ما هي نقطة الحضيض
يجوب فضاءنا الشاسع ملايين الكواكب والنجوم والمذنّبات والأجرام السماويّة، كما أنّها تدور وتتحرّك بمختلف الاتجاهات، وتُعتبر الشمس مركز نظامنا الشمسيّ في مجرة درب التبّانة، حيث تدور الكواكب والنجوم حولها بفعل جاذبيتها الهائلة في مداراتٍ بيضويّةٍ تختلف أنصاف أقطارها باختلاف بُعد الجرم السماويّ عن مركز الشمس، ونظرًا لشكل المدار البيضويّ فإنّ المسافة بين الجرم السماويّ والشمس ليست ثابتةً إنمّا تختلف من نقطةٍ إلى أخرى، ومن هنا جاء مفهوم نقطة الحضيض في علوم الفلك.
مفهوم نقطة الحضيض
جاء مصطلح الحضيض (Perihelion) من اللغة اليونانيّة القديمة؛ حيث يشمل المصطلح على كلمتين الأولى Peri؛ والتي تعني قريب، والثانية Helios؛ والتي تعني الشمس.
وبذلك يمكن أن نعرّف نقطة الحضيض بأنها النقطة التي تقع على مدار الكوكب حيث تحقّق أصغر مسافة ممكنة بين الكوكب والشمس، والتي تحدث خلال رحلة الكوكب الدوريّة حول الشمس، ويخضع الكوكب عند وصوله لهذه النقطة لقانون كبلر الثاني الذي ينصّ على أنّ سرعة الكوكب تختلف أثناء دورانه حول الشمس، وتزداد سرعة دورانه كلمّا اقترب من الشمس، وبذلك يتحرّك الكوكب بأقصى سرعته عند مروره بنقطة الحضيض.
كما يجدر الانتباه إلى أنّ نقطة الحضيض لا تتمتّع بإحداثياتٍ ثابتةٍ؛ حيث أن حقل الجاذبيّة الهائل المتولّد عن الشمس يؤثر في مدار الكوكب ممّا ينتج عنه تغيّر في موقع نقطة الحضيض، وأكبر مثال على ذلك كوكب عطارد الذي يتغير موقع نقطة الحضيض في مداره، وقامت النظريّة النسبيّة التي طرحها ألبرت أينشتاين في مطلع القرن العشرين بوصف هذه الحادثة بشكلٍ وافٍ.
تغيّر شكل مدار الأرض
يتغيّر شكل المسار الذي يدور وفقه كوكب الأرض مع مرور الزمن نتيجةً للأفعال المتبادلة في حقل الجاذبيّة، ويلعب القمر دورًا هامًّا في هذا التغيير بسبب تأثيره الكبير على الأرض لقربه منها وحجمه الكبير، ومع ذلك، فإنّ هذه التغيرات بسيطة جدًا؛ حيث يتغيّر شكل مدار الأرض كل 100000 سنةٍ ويتحول تدريجيًّا من الشكل شبه الدائري إلى الشكل البيضويّ.
موعد حدوث الحضيض والأوج
على نقيض نقطة الحضيض تُعتبر نقطة الأوج هي النقطة الموجودة على مدار الكوكب، والتي يكون وفقها الكوكب أبعد ما يمكن عن الشمس، وبالنسبة للكرة الأرضيّة تمر الأرض بنقطة الحضيض بعد الانقلاب الشتويّ الواقع في 21 ديسمبر بأسبوعين، بينما تمرّ الأرض بنقطة الأوج بعد الانقلاب الصيفي في 21 يونيو بأسبوعين، وفيما يلي جدول يبيّن أوقات حدوث الحضيض والأوج للسنوات الخمس القادمة، كما يبيّن بعد الأرض عن الشمس حينها.
يقدّر علماء الرياضيات والفلك أنّه في عام 6430 سيتزامن مرور الأرض بنقطة الحضيض مع حدوث الاعتدال الربيعيّ في شهر مارس، ويجدر بالذكر أن تواريخ حدوث الحضيض والأوج ليست ثابتةً بسبب ميلان محور الأرض المستمر؛ ففي عام 1246 تزامن حدوث الانقلاب الشتويّ مع مرور الأرض بنقطة الحضيض، ومنذ ذلك الوقت تأخّر موعد حدوث كل من الحيض والأوج بمقدار يوم واحد كل 58 عامًا.
تأثير نقطة الحضيض على المناخ
رغم الاعتقاد السائد بأنّه عند مرور الأرض في نقطة الحضيض ترتفع درجات الحرارة لقرب الأرض من الشمس، لكنّك قد تتفاجأ بأنّ حدوث الحضيض يترافق مع فصل الشتاء البارد، ويعود السبب في ذلك إلى دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس في مدارٍ بيضويٍّ كما نصّ قانون كبلر الأول، فضلًا عن أنّ المستويات المداريّة والمحوريّة للأرض ليست مستقيمةً تمامًا؛ إذ أنّ محور الأرض يميل بمقدار 23.5 درجةً، ولكن عند حدوث الحضيض تستقبل الأرض أشعةً شمسيّةً أكثر بمعدل 7%.
إذن، سيتساءل البعض لماذا الجو بارد جدًّا؟ يتحكّم ميل محور الأرض ودورانها المستمر بحدوث ظاهرة الفصول الأربعة، ولا يتعلّق بعد الأرض عن الشمس بظاهرة الفصول، وإنمّا يمكن أن تؤثّر على عدد أيام كلّ فصلٍ، ففي فصل الشتاء الموافق لنصف الكرة الشماليّة يميل القطب الشمالي بعيدًا عن الشمس، ممّا ينتج عنه يوم قصير وليل طويل ويكون متوسط درجة حرارة الأرض عند حدوث الحضيض حوالي 2.3 درجةً مئويةً، أي أقلّ من معدلات الحرارة عند حدوث الأوج حين تكون الأرض بعيدةً عن الشمس، ويحدث هذا نتيجةً لعدم انتظام توزع المياه واليابسة على الكوكب، حيث ترتفع نسبة اليابسة في نصف الكرة الشماليّة بينما يحتوي النصف الجنوبيّ على مياه أكثر.
بينما في شهر يوليو؛ أي باقتراب حدوث الأوج يميل القطب الشماليّ للكرة الأرضيّة مقتربًا من الشمس ممّا ينتج عنه ارتفاع في درجات الحرارة في النصف الشماليّ من كوكب الأرض، وانخفاضها في الأجزاء الجنوبيّة، ووفقًا لقانون كبلر الثاني، ستتحرّك الأرض بسرعةٍ أبطأ عند حدوث الأوج بسبب بعدها عن الشمس، مما يزيد من عدد أيام فصل الصيف، ونتيجةً لذلك فإنّ فصل الشتاء في نصف الكرة الشماليّ أقصر بحوالي خمسة أيامٍ من الصيف، وعلى النقيض فإن الصيف في نصف الكرة الجنوبي أقصر من الشتاء بخمسة أيامٍ.