ما هو عصر النهضة وكيف بدأ

عصر النهضة حرفيًا يعني إعادة الميلاد فهو حقبة من الزمن، مذ بدأت، أدت إلى الكثير من التغيرات الديناميكية والإثارة والتطور في أوروبا خاصةً ومن بعدها في العالم.

عصر النهضة (Renaissance) عبارة عن حقبة زمنية حدثت في الحضارة الأوروبية بعد العصور الوسطى مباشرةً، اتسم بزيادة الاهتمام بالقيم الكلاسيكية فقد سعى العلماء والمفكرين في ذلك الوقت إلى إحياء الحكمة والتعليم الكلاسيكي بعد فترة من الركود الثقافي الذي كان في العصور الوسطى، كما أن تلك الفترة أيضًا ترافقت مع استكشاف العديد من القارات والأراضي الجديدة وازدهار الاقتصاد ونمو التجارة وتراجع النظام الإقطاعي، وأيضًا استبدل النظام الفلكي البطلمي (مركزيّة الأرض) بالكوبرنيكي واخترعت الكثير من الأشياء في عصر النهضة كالورق والطباعة. 

عصر النهضة من أكثر الفترات تأثيرًا في تاريخ أوروبا والذي حدث ما بين عامي 1300-1700، ويمكن اعتباره حركة ثقافية وفكرية أكثر من كونه فترة تاريخية فهو يمثل الرابط الثقافي ما بين العصور الوسطى والتاريخ الحديث.

بدأ عصر النهضة ما بعد العصور الوسطى التي شهدت انحدارًا في المستوى الفكري والثقافي، الأمر الذي دفع العديد من المفكرين والعلماء في أوروبا بعدها إلى السعي لإعادة تعلم الفلسفة والقيم الكلاسيكية للنهوض بالواقع الثقافي، فاستطاعوا عبر تفسير هذه القيم والفلسفات وتحسينها وخلق أساليب فنية جديدة من إعادة نشر ثقافتهم السابقة، إذ ظهر تأثير ذلك العصر بوضوح في الأدب والفن والدين والموسيقى والفلسفة والسياسة والعلوم وتبنى العلماء الإنسانية في دراساتهم.

اتفق المؤرخون على أن عصر النهضة نشأ في إيطاليا أولًا، لكنهم اختلفوا حول الوقت المحدد الذي بدأ فيه، هناك الكثير من النظريات التي تشرح سبب كون إيطاليا هي المهد؛ ففي القرنين الرابع والسادس عشر توسعت ثروة إيطاليا بشكل كبير عن طريق توسيع التجارة إلى آسيا وأوروبا، فازدهرت العديد من المدن الإيطالية كالبندقية وجنوة وتيرول، مما خلق تدفقًا مستمرًا للأموال في إيطاليا وأصبحت أغلب هذه الأموال في أيدي الرعاة الذين اعتمد الفنانون عليهم في تمويل مشاريعهم الفنية، وبهذا أصبحت أغلب المدن الإيطالية ف أواخر العصور الوسطى تتمتع بدرجة عالية من الحرية السياسية، والتي مكنتها من التطور والتقدم الفني والأكاديمي، أشار المؤرخون لاحقًا إلى أنّ بدايات النهضة كانت فلورنسا على وجه الخصوص ويعود ذلك إلى وجود الثروة والرعاة الكريمين أو بسبب الحظ.

يمكن القول إن الإنسانية كانت محور اهتمام عصر النهضة بمختلف المجالات فقد سعى الجميع من كتاب وفنانين ومفكرين إلى نمو الإنسانية والتركيز على الإنسان وإنجازاته وما يعنيه أن تكون إنسانًا، حيث رسم الفنانون جسد الإنسان بطرق مبتكرة وجديدة واستكشف المفكرون الأعمال الداخلية للعقل البشري والعلاقات والمجتمع البشري، وأعمال ليوناردو دافنشي التي تتمحور حول الإنسان وتأملات مكيافيلي السياسية في كتابه (The Prince) تعطيك فكرة حول هذه النزعة الإنسانية في عصر النهضة.

اتجه الفن في عصر النهضة إلى الواقعية واعتمد على المنظور، فرسم الرسامون مثل ليوناردو دافينشي التشريح البشري وساهموا في فهم الشكل البشري من خلال الفن، كما اعتمد بعضهم مثل جان فان إيك (Jan van Eyck) وهوغو فان دير غوز (Hugo van der Goes) على الطلاء الزيتي والقماش وروجوا أيضًا لتقنية الطبيعة ورسم لوحات المناظر الطبيعية، وأهم فناني هذا العصر ليوناردو دافينشي ومايكل أنجلو ورافاييل.

أما في مجال العمارة، فقد أحيا أسلوب عصر النهضة بعض عناصر العمارة اليونانية والرومانية القديمة، في حين أن الأدب بات يركز على السلوكيات والخصائص البشرية وذلك بعكس ما كان شائعًا في الأدبيات السابقة. حدثت الكثير من الاختراعات العلمية والهندسية آنذاك، والتي منها اختراع النظارات والتلسكوبات والساعات والطباعة والورق والبارود وبوصلة البحارة وغيرهم، وظهرت آلات موسيقية جديدة كالكمان والهاربسيكورد والتي أدت إلى ظهور الأوبرا وصناعة موسيقى عاطفية.

عصر النهضة كان له الأثر الدائم على الحضارة، فقد شهد تطورًا في جميع المجالات إذ تمكن الناس عبر التطورات الجغرافية والعلوم من فهم الأرض والكون بشكل أفضل، والاختراعات المختلفة فيه أيضًا ما تزال تستخدم حتى الآن والتي تعد المطبعة أهمها، في النهاية يمكن القول بأن جميع عناصر تلك الحقبة كانت حجر الأساس في تطور الثقافة الحديثة.