هل حقًا الانطوائيون أكثر ذكاءً وثقة بالنفس من الأشخاص الاجتماعيين؟ الإجابة ستفاجئك!

الانطوائية
روان دربولي
روان دربولي

6 د

لنفرض أنك رأيت مجموعة من الناس قد تكتّلوا في الشارع، هل ستخوض حديثًا معهم لتعرف ما خطبهم، أم ستراقبهم من بعيد، أم أنك لن تكترث أبدًا وستتابع سيرك وكأن شيئًا لم يكن؟

كيف تفضّل الاستماع إلى موسيقاك الخاصة؟ هل ترغب بالحصول على تذكرة لحضور حفلة موسيقية والرقص والجنون مع الأصدقاء، أم تفضّل الجلوس مع صديقك في شقتك وتشغل الموسيقى بصوتٍ خافتٍ لتكون خلفية لحديثكما، أم أنك تضع سماعاتك في أذنيك لتسافر بعيدًا مع الألحان إلى عالمك الخاص؟

هل تخبر الأشخاص الذين تحبهم بحقيقة ذلك، أم أنك تملك مشاعرًا بإمكانها أن تغدق العالم حبًّا لكنك عاجزٌ عن الإفصاح عنها؟

الانطوائية

لربما تساعدك مثل هذه التساؤلات البسيطة في معرفة طبيعة شخصيتك؛ فهل أنت انطوائي أم منفتح؟

يمكن القول بأبسط تعبير أن كثافة الحضور من سمات الشخص الاجتماعي والذي غالبًا ما يستمدّ قوّته وحماسته من البيئة المحيطة ودعم الأشخاص من حوله ومديحهم وثناءَهم عليه، أما الشخص الانطوائي فهو قليل الظهور، يحتاج إلى القليل من الثناء ليقدّم أفضل ما عنده، يميل دومًا إلى الهدوء والتفكّر في أدقّ التفاصيل، وإلى اكتشاف ذاته، وقوته تنبع من داخله. 

يخطئ كثيرٌ من الناس ليس فقط في فهم أقرانهم، بل في فهم أنفسهم أيضًا؛ فقبل أن تحكم على شخص ما أو على نفسك بأنك انطوائي أو منفتح تريّث قليلًا فلربما قد علق في ثنايا ذاكرتك بعض الدلالات الخاطئة عن الانطوائية .


الانطوائية بين الخرافات والتلفيقات

يتبادر إلى أذهان البعض أن الانطوائية تعني الخجل، لكنهما مفهومان مختلفان تمامًا؛ فالخجل غالبًا ما يندرج تحت الرّهبة والخوف من التقييم الاجتماعي، أمّا أن تكون انطوائيًّا فهذا يعني أنك مثلًا لا تريد الإسهاب في إجابةٍ ما لأنك وبكل بساطة لا ترغب بالتحدث، لكن هذا أيضًا لا يعني أن الانطوائيين لا يحبّون التحدّث بل على العكس، يفضلون الغوص في نقاشات عميقة مع بعض المقربين منهم.

كان” فينيست فان كوخ” الرسام الهولندي الشهير عبقريًّا في الرسم، لكنه فشل تمامًا في الاندماج في بيئته ولم يستطع الترويج لفنّه، ولقد كان مفرطًا في انطوائيته، لكن وعلى الرغم من مأساته امتلك كوخ رغبة ملحّة في التحدث إلى أخيه ثيو والخوض معه في الكثير من النقاشات الإنسانية ولعل الكتاب الذي جمعت فيه رسائل فان كوخ إلى أخيه خير دليل على ذلك، كما تظهر الرسائل أيضًا رابطة الحبّ والأخوّة التي تجمعهما مع بعضهما؛ فالانطوائيون- على عكس ما يُعتقد- هم أشخاص عاطفيّون، ضف إلى ما سبق عادة ما يُتّهم الانطوائيون بأنهم أشخاصٌ غير لطيفين، وحياتهم بائسة، ويريدون العزلة دومًا، وعصبيين ومتوترين، وغير متعاونين أو قادرين على إنجاز المهام!

اقرأ أيضًا:  الانطوائية والانفتاحية: كيف فسر العلم الصراع الداخلي بينهما؟

الانطوائية

 تقول سوزان كين في كتابها “الهدوء: قوة الانطوائيين في عالم لا يتوقف عن الكلام“:

“على عكس ذلك، قد يتمتع الانطوائيون بمهاراتٍ اجتماعيةٍ قويةٍ ويستمتعون بالحفلات واجتماعات العمل، ولكن بعد فترة يتمنون لو كانوا في المنزل وهم يرتدون ملابس النوم. إنهم يفضّلون تكريس طاقاتهم الاجتماعية للأصدقاء المقربين والزملاء والعائلة. إنهم يستمعون أكثر مما يتحدثون، ويفكرون قبل أن يتحدثوا، ويشعرون غالبًا كما لو أنهم يعبرون عن أنفسهم في الكتابة بشكلٍ أفضلٍ من المحادثة. إنهم يميلون إلى الابتعاد عن المشاحنات. يشعر الكثيرون منهم بالرعب من الأحاديث القصيرة، لكنّهم يستمتعون بالمناقشات العميقة”

على ضوء ما سبق، على الأغلب أنك اعتقدت أني أدافع عن الانطوائيين وأقف إلى صفهم ضد المنفتحين، في الحقيقة لا، فأنا لم أقم إلا بتسليط الضّوء على بعض الشّائعات التي تسيء بشكلٍ أو بآخر إلى سمعة أشخاص لربّما يكونون أفضل بكثيرٍ مما تعتقد، والتي غالبًا ما تكون استهزاءً أو تهكّمًا فتربط هذه الشائعات بين الانطوائيين وبين القوقعة، تردف سوزان كين القول في كتابها ذاته:

“ربّما تمّ حثك في المدرسة على الخروج من قوقعتك، هذا التعبير مؤذٍ ويفشل في إدراكه، إذ أن بعض الحيوانات تحملُ ملجأً طبيعيًّا أينما ذهبت وأن بعض البشر متماثلون”

فالانطوائية طبيعة بشرية، وهنا عزيزي القارئ أود أن أنوه إلى أن جميع البشر يمتلكون كلًّا من صفتي الانطوائية والانبساطية ولكنهم غالبًا ما يميلون إلى جانبٍ أكثر من آخر، ويتحكم في ذلك العديد من الظروف الاجتماعية، والنفسية والوراثية، وضغوطات العمل….


الاختراع والإبداع

بدأ الإنسان حياته في الأدغال، وأما الآن فهو ينقّب بشتى الوسائل ليفهم ماهية الكون، ونحن الآن أمام العديد من التطورات العلمية التي كان لها تاريخًا عظيمًا متسلسلًا منذ آلاف السنين.

لعل بعض أفضل العلماء والمخترعين والأدباء والشعراء والفنانين….. كانوا انطوائيين، وذلك لفكرة واحدة لا سواها وهي التركيز على العمل؛ فحضور المناسبات الاجتماعية مثلًا كان بالنسبة لهم في عديد من الأحيان هدرًا للوقت، الذهاب والإياب والتزيّن سيصرفُ من وقتهم الثمين، إنهم يفضلون قضاء ساعاتهم في العمل أو التفكير.


هل الانطوائية وحدها كانت تقف وراء كل ذلك الإبداع؟  هل تحتاج أن تكون انطوائيًّا لأن تكون مبدعًا ؟ هل كونك منفتحًا سيحدُّ من قدرتك على الإنجاز؟ 

قبل الإجابة، أودّ أن أخبرك أن المنفتحين يشغلون جزءًا ليس يسيرًا من حياتنا اليومية، وفي المجتمعات الغربية توجّه الأنظار على الدوام إلى الانبساطيين الاجتماعيين والمفعمين بالطاقة والحماس للتواصل وأداء المهام على أكمل وجه، وفي دراسةٍ أجرتها جامعة نورث كارولينا في الولايات المتحدة الأمريكية أظهرت أن 96٪ من من المدراء والمدراء التنفيذيين كانوا من المنفتحين، ولعل أكثر ما يميزهم أنهم يضفون طابعهم الخاص على موظفيهم وعلى مكان العمل، وهذا لا يعني أن الانطوائيين لا طاقة لهم على الإدارة، لكنهم يتركون لموظفيهم اختيار أسلوبهم الخاص بالعمل، كذلك فإن المدراء يستفيدون من شخصية موظفيهم ليضعوهم في مكانهم المناسب؛ فالانطوائي يريد مساحة خاصة ليطور ملكاته، بينما يرتفع أداء المنفتحين في بيئة يستطيعوا فيها تبني بعض الآراء.

بالعودة إلى التساؤلات السابقة، دعني أجيبك عنها من خلال ذكر السر في اكتشافات وإبداعات بعض الشخصيات المعروفة:


اسحق نيوتن

من منا لم يسمع بالجاذبية الأرضية؟! والتي لطالما ترافقت مع- أسطورة- التفاحة التي سقطت على رأس نيوتن عندما كان منعزلًا يتفكر في الكون، إنها ليست أكثر من كونها كذبة ساذجة تناقلها الكثيرون ربما لإسكات طفلٍ صغير حاول أن يسأل كيف اكتُشفت الجاذبية، أو ربما لا تعدو عن كونها مجرد مزحة، إن نيوتن ياعزيزي وضع قوانين الحركة بعد جهد حثيثٍ استمرّ سنواتٍ تباحث فيها مع زملائه العلماء والرّياضيين الذين كان يجتمع معهم من فترةٍ لأخرى.


ألبرت أينشتاين

طور نظريتي النسبيّة الخاصة والعامة، وحاز على جائزة نوبل في الفيزياء لاكتشافه التأثير الكهروضوئي، وله العديد من الاكتشافات التي لا يسعني ذكرها الآن. كان ألبرت انطوائيًا وفي حديثه عن نفسه قال “ليس الأمر أنني ذكي جدًّا؛ بل أني أبقى مع المشاكل فترة أطول”.


ستيف جوبز

كان جوبز اجتماعيًّا ومنفتحًا، هذه السمات النفسية لجوبز مهيّئة له ليكون رائد أعمال ناجحٍ .. أسلوبه القيادي وعبقريته في التصميم وشغفه في العمل كانت من أهم الأسباب في نجاح شركة آبل.


من الأذكى؟ الانطوائيّون أم الاجتماعيّون؟

من المعروف أننا لا نستطيع قياس الذكاء بالكمّ، وهناك العديد من الاختبارات التي تضع درجة تقريبية لمعدل الذكاء لكن ما يزال مشكوكٌ في أمرها، وأيضًا كانت هناك محاولات لقياس الذكاء حسب نوع الشخصية؛ ففي اختبارات الذكاء اللفظية كان أداء الانطوائيين جيدًا، أما المنفتحين أبلوا حسنًا في الاختبارات الكتابية.

ذو صلة

 إذًا، دعك من التركيز على من هو الأذكى؛ فالمهارات المختلفة هي الطريقة التي يجب أن ننظر بها إلى البشر. 

وبعد انتشار فايروس كورونا، أُجبرنا جميعًا أن نعيش تجربة الانطوائيين اذ أُغلقت الأبواب علينا ودخلنا إلى أنفسنا كغرباء. لربما أيقظنا هذا الفايروس لننظر أكثر لأنفسنا بدلًا من إلقاء الأحكام أو افتراس الشّخصيّات والتفرّس فيها.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة