القوى الاساسية الاربع
بينما أنت تجلس خلف حاسبك أو تمسك هاتفك وتقرأ هذا المقال، قد لا تكون مدركًا لعدد القوى التي تؤثر عليك وعلى كلِّ شيءٍ من حولك. المشي في الشارع، أو إطلاق الصورايخ في الفضاء، أو حتى لصق مغناطيس على باب ثلاجتك في المنزل، كلها بالنسبة لك تصرفات حياتية اعتيادية، ولكن في الحقيقة، هناك قوى فيزيائية أساسية تحكم الكون، وتتحكم في كل شيءٍ من حولنا، وتتلخص تلك في القوى الاساسية الاربع فلنتعرف عليها في هذا المقال.
القوى الاساسية الاربع في الطبيعة
تسمى هذه القوى بالإنكليزية Fundamental Interactions، أو Fundamental Forces وكما قلنا، فهي تتركّز في أربع قوى، وهي:
- قوى الجاذبية (Gravity).
- القوى الكهرومعناطيسية (Electromagnetism).
- القوى النووية القوية (The Strong Force).
- القوى النووية الضعيفة (The Weak Force).
يمكنك ملاحظة قوى الجاذبية والكهرومغناطيسية في تحركاتك اليومية، فمثلًا عند جلوسك على المقعد، هنا قامت قوى الجاذبية بعملها وجذبك للأسفل، في حين أنّ القوى الكهرومغناطيسية تمنع انزلاقك من المقعد، بمعنى آخر تساعد ذرات الجسم الواحد على التماسك سويةً، مما يمنع ذرات جسمك من التطفل على ذرات مقعدك. تعمل القوتان البقيتان على مستوى ذري لا يمكننا الشعور به؛ فالقوى النووية القوية مسؤولةٌ عن ترابط الجسميات داخل نواة الذرة، في حين أنّ القوى النووية الضعيفة مسؤولةٌ عن الاضمحلال الشعاعي والانشطار للجسيمات داخل النواة. الآن، سنقوم بشرح كل قوةٍ بشكلٍ مفصّلٍ على حدى.
الجاذبية - أشهر القوى الاساسية الاربع
لعلّها أكثر القوى المعروفة بالنسبة لنا، وتتجسّد في قوة الجذب بين جسمين، يمتلك كل منهما كتلةً أو طاقةً معينةً، ويتضح ذلك ببساطةٍ عندما تسقط صخرةٌ من أعلى جسرٍ، أو عند دوران القمر حول الكوكب مسبّبًا حركات المد والجزر في المحيطات.
كان أول من اكتشف الجاذبية هو العالم إسحق نيوتن (Isaac Newton)، فمن منّا قد ينسى تفاحته الأشهر، والتي سقطت فوق رأسه بينما هو جالسٌ تحت الشجرة، فيصف نيوتن الجاذبية بأنها المعنى الحقيقي للتجاذب بين شيئين.
بعد عدة قرونٍ، أشار العالم ألبرت أينشتاين (Albert Einstein) في نظريته النسبية العامة بأن الجاذبية ليست قوة جذب الأشياء لبعضها كما قال نيوتن، إنما هي نتيجةٌ لثني الأجسام للزمكان، لكن ما هو الزمكان!؟ حسنًا، يمثّل الزمكان الأبعاد الهندسية الثلاثة المعروفة ـ الطول، والعرض، والارتفاع ـ بالإضافة إلى بعدٍ رابعٍ هو الزمن. تخيل أنّ لديك ورقة (تمثّل الزمكان)، وجسمًا متوضعًا في منتصف هذه الورقة؛ لنقل مثلًا كرة كبيرة (تمثّل الكرة الأرضية)، سيسبب وجود الكرة تشوّهًا في الورقة وتدحرج أي شيءٍ تسقطه على الورقة باتجاه المنتصف، وهكذا تثني الأجسام في البعد الزمكاني، وعلى هذا النحو فسر أينشتاين الجاذبية.
تجمع الجاذبية الأجسام من كواكب ونجوم والأنظمة الكونية والمجرات معًا، ومع ذلك؛ فهي تُعتبر أضعف القوى الاساسية الاربع خاصةً من حيث تأثيرها على المستوى الذرّي والجزيئي، كيف ذلك؟ حسنًا، ما مدى صعوبة رفعك لكرة القدم عن الأرض؟ أو هل تواجه صعوبةً أو ثقلًا أو جذبًا هائلًا عندما ترفع قدمك عن الأرض فجأةً؟ بالطبع لا، فعلى الرغم من أن جميع الأنشطة السابقة وغيرها تخضع للجاذبية، إلا أن تأثيرها على المستوى الذري والجزيئي ضعيفٌ جدًا مقارنةً بالقوى الأساسية الأخرى التي سنتطرق لشرحها تباعًا. .
القوى الكهرومغناطيسية
عندما تقوم بتمشيط شعرك عدة مراتٍ، تضفي الفرشاة على كل شعرةٍ من شعرك شحنات كهربائية متماثلة، مما يؤدي إلى تنافر الشعر وابتعاده عن بعضه. مثالٌ آخر، إذا قمت بمقابلة قطبَين متماثلَين لمغناطيسَين، فسيتنافر هذان القطبان، في الوقت الذي ستتجاذب فيه الأقطاب المختلفة، وتلك عبارة عن أمثلةٍ بسيطةٍ للقوى الكهرومغناطيسية يمكننا عنونتها بتجاذب المتضادات.
لقد درس العديد من العلماء القوى المغناطيسية وتأثيراتها، ووضعوا العديد من النظريات نذكر منها:
- عام 1785، أشار العالم الفرنسي الشهير شارل أوغستان دي كولوم (Charles Coulomb) إلى أن قوة الأجسام المشحونة كهربائيًّا تتناسب طردًا مع مقدار الشحنات، وعكسًا مع مربع المسافة بينها، إذن، القوى الكهرومغناطيسية ـ كما الجاذبية ـ غير محدودة النطاق.
- عام 1819، اكتشف الفيزيائي الدنماركي هانز كريستيان أورستد (Hans Christian Oersted) أن الكهرباء والمغناطيسية يرتبطان ارتباطًا وثيقًا، وأن التيار الكهربائي يولد قوةً مغناطيسيةً، ليأتي بعده الفيزيائي والكيميائي البريطاني مايكل فاراداي (Michel Faraday)، وبعد إجرائه لأبحاثٍ في مجال الكهرومغناطيسية، فيؤكّد أنّ بالإمكان استخدام المغناطيسية لتوليد الكهرباء، وكان ذلك عام 1839.
- في ستينات القرن التاسع عشر، اشتق عالم الرياضيات والفيزياء جيمس كليرك ماكسويل (James Clerk Maxwell)، معادلات وصفت العلاقة بين الكهرباء والمغناطيسية، وأخيرًا، عام 1892، تمكّن هندريك لورنتز (Hendrik Lorentz) من حساب القوة المؤثرة على جسيمٍ مشحونٍ في مجالٍ كهرومغناطيسيٍّ.
في أوائل القرن العشرين، عمل العلماء على التوسع في اكتشاف هيكل الذرة، واكتشفوا أن الجسيمات دون الذرية تؤثر على بعضها البعض بقوى كهرومغناطيسية أيضًا؛ فمثلًا يمكن للبروتونات الموجبة أن تحافظ على الإلكترونات السالبة في مدار حول النواة. بالإضافة إلى ذلك، تجذب إلكتروناتُ ذرةٍ ما بروتونات الذرات المجاورة مشكلّةً روابطَ أو قوى كهرومغناطيسية دون ذرية (Residual Electromagnetic Force). لكن، وبعد كل تلك الأبحاث، لا يمكن للقوى الكهرومغناطيسية أن تفسر تماسك النواة، وهنا يأتي دور القوى النووية. .
القوى النووية القوية
وظيفتها الرئيسية تجميع الجسيمات دون الذرية؛ أي البروتونات (Protons) ذات الشحنة الموجبة والنيترونات (Neutrons) عديمة الشحنة، والتي تسمى ككل بالنيكليونات (Nucleons)، وهي المكون الرئيسي لنواة أي ذرةٍ والحفاظ على ترابطها في نواتها. فمثلًا، إذا كانت نواة جميع الذرات (باستثناء الهيدروجين)، تحتوي على أكثر من بروتون، وكان كل بروتون يحمل شحنةً موجبةً كما نعلم، فيجب أن تُجابه هذه الشحنات بعضها وتنفر، إذن كيف تحافظ النواة على نوياتها!؟ الجواب هو عن طريق القوى النووية القوية بينها.
تحافظ هذه القوى على النيوكليونات وذلك عن طريق تبادل الجسيمات التي تدعى ميزونات (Mesons)، إذ تنشأ هذه الجسيمات بين نيكلوينَين عندما تكون المسافة بينهما تساوي مقدار قطر البروتون أو النيوترون، عندها يحدث تبادل الميزونات وتلتصق هذه الجسيمات ببعضها البعض. يمكنك تشبيه ذلك التبادل بطاولة التنس؛ فطالما أن كرة التنس تتقاذف ذهابًا وإيابًا بين اللاعبين (التبادل الميزوني)، فالأمور على ما يرام.
يجب أن تكون المسافة بين النيوكليونات قريبةً جدًا كما قلنا؛ لأنه في حال كانت المسافة بعيدةً، فستكون القوى النووية القوية أضعف من أن تحافظ على الترابط في نواة الذرة، وبذلك قد تؤثر إحدى القوى الأساسية الأخرى (غالبًا الكهرومغناطيسية) على هذه الجسيمات، وتجعلها تجنح بعيدًا. .
القوى النووية الضعيفة
في حين أن جميع القوى التي ذكرناها سابقًا تعمل على جمع وترابط الجسيمات، فإنّ القوى النووية الضعيفة ـ من بين القوى الاساسية الاربع ككلّ ـ تلعب دورًا في انهيار الجسيمات وتجزيئها، كما أنها مسؤولةٌ عن الكثير من الإشعاعات الطبيعية الموجودة في الكون.
عام 1933، ابتكر الفيزيائي الإيطالي إنريكو فيرمي (Enrico Fermi) نظريةً لشرح أصل القوى النووية الضعيفة، وأطلق عليها عملية تحلل أو اضمحلال جسيم بيتا، ويشير هذا الاضمحلال إلى عملية تحول النيوترون عديم الشحنة عمليًّا (محايدة أو متعادلة الشحنة نظريًّا) داخل النواة إلى بروتون موجب، وذلك بطرده للإلكترون السالب، ومن هنا جاءت تسمية القوة الضعيفة، حيث تحول النيوترون إلى بروتون وإلكترون ونيوترينو (Neutrino).
رغم أنها تحمل صفة الضعف، إلا أنّ هذه القوى أقوى من قوة الجاذبية، لكنّها فعالةٌ فقط على مدى قصير جدًا، حيث يجب أن تكون المسافة بين النيوترونَين 0.1% من قطر البروتون. يندرج تفسير القوى الضعيفة تحت نظرية النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات، والتي تشير إلى أن اللبنات الأساسية للكون هي تلك الجسيمات الأولية والتي لا يمكن تقسيمها إلى أجزاءٍ أصغر.
- أحد هذه الجسيمات هو الكوارك (Quark).
- لم يجد العلماء أي مؤشرٍ على وجود جسيم أصغر من الكوارك، الذي يُقسم إلى ستة أنواع، هي:
- العلوي أو الصاعد (Up، واختصارًا u).
- السفلي أو الهابط (Down، واختصارًا d).
- الساحر أو الجذاب (Charm، واختصارًا c).
- الغريب (Strange، أو اختصارًا s).
- القمّي (Top، واختصارًا t).
- القعري أو الحضيض (Bottom، واختصارًا b).
- تساهم تلك الأنواع الستة في تشكيل الجسيمات دون الذرية؛ فمثلًا، تتكون كل من النيوترونات والبروتونات من حزم من ثلاثة كواركات؛ udd للنيوترون، وudu للبروتون.
- لم يجد العلماء أي مؤشرٍ على وجود جسيم أصغر من الكوارك، الذي يُقسم إلى ستة أنواع، هي:
- نوع آخر من الجسيمات وهو البوزون (Boson).
- يُعتقد أن هناك جسيمًا يدعى الجرافيتون (Graviton) مسؤولٌ عن قوة الجاذبية، إلا أنه ما زال قيد الاكتشاف. .