الصحافة الاستقصائية

انتشرت الصحافة الاستقصائية بشكلٍ متزايدٍ في المجتمع لأهميتها الكبيرة في الكشف عن الفساد والانحرافات ومعالجة القضايا التي تتطلب الوقت والخبرة، وفي هذا المقال سنتعمق في موضوع الصحافة الاستقصائية وأهميتها.

الاستقصاء في اللغة العربية هو تتبع الأثر، ومن هنا جاء تعريف الصحافة الاستقصائية التي تعني توثيق المعلومات والحقائق بشكلٍ منهجيٍّ وموضوعيٍّ من أجل الكشف عن الأمور التي يتم إخفاؤها عمدًا من قبل شخصٍ ذي منصبٍ في السلطة، أو تحجب دون قصدٍ بسبب الظروف التي تؤدي للالتباس، وتسليط الضوء عليها لمعالجتها.

فهي شكلٌ من أشكال الصحافة يتعمق فيه الصحفيون للبحث والتنقيب في قضيةٍ ما تكشف عن الفساد أو تراجع السياسات الحكومية. وقد يقضي الصحفي الاستقصائي أو فريق الصحفيين عدة شهورٍ، وأحيانًا سنواتٍ في البحث في موضوعٍ واحدٍ، وإثبات فرضياتهم على شكل تقاريرَ إخباريةٍ أو تحقيقاتٍ متسلسلةٍ تنشر عند الوصول للهدف، على عكس التقارير التقليدية التي يعتمد فيها الصحفيون على التقارير الفورية والآنية.

مفهوم الصحافة الاستقصائية غامضٌ للعديد من الناس، وقد تطور على العديد من المستويات، حيث اتحد جمعٌ من الصحفيين لتبادل الأساليب وتطويرها ودعم المبادرات والمشاريع والمنظمات التي تدعم الصحافة الاستقصائية، مما يوفر تربةً خصبةً للمزيد من التطورات. وقد قامت كل من سويسرا وسلوفينيا وبولندا مؤخرًا بإنشاء شبكاتٍ أو منظماتٍ للصحافة الاستقصائية.

والهدف العام من ذلك هو تطوير الأداء الصحفي للصحفيين وتطوير البحوث وجودة الصحافة، حيث يجتمع الصحفيون الاستقصائيون في مايو من كل عامٍ لعقد مؤتمرهم السنوي من أجل تبادل أفضل الخبرات، وتطوير ومشاركة وتحسين أساليبَ جديدةٍ تعمل على تطوير الصحافة الاستقصائية.

يستخدم الصحفيون الاستقصائيون مجموعةً متنوعةً من الموارد لمعرفة المزيد حول الموضوع الذي يبحثون عنه، من أجل تقديم الرؤية الاستقصائية الشاملة التي لا تستطيع وسائل الإعلام الأخرى تقديمها، معتمدين في ذلك على المقابلات والأدلة الخاصة والسجلات السرية أو العلنية والتقارير القانونية والمصادر غير المعلنة أو التسريبات.

ومن الجدير بالذكر أن كل متقصٍّ صحفيٍّ، ولكن ليس كل صحفيٍّ متقصٍ، فهي لونٌ لا يجيده إلا عدد قليل من الصحفيين. فالاستقصاء يحتاج قدرةً على التقاط المعلومة والبحث فيها، ويعتمد التحقيق الصحفي على الصحفي نفسه للانطلاق بتحقيقٍ صحفيٍّ يعتمد على طريقة تعامله مع الحدث أو المعلومة التي ستتحول مع وجود المصادر والمعلومات إلى فرضيةٍ.

كما أن الصحفي المتقصي بحاجةٍ لمواصفاتٍ خاصةٍ لا توجد عند الصحفيين العاديين، وأهم ما يميز الصحفي الاستقصائي العمل السري وعدم إخبار الآخرين بهوية المصادر التي يحصل عليها، وحمايتها ما دام ذلك ممكنًا، بالإضافة إلى المهنية والأخلاقيات.

وعادةً ما يقوم التحقيق الصحفي على جمع مادة الموضوع، وما يلزمه من بياناتٍ ومعلوماتٍ لكتابة ونشر المقال بشكلٍ منهجيٍّ، وموضوعيٍّ قائم على الإثباتات والأدلة.

 فاز الصحفي إريك إير في عام 2017 بجائزة بوليتزر لتقاريره الاستقصائية عن تناول جرعاتٍ زائدةٍ من المواد الأفيونية في ولاية فرجينيا الغربية، وأوضح من خلال تقاريره الطريقة التي تم فيها إدخال هذه المواد ووصولها إلى الولاية وتسببها بالكثير من الوفيات.

وكشف أيضًا عن شركات الأدوية التي تقدم الكثير من الحبوب على شكل أدويةٍ للصيدليات في المقاطعات الأكثر فقرًا، مما أدى إلى الإدمان والوفاة.

يتطلب العمل الاستقصائي الكثير من الدقة والنزاهة والأمانة والمعرفة بالقوانين وأخلاقية المهنة، ولذلك يجب الحرص على مجموعةٍ من الشروط ومنها:

تلعب الصحافة الاستقصائية أدوارًا مهمةً، ولعل أبرزها: