فيلم The Covenant.. ما المختلف في عهد جاي ريتشي عن سينما الحرب الأفغانية؟
5 د
حروب عديدة خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية في مختلف أصقاع الأرض، انتهكت سيادة دول، واغتصبت أراضي، وشردت شعوب، وكل هذا لم تكتفِ بعد.
بل حاولت دومًا أن تجمل صورتها من خلال عيون الفن السابع، وأن تظهر بصورة "الأم تيريزا"، الملاك الحارس للإنسانية والحق. فمنذ البدايات -انتشار فن السينما- أدركت السياسة الأمريكية مدى تأثير السينما في الجماهير، وعرفت أنها لتكون الطرف الأقوى والرابح دومًا في جميع المعادلات، عليها بناء التحالفات مع رجال الفن.
شهدت العلاقة الوطيدة بين هوليوود والبيت الأبيض، إنتاجات سينمائية هامة، وكان فيلم "The Wigs" -حاز على أول جائزة أوسكار- الافتتاحية لإنتاج أفلام تمجد بطولات الجندي الأمريكي، وتتغنى بمنجزاته. وهذا ما شاهدناه تباعًا في الأعمال التي تناولت الحرب الباردة، وحرب الفيتنام، وحرب الخليج الثانية، وحرب أفغانستان، وغيرهم.
لكن تلك العلاقة تعرضت لبعض النكسات في فترات مختلفة، كما أن بعض المخرجين رفضوا إملاءات السياسيين الأمريكيين، لأنهم علموا حقيقة حكومتهم، وزيف ما يدعون. وتحديدًا في حرب الفيتنام، حيث نقل صناع الفن حقيقة ما صار هناك، وروت الأثار السلبية التي تركتها الحرب في نفوس الجنود. على سبيل المثال فيلم "Apocalypse now" للمخرج "فرانسيس فورد كوبود".
تعد حرب أمريكا في أفغانستان، أطول حرب في تاريخها حيث امتدت 20 عامًا، وقدمت هوليوود أفلام عدة عن الحرب التي كبدت الأمريكان خسائر فادحة، آخرها كان فيلم "The Covenant" للمخرج "جاي ريتشي". الفيلم يختلف مع جميع الأفلام الحربية، ومنها الأفلام التي تطرقت لحرب أفغانستان، فهوليوود قدمت الأفغانيين خلال الحرب الباردة ضمن إطار الخير والمستضعفين الذين يجب مؤازرتهم، فيما كانوا الأعداء الإرهابيين بعد أحداث 11 سبتمبر /أيلول 2021.
لكن ما المختلف في عهد جاي ريتشي عن الحرب الأفغانية، هيا لنتعرف في هذا المقال مع أراجيك فن...
The Covenant – العهد
تدور قصة الفيلم حول الجندي جون خلال جولته الأخيرة من الخدمة العسكرية في أفغانستان حيث يتعاون مع مترجم من السكان المحليين اسمه أحمد الذي يخاطر بحياته لنقل جون المصاب عبر أميال من الأراضي الصعبة إلى بر الأمان.
عرض المزيد
إنتاج
2023
إخراج
جاي ريتشي
بطولة
متاح على
قصة فيلم The Covenant
يؤكد المخرج جاي ريتشي عَبر فيلمه "العهد" على المعلومة التي يدركها الجميع، وحتى أمريكا نفسها، وهي أنها فشلت في حرب أفغانستان كما في العراق وفيتنام. لا يحاول التفخيم بالأمريكان، وأيضًا لا يهاجم مواطنيه.
يأخذنا "ريتشي" عَبر حكايته إلى عام 2018، في الفترة التي ظلت فيها أمريكا توهم مَن يصدق نواياها المخاتلة، أنها تريد مكافحة الإرهاب في أفغانستان.
يتتبع The Covenant الرقيب الأمريكي "جون كينلي"، قائد فرقة النخبة المسؤولة عن تعقب حركة طالبان، وكشف مخابئ الأسلحة السرية ومصانع العبوات الناسفة، للتخلص منها.
يتعرض الفريق وعلى حاجزهم العسكري، إلى عملية تفجير تودي بحياة مترجمهم المحلي، ما يدفع بكينلي لتعيين مترجم جديد، ويقع الاختيار على "أحمد عبد الله" الذي عمل في مجال الميكانيك، وتاجر سابقًا في الهيروين إلى جانب أخيه.
في البداية كان أحمد مناصرًا لحركة طالبان، لكنه انقلب ضدهم بعد أن قتلوا ابنه. وهو الآن يقف إلى جانب الأمريكان، لأنه ناقمٌ على ميليشيا طالبان، ويكره نهجهم، ولرغبته في الخروج من البلاد والانعتاق من الحرب. فالولايات المتحدة وعدت المترجمين الأفغان، منحهم تأشيرات دخول أمريكا للعيش والعمل.
يستمر الأمريكيون بتتبع أثار طالبان لمعرفة أماكنهم السرية، بمساعدة أحمد الذي لا يعمل فقط مترجمًا لهم، بل هو قادرٌ على تحليل الأمور وفك شيفرات ما بين السطور، وقراءة الحالة العامة، نتيجة الفراسة التي يمتلكها، وفهمه للتاريخ والتحالفات. كل ذلك ساعد في تحقيق نتائج سريعة على الأرض، ووصولهم إلى مرادهم.
الحركة أعدت لهم كمينًا، لكن أحمد بذكاءه أفشل مخططهم. الأمر الذي رفع من أسهمه عند كينلي. فيما بعد تمكنوا من اختراق المنجم وأوقعوا عديدًا من القتلى، لكن في النهاية تفوق عليهم عناصر طالبان، لأنهم يفوقونهم عددًا.
كما تعرض كينلي ورجاله إلى إصاباتٍ بليغة، ومنهم من قُتل على الفور. أمًا أحمد فقد تمكن من النجاة، والهرب رفقة كينلي المصاب، لكن الطريق أمامهم للعودة إلى القاعدة الجوية باغرام، طويلة وخطيرة عَبر أراضي العدو الشاسعة والملأى بالصخور، خصوصًا أن أحمد يجر كينلي عَبر نقالة متهالكة، والاثنين مطلوبان، الأول هو خائن وعميل، والثاني هو العدو. كيف ستكون المواجهات وما هي الصعوبات التي قد تعترض طريقهم؟
دراما حربية بأبعاد إنسانية
على الرغم من أن فيلم The Covenant يصنف دراما حربية، لا يحاول المخرج جاي ريتشي تقديمه ضمن هذا الإطار فقط، أراد أن يقدم عهده بأبعاده الإنسانية والأخلاقية.
هي دراما متماسكة وجيدة الصنع من حيث الموضوع وأسلوب معالجته، وتصوير المعارك القتالية. حكاية عسكرية أمريكية لكن لا صلة تربط بينها وحالة التعصب الأمريكي أو بما يسمى الشوفينية. يثبت ريتشي بما طرحه أنه لا أحد يريد الحرب، فهي لا تناسب المواطنين بل أسياد الدول ومصالحهم.
هنا في العهد تم التأكيد على أن العلاقات الإنسانية، لا تفرق بينها اختلاف الأديان والأعراق والأيديولوجيات، وهذا ما جرى بين الأمريكي والأفغاني. ولو أن علاقتهم ساورها الشك بدايةً، والظروف متنت هذه العلاقة، تحديدًا التزام أحمد الأخلاقي والإنساني تجاه رئيسه، ورجولته في أخذ خيار المخاطرة بحياته من أجل نقله عَبر الجبال الوعرة وإنقاذه، بعيدًا عن الوعد الأمريكي.
وشعور كينلي لاحقًا بعد أن تقاعد من الخدمة، بالمسؤولية والواجب تجاه تحقيق حلم أحمد بالحصول على تأشيرات الهجرة له ولعائلته، وتحدي البيروقراطية الأمريكية، بعد أن فشلت الحكومة في الوفاء بالعهد مع مَن ساعدهم.
العنصر الأقوى في العهد، هي ثنائية كينلي وأحمد، قدم "جيك جيلينهال" أداءً لافتًا، كجندي صارم لديه نزعة متكبرة حول فكرة نحن الأمريكان مميزون ومتفوقون، سرعان ما كسرها المسؤولية التي أظهرها أحمد في أثناء رحلة الكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة، فكشفت عن شخصية عاطفية محببة.
أيضًا الممثل الدنماركي العراقي الأصل "دار سليم"، كانت تعابير وجهه ونظراته كافية لإيصال أي شعور، وتصوير مدى قوة أحمد البدنية وحدة ذكاءه، وشخصيته الواثقة المتمردة، ولكن العقلانية.
فيلم هزيل ربما كتبه ChatGPT
كتب الناقد "آدم جراهام" ضمن "ذا ديترويت نيوز" متحدثًا عن فيلم العهد قائلًا: إنه فيلم حرب رصين عن حرب أمريكا في أفغانستان، وهو بمثابة تكريم للمترجمين الفوريين الذين وضعوا حياتهم على المحك لمساعدة الجنود الأمريكيين.
أمًا بالنسبة للممثليين جيك ودار فإنهما يتعمقان في نفوس شخصياتهما، ويجسدان موضوعات الفيلم المتمثلة في الثقة والشرف والولاء بمهارة. وربما لا يحتاج ريتشي إلى ستاثام بعد هذا.
في حين اعتبر "روب توماس" في موقع "ذا كاب تايمز" أن العهد فيلم حرب هزيل، لكن مشاهد المعارك فعالة وعميقة، وكنت أتوق إلى أن يكون للحوار مزيد من الألوان والحياة التي اشتهر بها ريتشي. وكأن شخصًا ما دخل على ChatGPT وطلب منه "اكتب فيلم حرب".
فيلم The Covenant للمخرج جاي ريتشي، دراما إنسانية قبل أن تكون سياسية، بعناصر محكمة، وشخصيات درامية ذكية وعاطفية تستحق الاحترام.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.