم يرتكبوا أي جرم على الإطلاق. لكن بدلًا من يتم استخدام المنطق في الحكم عليهم، ظهرت نزعه نبذ ذوي البشرة السمراء لتجعل الأهواء الشخصية تطغى على حكم المنطق.

خلال مسلسل When They See Us نحن نتتبع صراع هؤلاء الفتية في هذا العالم الظالم، ونحاول متابعة سير حياتهم منذ لحظة ذهابهم في مرح إلى ذلك المتنزه، وحتى نهائية القصة حيث توجد خاتمة من أروع ما يكون.

هذه الأيام تعيش أمريكا عصرًا مجيدًا من الحريّة (على الصعيد الإعلامي)، فبالتالي من الصعب جدًا صدور عمل فني يحاول التقليب في صفحات الماضي، وتشويه صورة التحرر الحالية التي هي عليها البلاد. لكن هذا المسلسل لم يخف، فهو إنتاج أمريكي يُظهر نواقص المجتمع الأمريكي في فترة زمنية ما. كما أنه تعرّض إلى وجوه إعلامية وسياسية، ولم يتورع عن إظهار حقيقتها والتقليب في ماضيها أيضًا. كل هذا من أجل إيصال صورة أكثر مصداقية إلى المشاهد عن أبعاد هذا العصر الصعب. ولهذا When They See Us عمل جريء جدًا.

ربما تبدو القصة بطيئة السرد من الوهلة الأولى. حسنًا، بربكم، دائمًا ما تكون أنواع الحبكات تلك ذات حبال طويلة ويتم حرق حلقات وحلقات من أجل الوصول إلى نهاية. لكن الأمر هنا مختلف، الأحداث متسارعة جدًا. والذي أعطى الشعور بهذا التسارع هو الـ Cuts التي اعتمدتها المخرجة. حيث عمدت إلى إظهار مشهد لمدة دقيقة لشخصية مُعينة، ثم مشهد لمدة دقيقة لشخصية أخرى، وبعدها بدأت في تقليل الفترات الزمنية الخاصة بظهور كل شخصية على الشاشة، لتجد نفسك في النهاية مع سلسلة إطارات قصيرة المدة وذات تأثير قوي يبعث على الخوف والرعب. تخيل أنك تتابع مقطعًا مدته 3 دقائق، وبمعدل كل 10 ثوان تتعامل مع مشهد جديد به شخصية مُعينة تقول شيئًا جديدًا تحت وطأة الرهبة والخوف وهي تبكي بحُرقة؟ إن الأمر قابض للنفوس فعلًا، ولهذا When They See Us مميز.

حسنًا، هذه نقطة تُحسب لصاحل المسلسل فعلًا. من المفترض أن المسلسل مُقام في حقبة ثمانينات القرن التاسع عشر، فبالتالي آليات التصوير الخاصة به بالضبط مثل نوعيّة إعلانات التلفاز المصري في أول 5 سنين من بداية الألفية الجديدة. الصورة تكون مهزوزة وبها الكثير من الضوضاء والصوت المصاحب لها يكون به تشويش استاتيكي مُعتاد.

في منتصف التصوير الطبيعي للمسلسل بدقة 1080p بعدسات سينمائية، نجد بعض المقاطع التي تم تصويرها بتلك التقنيات القديمة جدًا، وذلك كي تُحاكى تلك الفترة جيدًا. وضع تلك التفاصيل الصغيرة حقًا أعطى بُعدًا آخر لتجربة المشاهدة جدًا.

أقرأ أيضًا: “هيا الشعيبي” تستعد لتقديم مسرحية “عودة ريا وسكينة” في عيد الفطر القادم

الذي لفت نظري في مسلسل When They See Us هو أن أغلب الشخصيات تحت السن القانوني. أي ببساطة: أطفال.

عندما تُقدم شخصية طفل، فبالتالي أن تجعل المشاهد أمام عمل غير قابل للتوقع على الإطلاق. ردود الفعل يمكن أن تتبدل في لحظة، ويُمكن للطفل أن يفعل أي شيء خاطئ تحت مُسمى الرغبة أو الخوف من شخص آخر كبير في السن. هذا يجعل المُشاهد في حالة من الحيرة والتوجس، مما يجعله متسمرًا أمام الشاشة ليعلم ما هو قادم. ذلك جعل بناء الشخصيات منطقيًّا، لأن أيًّا كان الفعل الذي سيحدث أمامهم، رد الفعل سيكون تلقائيًّا بشكلٍ يتناسب مع الفعل الأصلي. فهنا أنت لا تحتاج إلى ماضٍ وتاريخ كي تتوقع ردود الفعل بناء عليه، أنت فقط تحتاج إلى الخوف أثناء تنفيذ الموقف لتضمن نتيجة ثابتة.

عندما نتحدث عن التمثيل في مسلسل When They See Us يجب أن نتحدث عن تمثيل الأطفال. ببساطة تمثيلهم جيّد، ليس بالممتاز أو السيء، لكن جيّد. في النهاية أنت لا تتوقع أداءً عبقريًّا من أطفال تم وضعهم تحت وطأة قانون تعسفي. الحزن والبكاء هو كل ما يمكن أن تتوقعه. وفي النهاية لم يسمح الأسلوب الإخراجي بإبراز قدرات الممثلين حتى. قدرة الممثل تظهر مع المشاهد القريبة، وفي هذا المسلسل كانت المشاهد القريبة معدودة جدًا، فبالتالي نم نرَ أي قدرة فعلية للأطفال للأسف.

مسلسل When They See Us من إخراج Ava DuVernay، وهي مخرجة ليس لها أعمال إخراجية كثيرة سابقة، فهي كانت تعمل في مجال الإعلانات والاستشارات السينمائية أكثر. وأبرز الأعمال التي عملت عليها هو فيلم A Wrinkle in Time، والذي صدر بعام 2018 وحصل على تقييم 4.2/10 على IMDb.

الإخراج متوسط في الواقع، لم أجد زوايا ممتازة أو مشاهد تناسب المُعاناة التي مر بها الأطفال. حسنًا لكن كان الأمر متسارعًا، وهذا جيد بالنسبة للحبكة. لكن كنت ألريد رؤية مونولوج داخلي واحد لشخصية واحدة حتى، هذا ضايقني فعلًا. لكن المشهد الختامي للحلقة الثانية جعلني أتناسى هذا الأمر قليلًا.

أقرأ أيضًا: أهم الأفلام الهندية في 2018 وZero في الصدارة

الموسيقى ممتازة، وتناسبت مع أجواء المشاهد. كانت في محلها تمامًا واستمتعت بها جدًا.