ثمرةٌ أرستقراطية تُشعل حربًـا. ماذا تعرف عن حرب الأفوكادو؟
6 د
”إذا لم نقضِ على الحرب،
الحربُ هي من ستقضي علينا“.
– ه.ج ويلز
تُقام الحروب وتخمد في سبيل العديد من الأشياء، بعضُها يستعر لاستردادِ حقٍّ ما أُخِذَ بالقوة، وبعضُها يشتعلُ فجأةً لأتفهِ الأسباب، فالحروبُ يبدؤها الرؤساء وكِبار الدول، ويدفعُ ثمنَها الشعبُ والبسطاء. أخمّنُ أنك سمعتَ من قبل عن الحرب العالمية بجولتيها الأولى والثانية، ورُبما إن كنتَ مُتعمقًـا قليلًا في دراسة التاريخ لسمعتَ عن حربِ الألف يوم أيضًا؛ ولكن ماذا عن حرب الأفوكادو؟ ماذا تعرفُ عنها بالتحديد؟
في مقالي اليوم، سنخوضُ تجربةَ الوقوفِ تمامًا في منتصفِ رُقعة الحربِ، وسنختارُ صفوفِنا بعناية، سنشاهد عن كثبٍ المواطنين العاديين وهم يُدافعون بكل ما أوتوا عن ما يعودُ إليهم، وسنُحاول فضّ الصِراع بين الطرفيْن أكثر من مرّة، ولكن هل سننجح يا تُرى؟
اقرأ أيضًا: من الصراع على المياه إلى فرض العقائد وشرف النساء.. أهم أسباب نشوب أقوى الحروب
تاريخ الأفوكادو
يعودُ تاريخ هذه الثمرة إلى ١٥١٩ أو ما قبلَه حين كانت إسبانيا تحتلّ المكسيك، وكان يُطلَق عليها حينَها ثمرة أجواكيتو، وبقيت للعديد من السنواتِ ثمرة مُهمشّة لا يُعيرُها أحد اهتمامَه، وكان العائقُ الأصليّ أمام انتشارِها هو أنها الفاكهة الوحيدة التي تخلو من السُكّر تقريبًا، كما أنّ أوراقَ أشجارِها تُشكّل أخطارًا على بعضِ الحيوانات؛ والثمرةُ نفسَها تُعدّ سامّةً لبعضِ أنواعِ الطيور. وفي عامِ ١٩١٤ قررت أمريكا حظرَ استيرادِها لخوفِها من الآفات والحشرات الزراعيّة التي قد تنقلها للتربة.
ولكن بعد مُرور أكثر من ٨٣ عامًا وتحديدًا عام ١٩٩٧ قررت أمريكا أخيرًا أن ترفعَ هذا الحظر وتبدأ في استيرادِ الأفوكادو من جديد، بل وتُصبحَ في غضونِ سنواتٍ قليلة المُستوردَ الأول لهذه الثمرة في العالم، وهُنا تغيّر اسم هذه الثمرة لاسمٍ أكثر رقيًا ليتماشى مع كل تلك الدعاية التي تُروّج بأنها ثمرةٌ أرستقراطية، ووقع الاختيار على اسم ”الأفوكادو“.
الأفوكادو، بينَ الدعايةِ والصحّة
وخلال سنوات قليلة أصبحت لهذه الثمرة شعبيةً واسعة في العالم كله، ولم يكن السبب يكمُن فقط في بدءِ استيراد أمريكا لها بكميّاتٍ ضخمة ولكن الحملات الإعلانيّة والأبحاث العلميّة قد لعِبتا دورًا مُهمًا أيضًا. فقد نجحت تلك الحملات الإعلانيّة في إقناعِ عامةَ الشعب أن هذه الثمرة ثمرةٌ فاخِرة لن يستطيع شراؤها سِوى أصحاب الذوق الرفيع والطبقة الأرستقراطية، وبالفعل بدأ سعر الأفوكادو بالتفاقُم بشكلٍ ملحوظ. وعلى الصعيدِ الٱخر أثبتت الأبحاث العلميّة أنّ للأفوكادو فوائدَ عِدّة ومن أهمهّا:
- علاج هشاشة العِظام.
- تسريع التئام الجروح.
- انخفاض فرص الإصابة بالسرطان.
وبحلولِ عام ٢٠٠٠، أصبحَ الاستهلاك السنويّ للفردِ الأمريكيّ الواحد حوالي 4 كيلو غرام.
وبعد حوالي ٨ سنوات، زادَ هذا المعدّل بصورةٍ كبيرة ليصبحَ 16 كيلو غرام سنويًا للفرد الواحد. أمّا في أوروبا فقد تضاعفَ استهلاك الأفوكادو بأكثر من ٥ مرات في عام ٢٠١٩ مُقارنةً بعامِ ٢٠٠٠، وبالطبعِ أكثر دولة استفادت من هذه الشعبيّة المُتصاعدة للأفوكادو كانت المكسيك. والمكسيك ليست هي الموطِنَ الأصليّ للأفوكادو وفقط؛ بل هي أيضًا أكبر الدول إنتاجًا له في العالم حتى يومنا هذا، فهي تُنتج وحدها أكثر من 43% من الإنتاج العالميّ.
ولكِن إلى الآن يبدو الأمر عاديًا ومُربحًا لكافةِ الأطراف، فأين حرب الأفوكادو إذًا؟
القصّة بدأت في اتخّاذِ مجرى آخر في غربِ المكسيك حيثُ ولاية ميتشواكان والتي تُصدّر بدورِها 70% من الإنتاج الكليّ للمكسيك، ولهذا بدأت الأنظارُ في الالتفاتِ نحوها.
في عام ٢٠١٨ صدرّت ميتشواكان وحدَها للولايات المُتحدّة الأمريكية محصولًا من الأفوكادو تُقدّر قيمته بحوالي 2.4 مليون دولار، وبالطبعِ كانت هذه الأرقام كفيلةً بانتشالِ آلاف الأسرِ من دائرةِ الفقر التي حوصِروا داخلها للكثيرِ من السنوات، ولكنها في نفسِ الوقتِ جذبت نحوَها أنظار الناس واستقطبت رائحةُ الأموال تُجّار المخدرّات الذين تكثُر أعدادهم بشكلٍ عام في المكسيك، إذ يعتمدُ أكثر من 3.2 مليون فرد مكسيكيّ في دخله على الاتجّار في الممنوعاتِ بمختلفِ أشكالِها.
حرب الأفوكادو: ثمرةٌ أرستقراطيّة كانت السبب
بدأت شرارةُ حرب الأفوكادو من هُنا بالاتقّادِ، حيثُ بدأوا بالسطوِ على الأراضي وإجبارِ المُزارعين على زراعتِها تحت تهديد السلاح ومن ثمّ يستولون على المحصولِ كله، لتُصبحَ العصابات مع الوقتِ هي المالكة غير الرسمية للحقول. وبحسبِ تقريرٍ قد نشرته مؤسسة مُكافحة الجريمة؛ في يونيو ٢٠١٩ تمّت سرقة 48 طنًا من خلال تهديد سائقي الشاحنات المُحملّة بالمحاصيل، ولكن السؤال هُنا لماذا لا تتحرك الحكومة أو الشُرطة لوقفِ كل هذا العبث؟
وقد جاءت إجابة تساؤلنا متأخرّة قليلًا، ففي أغسطس من نفسِ العام اعترضت العصابات طريقَ مُفتشّي وزارة الزراعة الأمريكية وهددوهم بالسلاح. أيْ أن حتى الشُرطة هناك لا تستطيع مُواجهة تلك العصابات والسبب ببساطة هو أنهم لا يملكون العدد أو الأسلحة الكافية لهذه الخطوة. أيْ أن السلطات المسؤولة عن المُواطنين هناك لا تملكُ القُدرة حتى على تأمين نفسها، فما بالك بتأمين آلاف الأسر؟
ولأن المُزارعين أدركوا هذا مُبكّرًا، بدأ مُعظمهم بشراءِ السلاح وقرروا حماية أراضيهم بنفسِهم، وذلك كان منذ حوالي ٧ سنوات حيث وقعت حادثة ”ماريا إيرين“ عام ٢٠١٣؛ حينَها اختطفت عصابةٌ ما ابنةَ أكبر زارعي الأفوكادو تُدعى ماريا وطلبوا من والدها فديةً بقيمةِ 600 ألف دولار، وبالطبعِ لم يكن يملك هذا المبلغ وعرض عليهم الحصول على ملكيّة الأراضي مُقابل استردادِ ابنتِه. ولكن قبل أن يُقبَل العرضَ أو يُرفَض كانت ماريا قد تعرضّت للاغتصابِ ثم القتل!
وكانت هذه الحادثة بمثابة الشرارة الأولى التي تبعتها انتفاضة المُزارعين وخروجهم عن صمتِهم. ولكن على الرغم من كفاحِ المُزارعين وجهودهم المُكثّفة إلا أنهم لم يستطيعوا أن يقضوا على تلك العصابات وحدهم، خاصّةً وأنّ كلًّا من الحكومة والشُرطة يخافون التدخّل، وكل ما استطاعوا فعلَه هو توفير قدرٍ معقولٍ من الحماية لأراضيهم وأهلهم.
اقرأ أيضًا: الشاي وتأثيره: حروب تُقام وثورات تتأجج
الصراع مستمرٌ على الذهبِ الأخضر
وقد تحولّت تلك الثمرة في ليلةٍ وضُحاها من طعامٍ للبسطاء إلى ذهبٍ المكسيك الأخضر الذي تتصارعُ عليه عِصابات المُخدرات بشكلٍ هستيريّ. ولكن هل سألتَ نفسَك لماذا كل هذا الزخم الذي أحاط بهذه الثمرة؟ ولماذا تُركزّ عصابات المخدرّات على الأفوكادو عوضًا عن كل تلك الثِمار الأخرى؟
والسببُ ببساطةٍ هو أن الطنّ الواحد من الأفوكادو يُساوي 2000 دولار، فما بالُكَ بخمسين فدانًا؟ بالإضافةِ إلى أنها تجارةٌ مشروعة ومُربِحة في آنٍ واحد، في حين أن الاتجّار بالمخدرّات والأفيون المكسيكيّ، إلى جانبِ مخاطرِه القانونيّة، إلا أن الطلبَ عليه أيضًا بات في تراجعٍ في السنواتِ الأخيرة.
*الأفيون هو مادّة مُخدّرة تُستخرج من نبات الخشخاش وتُستخدم في صناعة الهيروين*
وقال أحد المُزارعين: ”من المُستحيل الاستمرار في تحمل هذه الخسائر الفادحة“ مُضيفًا أن الفشلَ في إيقافِ سرقةِ هذه المحاصيل سيكون له تأثير حتميّ لا يُمكن إصلاحه على المدى البعيد.
والجدير بالذِكر أن الرئيس المكسيكيّ ”أندريس مانويل لوبيز“ وعد بوضعِ استراتيجيّة جديدة لمُكافحة تلك الجرائم المُتتالية، ولكن العُنفَ مستمرٌ بلا هوادة في جميعِ أنحاءِ البلاد، وعلى رأسها تتصدرُ ماتشيواكان، حيث قفزَ عدد التجمعات الإجراميّة بها من ٤ إلى ٢٥٠ الآن.
في الوقتِ الراهِن، هُناك عِدّة حملات مُقاطعة في أمريكا للأفوكادو المكسيكيّ نظرًا للمآسي التي يضطّر المزارعون للتعرضِ لها في سبيلِ وصولِ تلك الثِمار للأراضي الأمريكيّة، ولكِـن برأيك هل هذا هو الحلّ الأمثل لفضّ تلك الحرب؟
اقرأ أيضًا: صداقات غريبة بين الأعداء تم عقدها أثناء الحروب !
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.