اليوبيل الذهبي لـ ATM … قصة أول ماكينة صراف آلي في العالم

هل نفذ المال السائل معك فجأة؟ لا تنزعج، بدلًا من تعطيل أعمالك والوقوف مطولًا في طوابير البنوك الطويلة التي لا نهاية لها، بات بإمكانك التوجه الى أي ماكينة ATM وإجراء أي عملية مالية بكل سهولة، حيث يمكنك الاستمتاع بالخدمات البنكية بكل سهولة ويسر طوال أيام الأسبوع على مدار الساعة عبر شبكة الصراف الآلي المنتشرة في كل مكان.

هذا ويحتفل العالم هذه الأيام باليوبيل الذهبي لبدء ظهور واستخدام ATM / Automated Teller Machine – ماكينة الصراف الآلي، والتي باتت لعقود جزءًا هامًا من تفاصيل الحياة اليومية لقطاع كبير من الأشخاص حول العالم.

لهذا طلى بنك باركليز البريطاني أول ماكينة صرف آلي في العالم والموجودة بفرع مدينة إنفيلد باللون الذهبي، وقام بوضع لوحة تذكارية، ومد بساط أحمر أمام مستخدميها، كنوع من الاحتفاء بحلول الذكرى الخمسين على ميلادها.

على أي حال، بدأت قصة ظهور  ماكينة الصراف الآلي في نيويورك عام 1939، عندما قام Luther George Simjian – لوثر جورج سيمجيان باختراعها وتركيبها في مصرف سيتي بنك، حيث تخيل مخترعها سيميان آلة داخل حفرة في الحائط تسمح للزبون بسحب أمواله من دون الحاجة للدخول إلى البنك.

ولكنها أزيلت بعد 6 أشهر ليس بسبب عدم كفائته تقنيًا، وإنّما بسبب قلة الطلب وعدم تقبل العملاء لفكرتها، واقتصر استخدامها على عدد قليل من الأغنياء والمقامرين، وبالتالي غاب اسم سيميجيان عن الظهور والشهرة المرتبطة باختراع الصراف الآلي.

لم تطرح الفكرة مجددًا إلّا بعد مرور أكثر من 25 عامًا مما حدث على يد الاسكتلندي John Shepherd Barron – جون شيفرد بارون، والذي يعتبر على نطاق واسع أول من اخترع جهاز السحب الآلي، الذي يستخدمه ملايين البشر في جميع أنحاء العالم، بالرغم من أنّ هناك الكثير من براءات الاختراع التي سجلت إلى مخترعين آخرين في الوقت نفسه.

فقد جاءته الفكرة أثناء عمله لدى شركة De La Rue – دي لا رو، هي مؤسسة بريطانية تأسست في عام 1900، وتُعد جزءًا من مجموعة تتخذ من لندن مقرا لها، وتعمل في مجال الطباعة، وتتخصص بطباعة أوراق البنكنوت والشيكات.

فكانت الشرارة الأولى؛ نتيجةً لأنّ بارون لم يستطع الحصول على النقود، بسبب عطلة السبت و الأحد حينما كان في حاجة ملحة للمال، فتبلورت عنده الفكرة التي كان عنوانها «بنك مفتوح 24 ساعة 7 أيام في الأسبوع»، وهو جالس في الحمام بعدما لم يتمكن من دخول البنك الذي يتعامل معه.

فقد كان بارون في طريقه في أحد أيام السبت من عام 1965م، عندما وصل إلى مصرفه بعد دقيقة واحدة فقط على إغلاقه في وقت الغداء، في تلك اللحظة بالذات حل الإلهام عليه، ومرت فكرة ألمعية في ذهنه، فقال لنفسه: “إذا كان بالإمكان الحصول على لوح شوكولاتة من جهاز آلي في أي وقت في اليوم، فلماذا لا يحصل ذلك مع الأوراق النقدية أيضًا؟!”.

نعم لقد استلهم بارون فكرته من ماكينة تخرج قطعًا من الشوكولاتة، حيث قال في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC عام 2007م احتفالًا بالذكرى الأربعين لفكرته:

في الجمعة التي تلت ذلك المسار الملهم توجه بارون إلى بنك باركليز البريطاني، حيث التقى بمدير تنفيذي كبير يعمل في بنك باركليز البريطاني، فطلب أن يأخذ من وقته 90 ثانية فقط، ليعرض فكرته الخاصة بتقديم الأموال بشكل آلي، فلما سمع المدير الفكرة وفي غضون 85 ثانية وافق رجل باركليز على الفكرة، ولكنه طلب من جون أن يحولها إلى آلة أو ماكينة سهلة الاستعمال، وبالتالي فإنّه سيشتري منه  تلك الآلة الغريبة فورًا.

وقد استغرق الأمر عامين ليتم تنفيذه على أرض الواقع، حيث توصل في النهاية إلى أول نموذج لماكينة صراف آلي.

طبقت الفكرة لأول مرة في يوم 27 يونيو 1967 بمدينة  Enfield – إنفيلد في شمال لندن، حين تم تركيب أول نموذج لجهاز الصراف الآلي لدى بنك باركليز فرع إنفيد؛ وذلك لأنّ نوافذه العالية توفر مساحة كافية أسفلها لضمان أمن وسلامة المعدات.

وكان الممثل الكوميدي البريطاني Reg Varney – ريج فارني، نجم الحلقات التلفزيونية On the Buses أول شخص يستخدم جهاز الصراف الآلي، كنوع من الدعايا في حفل الافتتاح العام الذي أقيم وقتها.

وفي سياق مُتصل، وفي نفس الوقت فكّر المهندس الاسكتلندي James Goodfellow – جيمس جودفيلو هو أيضًا في طريقة تجعل الناس يصلون إلى أموالهم في البنوك بعد إغلاق أبوابها، فكانت فكرة تصميم جهاز مختلف قليلًا عن الصراف الآلي الخاص بـ بارون، حيث يتم فيه استخدام بطاقات بلاستيكية مثقوبة، وبدوره اعتبر بارون أنّ اختراع جودفيلو غير مكتمل.

لكنه جودفيلو فكر أيضًا في طريقة لإثبات هوية المستخدم، فلجأ في البداية إلى التعريف الصوتي أو عبر بصمة العين، لكنه وجد أنّها غير مجدية ليلجأ في النهاية عام 1966 إلى رقم التعريف الشخصي PIN.

ورسميًا كان الجهاز الذي اخترعه بارون يحمل اسم DACS De La Rue Automatic cash System، ثم ابتدع مصطلح ماكينة الصراف الآلي لاحقًا، كـ ترجمة للمصطلح أميركي الأصل، حيث تعود جذور كلمة Teller – صراف إلى اللغة الإنجليزية القديمة، والتي تعني الشخص الذي يقوم بعَدّ النقود ليصبح اسمها Automated Teller Machine، والمعروفة اختصارًا بـ ATM.

بعد وقت قصير على افتتاح باركليز لأول جهاز سحب آلي، وتحديدًا عام 1986 حمل شيفرد بارون الفكرة إلى مؤتمر حضره 2000 من المصرفيين الأميركيين، وقدم كتيب مبيعات إلى كل مبعوث ومشارك المؤتمر، لكنه لم يلقَ أي ترحيب أو اهتمام من جانبهم، بعدما خلف الحضور  الكتيبات وراءهم تاركين إياها على المقاعد بعد انتهاء المؤتمر.

وقال شيفرد بارون أنّ البنوك الأمريكية استقبلت فكرته في البداية بفتور، واعتبرتها “فكرة أوروبية حمقاء لن تلقى رواجًا في الولايات المتحدة، ولن تجد من يشتريها”. لكن أحد المبعوثين ممن أخذ الكتيب كان من بنك فيرست بنسلفانيا، الذي طلب شراء عدد ست ماكينات منها، وهكذا أدخلت ماكينة الـ ATM إلى أمريكا.

عند بداية استخدام جهاز الصراف الآلي، وقبل البطاقات البلاستيكية استخدم أول عملاء سحبوا أموالهم من ماكينات الصرف الآلي شيكات خاصة معالجة بمادة كاربون 14 المشعة، وكانت الماكينات مصممة بصورة تمكنها من التعرف على الشيكات، وإخراج النقود بمجرد أن يدخل العميل رقم التعريف الشخصي، ولم تكن بعض الأجهزة تقوم بإرجاع الشيكات المعالجة على الفور. عوضًا عن ذلك، يتم إرسالها عبر البريد.

وهل سألت نفسك يومًا: لماذا يتألّف الرمز السري من 4 أرقام فقط وليس أكثر من ذلك؟ فمن المعروف أنّ زيادة عدد أرقام كلمة المرور قد يساعد على حماية أموالك.

ففي البداية كان اقترح بارون أن يتكوّن الرقم السري من 6 أرقام. لكن عدم قدرة زوجته كارولين على تذكر الأرقام دفعه إلى تعديل اقتراحه، وجعل الرقم السري أكثر سهولة، ومنذ ذلك الحين لم يتم تغيير هذا النمط رغم التقدم التكنولوجي المذهل والمخاطر الأمنية المتزايدة.

كانت هذه قصة اختراع أول جهاز ATM، والذي سهل حياة الملايين حول العالم …