حركة النهضة العربية
لفهم طريقة تفكير العرب اليوم، نحتاج للعودة إلى بداية العصر الحديث، عصر اليقظة أو النهضة العربية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
لمحة تاريخية عن النهضة العربية
الإمبراطورية العثمانية (1516 -1914)
قسم العثمانيون سورية بما فيها جبل لبنان إلى ولايات: حلب وطرابلس ودمشق. وحكم كل منها والي "حاكم" (كان مجبرًا على دفع أتاوةٍ إلى السلطان بتزويده بالجنود والمال) وقسّمت إلى سناجقَ أو مقاطعاتٍ. وامتدت ولاية حلب على معظم القسم الشمالي من سورية، بينما شملت طرابلس المقاطعات المركزية (حمص وحماه) بالإضافة إلى الساحل. أما دمشق، الولاية الأكبر، فضمّت مقاطعات بيروت وصيدا ودفعت الأتاوى الأكبر. وحتى على الصعيد الشخصي، دفع الناس الضرائب خاصةً في وقت الحرب، بالإضافة إلى جباية ضرائب خاصة من أهل الذمة (أشخاص محميون، يهود ومسيحيون). الذين يُتركون عادةً في سلامٍ.
اليقظة العربية
شهدت العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر يقظةً للهوية العربية، وساهمت عدة عواملَ في ذلك منها التغيرات الملحوظة التي شهدتها السلطة المركزية للإمبراطورية العثمانية، حيث تجددت البنى وباتت ديمقراطيةً. في نفس الوقت، شددت الإمبراطورية قبضتها على الأقاليم صعبة المراس مثل سورية، وشمل التحديث سلسلةً من الإصلاحات سميت "تنظيمات"، فبعد تتويج السلطان الجديد عبد الحميد الثاني عام 1876 في إسطنبول، تمحورت الإصلاحات الأهم حول تعديل الدستور وتشكيل برلمان، حيث يفترض أن ترسل كل ولايةٍ من الإمبراطورية ممثلين عنها.
الثورة العربية
كانت السنوات الأخيرة تحت حكم العثمانيين شديدة القسوة، حصلت مجاعةٌ، وأُعدم العشرات من القادة المشهورين معظمهم في 6 أيار 1916. وبعد شهر قاد شريف مكة حسين بن علي رمزيًا الثورة العربية وهزم القوات العثمانية، ليس في شبه الجزيرة العربية وفلسطين فقط، وإنما في كل المشرق.
وعلى هذا انضم أبناء الشريف حسين فيصل بن عبد الله إلى القوات البريطانية، وحصلوا بالمقابل على وعدٍ بإقامة مملكة عربية. وفي عام 1917 وضعت الثورة الروسية حدًا للوجود الروسي في الحرب، واسترد الأتراك سلطتهم. وفي خريف 1918 هزمت القوات البريطانية والفرنسية العثمانيين في المشرق، وتم توقيع هدنة في 30 تشرين الأول عام 1918.
حركة النهضة العربية
النهضة العربية هي حركةٌ إنسانيةٌ وفكريةٌ ومشروعُ تحديثٍ ثقافي للشرق العربي، وتعني الانفتاح أو الاهتمام بناحيةٍ ما خاصةً الفن والأدب أو الموسيقا.
بدأت الحركة في مصر ولبنان بآنٍ واحدٍ، حيث تميزت في لبنان بالتركيز على الثقافة العربية، والسعي لتحديثها بتقديم أنواعٍ جديدةٍ من الكتابات إلى جانب إحياء اللغة العربية، بينما ركزت مصر على السياسة وإصلاح المؤسسات الإسلامية وجعلها متلائمةً مع العالم الحديث.
ويرى بعض الباحثين أن النهضة هجينةٌ في طبيعتها حيث كانت من نتاج التطور الوطني القومي لكن بمساعدةٍ أجنبية.
كان هدف النهضة الرئيسي إيصال المجتمعات العربية إلى العلمانية والعقلانية والعروبة والقومية والعلموية والتفرد. وكان المساهمون الرئيسيون هم حكام ذلك الوقت الذين أرادوا أن يقف العالم العربي إلى جانب العالم الغربي، وامتلكوا رؤيا لن تبصر النور إلا من خلال نهضة الثقافة ومؤسسات الحكم الإسلامية في الشرق الأوسط.
دوافع قيام النهضة العربية
كان لكلٍّ من احتلال نابليون لمصر، والأفكار الإصلاحية لحكام مثل محمد علي، والإصلاحات في الإمبراطورية العثمانية التي عرفت باسم تنظيمات (وانتهت بإعلان الدستور عام 1876)، وقعها المدوي على الدوائر السياسية والفكرية العربية، ما أدى إلى حركة صحوةٍ وضعت أسس القومية العربية، وذلك قبل الحرب العالمية الأولى بوقتٍ قصيرٍ، وأثرت على النواحي الدينية والسياسية والصحافة في المنطقة.
وبدأت أشكالٌ أدبيةٌ جديدةٌ كالرواية والدراما بالظهور على الساحة الأدبية العربية، وتطورت بشكلٍ كبيرٍ تحت تأثير الأعمال الأوروبية التي توفرت في القرن التاسع عشر مترجمةً إلى العربية. أما الأشكال الأخرى فيدين معظمها للنماذج الغربية رغم امتداد جذورها في الأدب العربي الكلاسيكي مثل القصة القصيرة والمقالة وأشكال الشعر الجديدة.
وقد كانت فترة النهضة مهمة جدًا في التاريخ الإسلامي لكن قاسية، واتجه معظم الكتاب السوريين واللبنانيين إلى مصر كونها البيئة الأكثر تحررًا، متخذين منها مركزًا للنهضة التي امتدت إلى البلدان العربية الأخرى تحت تأثير تمزق الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى والحصول على الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية.
لماذا نجحت النهضة العربية في تحويل اتجاه الأدب العربي
يمكن عزو نجاح النهضة العربية في تحويل اتجاه الأدب العربي إلى عاملين:
أولهما: ظهور صحافة عربية بنمط كتابي واقعي أجبرت الكتّاب على ترك الأنماط التقليدية المزخرفة لصالح الأسلوب المباشر الأكثر بساطةً، ليغري جمهور قراءة أوسع. كان محمد علي باشا أول من أدخل الصحافة المطبوعة إلى مصر كشكلٍ من أشكال الإعلام الحديث والإصلاحي للشعب المصري، وتعود صحيفة الأهرام المصرية إلى عام 1875، بينما وجد في بيروت وحدها حوالي 40 دورية و15 صحيفة.