صانعة أمان أو “فيديو البقلاوة”.. نسوية مفتعلة لاستجداء حقوق إنسانية أصيلة
5 د
في منتصف شهر ديسمبر من عام 2020 أطلقت منظمة “أبعاد” اللبنانية فيديو Baklawa Got Legs، ضمن حملتها “النسوية” التي تحمل عنوان “صانعة أمان”، واختارت الفنانة اللبنانية ريمي عقل لتكون وجهًا إعلاميًا لتقديم هذا المحتوى، فهل نجحت المنصة في انتقاد النظام الأبوي والعنف ضد المرأة بأنواعه؟
هل “أنتِ” فعلًا برقة “العجين”؟
يبدأ الفيديو المقصود بتناول وصف المرأة بالبقلاوة وفقًا لما يطلقه عليها النظام الأبوي الذي تفرضه المجتمعات العربية على النساء، ثم تستطرد ريمي عقل شارحة ما المقصود بحلوى “البقلاوة”، فتقول: “البقلاوة هي نوع حلو عربي مصنوع من رقائق العجين، الزبدة، السكر، الجوز، اللوز، وقصص”، في وصف يرسخ المقصود ويعطي موافقة ضمنية على الأمر، فلم يكن هناك اعتراض على تشبيه المرأة بالحلوى -والتي هي إنسان بالمناسبة- سواء بشكل مباشر أو حتى غير مباشر.
كان يمكن للفيديو أن يمر مرور الكرام لولا أن منصة “أبعاد” التي نشرته، والتي تأسست عام 2011، تعرف نفسها كمنصة تعمل على دعم المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، لكنها لم تجد غضاضة في تشبيه المرأة بنوع حلويات مصنوع من العجين، وخاطبت الرجل بضمير المخاطبة “أنت”، دون أن تصفه بالبسبوسة أو “التبولة” اللبنانية مثلًا، وفوتت فرصة وضعه في موقف شبيه لقياس مدى تقبله للأمر.
بل واصلت ريمي عقل التحدث عن المرأة واصفة إياها بالبقلاوة مثلما يفعل النظام الأبوي الذي كان يبدو عليها علامات الاستياء وهي تشير إليه في أول الفيديو. والمُشاهد للمحتوى ربما قد يتساءل عن السبب الذي جعل صناعه يقبلون فكرة “تشييء” المرأة وتصويرها كسلعة سواء كانت حلوة أو مالحة، وتعزيزهم لفكرة الحلوى سواء التي يجب أن تغطى أو لا، والتي تبغضها وتواجهها مبادئ النسوية.
في نهاية هذه الفقرة أترك لكِ الإجابة عليهم.. هل أنتِ فعلًا برقة رقائق العجين؟
مدى “نسوية” مطالب النساء في “صانعة أمان”
في 1837 صاغ الفيلسوف الفرنسي شارل فورييه، مصطلح النسوية، واستُخدم باللغة الإنجليزية لأول مرة في القرن الـ 19، وتُعرف النسوية اختصارًا بالمساواة بين الجنسين (الرجل والمرأة)، ورفض القمع القائم على أساس النوع الاجتماعي، ودعم مصالح وحقوق النساء.
لم تكن لتظن الصحفية الشامية هند نوفل، والتي تُعد أولى المناضلات العربيات في مجال النسوية، والتي بدأت كفاحها النسوي في 1892م بتأسيسها لمجلة “الفتاة”، أن عام 2020 سيظل يشهد هذا النوع من التمييز بين الرجل والمرأة، على أساس النوع الاجتماعي، دون النظر إلى ضرورة المساواة بين البشر، وحصول المرأة على حقوقها كاملة باعتبارها إنسانًا فاعلًا في مجتمعه أيًا كان موقعه، بل والتدني إلى قبول وصفها بـ”البقلاوة”.
تواصل ريمي عقل شرحها لمعنى أن تكون المرأة مساوية للبقلاوة في الشوارع العربية، وتوضح لنا هي وزملاؤها بالعمل بمثال لموقف تُوصف فيه المرأة بهذا النوع من الحلويات، حين يقول شاب بالشارع إلى فتاة: “شو البقلاوة صار إلها رجلين وبتمشي!”، لكن لا تظن مثلي من أول وهلة أنها ستعترض على هذا النوع من التحرش والاعتداء على الحريات.
تستطرد كلامها بأن البقلاوة الحلوة التي “تحلّي” حياتك تخاف منك، وهنا ترجم عقلي الكلام إلى الآتي: “المرأة البقلاوة التي خلقها الله لمتعتك وخدمتك تخاف منك طوال الوقت لأنك تشكل خطرًا لا تقدر هي على مواجهته”.
هنا تحديدًا يتضح جليًا بأن صانعي هذا المحتوى يناقضون أنفسهم، فالعمل معروض على منصة “نسوية” ومع ذلك يهين المرأة ويستخف بقوتها، وقيمتها كإنسان يساوي الرجل في حقوقه وواجباته.
تعزيز التهرب كبديل للمواجهة
هند نوفل لم تكن المناضلة العربية الأخيرة في مجال النسوية بل سارت على خطاها العديد من النساء اللاتي حملن على عاتقهن هذا الكفاح الشاق ضد ذكورية المجتمع وتسلطه الأبوي العنيف، من أشهرهن نبوية موسى التي وُلدت في إحدى القرى بريف مصر، وهدى شعراوي التي وُلدت في صعيده، ثم الأديبة مي زيادة، والمناضلة السورية نازك العابد، واللبنانية أنيسة روضة نجار، والمصرية نوال السعداوي، وما زال الميدان مفتوحًا لاستقبال المزيد من المناضلات في ساحته.
أما الفيديو موضوع نقاشنا، فقد تجاهل هذا الكفاح والمواجهات الطويلة والشاقة في مجال النسوية، وصور المرأة ككائن مهيض الجناح، يتهرب خوفًا من التحرش والعنف، بمشاهدة المسلسلات التركيّة، ودون أن يقدم المساعدة والمساندة للنساء المعرضات للخطر، أو حتى ربطهن بقنوات التواصل التي تساعد في حالات العنف والتحرش، ودون أي تشجيع للفتاة والسيدة على اتخاذ موقف قوي يقتلع الخطر المُعرضة له من الجذور.
يتغافل الفيديو كذلك عن ضرب الأمثلة عن المرأة التي تعيل أسرتها في ظل غياب أو تغافل الزوج، أو امتلاكها المقدرة على الوقوف جنبًا إلى جنب مع الرجل بالعمل في مختلف المجالات كالطب والهندسة والإعلام والتدريس، وغيرها من الميادين التي تدل على قوة المرأة كإنسان، عليه أن يُعامل على هذا الأساس، فلا نُقدر المرأة لكونها سيدة فقط، بل ولأنها إنسان عليه أن ينال ما يستحقه من احترام أو يعاقب في حالة الخطأ.
بل وتختصر المادة محل النقاش دور المرأة في حياة الرجل على الأمومة والحب وصنع الطعام والقهوة، كل تلك الأمور التي تمثل لمقدمي الفيديو عناصر صناعة الأمان والطمأنينة للرجل.
خنوع في طلب الحقوق المُستحقة
يُختتم الفيديو بوصلة استجداء وابتزاز عاطفي للرجل ترجوه فيها المرأة -التي تدّعي ريمي عقل أنها تمثلها- بأنها لا تريد أي شيء من الرجل، تريد فقط أن تعطيه، وأن يراها، ويبادلها الشعور، ثم تختتم بالآتي: “أنا صانعة أمان، فماذا تفعل؟”.
هي فقط تتوسل إلى الرجل بأسلوب مبتذل أن يراها كأنها هباءً منبثًا أو سرابًا، وأن عليه أن يعطي ويقدم إليها مثلما تفعل هي.
ثم إذا كانت المرأة لا تريد شيئًا من الرجل حتى الاحترام المتبادل، والحقوق المتساوية، فما الغرض من المحتوى بالأساس؟ هل هو مجرد افتعال لحصد اللايكات والمشاهدات دون إحداث تأثير حقيقي على أرض الواقع فيما يخص قضية المرأة وحقها الأصيل كإنسان؟ إنسان يريد أن يعيش في أمان من التحرش والاعتداء بأنواعهما، وهو ما يجب أن يكفله القانون والمجتمع لها مثلما يفعل مع الرجل؟
في النهاية أرى أن المشكلة الحقيقية التي تواجهها النسوية في وطننا العربي اليوم، هي عدم استيعاب النساء قبل الرجال لمعنى النسوية، ومبادئها الأصيلة، مما ينتج عنه محتويات نسائية تساهم هي نفسها في تشييء المرأة، وتغفل المساواة التي تناضل من أجلها منذ القرن التاسع عشر، لذا على المناضلات النسويات أن يبذلن مزيدًا من الجهد فيما يخص شرح وتوضيح مفاهيم النسوية الحقيقية، بعيدًا عن أي افتعال في طلب الحقوق الإنسانية البديهية.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.