فيلم Inside.. بين الفن والسرقة تورط ويليم دافو في معركة وجودية من أجل البقاء!
5 د
“إن أقدم وأقوى الانفعالات البشرية هو الخوف، وإن أقدم وأقوى أنواع الخوف هو الخوف من المجهول” هذا ما يقوله كاتب أدب الرعب الأمريكي "هوارد فيليبس لافكرافت".
وفي السينما، لطالما ارتبط عنصر الخوف بشكل رئيسي بأفلام الرعب أو أفلام الإثارة النفسية أكثر من أي نمط آخر من الأفلام، على الرغم من أن الخوف قد يكون موجودًا بمفاصل الحياة كافة، سواء في العلاقات الإنسانية الاجتماعية أو العاطفية، وغيرها.
وفي فيلم "Inside" الذي تستعرضه "أراجيك" لك عزيزي القارئ ضمن هذا المقال، نلاحظ أن العمل ينتمي إلى أفلام الإثارة النفسية، كون بطل العمل نيمو "ويليم دافو" يعيش صراعًا نفسيًا مع الحياة التي لا يرغب مغادرتها.
ولا أحد منا نحن البشر يريد ذلك، ولو كان في الدرك الأسفل من المجتمع. فمقدار حبنا للحياة سيظهر في المواقف الصعبة، حينما نشعر أن هناك من يقايضنا على حياتنا، وقتها سندافع بقوة عن وجودنا، مع اللحظة التي نعي فيها الأمر، فيصاب دماغنا بحالة من الشلل المفاجئ للحظاتٍ قليلة، نتيجة الرعب والخوف من فداحة الكارثة.
يختلف الخوف الذي تحدثه أفلام الرعب عن أفلام الإثارة النفسية على الرغم من أن عامل التوتر يتزايد في الحالتين، فالنوع الأول (Horror) غالبًا يعتمد على مشاهد العنف والدم والصدمة ويحتوي على وحوش أو سايكوباتيين، أما الثاني (Psycho Thriller) إلى جانب التحدي الذي تخلقه في روح الشخصيات، تستكشف جوانب مظلمة في النفس البشرية، وتقوم بالتلاعب بمشاعر المشاهدين وعقولهم.
البطاقة الفنية لفيلم Inside
Inside
فيلم Inside /في الداخل، يتتبع قصة نيمو سارق فني محترف، نشاهده يقتحم شقة فخمة ضمن بناء شاهق الارتفاع في بنتهاوس /نيويورك، صاحبها الذي يهوى جمع اللوحات الفنية غادرها لأشهر. هناك فريق ساعده على الاقتحام ولكن من الخارج، يتواصل معهم عبر جهاز لاسلكي لتخطي أنظمة الأمان الذكية. نيمو وجماعته يسعون للاستيلاء على لوحات “إيغون شييل”، إلا أن اللوحة المبتغاة ليست في مكانها، فيبدأ نيمو عملية بحث سريعة عنها قبل انتهاء الوقت، لكن دون جدوى. لتخرج الأمور عن مسارها، بعد اشتغال نظام الأمان مطلقًا صفارات الإنذارات، ويتم إغلاق الباب الأمامي المزخرف، ليبقى اللص نيمو عالقًا في المنزل الفاحش بالفن والتكنولوجيا، بعد تخلي الفريق عنه. ويدرك بعد محاولاتٍ تبوء بالفشل، أنه حبيس هذا المكان الثري، وأنه علقة صغيرة وسط هذه الجدران المعمارية.
بمرور الأيام يصير الوقت صعبًا للغاية، مع قلة توفر مستلزمات الحياة اليومية الضرورية، كالمأكل والمشرب، فالمنزل خالي الوفاض منها، عدا بعض النبيذ والكافيار والصلطة، هذا كل ما في الثلاجة. حتى مصادر المياه غير كافية، ومتواجدة من خلال نظام الري الخاص بالحديقة الداخلية، والمسبح، وحوض الأسماك.
حتى أن نظام الحرارة معطلًا، درجة الحرارة تكون أقصاها عند الارتفاع والانخفاض. ومع الرغبة العميقة بالنجاة والخلاص، لا يجد أمامه سوى استخدام الفن وتدميره عله ينجو، كمحاولته كسر الباب بواسطة تمثال صغير.
لكن هل ينجو نيمو ويغير مصيره؟
عرض المزيد
إنتاج
2023
إخراج
فاسيليس كاتسوبيس
بطولة
“حين كنت طفلًا، سألني معلمي ما هي الأشياء الثلاثة التي سأنقذها إذا احترق منزلي.
أجبت: كراستي الخاصة بالرسم، ألبومي لفرقة أيسي ديسي، وقطتي غروتشو.
القطة ماتت، وأهديت الألبوم لصديقي، لكنني احتفظت بكراسة الرسم.
تموت القطط.. تتلاشى الموسيقا.. لكن الفن يبقى للأبد.”
هذه الكلمات وردت كتعليق صوتي على لسان نيمو وتكررت لاحقًا، الشخصية الرئيسية والوحيدة كذلك الأمر في فيلم Inside. أخبرنا من خلالها عن ماهية الفن في حياته، لكنه لم يدرك ما قد يفعله هذا الفن به، وما سيأخذه منه بلحظة.
فيلم Inside /في الداخل، يتتبع قصة نيمو، وهو سارق فني محترف، نشاهده يقتحم شقة فخمة ضمن بناء شاهق الارتفاع في بنتهاوس /نيويورك، صاحبها الذي يهوى جمع اللوحات الفنية غادرها لأشهر. هناك فريق ساعده على الاقتحام ولكن من الخارج يتواصل معهم عبر جهاز لاسلكي لتخطي أنظمة الأمان الذكية. نيمو وجماعته يسعون للاستيلاء على لوحات "إيغون شييل".
إلا أن اللوحة المبتغاة ليست في مكانها، فيبدأ نيمو عملية بحث سريعة عنها قبل انتهاء الوقت، لكن دون جدوى. لتخرج الأمور عن مسارها، بعد اشتغال نظام الأمان مطلقًا صفارات الإنذار، ويتم إغلاق الباب الأمامي المزخرف، ليبقى اللص نيمو عالقًا في المنزل الفاحش بالفن والتكنولوجيا، بعد تخلي الفريق عنه. ويدرك بعد محاولاتٍ تبوء بالفشل أنه حبيس هذا المكان الثري، وأنه علقة صغيرة وسط هذه الجدران المعمارية.
بمرور الأيام يصير الوقت صعبًا للغاية، مع قلة توفر مستلزمات الحياة اليومية الضرورية، كالمأكل والمشرب، فالمنزل خالي الوفاض منها، عدا بعض النبيذ والكافيار والسلطة، هذا كل ما في الثلاجة. حتى مصادر المياه غير كافية، وموجودة من خلال نظام الري الخاص بالحديقة الداخلية، والمسبح، وحوض الأسماك.
حتى نظام الحرارة كان معطلًا، درجة الحرارة تكون أقصاها عند الارتفاع والانخفاض. ومع الرغبة العميقة بالنجاة والخلاص، لا يجد أمامه سوى استخدام الفن وتدميره عله ينجو، كمحاولته كسر الباب بواسطة تمثال صغير. لكن هل ينجو نيمو ويغير مصيره؟
ويليم دافو وموجة من التقلبات المختلفة
ما يميز أفلام الصراع من أجل البقاء على قيد الحياة، أنها تكثر فيها التساؤلات، وتدفعك لطرح المزيد من الاستفسارات قبل حتى أن تحصل على إجابة واحدة. تحديدًا النوع الذي تدور أحداثه في مكانٍ واحدٍ، كحال فيلم Inside، فالحكاية هنا خالية من الحوارات، أنت تشاهد كائنًا بشريًا يتطلع إلى الحرية، يواظب على ابتكار حل لمشكلته، والانعتاق من الجحيم الذي سيهلك فيه.
نيمو المحب للفنون، عالقٌ في أحلامه التي صارت كابوسًا، هو ذاك الطفل الذي قرر إنقاذ كراسة الرسم في الحريق المفترض بمنزله، لأن الفن لا يموت، لكن عندما يتم وضع الفن والروح معًا في خندق واحد، فإن غريزة البقاء هي التي تفرض نفسها، والجنة التي كان يشعر بها بوجود الفن تنقلب إلى جحيم.
يقدم ويليم دافو أداءً جيدًا، في نقل تقلباته النفسية والجسدية المختلفة، فهو الروح الوحيدة التي تنبض في ذلك المكان المترف، على الرغم من جماليات اللوحات الفنية التي تتركك لساعاتٍ تتأمل فيها، وروعة التصميم الداخلي للمنزل الأحادي اللون، والذي غالبًا ما يطمح كثيرون لامتلاك منزل مصمم على الطراز الحديث مثله.
إلا أن كل شيء هناك خالٍ من الروح، كما الفيلم تمامًا، لوحة فنية باردة ينقصها أن تدعك تشعر بها، خالٍ من عنصر التشويق، هو عمل عن الاستقراء الفلسفي لفكر الإنسان، وإمكانياته العقلية، والإرادة العمياء التي تحركه عندما يواجه خطرًا حتميًا، وكيفية تعامله مع تأزمه النفسي في ظل ما يهدد وجوده في هذا الكون.
وكيف أن نيمو سارق وفنان في ذات الوقت، هذا التفصيل الوحيد الذي ينقل لنا خلفيته، وعلى الرغم من شناعة امتهان السرقة، إلا أنه يتمتع بحساسية عالية صوب الفن. حاول أن يهرب من سجنه هذا عبر الفن، من خلال الرسم على الحائط، ورسم إحدى الشخصيات التي شاهدها من خلال كاميرات المراقبة، وهي عاملة تنظيف البناء. وبالاستعانة بالقماش والخشب للتعبير عن الإبداع، كما كان يكسر حاجز الصمت في أثناء إعداده بعض الأطعمة، وكأنه صاحب برنامج تيك شو، خاص بالمطبخ.
أضافت لمسات الإخراج والتصوير جمالية للمشاهد، من حيث إبراز عوامل التغيير في جسد نيمو بفعل الوقت -على الرغم أن المدة الزمنية التي انقطع بها ليست معلومة- من شحوب الجلد، وامتقاع الوجه، وتصرفاته مع اقترابه بلحظة من الجنون، لفقدان خاصية التواصل مع أي بشري آخر.
فيلم Inside يتطرق لعلاقة الرأسمالية والفنون، واستغلال الأولى للثانية، والرغبة في تجميع الأعمال الفنية بهدف التفاخر الاجتماعي، لا من أجل الفن ورؤيته الجمالية التعبيرية وأهميته في حياتنا. أيضًا يتساءل عن مدى تحمل الفرد للعزلة، وقدرته على الاستغناء عن التواصل الإنساني، وإدراك خطورة الحماقات التي يرتكبها نتيجة سلوكه غير المسؤول.
الفيلم قسم الآراء حوله بين معجب بقيمته الفنية ورافض له ولاستهلاك فكرة الصراع من أجل البقاء ضمن هذه الحبكة. وأنت عزيزي القارئ ما رأيك بالعمل؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.