ما هي نظرية الانجراف القاري
كما يعلم جميع سكّان الأرض أنّ وجه كوكبنا يتكون من اليابسة والتي هي قشرةٌ سميكةٌ تغطي نسبة 21% من سطحها أمّا القسم المتبقي منها هو الماء الذي يشغل نسبة 71%، ومع امتزاج اليابسة والماء تشكلت القارات، ولكن ما هي القارات؟ وما هي العوامل والأحداث الكونية التي ساهمت في تكونها؟ وما علاقة نظرية الانجراف القاري بكلّ ذلك!؟
كانت الكرةُ الأرضية عند بداية تكونها كشكلٍ مكورٍ ذي حرارةٍ ملتهبةٍ، ومع مرور الوقت بدأت درجة حرارتها تنخفض تدريجيًّا الى أنّ أصبح سطحها جافًا ذا ملمسٍ خشنٍ، ومع تعرض هذا السطح للعوامل الجوية المختلفة بدأ بالالتواء والتصدع ليحيط الماء اليابسة من جميع الجوانب ليأخذ شكلًا معينًا، ويعطينا القارات السبع والتي رتبها العلماء حسب مساحتها الجغرافية إلى آسيا وأفريقيا، والأمريكيتين الشمالية والجنوبية، والقارة القطبية الجنوبية تليها أوروبا، ومن ثم أستراليا، وهذه القارات تَختلفُ عن بعضها البعض اختلافًا جذريًّا من جميع النواحي كاختلاف التضاريسِ والمناخ وحتى التوزيع والمساحة.
تعريف نظرية الانجراف القاري
مع تطور العقل البشري يومًا بعد يوم للكشف عن أدق التفاصيل عن حياة الأنسان وما حولها، ومع ظهور الجيولوجيا الحديثة أصبح العلماء أكثر دقة ومهارة، وتوسعت نطاقات دراستهم للقشرة الأرضية ومحاولتهم لفهم تركيبها وتاريخها، ومن هنا بدأ العلماء رحلتهم لتفسير نشأة القارات والمحيطات، حتى اكتشفوا نظرية الانجراف القاري عام 1915م على يد العالم الألماني فيجنر.
جاء في نظرية الانجراف القاري أنّ الأرض كانت عبارةً عن قارةٍ واحدةٍ ضخمةٍ محاطةٌ بمحيطٍ واحدٍ ضخمٍ وقد أطلق عليها اسم بانجيا (Pangea) وهي كلمةٌ يونانيةٌ قديمةٌ تعني جميع القارات، ومع تعرضها للتغيرات الجيولوجية المختلفة مع مرور الزمن انقسمت بانجيا الى قارتين قارة شمالية تُدعى "لوراسيا" وقارة جنوبية تُدعى "جندوانا".
كان الحد الفاصل بين تلكما القارتين بحرًا يُدعى "تيثس" والذي بدأ بالانكماش شيئًا فشيئًا حتى أصبح البحر الأبيض المتوسط حاليًّا، بعد ذلك تعرضت القارتان إلى انكسارٍ وتصدّعٍ حتى انقسمتا إلى قاراتٍ سبع، والتي لم تأخذ موضعًا ثابتًا منذ ولادة الكرة الأرضية.
وضح فيجنر من خلال نظريته أنّه عند انقسام القارة الكبيرة بدت أجزاؤها من ناحية الشمال أكبر من الناحية المعاكسة، حيث يضم الجزء الشمالي قارة آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، أمّا الجزء الجنوبي يضم قارة أمريكا الجنوبية وأستراليا والقطب الجنوبي وأفريقيا. أخذت قاراتنا الحالية شكلها بعد مئة وأربعين مليون سنة من التحول والتغير.
لمحة بسيطة عن العالم فيجنر
اسمه الكامل ألفريد لوثر فيجنر، عالمٌ وفلكيٌّ وجيوفيزيائيٌّ ألماني ولد في 1 نوفمبر عام 1880م، ولطالما كان مهتمًا بدراسة الفيزياء وعلم الأرصاد الجوية، ذاع صيته بعد اكتشافه نظرية الانجراف القاري عام 1912م، والتي افترضت كما ذكرنا سابقًا أن القارات تنجرف ببطءٍ حول الكرة الأرضية. توفي العالم فيجنر في 3 نوفمبر عام 1930م .
الانتقادات حول نظرية الانجراف القاري
تعرضت هذه النظرية للعديد من الانتقادات السلبية من قبل العديد من العلماء، كما ظهرت نظرياتٌ تعاكس ما فسره فيجنر بخصوص الانجراف، وتم انتقادها ونفيها لعدم وجود تفسيرٍ علميٍّ مقنعٍ، فقد اعتمد فيجنر على تفسرين علمين فقط أولهما الطرد المركزي أو القوة النابذة الناتجة عن دوران الأرض، وهذه الظاهرة تحديدًا ليست موجودة وعدد ضئيل من العلماء يصدق وجودها علميًّا.
أمّا التفسير الثاني فكان يعتمد على المد والجزر بجاذبية الشمس والقمر، وبالرغم من محاولة العالم فيجنر لإيجاد ثبوتياتٍ أخرى إلّا أنّ نظريته لم تقنع جميع النقاد، معتقدين أنها كانت مجرد تمهيدٍ لنظرية الصفائح التكتونية والتي بدورها لاقت قبولًا واسعًا من قِبل العلماء والجيولوجيين.
ثبوتيات وشواهد تدعم نظرية الانجراف القاري
قام فيجنر وأنصاره بجمع مجموعةٍ كبيرةٍ من الأدلة والإثباتات بخصوص هذه النظرية ومنها:
وجه التشابه الكبير بين المحتوى الأحفوري والصخور على جانبي المحيط الأطلسي في المناطق الغربية لأفريقيا وأوروبا، وفي المناطق الشرقية للأمريكيتين، والتشابه المناخي بين منطقتين متعاكستي المناخ تمامًا، وقد تمّ إثبات ذلك باكتشاف بعض الرواسب من الشعب المرجانية أو الفحم المرتبط تواجدها بالمناطق الحارة قديمًا، ولكن محل تواجدها الحالي في المناطق الباردة كشمال كندا وسيبيريا، وعند محاولة دمجك للحدود الخارجية للقارات السبع ستتفاجأ بالتحامها وتشكلها لقطعةٍ واحدةٍ متجانسة.
كما اكتشف الباحثون وجود سلاسل جبلية في قيعان البحار والمحيطات، وهذا الاكتشاف يُعدُ دليلًا صارمًا على حصول انقسامٍ جيولوجيٍّ قديمٍ، وكمثالٍ على هذه الحالة نجد الوادي المتصدع الكبير أو ما يسمى بالأخدود الأفريقي العظيم أو الشق السوري العظيم الموجود في البحر الأحمر، حيث يبلغ عمقه أكثر من 400 مترًا تحت سطح البحر وبهذا يعتبر أعمق نقطة يابسة على وجه الكرة الأرضية.
ولمزيدٍ من الاكتشافات حول نظرية الانجراف القاري قام الباحثون الجيولوجيون بدراسة الصخور المختلفة لكل قارةٍ على مدى العصور المختلفة، واستنتجوا من هذه الدراسة وجود تشابه بين الأقطاب المغناطيسية للقارات. ولا يمكن إنكار وجود تشابه بين القواقع والمستحاثات المتواجدة في البرازيل والهند وأستراليا وجنوب إفريقيا وهذا يفسر أنّها كانت كتلةً واحدةً قبل تفرقها مشكلةً مواقع مختلفة.