ما هو نظام الأبارتيد
تعريف نظام الأبارتيد
مع غرابة المصطلح لنبدأ بتعريف نظام الأبارتيد من القاموس، حيث يعرف قاموس The Free Dictionary على الويب نظام الأبارتيد بأنه سياسةٌ رسميةٌ للفصل العنصري كانت تمارس في جمهورية جنوب إفريقيا، حيث كانت تنطوي على تمييزٍ سياسيٍّ وقانونيٍّ واقتصاديٍّ ضد السكان ذوي البشرة السوداء، أو حتى ضد كل من ليس أبيض.
نشأة نظام الأبارتيد
في الحقيقة تعود جذور فكرة نظام الأبارتيد لعام 1913 أي بعد استقلال جنوب إفريقيا بثلاث سنوات، حيث أقر في تلك الفترة ما يعرف بقانون الأراضي الذي يعتبر أول قوانين التمييز العنصري، فقد نص القانون على إجبار الأفارقة ذوي البشرة السوداء على العيش في محمياتٍ منفصلةٍ عن البيض وحرمهم من بعض حقوق العمل.
ازدادت طبيعة الفصل العنصري سوءًا مع مرور الزمن إلا أن التاريخ الفاصل في نشأة نظام الأبارتيد كان بعد الحرب العالمية الثانية والكساد العظيم، اللذان سببا بالمزيد من المشاكل لجنوب إفريقيا، حيث اعتقدت فئةٌ من السياسيين أنه يمكن للفصل العنصري أن يحسن من أحوال البلاد الاقتصادية، ويكون حلًّا لمشكلاتها، وبالفعل تمكن الحزب الوطني من الفوز بالانتخابات العامة عام 1948 رافعًا شعار الأبارتيد (Apartheid) والذي يعني حرفيًّا الفصل العنصري.
من شعار انتخابي إلى قانون
بعد أن شكل الحزب الوطني الحكومة في جنوب إفريقيا بدأ بتنفيذ برنامجه الانتخابي، ومع حلول عام 1950 كانت الحكومة الممثلة بالحزب قد حظرت الزواج بين ذو البشرة البيضاء وأي أشخاصٍ من أعراقٍ أخرى، ليس هذا فحسب بل منعت الحكومة أي شكلٍ من أشكال العلاقات الجنسية بين السود والبيض.
ليس هذا فحسب بل أصدرت الحكومة في نفس العام قانونًا جديدًا لتسجيل السكان (النفوس) اعتمدت فيه إطارًا عنصريًّا في تسجيل السكان، وذلك من خلال تصنيف جميع مواطني جنوب إفريقية حسب العرق إلى ثلاثة أصنافٍ هي البانتو ويقصد به الأفارقة السود والملونين ويقصد به العرق المختلط وأخيرًا البيض، ثم أضيف بعد ذلك صنفٌ رابعٌ هو الأسيوي ويقصد به كل من ينحدر من أصولٍ هنديةٍ أو باكستانيةٍ.
بعد هذا التصنيف أقرت الحكومة العديد من القوانين لصالح الأقلية البيضاء، في البلاد ابتداءً من قانون الأراضي الذي جعل أكثر من 80% من موارد البلاد تحت سيطرة وإدارة البيض، إلى قانون المرور الذي يسمح للبيض بالتجوال في كل المناطق بينما يحظر على باقي الأعراق دخول مناطقَ وأماكنَ معينةٍ.
كما قامت الحكومة بإنشاء مرافق عامة خاصة بالبيض، وذلك بهدف الحد من التواصل بين الأعراق المختلفة من جهةٍ والعرق الأبيض من جهةٍ أخرى، وكان من نتائج الأبارتيد أيضًا أن قيدت النقابات العمالية غير البيضاء وحدّت من نشاطها ومنعت المشاركة في الحكومة الوطنية على كل الأعراق غير البيضاء.
الصدام
صدق من قال إن الضغط يولد الانفجار، وهذا ما حصل فكانت شرارة الانفجار متمثلةً في قانون المرور المذكور أعلاه، والذي كان يقيد حركة الأفارقة وباقي الأعراق ويطالبهم بحمل كتابٍ مرجعيٍّ، والذي يمثل إذنًا ليتواجد المواطن الإفريقي في بعض المناطق، إلا أن التقييد ازداد لدرجةٍ كبيرةٍ حيث طلب من كل إفريقيٍّ أسود أن يحمل هذا التصريح المرجعي بشكلٍ دائمٍ!
ولدت شرارة الاحتجاجات عام 1956 عندما تظاهرت أكثر من عشرين ألف امرأة من جميع الأعراق احتجاجًا على مفرزات قانون المرور السلبية على المواطنين، وانتهت هذه الاحتجاجات سلميًا ولكن ليس في كل مرةٍ (ولم تحقق نتيجة تذكر).
تكررت الاحتجاجات عام 1960 بدعوةٍ من الجماعات والأحزاب المناهضة للفصل العنصري، وتجمع المحتجون في مدينة شاربفيل بهدف الاحتجاج السلمي على قانون المرور وغيره من قانون نظام الأبارتيد، إلا أن قوات الأمن والشرطة تصدت للمحتجين وأطلقت عليهم النار لتتسبب بمقتل 69 مواطنًا أسود وإصابة أكثر من 180 آخرين.
عرفت هذه الحادثة لاحقًا بمجزرة شاربفيل (The Sharpeville Massacre)، والتي شكلت نقطةً مفصليةً في النضال ضد سياسات الفصل العنصري ونظام الأبارتيد وجذبت انتباه العالم لما يحدث في جنوب إفريقيا من انتهاكاتٍ وظلمٍ للسكان السود.
نهاية نظام الأبارتيد
قاوم الأفارقة السود نظام الأبارتيد منذ بدايته، حيث شكل المناهضون لهذا النظام وقوانينه العديد من الأحزاب المناهضة لنظام الأبارتيد ولحكومة الحزب الوطني، وكان أبرزها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ANC والمؤتمر الإفريقي PAC، ودعا كلاهما إلى تشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ تسيطر عليها الأغلبية السوداء التي تشكل معظم الشعب في جنوب إفريقيا.
في عام 1960، وبعد الاحتجاجات والمجازر حظرت الحكومة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ANC وحزب المؤتمر الوطني ANC وسجنت العديد من قادتهما، وكان من أبرز المسجونين زعيم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي نيلسون مانديلا، الذي أصبح رمزًا للحركة المناهضة للفصل العنصري.
دور الولايات المتحدة في نهاية نظام الأبارتيد
كانت الحكومات الأمريكية تدعم نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وذلك خوفًا من تنامي المعسكر الشرقي وانتشار الشيوعية، إلا أنه ومع تنامي الاحتجاجات في جنوب إفريقية المعارضة لنظام الأبارتيد ومع شهرة قادة المعارضة للفصل العنصري، وخصوصًا نيلسون مانديلا الذي تحول لرمزٍ إنسانيٍّ لمناهضة الفصل العنصري وتأثير ذلك على الرأي العام العالمي، غيرت الحكومة الأمريكية سياستها وأصدرت قانون مناهضة الفصل العنصري الشامل الذي فرض عقوباتٍ اقتصاديةً كبيرةً على النظام في جنوب إفريقيا، والذي أثر بشكلٍ سلبيٍّ على اقتصاد جنوب إفريقيا.