ما هو الوسط البيئي
لا يمكن دراسة أي كائن حي والإلمام بجميع جوانب حياته عند دراسته ككائنٍ منفردٍ مُنعزلٍ عن البيئة المحيطة فيه وبقية الأنواع التي تشاركه في البيئة، فلا بدّ من معرفة جميع الظروف البيئية التي تحيط به، وتُحدد عاداته ونشاطه، إضافةً لدراسة موقعه ودوره في السلسلة الغذائية، وهو ما يفتح الباب أمام العلم للبحث عن الكائن الحي ودراسته ضمن الوسط البيئيّ الذي يعيش فيه.
الوسط البيئيّ
الوسط البيئي هو مجموعة الكائنات الحيّة وبيئتها الماديّة التي تحيط بها بمختلف مكوناتها مثل الحرارة، والمياه، والرطوبة، والتربة، والإشعاع الشمسيّ، والعناصر المعدنية وغيرها، وجميع العلاقات المُتبادلة بين الكائنات الحية فيما بينها وبينها وبين البيئة المحيطة في حيّزٍ مكانيٍ أو جُغرافيٍ محددٍ.
مكونات الوسط البيئي
يُقسم الوسط البيئيّ إلى مكونين رئيسيين هما:
- المكونات غير الحية: بما في ذلك المعادن، وعوامل المناخ، والتربة، والماء، وضوء الشمس، وهي جميع مكونات الوسط البيئي التي لا تُعتبر كائناتٍ حيةٍ.
- المكونات الحيوية: تتكون من جميع أشكال الكائنات الحيّة ضمن الوسط البيئي، انطلاقًا من وحيدات الخليّة إن وُجدت وصولًا إلى أعلى الكائنات الحيّة في سلسة التطور.
ترتبط هذه المكونات معًا بقوتين رئيسيتين: تدفق الطّاقة عبر الوسط البيئي، ودورة العناصر الغذائية داخله.
مصدر الطاقة في الوسط البيئي
المصدر الأساسي للطّاقة في جميع الأوساط البيئية تقريبًا هو الطّاقة المشعّة من الشمس.
يتم استخدام طاقة ضوء الشمس من قبل الكائنات ذاتية التغذية في النظام البيئي ( النباتات الخضراء)، القادرة على التمثيل الضوئي لإنتاج الكربوهيدرات الغنية بالطاقة من غاز ثاني أوكسيد الكربون والماء كمرحلةٍ أولى، ثم تستخدم الطاقة المُخزّنة داخل الكربوهيدرات البسيطة لإنتاج المُركبات العضوية الأكثر تعقيدًا مثل البروتينات والدهون والنشاء.
تُشكّل الكائنات ذاتية التغذية المفتاح الرئيسي لدخول الطّاقة إلى داخل الوسط البيئي ونقلها إلى باقي المكونات الإحيائية للوسط من خلال سلسلة الهرم الغذائي، وفي النهاية تقوم البكتريا المُحلّلة بتحليل جميع كائنات الوسط البيئي إلى عناصرها الأولية التي تدخل مرةً أخرى في سلسلة الغذاء.
أنواع الأوساط البيئية
هناك نوعان رئيسيان من الأوساط البيئية:
الأوساط البيئية الأرضية
تقوم الأوساط الأرضية على الأرض حصرًا، ولها العديد من الأنواع المختلفة موزعةً حول مناطقٍ جغرافيةٍ مختلفةٍ، ومن أهمها:
- الوسط البيئي للغابات: يتكون من الكثير من الحيوانات والنباتات والكائنات الحيّة الدّقيقة التي تعيش في تناسقٍ مع العوامل غير الحيوية للوسط. تساعد الغابات في الحفاظ على درجة حرارة الكوكب، وهي المصدر الرئيسيّ لكلٍ من الكربون العضوي والأوكسجين في العالم.
- الوسط البيئي للأراضي العشبية: تسيطر الأعشاب على غطاء النباتات، وتُعتبر الأراضي العشبية المعتدلة ومراعي السافانا من أمثلة الأوساط البيئية للأراضي العشبية.
- الوسط البيئي للمناطق الباردة (التندرا): تقع أغلب هذه الأوساط البيئية في المناطق الشمالية من دائرة القطب الشمالي وعلى قمم بعض الجبال، وتتميز بخلوّها من الأشجار وتربتها الجليدية أو الصخرية. تسود فيها بعض أنواع الأعشاب والشُجيرات، وتتميز هذه الأوساط بانخفاض كمية الأمطار فيها.
- الوسط البيئي الصحراوي: يوجد في جميع أنحاء العالم، في المناطق ذات الهطولات المطرية القليلة جدًا وشبه النادرة والغطاء النباتي الفقير جدًا. تتميز بارتفاع الحرارة نهارًا وانخفاضها بشكلٍ كبيرٍ ليلًا.
الأوساط البيئية المائية
هي أوساطٌ بيئيةٌ موجودةٌ في جسمٍ مائيٍ، وتُقسّم إلى نوعين، هما:
- الوسط البيئي للمياه العذبة: هو وسطٌ بيئيٌّ مائيٌّ قائمٌ في البحيرات، والأنهار، والجداول، والبرك، والأراضي الرّطبة. تشترك جميع الأوساط البيئية للمياه العذبة بكونها لا تحتوي على محتوىً ملحيٍ على عكس الوسط البيئي البحري.
- الوسط البيئي البحري: يقوم الوسط البيئيّ البحريّ في البحار والمحيطات وجميع المُسطّحات المائية ذات المحتوى الملحي، وتتميز بتنوعها العالي مقارنةً بالأوساط البيئية للمياه العذبة.
وظيفة الوسط البيئي
يقوم الوسط البيئيّ بالدرجة الأولى على مكوناته والعلاقات التبادلية بينها، بالتالي تُعتبر الوظيفة الرئيسية للوسط البيئي هي ضمان تدفق الطاقة وتنقّلها بين مكونات الوسط، فعلى سبيل المثال، في الوسط البيئي للغابات تقوم النباتات بعملية التمثيل الضوئي وتصنع الأوراق الغذاء الرئيسي بالاعتماد على ضوء الشمس وما تمتصه من التربة من ماءٍ وأملاحٍ معدنيةٍ بوساطة الجذور، فتاتي الكائنات العاشبة لتتغذى على الأوراق، وهي بدورها تعمل كغذاءٍ للحيوانات آكلة اللحوم، وفي النهاية ولضمان استمرار السلسة الغذائية تقوم المُحلِّلات بتنفيذ وظائف تحطيم المواد العضوية المعقدة إلى منتجاتٍ غير عضويةٍ بسيطةٍ تستفيد منها النباتات المُنتجة لإعادة تصنيع الغذاء.
بالنتيجة الوظيفة الرئيسية للوسط البيئي هي تبادل الطّاقة والمغذيات في السلسلة الغذائية، وتُحافظ هذه التبادلات على الحياة النباتية والحيوانية على الكوكب بالإضافة إلى تحلل المواد العضوية وإنتاج الكتلة الحيوية.
اضطرابات الوسط البيئي
الاضطرابات الطبيعية للأوساط البيئية
الوسط البيئي هو مجموعةٌ من المكونات الحيّة وغير الحيّة، وأيّ خللٍ في أحد هذه المكونات يؤدي بالضّرورة لتغيير الوسط. يمكن أن يحدث الخلل لأسبابٍ طبيعية مثل الحرائق والفيضانات والبراكين وغيرها من العوامل الطبيعية.
- الحرائق: الحريق هو اضطرابٌ شائعٌ في الأوساط البيئية، ينتج طبيعيًا أو عن السلوك البشري، تُدمّر حرائق الغابات الطبيعية وسطًا بيئيًّا وتُفيد وسطًا آخر في نفس البقعة. تقتل حرائق الغابات العديد من الحيوانات الصغيرة وتُشرّد قسمًا آخر، يؤدي الحريق إلى تدمير الموطن والغذاء لأغلب الأنواع الحيوانية الناجية، كما تُصبح التربة عاريةً ما يعرضها للانجراف، بالمختصر الحريق مدمرٌ للوسط البيئيّ الذي يحدث فيه.
على المقلب الآخر تساعد حرائق الغابات الوسط البيئيّ عن طريق إزالة الكثير من النباتات الميتة ما يسمح للنباتات الباقية بالاستفادة من زيادة الضوء، كما يساعد الرماد والفحم المتبقي من النباتات المحترقة في إضافة العناصر الغذائية إلى التربة المستنفدة. توفر هذه العناصر الغذائية بيئةً غنيةً للنباتات الحيّة فتنبت البذور. في نهاية المطاف ، ينتعش وسطٌ بيئيٌ جديدٌ مكان الوسط البيئي المُدمّر بفعل الحرائق. - الفيضانات: تحدث الفيضانات بعد العواصف عادةً، يتحدد الضّرر الناتج عن الفيضانات اعتمادًا على مدى الفيضان ومدّة بقاء المياه. يؤدي الفيضان غالبًا لتشبّع التربة بالماء، في حين تتطلب جذور النباتات الأكسجين لتتنفس، وهو ما يؤدي لاختناق قسمٍ من النباتات وموتها. كما يمكن أن يقوم الفيضان بجرف الطّبقة السطحية الغنية بالمُغذيات من التربة، ويدمر الجحور والأوكار والأعشاش، ما يجبر الحيوانات على الانتقال.
- البراكين: عندما يفور البركان يطلق كمياتٍ هائلةٍ من الحمم البركانية والغازات السامة والغبار البركاني الذي يمكن أن ينتشر لمسافاتٍ بعيدةٍ جدا عن مكان حدوث البركان، وجميع هذه العوامل تؤثر سلبًا بشكلٍ كبيرٍ على الأوساط البيئية المحيطة، مثلًا في عام 1980 ثار بركان سانت هيل مؤديًا إلى تدمير الأشجار والكائنات الحية في التربة وتحولت الغابات الناضجة إلى أرضٍ قاحلةٍ مغطاةٍ بالرماد.
تأثيرات الإنسان على الأوساط البيئية
يؤثر البشر على العالم الطبيعي أكثر من أي نوعٍ آخر وخصوصًا في العقود الأخيرة، كنتيجةٍ طبيعيةٍ لازدياد عدد السكان وزيادة حاجاتهم المُلحّة من خلال:
- تدمير الموطن الطبيعي: يحدث التدمير كنشاطٍ مرافقٍ لاستيطان الإنسان في مناطق جديدةٍ وما يرافقه من أنشطةٍ عمرانيةٍ واستصلاح الترب بهدف زراعة المحاصيل، ونتيجة لذلك تتدمّر المواطن الطبيعية لعددٍ من الكائنات الحية التي تعيش في الموقع، ما يضطرها للانتقال من الوسط الحيوي ويجري استبدال النباتات الطبيعية السائدة بأنواعٍ أخرى تُحقق فائدةً اقتصاديًّة للإنسان.
- إدخال الأنواع الجديدة: أدى نمو السكان واستيطان البشر في مناطق جديدةٍ إلى إدخال أنواع نباتيةٍ وحيوانيةٍ إلى أوساط بيئيةٍ جديدةٍ لم تكن موجودةً فيها، وبشكلٍ عامٍ تتأقلم الأنواع الجديدة في الوسط البيئي الجديد دون أن تُسبّب مشاكل كبيرةً، ولكن في حالاتٍ خاصةٍ تؤثر بعض الأنواع المُدخلة تأثيراتٍ سلبيةٍ وتسمى حينها بالأنواع الغازية، مثلًا أُدخل نوعٌ من الكرمة تسمى (كودز) إلى جنوب الولايات المتحدة كوسيلةٍ للسيطرة على تآكل التربة، انتشر هذا الصنف بسرعةٍ، وخنق جذور بعض النباتات وحجب الضوء عن النباتات الأخرى، ما أدى إلى قتلها وتغيير الوسط البيئي في المنطقة.
- الصيد الجائر: تتضمن العديد من الأنشطة البشرية قتل الحيوانات بالصيد سواء للغذاء أو مكافحة الحيوانات التي تُنافس البشر على المحاصيل مثل القوارض، أو لحماية الماشية عن طريق قتل المُفترسات مثل الذئاب، وهو ما أدى على المدى الطويل إلى انقراض عددٍ كبيرٍ من الانواع الحيوانية، وتهديد عددٍ آخر بالانقراض.
- التلوث والتغير البيئي: نما عدد السكان بشكلٍ كبيرٍ خلال القرون القليلة الماضية، وترافقت هذه الزيادة بزيادة التلوث الناتج عن الأنشطة البشرية سواء للماء او الهواء أو التربة، يؤدي التلوث غالبًا إلى تغييرٍ في المكونات الغير حيوية للوسط البيئي مثل تقليل الأوكسجين المنحل في المياه ورفع درجة حرارة المياه ورفع درجة حموضة بعض الترب والأوساط المائية من خلال الأمطار الحمضية، وهو ما يؤثر على الكائنات الحية التي تعيش في هذه الأوساط. تقتل التسربات النفطيّة في البحار الحيوانات البحرية بشكلٍ مباشرٍ وتؤثر على العديد من الشبكات الغذائية المختلفة.
- التغيرات المناخية العالمية: يُقصد بها الاحتباس الحراري بشكلٍ رئيسيٍ الذي يعني ارتفاعًا بسيطًا في متوسط درجة حرارة الأرض. يساهم ارتفاع درجة الحرارة في تغيير الأوساط البيئية حول العالم، مثلًا يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تسريع ذوبان الأنهار الجليدية والقمم الجليدية مما يؤدي إلى تعطيل أو تدمير المواطن الطبيعية على طول الشواطئ مع ارتفاع منسوب المياه، كما يؤثر تغير المناخ على أنماط هطول الأمطار مما يؤدي إلى الجفاف أو الفيضانات.