جحا والحمار
تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك
لطالما ارتبط اسم جحا وحماره بالفكاهة والرغبة بالضحك، الذي هو ملكةٌ إنسانيةٌ توجد عند البشر دون باقي الخلق، بسبب ارتقاء تركيبة العقل البشري، ما يجعله يفهم ويحلل ويتعاطف. ومن أهم دواعي الضحك ما يُروى ويتناقل بين الناس من نكاتٍ يكون مردها إلى وجود خللٍ في القياس المنطقي للأمور، حيث تأتي نهاية النكتة على غير ما يقود إليه العقل؛ في حال تفكيره بالشكل المنطقي، الأمر الذي يثير العجب ويبعث على الفكاهة.
فالنكتة إن لم تكن محكمةً ويحتاج إدراكها إلى الفطنة ودقة الفهم؛ تخرج كقولٍ سخيفٍ لا طعم له، وقد تناقل الأدب الكثير من نوادر المضحكين، الذين كان في قصصهم مزيجٌ من الحكم والبلاهة في بعض الأحيان، وأكثرهم تداولًا شخصية جحا وحماره، التي لا تزال تُروى حتى يومنا هذا وأُخذ منها الكثير ليُطبع كقصصٍ للأطفال.
جحا والحمار عند العرب
جحا هو شخصيةٌ فكاهيةٌ ظهرت في ثقافاتٍ متعددةٍ، ولكن بأسماءَ مختلفةٍ كان منها جحا العربي وجحا التركي وغيرهم، حيث يُعتبر جحا العربي شخصيةً تاريخيةً حقيقيةً وُلدت في العقد السادس من القرن الأول الهجري وقضت أغلب حياتها في الكوفة، إذ تعود أصوله إلى قبيلة فزارة العربية، وقد رُوي عن جحا وحماره مجموعةٌ من القصص والنوادر، التي جعلته نموذجًا فنيًّا تدور حوله الحكايات المرحة، عُرفت بنوادر جحا.
وقد اختلفت الآراء حول الاسم الحقيقي لجحا؛ إذ يقول الجاحظ أنّه لقبٌ لشخصٍ اسمه نوح وكنيته أبو الغصن، في حين اتفق معه آخرون على الكنية، لكنهم اختلفوا على الاسم بين نوح ودجين بن ثابت، والدجين بن الحارث وعبد الله.
جحا وحماره عند الأتراك
أمّا عند الأتراك فجحا هو واحدٌ من أشهر الشخصيات التي تحكي قصص الذكاء والغباء لديهم، واسمه الحقيقي هو نصر الدين خوجه أو الخوجه نصر الدين، إذ إنّ قصصه لم تكن تُروى كنوعٍ من المرح والتسلية فحسب. بل كانوا يقتدون بأفعاله في حياتهم اليومية ويتمثلون فيه في كثيرٍ من المواقف، وكما هو الحال في اختلاف الآراء حول جحا العربي؛ كذلك جحا التركي تضاربت الأقاويل حول كونه رجلًا متعلمًا يعود وجوده إلى زمن الرشيد أو شخصًا عاصر خوارزم شاه علاء الدين طاليش.
ويعتقد بعض الباحثين بعدم وجود شخصيةٍ واحدةٍ لجحا، وإنّما كان هناك أكثر من شخصٍ على مرِّ الزمان والعصور؛ لأنّ النوادر والقصص التي كانت تُنسب له، من غير الممكن أن تصدر عن شخصٍ واحدٍ لعدة أسباب؛ أحدها أنّ بعض قصص جحا وحماره ،كانت تُروى عن أُناسٍ يعيشون في بداية العصر الإسلامي، وبعضها الآخر عن أناسٍ في زمن الدولة العباسية، وبعضها عن أجيالٍ لاحقةٍ. وعلاوةً على هذا وذاك فقد كانت بعض النوادر الجحوية تنمُّ عن شخصٍ مغفلٍ، في حين أنّ بعضها الآخر كان ينمُّ عن ذكاءٍ نادرٍ.
جحا بين الحكمة والغباء
كما اعتاد الناس أن ينسبوا كل شعرٍ فيه ليلى إلى قيس المجنون، وكل شعرٍ فيه خمرٌ ومجون إلى أبي نواس، اعتادوا أيضًا أن يردوا كل نادرةٍ فيها من النكتة والغرابة إلى جحا، حتى تلك التي تعود لغيره؛ تراها تتناقل عبر الأزمان لتنسلخ عن صاحبها تدريجيًّا، حتى تعود وتُنسب إلى جحا.
في حين ظهر لاحقًا الخوجه نصر الدين الرومي في القرن السادس أو السابع أو الثامن الهجري، حيث يقول الأتراك ممن اتبعوا أخباره أنه كان صاحب موعظةٍ وعلم، ولكنّ هذا لا ينفي ما قد نُسب له من نوادرَ تناقلتها الناس، والتي اتصفت بالحمق أو التحامق؛ وأطلقوا عليه اسم جحا، إلا أنّ الأتراك اعتنوا بجحا خاصتهم، فأقاموا له قبرًا، وعملوا على جمع قصصه ونوادره في مؤلفاتٍ عديدةٍ.
ويفسر البعض ذلك بأنّ ما كان يُروى عن جحا من قصص البلاهة، هو محض افتراءٍ ليس أكثر، حيث يراه هؤلاء من أصحاب الحكم والكرامات؛ فلا ينبغي أخذ كلامه من ظاهره، إذ كان السبب في انتشار نوادره بين المشرق والمغرب، ووصوله إلى بلدانٍ عدة؛ هو الرحالة وأصحاب القوافل الذين كانوا يقضون ليالي السمر في تبادل أحاديث الفكاهة والنوادر المضحكة.
قصة جحا والحمار
هي واحدةٌ من سلسلة قصصٍ لجحا موجهة للأطفال أعدّها منصور علي عرابي، وضمَّ فيها 30 قصةً عن جحا وحماره الشهير؛ بحيث يكون فيها من العبرة ما فيها من النكتة بأسلوبٍ بسيطٍ وشيقٍ، إذ نجد الحكمة في قصة جحا مع حماره وابنه، والتي أوضح فيها أنّ إرضاء الناس غايةٌ لا تدرك، في حين لا نستطيع إنكار غبائه أو تغابيه، عندما ادّعى مثلًا أنّ لحماره عقلًا أو أنّه حمارٌ أعسٌر أو غير ذلك.
وتأتي شهرة حمار جحا من تصوير جحا له بأنّه ليس كباقي الحمير، فلديه الكثير من الصفات البشرية فهو يرفض ويقبل ويحب ويكره، وعلى الرغم من أنّ جحا اشترى العديد من الحمير كما ورد في القصص، إلا أنّ حماره لطالما كان عزيزًا عليه، حتى فضّله أحيانًا عن زوجته وأبنائه، إذ يجمعه به مواقف طريفة لا حصر لها، تروي بعضها هذه القصة.