تاريخ مملكة سبأ

غياث عبد الملك
غياث عبد الملك

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

لم تكن قلة الممالك التي نشأت في شبه الجزيرة العربية سببًا رئيسيًا لشهرة مملكة سبأ ولكن ذكر الكتب المقدسة للديانات السماوية الثلاثة (الإسلام- المسيحية-اليهودية) لقصة ملكة سبأ ولقائها بالنبي سليمان جعلها معروفةً بل ومشهورةً على نطاقٍ واسعٍ جدًا.

نشأت مملكة سبأ (يسميها بعض الباحثون شيبا) في جنوب شبه الجزيرة العربية (في دولة اليمن حاليًا)، وازدهرت في الفترة الزمنية الممتدة بين القرن الثامن قبل الميلاد و سنة 275 ميلادي عندما تعرضت لغزو الحميريين.

ذُكرت مملكة سبأ في الكتاب المقدس (العهد القديم ) في سفر الملوك (10: 1-13 ) حيث سُردت قصة لقاء الملكة بالنبي سليمان، كما ذكرت في القرآن الكريم، والعهد الجديد من نسخ ماثيو ولوقا وغيرها من نسخ الإنجيل.


نشـأة وازدهار مملكة سبأ


طريق التوابل

كان الموقع الذي نشأت فيه مملكة سبأ ذو أهميةٍ إستراتيجيةٍ حيث يعتبر عقدةً هامةً على طريق التوابل والذي امتد من جنوب الجزيرة العربية إلى ميناء غزةٍ على البحر المتوسط.

كان طريق التوابل من أكثر طرق التجارة ربحًا بين القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد حتى القرن الثاني الميلادي، وكانت أكثر البضائع ثمنًا هي اللبان العربي والمر الذي كان يُزرع على سواحل شبه الجزيرة العربية الجنوبية، بالإضافة للتوابل القادمة من الهند عبر ميناء قاني (شرق اليمن).

سيطر المعينيون على تجارة التوابل والبخور، واكتفت مملكة سبأ في البداية فقط بالمشاركة في التجارة وشيئًا فشيئًا تمكن السبئيون من الهيمنة على التجارة في سنة 950 قبل الميلاد.


تنظيم التجارة والازدهار في مملكة سبأ

أدت سيطرة مملكة سبأ على التجارة وتنظيمها وإدارتها إلى ازدهارٍ اقتصاديٍّ واضحٍ وملموسٍ جعل سبأ أغنى مملكةً في جنوب الجزيرة العربية.

أصبحت سبأ مركزًا تجاريًا هامًا حيث غدت ترسل البضائع القادمة من الهند والمصنعة في جنوب الجزيرة العربية إلى كلٍ من بابل وأوروك في بلاد ما بين النهرين، وممفيس في مصر وإلى جبيل وصيدا وصور وغزة.


سد مأرب

مع الازدهار الاقتصادي الذي شهدته المملكة بدأ ملوك سبأ بالاهتمام بالجانب العمراني حيث أنشؤوا العديد من المشاريع العمرانية في عاصمتهم مأرب، وأشهر تلك المشاريع كان سد مأرب وهو أقدم سدٍ معروفٍ في العالم.

كان الهدف من سد مأرب منع الفيضانات وتنظيم الري في الأراضي الزراعية، وبالفعل تمكن السبئييون من تحقيق ذلك وتحقيق قفزةٍ زراعيةٍ في بلادهم.

مع نجاح مشروع السد، استند اقتصاد مملكة سبأ على التجارة والزراعة معًا، حيث ازدهرت زراعة محاصيل التمور والشعير والعنب والدخن والقمح والفواكه المتنوعة بالإضافة إلى العطريات من اللبان والمر الذي جعل المملكة غنيةً جدًا.

تمتعت مملكة سبأ بمستوى عالٍ من الرخاء ابتداءً من القرن السابع قبل الميلاد على الأقل إن لم يكن قبل ذلك، حيث نهضت المدن الكبرى وتزينت بالمناظر الطبيعية وشُيّدت المعابد الحجرية ضمن هذه المدن وخارج أسوارها حتى، فقد خصصت المعابد خارج المدن للتجار والقبائل البدوية أما المعابد داخل المدينة فكانت لمواطني تلك المدينة.


تراجع وسقوط مملكة سبأ

تابعت سبأ رحلة الازدهار حتى بدأ البطالمة في مصر بتفضيل الطرق المائية للتجارة بدل الطرق البرية، في الحقيقة لم يكن السفر عبر البحر أو النهر شيئًا جديدًا فقد كان مفضلًا بسبب سرعته قياسًا بطريق البر، ولكن مع ذلك ما أثر على الوضع الاقتصادي لمملكة سبأ هو قرار مصر التعامل المباشر مع مدينة قاني الساحلية وبالتالي إلغاء الواسطة السبئية في طريق التجارة.

فبدلاً من تدفق البضائع إلى مصر وخارجها عبر الإسكندرية وغزة ، أصبحت بارجة مصرية الآن تبحر في البحر الأحمر حول الساحل الجنوبي للجزيرة العربية بين بونت في إفريقيا وقطبان في شبه الجزيرة العربية، وتصل إلى قانيٍّ للتجارة مباشرةً مع التجار من الشرق الأقصى.

بالإضافة لتأثر القطاع الاقتصادي في المملكة، فإن الغزو العسكري لعب دورًا كبيرًا في سقوط المملكة حيث قام الحميريون بغزو مملكة سبأ واستطاعوا الاستيلاء على مناطقٍ واسعةٍ من المملكة حتى سقطت المملكة بشكلٍ كاملٍ عام 275م.


ملحوظة وخاتمة

يخلط الكثيرون بين انهيار سد مأرب وبين سقوط مملكة سبأ، إلا أن الحقيقة التاريخية تدل أن السد انهار بعد زوال حكم السبئيون على أيدي الحميريين.

ورغم رواية الكتب المقدسة لقصة لقاء ملكة سبأ بلقيس بالملك سليمان، إلا أن معظم المراجع التاريخية لا تؤكد ولا تنفي وقوع تلك الحادثة.

هل أعجبك المقال؟