الميل المحوري للأرض
بالاعتماد على ظل الأشياء استطاع الإنسان منذ القدم اكتشاف حقائق عن الأرض والشمس وبقية النجوم، لتحل محل فرضياتٍ بدائيةٍ لم تستطع إثبات صحتها أو تقديم تفسيرٍ لأي ظاهرةٍ نشاهدها على الأرض، ولعل أبرزها وأكثرها شهرةً اكتشاف دوران الأرض حول الشمس ودورانها حول نفسها، لكنه استغرق وقتًا طويلًا حتى أدرك أن محور دوران الأرض يميل بزاويةٍ محددةٍ، ويؤثر على عددٍ من الظواهر الطبيعية، فإن كنت مهتمًا بهكذا معلومات، دعنا نخبرك ما هو الميل المحوري للأرض وما تأثيره على حياتنا.
حقيقة ميلان محور الأرض
بعد إثبات دوران الأرض حول الشمس كما بقية كواكب المجموعة الشمسية وفق مدارٍ محددٍ لها يُدعى مستوى مدار الشمس The Ecliptic plane ودورانها حول نفسها أيضًا، افترض العلماء وجود محورٍ للأرض تدور حوله واعتقدوا في البداية أنه عموديٌّ على مدار الشمس، حتى ظهرت حقيقةٌ مغايرةٌ لذلك عندما أثبتت التجارب الكثيرة أن محور دوران الأرض حول نفسها يميل ليشكل مع مدار الأرض حول الشمس زاويةً قدرها 23,5 درجةً دعيت فيما بعد الميل المحوري للأرض، وإليه تعود عددٌ من الظواهر الطبيعية مثل تعاقب الفصول الأربعة.
اكتشاف الميل المحوري للأرض وقياس زاويته
بعد إثبات حقيقة الميل المحوري للأرض منذ زمنٍ طويلٍ، بدأت أولى محاولات قياس زاوية الميلان بدقةٍ في الصين والهند تحديدًا عام 1100 قبل الميلاد ثم تبعتها محاولاتٌ لعلماء إغريق بعد حوالي 750 سنةً، اعتمدت في أغلبها على قياس طول الظل أثناء الانقلاب الصيفي والانقلاب الشتوي، حيث يكون أطول يومٍ في السنة وأقصر يوم.
فلو كان محور الأرض عموديًّا دون ميلانٍ من المفترض أن لا يظهر ظلٌ لقضيبٍ مُثبتٍ شاقوليًّا عند خط الاستواء خلال فترة الظهيرة، لكن بالتجربة حدث خلافُ ذلك حيث ظهر ظلٌ للقضيب يتغير طوله على مدار السنة، فاعتُبر دليلًا على وجود ميلانٍ في محور دوران الأرض حول نفسها.
لقياس زاوية الميلان وُضع قضيبٌ عموديٌّ في منطقة المدار الشمالي أو كما تدعى بمدار السرطان، حيث لم يتشكل له ظلٌ أثناء الظهيرة خلال فترة الانقلاب الصيفي، ثم أُعيدت الطريقة في منطقة المدار الجنوبي أو مدار الجدي خلال فترة الانقلاب الشتوي، فكانت النتيجة مشابهةً أي لم يظهر ظلٌ للقضيب، وبالاعتماد على حساباتٍ رياضيةٍ معقدةٍ تمكن العلماء من قياس زاوية ميلان محور الأرض.
البدارية المحورية للأرض Axial Precession
ساد الاعتقاد لفترةٍ طويلةٍ بثبات محور دوران الأرض حول نفسها وفق زاوية الميل المحوري ذاتها، حتى أثبت العالم الفلكي اليوناني هيبارخوس عدم صحة ذلك عندما قارن مشاهداته وملاحظاته التي توصل إليها مع ملاحظات من سبقه من العلماء خلال عقودٍ طويلةٍ، فلاحظ اختلاف موقع الشمس بالنسبة للنجوم في الاعتدالين الربيعي والخريفي بالمقارنة مع موقعها أثناء الاعتدالين قبل 150 سنة مضت، وعزا سبب ذلك نتيجةً لحركة محور دوران الأرض حركة جيروسكوبية متذبذبة تستغرق حوالي 26000 سنة لتكمل دورتها الواحدة، وأُطلق عليها لاحقًا البدارية المحورية للأرض حيث يتغير خلالها اتجاه محور دوران الأرض بشكلٍ دائمٍ مع بقاء زاوية ميلانه ذاتها.
علاقة الميل المحوري للأرض بالصيف والشتاء
انشغل العلماء لعقودٍ طويلةٍ بتفسيرٍ يوضح حدوث الفصول الأربعة وفق أوقاتٍ محددةٍ في كل منطقةٍ، لكنها تختلف عن المناطق الأخرى، حتى توصلوا إلى حقيقة وجود الميل المحوري للأرض مما مكنهم من إيجاد تفسيرٍ منطقيٍّ علميٍّ لها.
يعود حدوث الفصول الأربعة خلال السنة إلى ميلان محور دوران الأرض التي لا تدور حول نفسها بحركةٍ مستقرةٍ أثناء دورانها حول الشمس، بل وفق ما يُعرف بالبدارية المحورية كما ذكرنا سابقًا، لذلك تمر فترةٌ محددةٌ يميل فيها القطب الشمالي باتجاه الشمس وفترةٌ أخرى يميل فيها القطب الجنوبي بدلًا منه.
عند ميلان القطب الشمالي للأرض باتجاه الشمس يحل فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي، والشتاء في نصف الكرة الجنوبي ليتغير ذلك بعد فترةٍ عندما يميل القطب الجنوبي باتجاه الشمس فيحدث العكس تمامًا.
يمكن تحديد موعد حدوث الفصول الأربعة بالاعتماد على الانقلاب الشمسي، فمثلًا يحدث الانقلاب الشتوي في نصف الكرة الشمالي في الحادي والعشرين من شهر كانون الأول/ ديسمبر، والانقلاب الصيفي في الحادي والعشرين من شهر حزيران/ يونيو، أما الاعتدال الربيعي فيأتي في العشرين من شهر آذار/ مارس، ليحدث الاعتدال الخريفي في الثاني والعشرين أو الثالث والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر أما في نصف الكرة الجنوبي فيحدث العكس تمامًا، حيث يتبادل كلٌ من الانقلابين الصيفي والشتوي المواعيد والاعتدالين الربيعي والخريفي.