البراغماتية.. تعريفها وفلسفتها
البراغماتية.. هناك مجموعةٌ من المذاهب الفلسفية المختلفة، يعبر كل مذهبٍ على حدة عن أفكارٍ ومعتقداتٍ واتجاهاتٍ معينة خاصّة به. موضوعنا اليوم عن أحد أهم المذاهب الفلسفية الشهيرة ألا وهو البراغماتية؛ فما هو تعريف البراغماتية وما هي فلسفتها؟
تعاريف البراغماتية
تتضمن البراغماتية (Pragmatism) عدّة تعاريفَ، ومن أهم تعاريفها التي نجدُها في قاموس كولينز الإنجليزي هي كما يلي:
- البراغماتية هي التعامل مع المشكلات بطريقةٍ عمليّةٍ بدلًا من الاعتماد على مجرد مبادئ نظرية.
- هي عبارةٌ عن سلوكٍ أو سياسةٍ تنظر إلى العواقب العملية المباشرة بدلًا من مجرد اتباع نظرياتٍ.
- هي اتجاهٌ أو تيارٌ فلسفيٌّ يحدد معنى وحقيقة جميع المفاهيم من خلال عواقبها العملية.
لمحةٌ عن الفلسفة البراغماتية
نشأت الفلسفة البراغماتية في الولايات المتحدة خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، تفضل أولوية العمل على المراقبة وأولوية التجربة على المبادئ والأفكار النظرية، وتضمّ أولئك الذين يعتقدون أنّ صحة مسألةٍ ما أو مذهبٍ معينٍ يعتمد على إمكانية تطبيقه عمليًّا، وأنّ الأفكار غير العملية مرفوضةٌ بالنسبةِ إليهم.
لقد أثرت البراغماتية بشكلٍ كبيرٍ ليس على الفلاسفة فحسب بل أيضًا على مجالاتٍ أخرى كالقانون والسياسة وعلم الاجتماع وعلم النفس والنقد الأدبي، كما ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالعلوم الطبيعية والاجتماعية الحديثة..
أهم رواد الفلسفة البراغماتية
إنّ من أبرز وأهم الفلاسفة البراغماتيين الذين عملوا على تطور الفلسفة البراغماتية وتأثروا بها بشدةٍ هم:
- ويليام جيمس (من 1842 إلى 1910): يعد من أبرز الدعاة إلى البراغماتية، وهو أول من استخدم مصطلح البراغماتية في الطباعة، كما ويعتبر مؤسس علم النفس الأمريكي. وحسب رأيه، تدور البراغماتية حول القيم والأخلاق، وقد زعم أنّ الأفكار والمعتقدات تستمد قيمتها من إمكانية عملها وتطبيقها.
- شارل ساندرز بيرس (من 1839 إلى 1914): يعد مؤسس البراغماتية كما يُطلق عليه أحيانًا لقب (أب البراغماتية أو العَمَلانِيّة)، وهو الذي صاغَ مصطلح البراغماتية، واهتم بعلم المنطق، فشكلت مساهماته الفلسفية أساسًا في اختراع الكمبيوتر فيما بعد.
- جورج هربرت ميد (من 1863 إلى 1931): يعتبر أحد مؤسسي علم النفس الاجتماعي، وقد اشتهر بلقب مؤسس البراغماتية الأمريكية.
- جون ديوي (من 1859 إلى 1952): إنّ جون ديوي هو من طوّر الفلسفة التجريبية العقلانية، والتي أصبحت مرتبطةً بالبراغماتية فيما بعد، وحاول الجمع بين فلسفات بيرس وجيمس المتعلقة بالبراغماتية.
- ويلارد فان أورمان (من 1908 إلى 2000): فيلسوف وأحد أساتذة جامعة هارفارد وأحد أهم ممثلي الفلسفة التحليلية، آمن بأن الفلسفة ليست مجرد تحليلٍ مفاهيميٍّ، بل تشكل الفرع المجرد للعلوم التجريبية.
- كلارنس إرفينغ لويس (من 1883 إلى 1964) : وهو من أبرز مؤيدي المنطق الفلسفي الحديث.
بعض مبادئ الفلسفة البراغماتية
هناك بعض المبادئ والمعتقدات التي تؤمن بها الفلسفة البراغماتية، أهمها:
طبيعة الواقع المتغيرة والمنفتحة
إنّ العالم الذي نعرفه من خلال التجربة الشخصية هو عالمٌ دائم التغير والتحول، أي أنه خالٍ تمامًا من الدوام والثبات المطلق، وتشكل الحوادث غير المتوقعة أو الصدف جزءًا لا يتجزأ من الحياة. أي أنّ العمليات الاجتماعية والسلوكية وحتى القوانين الطبيعية هي مجرد احتمالاتٍ، وليست حقيقةً مُطلقةً لا تحتمل أي استثناءاتٍ أو تغيّراتٍ مفاجئةٍ.
لذلك يعتقد البراغماتيون أنّ الحقائق ليست موجودةً لاكتشافها فقط، وإنما يصنعها النشاط البشري الذي يُمكن أن يكون ذا آثارٍ كبيرةٍ ليس فقط على العالم الاجتماعي بل أيضًا على البيئة الطبيعية. كما تُشجع فكرة العالم المنفتح والمتغير على حرية الإنسان في العمل الإيجابي في هذا العالم، وبذلك نجد البراغماتية تدعم فكرة أنّ الفلسفة لا ينبغي أن تكون عبارة عن نظرياتٍ ومفاهيمَ مجردةٍ بل أيضًا يعدّ التطبيق العملي ضروريًّا وأساسيًّا.
أولوية العمل الإنساني على المعرفة
بالنسبة للبراغماتية، نحن نسعى إلى المعرفة أولًا ليس من أجل الوصول إلى أهدافٍ عقلانيةٍ، وإنما بهدف اتخاذ قراراتٍ وإجراءاتٍ أكثر فاعليةً لتحقيق أهدافنا في الحياة، ومن هنا تقول البراغماتية أنّ تلبية احتياجاتنا تعتبر ضروريةً وأساسيةً أكثر من مفاهيم الحقيقة والمعرفة..
بالإضافة إلى مجموعةٍ من المبادئ الأخرى مثل:
- من معتقدات البراغماتية أيضًا أنها تتخذ من المشاكل حافزًا للوصول إلى الحقيقة.
- تؤكد على مبدأ المنفعة.
- تُعارض البراغماتية المُثل والقيم المُطلقة التي دعا إليها المثاليون.
- تركز على أهمية قوة الإنسان وتدعو إلى تطوير القيم الاجتماعية والديمقراطية.
- تُعطي الكثير من الأهمية للتعلم القائم على النشاط.
- تؤمن بالتعددية وتُعارض العادات والتقاليد الاجتماعية.
من الأفكار التي تعتمد عليها البراغماتية هي :
1-تعتبر البراغماتية أن الوصول إلى حقيقة الكون ووجوده أمر مستحيلً حيث لا دليل على أن الحقائق ثابته لتتغير.
٢ -لايتم معرفة الأشياء ومعناها الحقيقي إلا بالتجريب.
3-يستطيع الأنسان التحكم بتشكيل مستقبله عن طريق استخدام الخبرة الإنسانيةفي السيطرة على البيئة.
4 -الطريقة العلمية أفضل الوسائل والأساليب لأختبار ومعالجة الأفكار .
5-القيم نسبية وليست ثابتة فالقيمة تؤخذ بمعيار النفعة أو اشباع حاجات ضرورية.
يعتبر مؤسس الفلسفة البراغماتية هو تشارلز ساندرس بيرس تولد «1839م ,حيث يعتبر اول من ابتكر كلمة البراغماتية في الفلسفة المعاصرة، وأول من استخدم هذا اللفظ عام 1878 وذلك في مقال نشره بإحدى المجلات العلمية تحت عنوان «كيف نوضح أفكارنا» .
من الأسس الفكرية التي يقوم عليها المذهب البراغماتي هي :
1-مفهوم الكون.
٢ -طبيعة الإنسان.
3-التربية.
4-المعرفة.
5-القيم.
6-الحقيقة.
هناك العديد من الإيجابيات والسلبيات التي تميز الفلسلفة البراجماتية من أهم الإيجابيات :
1-تمتاز الفلسفة البراجماتية بأنها تهتمّ بالتجريب (المبدأ التجريبي) لإدراك الوعي الواقعي وتتبع النتائج.
2- للفلسفة البراجماتية جهود كبيرة في تحدي العجز ودفع عجلة تطور الفكر، والأتجاه للمستقبل من دون البقاء في متاهات الماضي.
3-الفلسفة البراجماتية دور كبير في إظهار الشجاعة للقيام بأشياء جديدة تكون نتائجها مفيدة جدًا.
من أهم سلبيات البراجماتية :
1-اللاأخلاقية, برغم أنّ البراجماتية تتقيّد ببعض الفضائل مثل الانضباط والأمانة ومراعاة المواعيد والدقة، إلا أن هذه الفضائل ليس الهدف منها الفضيلة ذاتها، بل هدف الالتزام بمدى فائدتها عند التعامل مع الآخرين.
2- الانحرافات السلوكية, أكثر ما يظهر أنها تفتح الباب على مصراعيه للمنافسة، بأي وسيلة ممكنة, مما يُشجّع العنف والإجرام والانحراف إلى طرق تُلهي عن الواقع بحجّة أن المتعة والرخاء أكثر فائدة، مثل السماح بالمخدرات والمهلوسات والألعاب الإلكترونية العنيفة.
تتصف الشخصية البراغماتية بالواقعية والنفعية حيث تهتم بمجريات الواقع كما هو أكثر من الأهتمام بما ينبغي أن يكون، وهي دائم التفكير في عواقب ونتائج كل ما تُقدِم عليه من أفعال، ويركز الشخص البراغماتي على تحقيق أهداف مفيدة واضحة وتنفيذ إجراءات ملموسة.
تعد كلّ من البراغماتية والوجودية مذاهب فلسفية لكل منها آراء وأتباع وفلاسفة لتفسير الحقائق، إذ تعتبر مسألة البحث عن الحقيقة الأساس الذي تقوم عليه الفلسفة، فالمنهج البراغماتي (التجريبي أو النفعي أو الواقعي) يرى أن الوصول للحقيقة بالعمل والتجريب والبحث.
أما المذهب الوجودي فيرى الحقيقة في العودة إلى وجود الإنسان، ويصعب تحديد صحة أي منهج منهما, فالفرد البراغماتي يرى أن الواقع الفعلي والنتائج الملموسة هي ما يؤكد صحة الحقيقة، بينما يؤكد الوجوديون على أن جوهر الإنسان هو المعيار الرئيسي للتفكير في المسائل الفلسفية عبر دراسة تجارب الإنسان ومعاناته ووجوده.
القيم في ضوء الفلسفة البرجماتية أمر نسبي تتوقف على الظروف والأفراد وخبراتهم، في الحكم على القيم لا يختلف عن الحكم على أي شي آخر من حيث اعتماده على الحقائق، وبما أن الحقائق أمر نسبي وتختلف من ظرف لآخر أو من خبرة لأخرى، فعليه القيم أمر نسبي أيضا، فالقيم لديهم تخضع للتجربة التي من خلالها يتم الاختيار، ونتيجة لذلك فان أحكام الناس ونظراتهم ورغباتهم إلى القيم متغيرة,فالقيم ذاتية وليست موضوعية، فقيمة أي شي تكمن في ما يقدمه من منفعة أو ما يشبع من حاجة ملحة.