الديانة البوذية حقائق وخفايا لم تعرف عنها من قبل
تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك
البوذية هي دينٌ وفلسفةٌ في الحياة نشأت وتطوّرت من تعاليم "بوذا"، الذي عاش في إحدى مناطق الهند الشمالية في الفترة ما بين منتصف القرن السادس ومنتصف القرن الرابع قبل الميلاد. تنتشر البوذية في الهند والصين وكوريا واليابان وغيرها من البلدان الآسيوية، وقد لعبت دورًا رئيسيًا في الحياة الروحية والثقافية والاجتماعية في آسيا، كما وصلت إلى أوروبا والغرب في بداية القرن العشرين.
من هو بوذا
ولد سيدهارثا غوتاما المُلقَّب بـ"بوذا" وأب البوذية الروحي لأسرةٍ ملكيّةٍ ثريةٍ في النيبال منذ أكثر من 2500 عامًا، وقد عاش حياةً تملؤها الرفاهية والامتيازات، حتى قرر في أحد الأيام التخلي عن هذه الحياة، فأصبح راهبًا، ثم زاهدًا، وتبنّى الفقر المدقع كأسلوبٍ للحياة، لكنّه قرر في النهاية اتّباع "المسار الأوسط"، أي حياةٍ بلا رفاهيةٍ لكن دون فقرٍ أيضًا.
ويعتقد البوذيون أنّ سيدهارثا وصل لمرحلة التنوّر (التنوير) عندما كان جالسًا تحت شجرة الصحوة Bobhi، وذلك أثناء استغراقه في التأمل، وقد قضى بقية حياته في تعليم الآخرين حول كيفية تحقيق هذه الحالة الروحية. ويعتقدون أنّ سيدهارثا انتقل من ألم المعاناة وبُعِث مجددًا من خلال اكتشاف مسار التنوير، وأصبح يُعرف بـ"بوذا" أو "المستنير". فالبوذية هي الرحلة الروحية لرجلٍ واحد نحو التنوير، والتي تطورت إلى تعاليمٍ وأسلوبٍ في الحياة.
التعاليم البوذية
تشمل المعتقدات الرئيسية للبوذية ما يلي:
- لا يؤمن البوذيون بوجود إلهٍ سامٍ، بل إنّ جوهر عقيدتهم هو الوصول لمرحلة التنوّر وهي حالة من السلام الداخلي والحكمة، وعندما يبلغ البوذيّ هذا المستوى الروحي يكون قد وصل لمرحلة الـ"nirvana" أي السكينة أو السعادة المطلقة.
- يعتبر البوذيون أنّ مؤسس دينهم "بوذا" رجلًا ليس عاديًا، لكنّه بالمقابل ليس إلهًا.
- يتم سلوك مسار التنوير من خلال اتّباع الأخلاق والتأمّل والحكمة، فالبوذيّ يتأمّل دومًا لكونه يعتقد أنّ التأمّل يساعد في إيقاظ الحقيقة.
- تشتمل البوذية على العديد من الفلسفات والتفسيرات مما يجعلها دينًا متسامحًا ومتطوّرًا.
- قد لا يعترف بعض العلماء بالبوذية كدينٍ منظّمٍ، بل "كطريقة للحياة" أو "تقليد روحي".
- تشجّع البوذية أتباعها على إنكار الذات وتجنّب الانغماس بالذات.
- تُعتبَر تعاليم بوذا المعروفة بـ"الحقائق النبيلة الأربع" ضروريةً جدًّا لفهم الدين.
- يؤمن البوذيون بالكارما (العاقبة الأخلاقية أو قانون السبب والنتيجة) والتقمّص (دورة التناسخ المستمرة).
- يمكن للبوذيين ممارسة طقوسهم في المعابد أو في المنازل على حدٍّ سواء.
- يتّبع الرهبان البوذيون "Bhikkhus" قوانينًا صارمةً متضمّنةً العزوبية.
- لا تملك البوذية رمزًا خاصًا، لكن تم تطوير عدد من الصور التي تُمثِّل المعتقدات البوذية مثل: زهرة اللوتس، وعجلة دارما المكونة من ثمانية أفرع، وشجرة Bodhi، والصليب المعقوف وهو رمزٌ قديمٌ يعني "الحظ الجيّد" أو "وفرة الصحة".
الدارما البوذية
يطلق على تعاليم بوذا مصطلح "دارما"، حيث علّم أنّ الحكمة والعطف والصبر والكرم والرحمة هي فضائلٌ مهمةٌ لبلوغ التنوير. واليوم، يعيش البوذيون جميعًا وفق خمسة مبادئٍ أخلاقيةٍ أساسيةٍ والتي تحظّر:
الحقائق النبيلة الأربع للبوذية
الحقائق النبيلة الأربع في البوذية هي المبادئ التي توّصل بوذا إليها أثناء تأملاته وتشكّل جوهر تعاليمه، وهي:
- الحقيقة الأولى هي حقيقة المعاناة (Dukkha): إنّ للمعاناة أشكالًا مختلفةً، وبالرغم من وجود ثلاثة أنواعٍ واضحةٍ وهي ماصادفها بوذا في بداية رحلته الروحية، المتمثلة بالشيخوخة والمرض والموت، إلّا أنّه ووفقًا لبوذا فإنّ مشكلة المعاناة أكثر تعقيدًا. فالحياة ليست مثاليةً، وهي تفشل في كثيرٍ من الأحيان في الارتقاء إلى مستوى توقعاتنا. والبشر يخضعون لكثيرٍ من الرغبات، وحتى عندما يلبّون هذه الرغبات فإن الشعور بالرضا يكون مؤقتًا، فالمتعة لا تدوم وإن دامت تصبح رتيبةً. وحتّى إن لم يعاني الإنسان من مرضٍ أو فجيعةٍ يبقى متخبّطًا غير راضٍ. هذه هي حقيقة المعاناة. قد يتشاءم بعض الناس عند تلقيّ هذه الدروس، رغم أنّ البوذيّ ليس متفائلًا ولا متشائمًا بل واقعيًّا، بكل الأحوال فإنّ التعاليم لا تنتهي هنا، بل تتجاوز هذا لتوضيح كيف يمكن تجاوز المعاناة وإنهاءها.
- الحقيقة الثانية هي سبب المعاناة (Samudaya): قد يبدو أنّ المشاكل اليومية التي تواجه الإنسان لها سببٌ واضحٌ، كالألم الناتج عن الإصابة، أو الحزن من فقدان من أحد الأحبّة، أو الجوع أو العطش وغيرها. لكن بالنسبة لبوذا فإنّ للمعاناة سببًا أكثر عمقًا من مخاوفنا المباشرة، فقد وجد أنّ جذر كل المعاناة هو الرغبة (Tanha) (يجب التنويه إلى أنّ الرغبة المقصودة هنا هي الرغبة السلبية أو الشهوة، حيث تختلف عن الرغبة الإيجابية كالرغبة بالتنوّر). وتأتي الرغبة بثلاثة أشكالٍ وصفها بوذا بـ"جذور الشر" أو "السموم الثلاثة" أو "الحرائق الثلاثة" وهي:
- الجشع والرغبة ويمثّلها في الفنون واللوحات شكل الديك.
- الجهل أو الوهم ويمثّلها شكل الخنزير.
- الكراهية والدوافع الملحّة المدمّرة ويمثّلها شكل الأفعى.
- الحقيقة الثالثة هي إنهاء المعاناة (Nirodha): علّم بوذا أنّ السبيل لإطفاء الرغبات المسببة للمعاناة يكون عبر تحرير النفس من الارتباطات، فالحقيقة الثالثة هي إمكانية تحرر النفس.
- الحقيقة الرابعة هي الطريق إلى إنهاء المعاناة (Magga): الحقيقة الأخيرة هي طريقة بوذا لإيقاف المعاناة، وهي مجموعةٌ من المبادئ تُعرَف بـ"المسار الثُماني"، وتعرف أيضًا بـ"المسار الأوسط" وهو المسار الذي يتجنّب كلًّا من الانغماس (التمادي) والزهد الشديد على حدٍّ سواء.
المسار الثُماني في البوذية
يشمل ثماني مراحلٍ وليس بالضروروة تنفيذها بالترتيب بل يجب دعم وتعزيز بعضها البعض وهي:
- الفهم الصحيح: ويعني تقبّل تعاليم بوذا وفهمها بشكلٍ صحيحٍ، فلم يكن هدف بوذا أن يقوم أتباعه بتصديق تعاليمه بشكلٍ أعمى، وإنمّا لممارستها والتحكّم بأنفسهم حالما يتبيّنون صحتها.
- النيّة الصحيحة: وهي الالتزام بزرع المواقف الصحيحة.
- الكلام الصحيح: ويعني التحدث بصدقٍ، وتجنب القذف والذم والنميمة والمصطلحات المسيئة والبذيئة.
- التصرّف الصحيح: تبنيّ السلوك المسالم والعيش بوئام، والامتناع عن السرقة والقتل والإفراط بالملذات الحسية.
- سبل العيش الصحيحة: تجنّب كسب العيش بطرقٍ تسبب الأذى، كاستغلال الناس أو قتل الحيوانات أو الإتجار بالمواد المؤذية للصحة كالمواد المسكرة أو الأسلحة.
- الجهد الصحيح: تعزيز الحالات الإيجابية للذهن، وتحرير النفس من الحالات السيئة وغير الصحية، ومنعها من الظهور في المستقبل.
- اليقظة الصحيحة والتأمل الواعي: تنمية الوعي بالجسد والأحاسيس والمشاعر وحالات العقل.
- التركيز الصحيح: تطوير التركيز الذهني الضروري لهذا الوعي.
يمكن القول أن هذه التعليمات تُختصر بثلاثة بنودٍ هي: الحكمة (الفهم الصحيح والنية)، والسلوك الأخلاقي (التكلم والتصرف وسبل العيش)، والتأمل (الجهد الصحيح واليقظة والتركيز).
الكارما
يؤمن البوذيون بالكارما أو العاقبة الأخلاقية، وهي قانون السبب والنتيجة، أي أنّ ما تقوم به اليوم ستحصد نتيجته غدًا. حيث أوضح بوذا أنّ الإنسان يحدّد شكل مستقبله من خلال أفكاره وكلماته وأفعاله، لأنّ ما يقوم به اليوم سيتراكم في ذهنه كانطباعاتٍ جيّدةٍ أو سيئةٍ. أي يمكنه ببساطةٍ اختيار عدم القيام بأعمالٍ ضارّةٍ، بالتالي تجنّب خلق أسباب للمعاناة في المستقبل. كما يمكنه إزالة الانطباعات السلبية المتراكمة في ذهنه من أفعالٍ سابقةٍ من خلال التأمّل البوذي.