مفهوم الايحاء النفسي
أتساءلتَ يومًا ما الذي يتحكم بك وبتصرفاتك؟ من يُملي عليك ما تفعله؟ لماذا تكتب؟ ومن بداخلك يتكلم نيابةً عنك، حتى أنه يكرر بعض الكلمات بشكلٍ متلازمٍ دون أن تدرك؟ كيف تستمع لصوتك وأنت لا تحرك شفتاك! وماذا عن تلك المشاعر! ما مصدرها؟ وكيف لك أن تستعيد ذكريات الماضي؟. ألم يمر عليك موقفٌ من المواقف السابقة في حديثك مع ذاتك؟ وحتى ذلك الحديث، ألم تتساءل كيف لذلك أن يحدث؟ كيف لك أن تتكلم ولا يستطيع حتى مَن يتحدث معك أن يسمعك لأن الحديث يدور بداخلك أنت فقط! وتستمر الأسئلة، فربما كانت إجابتك هي العقل، لكن كيف له أن يفعل كل ذلك؟ كما لو أنه مُبرمجٌ كالحاسوب!. في هذا المقال، سنستوضح من يتحكم في الآخر، نحن أم العقل! طبعًا سيكون ذلك بمساعدة ما يسمى مفهوم الايحاء النفسي.
فرويد وحقيقة العقل
The mind is the mind is like an iceberg, it floats with one-seventh of its bulk above water
— Sigmund Freud, Austrian Psychologist
شبه عالم النفس والطبيب النمساوي سيجموند فرويد (Sigmund Freud) العقل وكأنه جبل جليدي، فالجبال الجليدية لا يظهر منها سوى جزء صغير، أي حوالي سُبع حجم الجبل الفعلي، هذا هو الجزء الذي يطفو فوق سطح الماء، بينما في الواقع فهو يمتد إلى الأعماق، وهكذا العقل!. الجبل الموجود في رأسنا مقسّمٌ إلى ثلاثة أقسامٍ:
- الجزء البسيط الذي يظهر من العقل هو الوعي (Conscious)، ويحوي كل المشاعر والذكريات والأفكار التي ندركها في أي وقتٍ، أي نفعلها ونحن نفكر بها.
- في حين أنّ ما لا يظهر هو اللاوعي (Unconscious)، فشبّهه فرويد بخزانٍ يستوعب كل تلك المشاعر والذكريات غير المرغوب بها؛ كالتوتر والقلق وحتى مشاعر الألم، فكل ذلك يحدث بشكلٍ غير عقلانيٍّ ولاإرادي.
- بينما نسمي ذلك الجزء المتوسّط المندثر من الجبل، ولكنه مازال يُرى مرحلة ما قبل الوعي (Pre-Conscious)، إذ يسمح بالتبادل فيما بين الوعي واللاوعي، ويعمل كحارسٍ للعقل الواعي..
اللاوعي الواعي
فتح فرويد الباب للعلماء للبحث والنظر بطريقةٍ شموليةٍ أكثر، ومن هنا فقد أقر علماء التحليل النفسي أن كل ما يتم بالعقل فهو لاوعي، والذي أثار جدلًا واسعًا وإنكارًا شديدًا بين الفلاسفة، إذ أنهم يعتبرون العقل والوعي ما هما إلا شيءٌ واحد، ولم يقتنعوا باللاوعي الفرويدي.
وبالرغم من ذلك، فبعض الفلاسفة ومنهم بول ريكور (Paul Ricoeur) - أحد الفلاسفة الفرنسيين-، افترض أنّ اللاوعي قد يكون أفكارًا، بدأت واعيةً في السابق، ولكن تم قمعها فيما بعد فتخزنت في العقل مما يعني أن كل ما في اللاوعي قد سبق وجوده في الوعي، مما يثبت مفهوم فرويد في أن اللاوعي هو أشمل وأوسع من الوعي ذاته، لكونه مَخْزَنًا لما حدث في الوعي..
التحكم في اللاوعي
افتراض فرويد لا يقلل من شأن الوعي، كلاهما ذكي، على الرغم من أن ذاكرة العقل الواعي لا يعتمد عليها في تذكر الأحداث، على عكس ذاكرة العقل اللاواعي التي تسجل أدق التفاصيل حتى أقلها أهمية، لذلك يعمل العقل اللاواعي كوسيطٍ للدماغ، فله القدرة على التحكم بجميع أعضائنا، أي إذا اقتنع أن عضوًا ما قد أصابه خلل، فسنشعر بذلك الخلل، ولو أنه على ما يرام، فهذا ما سنشعر به أيضًا، وهذا ما بُني عليه تأثير العلاج الوهمي أو ما يعرف بمصطلح Placebo Effect، وهذا أيضًا ما دفع عالم النفس الفرنسي إميل كوي (Émile Coué)، للبحث عن كيفية ترويض العقل اللاواعي، وكيف لنا أن نتحكم به، وكانت النتيجة هي استخدام الايحاء النفسي.
تاريخ الايحاء النفسي
لم يكن كوي هو من ابتكر الايحاء النفسي، إنما يرجع تاريخه إلى العصور الرومانية، إلى الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius)، إذ عبّر ماركوس كاتبًا أن العقل يتطبع بعاداته الفكرية، وأن الروح تتصبغ بلون أفكارها، وحث الناس على التفكير بشكلٍ إيجابيٍّ حتى يتقبلوا الحياة بكل مصاعبها.
البوذية هي من الأديان التي تُبنى على الفلسفيات أيضًا، ومنها ما ذكره مؤسس الديانة البوذية غوتاما بودا (Gautama Buddha)، والمعروف باسم بوذا، حيث قال أن شخصُنا يعبّر عن كل ما نفكر به، وكل ما نتوصل إليه هو نتيجةٌ لمعتقداتنا، وأنه يمكننا أن نبني العالم بأفكارنا، وهذا ما يستوضح أيضًا تاريخ الايحاء النفسي حتى في الأديان..
We are what we think.. All that we are arises with our thoughts.. With our thoughts, we make the world
— Buddha
كيفية الاستفادة من تقنية الايحاء النفسي
الايحاء النفسي بالطريقة التقليدية:
- الذهاب إلى الفراش استعدادًا للنوم:
أرِح عضلاتك، واتّخذ وضعية تريحك سواء جلوسًا أو استلقاءً.
- أغلق عينيك:
لا تفكر في أي شيء، فقط استرخِ.
- "يومًا بعد يوم، وفي كل الأحوال، أنا أتحسن أكثر فأكثر":
كرر هذه الجملة عشرين مرة، بطريقة بسيطة، لا تحتاج أن تبذل أي مجهود.
بعد فترة، يعتاد الشخص على قول تلك الجملة، فلا يفكر بها عندما يرددها، إنما يقولها دون وعي، وكالعادة، فإن تقنيات علم النفس دائمًا في تطورٍ، وقد تم تطوير التقنية التقليدية تلك، لتقنيةٍ أحدث وهي الايحاء النفسي الصوتي.
الايحاء النفسي الصوتي
يبدأ الفرد بالاستماع إلى جملٍ إيجابيةٍ، كل جملةٍ تتكرر سبع مراتٍ، وتفصل بينها أصوت أجراس، وبعد أن يستمع الشخص إلى الجمل، عليه أن يبدأ بتكرارها بصوتٍ مسموعٍ، أو حتى في صمتٍ لكن مع تحريك شفتيه، كما أنه يُفضل ممارسة هذا النوع مساءًا قبل الخلود للنوم، وترديد تلك الكلمات بإيمانٍ ويقينٍ تامٍّ فيها، وحبذا الحفاظ على ابتسامةٍ بسيطةٍ أثناء ترديد تلك الكلمات، فالابتسامة تساعد الدماغ على إفراز هرمونات الدوبامين والسيرتونين، والإندروفين، مما يساهم في تحسين الحالة المزاجية، ويزيد من كفاءة التمارين الخاصة بالايحاء النفسي..