أشكال و رموز انتشرت بين الشباب تعرّف على أصولها ومعناها

أشكال و رموز
لينـا العطّار
لينـا العطّار

6 د

في عصر الإعلام والإعلانات ووسائل التواصل الاجتماعي وانفتاح الحياة بشكل قد يكون مبالغًا فيه لتفقد بعض الأمور خصوصيتها، تحولت الشعوب إلى نسخ متشابهة ونماذج مستنسخة في التفكير والشكل والمظهر، حتى بات التميز أمرًا يجعل من الشخص غريبًا في مجتمعه.

وصارت الموضة تتدخل في كل تفاصيل حياتنا وتفرض وجودها في كل شيء، ابتداءً من الملابس والمفروشات والاكسسوارات، والأسلوب الذي تعيش فيه حياتك بكل ما فيها، دون شعور منا وفي لا وعي كل منا تسيطر علينا وتجعلنا نرغب أن نبدو مندمجين مع المجتمع، حتى في أسلوب الطعام ونوعيته … صار التفرد والتميز أمرًا صعبًا؛ لأنّه سيجعل أي شخص يبدو غريب الأطوار.

المؤسف في مجتمعاتنا هو التقليد الأعمى الذي بات يسيّر الجميع ويجعلهم ينسخون كل شيء دون تفكير، ويقومون بالتصرف والكلام دون معرفة أصل هذه الأفعال ومعانيها، والتي قد تكون لا تتناسب مع ثقافة مجتمعنا أو تتعارض مع معتقداتنا، لكن التقليد الأعمى والاتباع دون تفكير يجعل الناس تتصرف دون وعي، وكأنّ كل وسائل الإعلام والدعايات قد أصابت الأفراد بالتنويم المغناطيسي وغيّبت عندهم التفكير والمنطق.

أعتقد أنّ هذا الأمر ساعد في ظهور التطرف على جهتيه: اليساري واليميني؛ لأنّ من يفكر بكل هذه الأمور والمعتقدات التي باتت تسيّرنا سيرغب أن يقوم بثورة عليها ويتخلص منها، فما يقوم به هو اتباع قطيع آخر دون تفكير ليتحول من الاتباع الأعمى لطريق معين إلى اتباع أعمى لطريق آخر مغاير له، في البداية سيعتقد أنّه يعمل عقله ويفكر ويكتشف مالم يكتشفه غيره ويتوصل إلى خيوط المؤامرة الكونية التي تحاول إحكام شباكها على بقية الناس المساكين … وما يلبث أن يعلق في خيوط أخرى تختلف عن الأولى فقط في مضمونها.

مؤخرًا انتشرت رموز ورسومات بين الشباب باتت موجودة على كل المنتجات بطريقة غريبة للغاية، الاكسسوارات … الملابس … صور الحسابات الشخصية على الفيس بوك، لوحات جدارية وحتى ربما تجدها في القرطاسية … ولجمال تقديمها وألوانها الملفتة انتشرت بسرعة كبيرة، ولكن دون أن يعرف أحد ماذا تعني تلك الرسومات أو من أين أتت وأصولها.

الماندالا

أشكال و رموز

رسومات ونقوش أخَّاذة كثيرة التفاصيل ملونة وغير ملونة، تبدو تقليدية لكنها تحمل روح العصر فيها … بطريقة غريبة كان فن الماندالا يمزج بين التقليد والمعاصرة مما لفت أنظار الكثيرين من محبي الفنون له، وانتشر عنه أنّه يساعد على التخلص من التوتر والضغوطات النفسية والعصبية من خلال التفكير في التفاصيل الكثيرة التي يحويها.

يعود أصل هذا الفن إلى التيبت … وهو أحد الفنون الطقسية التي تقوم على نقش الرموز البوذية التبتية الملونة، حيث يتم إنشاء تلك الأعمال الفنية المقدسة من قبل رهبان جبال التيبت. بوصفها تشكيلًا فنيًا للكون والحياة، وتعني الماندالا في لغتها الأصلية: الدائرة والاحتواء، وتعني فنيًا تصميم أنماط ونقوش متوازنة بصريًا.

هذه الأشكال الهندسية المستوية المقدسة، والتي تصور علم الكونيات يقال أنّها أيضًا تنقل مختلف أنواع الطاقة الإيجابية للبيئة التي توجد بها، والناس الذين يأتون لرؤيتها، وبشكل عام فإنّ لكل لوحات الماندالا معانيَ خارجية وداخلية وسرية، ووفقًا لمركز الدراسات البوذية التبتية: الممارسة والثقافة، ويسمى أيضًا “دير دربونج لوسلينج”، فإنّ المستوى الخارجي يمثل العالم في شكله الإلهي، ويمثل المستوى الداخلي خريطة يتم من خلالها تحويل العقل البشري العادي إلى العقل المستنير، والمستوى السري يصور التوازن الأولي الأصلي المثالي للطاقات الخفية من الجسم، والبعد الواضح المضيء للعقل.

مؤخّرًا تحولت الماندالا من طقس ديني إلى فن إبداعي مستقل، وصار يطلق عليها خارج محيط هضبة التبت “فن البهجة”.

انتشر الماندالا بشكل كبير كتطبيقات على الهاتف الجوال تحت اسم دفاتر تلوين للكبار، حيث استطاع هذا الفن أن يعيد لنا جزءًا من الطفولة بطريقة ممتعة ومناسبة.

Dream Catcher لاقطة الأحلام

أشكال و رموز

حلقة في داخلها خطوط متداخلة مع بعض الريش التي تتدلّى منها بطريقة جميلة قد تبدو عبثية ومنتظمة بذات الوقت، صارت رمزًا انتشر على الملابس والاكسسوارات وعرفت باسم لاقطة الأحلام، وفي البداية اعتقدت أنّها وسيلة لتذكرنا بأحلامنا وتحفزنا للوصول إليها، لكن تبين أنّ معناها مختلف تمامًا عن ما فهمت، وهي تميمة في أصلها الأمريكي الهندي أو تعويذة كان يستخدمها الهنود الحمر ويضعونها فوق الأسرّة لطرد الأحلام السيئة والكوابيس المزعجة واستحضار الأحلام الجميلة أثناء النوم، وهي معتقد قديم عند الهنود والأمريكان مفاده أنّ الأحلام السيئة ما هي إلّا روح شريرة تأتي للنائم على هيئة كوابيس ولمعالجتها وطردها تم اختراع “صائدة الأحلام”. “صائدة الأحلام”، عبارة عن طارة دائرية على شكل شبكة عنكبوتية أسفلها بعض الخيوط المصنوعة من الريش والخرز، استخدمها الهنود والأمريكان لجلب الحظ وطرد الأحلام السيئة واصطياد الأحلام السعيدة فقط، كانت تُعلق في المناسبات وحفلات الزواج قديمًا، وغالبًا ما توضع في غرف النوم لتساعد على نوم هادئ وأحلام سعيدة.

خمسة وخميسة

أشكال و رموز

تحتل الخرزة الزرقاء والكف مكانة هامة في الثقافة الشعبية للمجتمعات العربية المسلمة، وأيضًا اليهودية، فلا يكاد يخلو منها صدر امرأة أو سيارة، فالناس يعتقدون أنّ بها قوى سحرية تحصّن حاملها، وهذا من الخرافات الشعبية التي مازالت مستمرة في الاعتقاد عند البعض رغم تبين عدم فائدتها وأنّها خرافة … لكنها ككل تقليد شعبي له رهبيته لا يقدر الناس على التخلص منها.

مؤخرًا عادت الخرزة الزرقاء إلى الانتشار بقوة خصوصًا بين الفتيات في الاكسسورات من خلال وجودها في داخل كف فضي مزخرف يعرف باسم (كف فاطمة)، والمقصود بها فاطمة الزهراء ابنة النبي محمد عليه السلام، ولكنها معروفة عند اليهود أيضًا من خلال ذات الكف الذي يحمل في داخله نجمة داوود السداسية، وهناك الكثير من المعاني التي تفسر هذا الرمز حسب الديانة والمعتقد، فهي تعني عند بعض المسلمين غير ماتعنيه عند اليهود، ولكن لعلماء الآثار وجهة نظر أخرى فهم يرون أنّ منشأ جميع تلك الاعتقادات لدى الديانتين يعود بجذوره إلى الفينيقيين، حيث كانوا يقدسون تانيت آلهة القمر الحارسة في مملكة قرطاج بذلك الرمز. فالدائرة في وسط الكف ترمز للقمر.

والشكل نفسه ولكن المعنى قد يختلف من مكان إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى … فما قد يكون عند البعض عبارة عن رمز مقدس قد يكون شركًا عند آخرين…

اللانهاية Infinity

أشكال و رموز

هذا المعنى معروف في الرياضيات ومرتبط بالكثير من المعاني المعقدة التي درسناها في المرحلة الثانوية وسببت لنا الكثير من الكوابيس قبل الامتحان، دخل اليوم في حياتنا وتفاصيلها بطريقة غريبة، بات يرتبط هذا الرمز بمعنى الأبدية التي تجمع أي شخصين، وصار من الطقوس المفروضة على أي اثنين يبدآن علاقتهما أن يرتدي كل منهما سلسلة، أو يضعها مع المفاتيح على شكل رمز اللانهاية، دليل يقدمه كل منهما على الإخلاص والوفاء للآخر إلى الأبد.

وأوّل من استعمل الرمز المعروف الآن (∞) لهذا التعبير، كان جون واليس سنة 1655، واستعمله في المفاهيم الرياضية والفلسفية التي كانوا يقولون فيها هناك لانهاية أكبر من لانهاية أخرى … بسبب تداخل الرياضيات والفلسفة كعلوم كقديمة قبل أن تنفصل بشكل جزئي، ويصبح الرابط بينها هو المنطق، الذي أحيانًا كثيرًا ما يخرج في الفلسفة عن الحدود المقبولة.

هناك الكثير من الرموز الأخرى التي تحمل معاني اعتقادية وفلسفية مثل شعار السلام ورمز الجمجمة ورموز لماركات أجنبية قد لا نعرف أصلها … لستُ من مؤيدي نظرية المؤامرة بأي حال من الأحوال، لكن هذا لا يعني أن نتبع الإعلام ونحن معصوبي الأعين لا نفقه ما هذا الذي نفعله أو نرتديه؛ لأنّ هذا سيؤدي تدريجيًا إلى أن نفقد هويتنا الشخصية والثقافية كأشخاص وكمجتمعات.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة