فرناندو ماجلان ورحلته

روان سالم
روان سالم

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

في 20 سبتمبر/أيلول من عام 1519، أبحرت خمس سفن من ميناء سانلوكار دي باراميدا (Sanlúcar de Barrameda) الإسباني، حاملةً حوالي 270 رجلًا، اتجهت غربًا واستمرت في الإبحار بقيادة رجل يُدعى فرناندو ماجلان (Ferdinand Magellan)، وقد كان هدف هذا الأسطول هو الوصول إلى جزر عُرِفَت بجُزُر التوابل في في مالوكو (الأرخبيل الإندونيسي)، وفتحْ طريق تجاري في إسبانيا، وهكذا بدأت أول رحلة مسجّلة في العالم، رحلة ماجلان. لنتعرف بدايةً على المستكشف البرتغالي الأصل، وثم قليلًا عن قصة رحلته المشوقة.


فرناندو ماجلان

وُلد المستكشف البرتغالي عام 1480 في سابروسا (Sabrosa) في البرتغال، وترجع نشأته لعائلة من النبلاء البرتغاليين، درس رسم الخرائط والملاحة في بداياته. بدأت مسيرته الترحالية في سن الثانية عشر، حيث سافر مع أخيه ديوغو إلى لشبونة (Lisbon) عاصمة البرتغال، ليعملا كنبيلين صغيرَين مساعِدَيْن في بَلَاط الملكة إليانور. وخلال فترة تواجدهما في القصر، بدأت قصص التنافس البرتغالي والإسباني حول من يمكنه اجتياز البحر والهيمنة على توابل جزر الهند الشرقية، وخاصةً في جُزُر التوابل، ومولعًا بالشهرة وكَسب الثروات، عمل ماجلان جاهدًا لتطوير اهتماماته بالاكتشاف البحري في سنواته الأولى من الترحال.


بداية رحلات ماجلان

عام 1505، عُيّن ماجلان وشقيقه في أسطول برتغالي وجهته الهند، وعلى امتداد عدة سنوات بعد ذلك، شارك ماجلان في العديد من الرحلات الاستكشافية، في الهند وفي إفريقيا، وشارك في معارك تركت لديه عدة ندبات كانت آخرها إصابته بالعرج لبقية حياته، حيث في عام 1513، انضمّ فرناندو إلى أسطول مكوّن من 500 سفينة حملت على متنها 15000 جندي، كانت متوجهة إلى المغرب، إذ أرسلها الملك البرتغالي مانويل تحدّيًا للحاكم المغربي الذي رفض دفع جزية سنوية للإمبراطورية البرتغالية، وفي تلك الهجمة، تغلب البرتغاليون بسهولة على المغربيين، ولكن أثناء وجود ماجلان هناك، أصيب بجروح خطيرة جعلت منه أعرجًا مدى الحياة.


من البرتغال إلى إسبانيا..

والآن، نخوض في خضمّ أهداف رحلات ماجلان، والتي بدأت في القرن الخامس عشر، حيث كانت التوابل في ذاك الوقت مركز الاقتصاد العالمي، تمامًا مثل النفط في هذه الأيام، القرفة والقرنفل وجوز الطيب، وغيرها من التوابل التي كانت ذات قيمة في الحفاظ على الطعام وإضفاء طعم جيد على اللحم، ما جعلها محط أطماع كثيرة.

لم يكن من الممكن زراعة التوابل في أوروبا الباردة والقاحلة، لذا تنافست البرتغال وإسبانيا على الوصول والسيطرة على هكذا سلعة مهمة، وفي حين وصل الأوروبيون إلى جُزُر التوابل باتخاذ الشرق كجهة للإبحار، لم يخطر لأحدٍ منهم أن يتخذ الجانب الغربي في الإبحار للوصول إلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية، ولكن اتخذ ماجلان الخطوة.

أما عن العنوان "من البرتغال إلى إسبانيا"، فهو بسبب التجاء ماجلان لملك إسبانيا لطلب الدعم في مشروعه في رحلته غربًا إلى جُزُر التوابل، بعدما رفض طلبه مانويل مرارًا وتكرارًا، فترك جنسيته البرتغالية وانتقل إلى إسبانيا. وصل ماجلان إلى إشبيلية (سيفيلا اليوم Seville) في أكتوبر 1517، كان متحدث سيء للإسبانية، ولكنه سرعان ما التقى بآخر من أبناء جنسه، برتغالي يُدعى دييغو باربوسا (Diogo Barbosa)، وبعد عام من ذلك، تزوج بابنة باربوسا، بياتريس (Beatriz)، وأنجبا ابنًا أسمياه رودريغو (Rodrigo).

فتح ذلك آفاق سريعة لماجلان، فعائلة باربوسا كانت ذات علاقات جيدة، وقدّمته على الفور للضباط المسؤولين عن الاستكشافات البحرية في إسبانيا، وبهذا، حصل ماجلان على موعد سريع مع ملك إسبانيا. دعم الملوك رحلة ماجلان، والذي بدوره وعد بأن تجلب رحلته البحرية باتجاه الغرب ثروات لا تُعد ولا تُحصى لإسبانيا.


مضيق ماجلان

وفي 10 أغسطس/آب من عام 1519، ودع ماجلان ابنته وزوجته، وأبحر بأسطول عُرف باسم "أسطول الملوك (Armada De Moluccas)"، وقاد ماجلان سفينته الرائدة ترينيداد (Trinidad)، وتبعها 4 سفن أخرى كانت أسماؤها كالتالي: سان أنطونيو، وكونسبسيون، وفيكتوريا، وسانتياغو.

رسم توضيحي لأسطول ماجلان وهو يستعد للإبحار عام 1519

رسم توضيحي لأسطول ماجلان وهو يستعد للإبحار عام 1519

في سبتمبر/أيلول من ذات العام، أبحر ماجلان من من سانلوكار دي باراميدا، عبر بحر المحيط (المحيط الأطلسي اليوم)، وبعد أكثر من شهر، وصل الأسطول أمريكا الجنوبية، أبحرت السفن من هناك جنوبًا بحثًا عن المضيق الذي سيتيح لهم المرور عبر أمريكا الجنوبية. وتوقف الأسطول فيما بعد في ميناء سان جوليان (San Julian) حيث تمرّد الطاقم، ولكن لم يترك ماجلان ذلك يؤثر على رحلته، بل أخمد التمرّد وأعدم أحد القباطنة ليكون عبرة لغيره، كان ذلك عام 1920.

أرسل ماجلان سفينة سانتياغو أمامه لاستكشاف الطريق، وسرعان ما غرقت السفينة أيضًا بسبب عاصفة أودت بها، ولكن لحسن الحظ، تم إنقاذ أفراد الطاقم، وتوزيعهم على السفن المتبقية. مع كل تلك الأحداث، غادر الأسطول الميناء بعد حوالي 5 أشهر مع زوال العواصف، وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، دخل فرناندو المضيق الذي كان يبحث عنه، والذي حمل اسمه وقتذاك، مضيق ماجلان.

رسم توضيحي لمضيق ماجلان - ماجلان ورحلته

رسم توضيحي لمضيق ماجلان

بسبب صعوبة الرحلة عبر هذا المضيق، عادت سفينة من السفن الأربعة أدراجها إلى إسبانيا بعد إجبار طاقمها الخائف وغير الواثق من مخاطر الآتي، القبطان على العودة، لذا استدارت السفينة وعادت عبر المحيط إلى إسبانيا، وبقي من الأسطول ثلاث سفن فقط.


رحلة ماجلان عبر الكرة الأرضية

بعد أكثر من شهر من عبور مضيق ماجلان، وصل الأسطول - أو ما تبقى منه - أخيرًا في نوفمبر/تشرين الثاني إلى محيط شاسع أطلق عليه ماجلان مار باسيفيكو (Mar Pacifico) والذي نعرفه اليوم باسم المحيط الهادئ. لم يقدّر ماجلان أن الرحلة ستأخذ وقتًا عبر هذا المحيط، فلم يكن يعرف كثيرًا خارج أمريكا الجنوبية. استغرقت رحلته حوالي أكثر من 3 أشهر في المحيط الهادئ بحثًا عن أرض يستقروا عليها، وأخيرًا، وصلوا إلى جزيرة غوام (Guam) في المحيط الهادي في مارس عام 1521، حيث جددوا مؤونهم.

بعد تجديد المؤون، أبحر الأسطول إلى أرخبيل الفلبين واستقر في جزيرة سيبو (Cebu)، حيث كان ماجلان وقتذاك أقرب من أي وقت مضى إلى جُزُر التوابل، وفي جزيرة سيبو، أقام ماجلان صداقات كثيرة مع السكان المحليين، لدرجة حاول إقناعهم باعتناق الدين المسيحي، وأنهم طلبوا منه المساندة في محاربة جيرانهم من جزيرة ماكتان (Mactan)، ووافق ماجلان. لم يكن يعلم أن موافقته على هذا العمل ستحول دون وصوله إلى مبتغاه.

صليب أقامه الطاقم في جزيرة سيبو

صليب أقامه الطاقم في جزيرة سيبو

موت ماجلان

قاد ماجلان الهجوم على أهل ماكتان بنفسه خلافًا لرغبة رجاله، مفترضًا أنه سيحقق نصرًا سريعًا بأسلحته الأوروبية المتطورة، وخلافًا لتوقعاته، قاتل الماكتانيون بضراوة، وتبدد حلم ماجلان بالوصول إلى جزيرة التوابل بسهمٍ مسموم، وهكذا، توفي في 27 أبريل/نيسان من عام 1521 تاركًا وراءه 3 سُفُن من أسطوله.


وصول رحلة ماجلان إلى جُزُر التوابل

ماتَ ماجلان نعم، ولكن حلمه بالوصول كان لا يزال قائمًا بهمّة رجاله. بعد موته وفقدان سفينة من الثلاث المتبقية، وصلت السفينتان الأخريتان إلى جُزُر التوابل في 5 نوفمبر/تشرين الثاني. في نهاية المطاف، فقط فيكتوريا هي من أكملت الرحلة حول العالم بقيادة الإسباني خوان سباستيان إلكانو (Juan Sebastian Elcano)، وعادت إلى إشبيلية في سبتمبر/أيلول من عام 1522 محملة بالتوابل، و18 رجل فقط من كل الطاقم الذي سافر، بمن فيهم الباحث والمؤرخ الإيطالي أنطونيو بيغافيتا (Antonio Pigafetta). احتفظ بيغافيتا وقتها بصحيفة أرخ فيها كل ما واجهته رحلتهم من متاعب، كانت بمثابة سجل مكتوب لما واجهه الطاقم.

نسخة حديثة من فيكتوريا - ماجلان ورحلته

نسخة حديثة من فيكتوريا
هل أعجبك المقال؟