قوائم مليئة بالنصابين
30 تحت 30، 40 تحت 40، 50 تحت 50، والكثير من التسميات البراقة التي ليس لها أي معنى على الإطلاق، ولا تقل سمية عن محتوى صناع المحتوى على انستاغرام الذين يزورون نمط حياة معين يجعلك كإنسان طبيعي تشعر بالفشل لأنك لا تملك نفس نمط الحياة، أو لأنك كصاحب عمل أو مشروع تجاري في بدايته لم تحصل بعد على تقييم بهلواني بمليار دولار أمريكي، ولا مقال يصفك بأنك ستيف جوبز القادم.
هذه القوائم هي تجارية بحتة، ويمكن لأي شخص تقريبًا أن يدخل إليها من خلال الوصول إلى وكالة العلاقات العامة المناسبة، والتي تملك اتصالات ومعارف داخل فوربس وغيرها، وكلمة السر أيضًا هي Pay-to-Play، ادفع لتلعب يا عزيزي.
قد تكون الفكرة ذكية لتدر مزيدًا من الأموال لهذه المؤسسات الإعلامية، خاصة أنها في هذه الحالة تأخذ الأموال من أشخاص أغنياء، ورجال وسيدات أعمال يبحثون مزيد من "نفخ الإيغو" ومزيد من الظهور في جلسات التصوير الخاصة برواد الأعمال "المتسلسلين" مكتفي الأيدي، وفي الوضعيات العميقة الأخرى.
وفي السنوات الأخيرة، ومع ازدياد وصول "المؤثرين" وانخفاض وصول هذه المؤسسات، دخل مقياس "الوصول المتوقع على السوشل الميديا" من تضمين هذه الشخصية أو تلك ليكون من العوامل الأساسية في اختيار الشخصيات الفذة لهذا العام، وبالفعل، لو نظرنا إلى الإصدارات العربية من هذه القوائم لوجدنا "يوتيوبرز" و "تيك توكرز" وبعض "الخرطبرنورز" يتصدرونها، حتى لو كان أقصى ما يقدمونه هو محتوى المقالب، فالإنجاز هنا يكون أن "فلان نجح في الوصول إلى مليار مشاهدة و 5 ملايين مشترك" وكل شيء آخر هو تفاصيل ليست مهمة.
من كذا إلى كذا
من عامل في ماكدونالز إلى إمبراطورية 90 مليار دولار، مقال كَتبتُه أنا في 2017 يتحدث عن تجربة جيف بيزوس في تأسيس شركة أمازون، لم أبتكره أنا بكل تأكيد، بل كان دارجًا بشكل كبير في ذلك الوقت، ولكن يبدو أنه وبعد 7 سنوات لم يتمكن أحد من ابتكار بنية عناوين جديدة مناسبة لهذا النوع من الأفكار، كل ما حدث أن "قصص النجاح" أصبحت أقل سطحية، وفي بعض الأحيان تستغبي القارئ أو المشاهد، فمن بائع حليب على البسطة إلى رائد أعمال متسلسل، و"من ولد عم يجلي صحون، لواحد عم يتكرم بأهم حفل في الشرق الأوسط"
نصابون حقيقيون
هذه بعض القصص لأشخاص "ناجحين" لم يصلوا فقط إلى قوائم 30 دون 30، بل إلى أغلفة المجلات الأشهر، وكانوا متحدثين في فعاليات وحوارات بعضها كان مع رؤساء وزعماء دول، وما يجمع بين القصص التالية، هو أن كل أبطالها اليوم في السجن، أو تحت المحاكمة بتهمٍ متعلقة بالنصب والاحتيال:
إليزابيث هولمز - مؤسسة شركة ثيرانوس
ربما تكون هذه السيدة أكثر "رائدة أعمال أنثى" نجحت في جمع استثمارات لمشروع كاذب في التاريخ المعاصر، وبكاريزما خاصة، وشطارة في المبيعات، جمعت اليزابيث اكثر من 700 مليون دولار لشركة ثيرانوس، بتقييم تجاوز 10 مليارات دولار أمريكي.
ادعت هولمز أنها تعمل وشركتها "ثيرانوس" على تطوير تقنية ثورية لاختبار الدم يمكنها إجراء مجموعة واسعة من الاختبارات باستخدام عينة صغيرة فقط من الدم تحصل عليها من وخزة اصبع صغيرة، لتكشف التحقيقات لاحقًا أن هذه التكنولوجيا غير موجودة، والادعاءات غير دقيقة.
قامت شركة ثيرانوسي بتضليل المستثمرين، والجمهور بشأن قدرات التكنولوجيا الخاصة بها، كما أن زورت الكثير من العروض التوضيحية، واستخدمت معدات أخرى لإجراء الاختبارات بدلاً من التكنولوجيا الخاصة بهم، بغرض التضليل وإيصال أفكار غير حقيقية عن قدرات التكنولوجيا الخاصة بها.
في عام 2018، أوقفت شركة ثيرانوس عملياتها، واتُهمت هولمز بالاحتيال. كما أدى انهيار الشركة إلى خسائر مالية كبيرة للمستثمرين، وألحق الضرر بسمعة ثقافة الشركات الناشئة في وادي السيليكون، ومنذ ذلك الحين أصبحت مهمة الحصول على استثمار أصعب بكثير لأصحاب المشاريع هناك.
ظهرت هولمز على الكثير من أغلفة المجلات، في مقدمتها فوربس، حيث ظهرت مرتدية كنزة بياقة مرتفعة على طريقة ستيف جوبز، وهي تحمل حبة دواء سحرية، على أساس أنها ستكون قائدة ثورة في المجال الطبي حول العالم، ليتبين لاحقًا أنها مجرد نصابة!
تريفر ميلتون - مؤسس شركة نيكولا
أطلق على شركته المطورة للسيارات الكهربائية اسم "نيكولا" تيمنًا بنيكولا تيسلا. نعم، إنها نفس الشخصية التي تَيمّن بها إيلون ماسك لتسمية شركته التي تقوم بنفس الغرض، ولكن الفرق الوحيد هنا أن شركة نيكولا ادعت أنها تركز على تطوير الشاحنات الكهربائية بدلًا من السيارات الشخصية.
جمعت هذه الشركة ما يقارب 700 مليون دولار أمريكي منها استثمارات خاصة، وأخرى جمعتها بعد طرح الشركة للاكتتاب العام IPO.
قدمت "نيكولا" ادعاءات كبيرة عن منتجات الشركة وتقنياتها، خاصة فيما يتعلق "بخلايا وقود الهيدروجين" والشاحنات الكهربائية التي تعمل بالبطارية، لتكشف التحقيقات لاحقًا الكثير من المبالغة والتضليل في هذه الادعاءات، بما في ذلك مقاطع فيديو ترويجية مفبركة تُحرِف قدرات مركبات نيكولا.
زعمت نيكولا أن لديها شراكات مع شركات صناعة السيارات، وكبار الموردين لتطوير مركباتها، ولكن كما العادة، كان الكثير من هذه الشراكات ادعاءات مضللة ومبالغ فيها، أو تم تحريفها. على سبيل المثال: تم تقديم الشراكة مع جنرال موتورز في البداية على أنها تحالف استراتيجي، ولكن تبين لاحقًا أنها مذكرة تفاهم غير ملزمة ذات مضمون محدود.
ظهر مؤسس شركة نيكولا على غلاف فوربس في سبتمبر 2019 تحت عنوان "Boss of the Bots" أو "رئيس الروبوتات".
في نوفمبر 2023 حُكم على تريفور ميلتون بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة الاحتيال على المستثمرين.
سام بانكمان - مؤسس منصة FTX
في نوفمبر 2023، أُدين "سام بانكمان" مؤسس منصة FTX بسرقة عملاء بورصة العملات المشفرة المفلسة الآن في واحدة من أكبر عمليات الاحتيال المالي المسجلة
وأدانت هيئة محلفين مكونة من 12 عضوًا في محكمة مانهاتن الفيدرالية بانكمان بجميع التهم السبع التي واجهها بعد محاكمة استمرت شهرًا، حيث قدم المدعون القضية بأنه نهب 8 مليارات دولار من مستخدمي البورصة بدافع "الجشع" بحسب ما نقلت رويترز.
لم تكتفِ الصحف بالحديث عنه كرائد في مجال الاستثمار والعملات الرقمية، بل ذهب البعض ليصفه بأنه "الملياردير الأكثر كرمًا وسخاءً في العالم"، ليتبين لاحقًا أنه لص سرق أموال الناس من المنصة.
من الجميل أن نسمع بقصص النجاح، خاصة الحقيقية منها، ونستفيد منها، ونحصل منها على الإلهام لتحسين حياتنا، لكن في نفس الوقت علينا الانتباه من قصص النجاح السامة والكاذبة والمبالغ في تضخيمها من جهة، وأن لا نصدق كل شيء لمجرد أنه مذكور تحت عنوان كبير في مجلة ما، فكل هذا في النهاية "ًبزنس"، وقد يكون وراءه الكثير من الفساد والمحسوبيات، والنصابين أيضًا.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.