ما السعادة في الدنيا سوى شبح يرجى إن صار جسمًا ملّه البشر: خذْ الحكمة من جبران خليل جبران
وَما السَّعادَةُ في الدُّنيا سِوى شَبَحٍ
يُرجى فَإِن صارَ جِسماً ملّهُ البَشَرُ
كَالنَّهرِ يَركُضُ نَحوَ السَّهل مُكتَدِحاً
حَتّى إِذا جاءَهُ يبطي وَيَعتَكِرُ
لَم يَسعَدِ النّاسُ إِلّا في تَشوُّقهم
إِلى المَنيعِ فَإِن صارُوا بِهِ فَترُوا
فَإِن لَقيتَ سَعيداً وَهوَ مُنصَرِفٌ
عَنِ المَنيعِ فَقُل في خُلقه العِبَرُ
يرى جبران أن السعادة في الدنيا وهم لا يتحقق، حيث يظل الإنسان يسعى وراء هدفه إلى أن يحققه ثم يملّه عندما يتحقق، ويبدأ بعد ذلك بالبحث عن هدفٍ آخر، وشبّه ذلك بالنهر الجاري الذي ما إن يصل إلى السهل حتى يصبح بطيئًا وكئيبًا ومن ثم يبحث عن مجرى ثانٍ.
والآن هل حقًّا السعادة شبحٌ؟ هل من الممكن الحصول على سعادة دائمة؟ وكيف يرى الفلاسفة وعلماء النفس السعادة؟ كل تلك الأسئلة وأكثر سوف نأخذكم في رحلةٍ ممتعة للإجابة عنها.
هل السعادة خرافة؟
من يسعى خلف حياةٍ كاملةٍ خالية من الحزن والألم، يسعى خلف شبح، لأنه ليس هناك حياة كاملة بدون حزنٍ أو ألم.
كما يعتقد جبران أن السعادة وهم، حيث يظل الإنسان طوال حياته يسعى خلف أهدافه وطموحه باحثًا عن السعادة، ولكن بعد أن يصل إلى تلك الأهداف تتلاشى السعادة وينشغل بتحقيق هدفٍ آخر.
كيف يرى الفلاسفة وعلماء النفس السعادة
سعى الكثير من الفلاسفة وعلماء النفس وعلماء الدين بل الاقتصاديون أيضًا إلى تعريف السعادة، وفي التسعينات أنشئ فرع كامل في علم النفس باسم علم النفس الإيجابي من أجل تكريسه.
يعتقد البعض منهم أننا لسنا بحاجه إلى إيجاد تعريف للسعادة، فهي مجموعة من المشاعر الإيجابية مثل: الرضا، الفرح، القناعة، الفخر، والامتنان بما في ذلك عيش حياة جيدة، أي أنهم يقيسونها بمدى رضاهم عن الحياة وكمّ المشاعر السلبية والإيجابية التي يشعرون بها.
لا توجد سعادة دائمة
لن تجد شخصًا سعيدًا طوال الوقت، ولا يوجد شخص حزين دائمًا، فالحياة ليست كلها ربيع حتى نعلم قيمة الربيع، فلو كنا سعداء دائمًا ربما كنا نشعر بالملل، فعلى سبيل المثال إن شاهدت فيلمًا الجميع فيه يعيشون في سعادة وفرح بدون أي حزن أو مشكلة لشعرت بالملل، حيث أن الصراع يجعلك تجلس متشوقًا لمعرفة النهاية.
وهو ما يحدث في الحياة بالرغم من أنه في بعض الأحيان يكون مؤلمًا، إلا أنه يجعل للحياة معنى، أي لا بد من وجود لونين الأبيض والأسود، فلولا الأسود لما عرفنا قيمة الأبيض فالحياة لا تصفو لأحد.
والصراع لا يكون مع الأشخاص فقط بل قد يكون مع الطبيعة أو مع أنفسنا، وما نحتاج إلى تعلمه هنا هو كيفية التعامل مع هذا الصراع الذي لا يمكننا تجاهله.
توقف عن مطاردة السعادة الدائمة
تقبّل تقلبات الحياة وتوقف عن البحث الدائم عن السعادة، وافهم أن السعادة هي تقبّل الأحداث الإيجابية والسلبية أيضًا، فبدلًا من النظر للنصف الفارغ من الكأس والتركيز على اللحظة السيئة فقط، تذكر اللحظات الجميلة التي استمتعت بها في الماضي بعد رحلة العناء حتى تستطيع الاستمرار في الحياة.
فعلى سبيل المثال: كنت أحلم بدخول كلية الطب وبعد النجاح ودخولي الكلية كنت سعيدة جدًّا، ولكن لم يمضِ وقت إلا وبدأت أشعر بالضغط والإجهاد، ولكن ما يجعنلي مستمرة تذكُّر أنه كان ذلك يومًا ما حلمًا بالنسبة لي، ففي بعض الأوقات يجعلنا الظلام نشعر بالامتنان للنور.
اقرأ أيضًا: إعادة صياغة أنماط التفكير السلبي: لأن عواطفك تتبع أفكارك تمامًا كما يتبع البط الصغير أمه
كيف ستبدو الحياة بدون ألم
الجميع يريد العيش بدون ألم، لكن في الحقيقة الحياة بدون ألمٍ مملة جدًّا، كما أن التجارب المؤلمة تجعلنا أقوى، وتجاوز تلك الصعوبات يزيد من ثقتنا بأنفسنا لأنه إذا لم نعاني من الفشل والإخفاقات التي تسبب لنا الألم لن نتعلم المثابرة والعمل ولن نتذوق حلاوة النجاح، فالحياة رحلة ممتلئة بالفرح والحزن وهو ما يجعلها مثيرة للاهتمام.
ولذا وجد الباحثون أن التحدي والسعي من أجل النجاح يجعل الشخص أكثر سعادة، وهو ما يجعل الأشخاص ذو الدخل المنخفض أكثر سعادة ورضا من أصحاب الأموال الذي يشعرون بالملل من حياتهم في كثير من الأوقات!
أي أن الجميع يدركون معنى الرضا والسعادة فقط عندما يشعرون بالألم، ولذا نجد السعادة الدائمة تبدو فكرة لطيفة لكن في الواقع بدون الشعور بأي حزن أو ألم سوف تكون الحياة مملة، ولن يكون هناك سبب للامتنان بها.
الأطفال والشعور بالألم
لو لم يشعر الأطفال بألم عند التعرض لأذى جسدي لربما استمر الأذى والإهمال حتى الموت، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يمارسون رياضات خطيرة ويتجاهلون سلامتهم الجسدية، فقد يتعرضون للأذى لولا الشعور بالألم الذي ينذر الشخص باقتراب الخطر، ولهذا يحتاج الأطباء إلى معرفة مكان الألم حتى يتمكنوا من اكتشاف المشكلة ومعرفة السبب، ولذا يطرح عليك عدة أسئلة من أجل تحديد مدى الإصابة مثل:
- أين مكان الألم؟
- ما مقدار الألم الذي تشعر به؟
- متى بدأ الألم؟
- هل الألم في مكانٍ واحد أم يتغير؟
- متى تشعر بأن الألم قلّ؟
- متى يزداد الشعور بالألم؟
لا تفترض أن الآخرين سعداء دائمًا
يعتقد بعض الأشخاص أن من حولهم يعيشون حياة كاملة مثالية خالية من الأحزان، وأنهم سعداء باستمرار، ويزداد ذلك الشعور بسبب قصص النجاح التي نراها على منصات السوشيال ميديا فنرى السعادة فقط ولا نعلم شيئًا عن ليالي السهر والتعب وكمّ الصعوبات التي مرّ بها الشخص قبل أن يحقق هذا الحلم.
أي أن الحياة لا تصفو لأحد؛ بل هناك دائمًا شيء مفقود، حتى النجوم والمشاهير ليس لديهم حياة خالية من الأحزان والمشاكل والتحديات، إليك بعض الأمثلة:
- امرأة علاقتها قوية مع بنات وأبناء إخوتها ومستواها المادي ممتاز، وهو ما يساعدها في التبرع للجمعيات الخيرية دائمًا، لكنها تعيش بمفردها.
- رجل متزوج لديه أبناء وسعيد في حياته الزوجية لكن الدخل المادي منخفض.
- مريض كانسر يحصل على دعم رائع ومساندة قوية من أجل تجاوز ألم العلاج الكيميائي.
يمكنك أيضا قراءة:
- للنصف الفارغ من الكأس حقٌّ علينا أيضًا: لهذا عليك الابتعاد عن الإيجابية السامة ووهم السعادة الزائف.
- في ذكرى ميلادها الستين: تمثال للأميرة ديانا يتسبب في السخط أكثر من الحزن.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.