كيف يحدث المد والجزر في البحر؟
المد والجزر من أجمل ظواهر الكرة الأرضية على ضفاف وشواطئ البِحار، خاصةً عندما نشعر بسحر هدوئها، فكيف يحدث المد والجزر في البحر؟
المد والجزر (Tides) هما الارتفاع والانخفاض المنتظم في مستوى مياه المحيط، حيث ترتفع المياه ببطء على امتداد السواحل لتغمر الشواطئ، ثم تنحسر ببطء مرة أخرى.
تحدث ذروة المد عندما ترتفع المياه لأعلى مستوى لها، وتغطي جزءًا كبيرًا من الشاطئ، في حين يكون الجزر في أدنى درجاته عندما ينخفض منسوب الماء إلى أدنى مستوى له، قد تقع بعض البحيرات والأنهار تحت تأثير حركة المد والجزر.
تُعدُّ قوة جاذبية القمر على الأرض، ودوران الأرض العاملان الرئيسيان وراء ظاهرة المد والجزر، في حين تلعب جاذبية الشمس دورًا محدودًا في تكوين هذه الظاهرة، يتعرض الجزء من الأرض الأقرب إلى القمر لقوى شد هائلة (قوة جاذبية القمر) مما يؤدي لارتفاع منسوب المياه وتنشأ أمواج عالية.
ويتشكّل المدُّ العالي أيضًا في الجزء من الأرض المعاكس للقمر، حيث تكون قوة دوران الأرض أكبر من قوة جاذبية القمر، فيتراكم الماء أثناء مقاومته لقوة الدوران.
وبينما يكون الجزء المقابل للقمر من الأرض والمعاكس له تحت تأثير المد، يتراجع مستوى الماء في المنطقة الممتدة ما بين المدين ليحدث الجزر.
كيف يحدث المد والجزر في البحر؟
تُؤثِّر حركة المد والجزر على النُظم البيئية البحرية، من خلال التأثير على أنواع الأحياء التي تستطيع أن تعيش بمنطقة المد والجزر، نظرًا لأن المياه تغمر المنطقة وتنحسر عنها عدة مرات خلال اليوم، لذا يجب أن تكون النباتات والحيوانات قادرة على التكيّف مع العديد من العوامل كالبقاء تحت الماء وفي الهواء وتحت أشعة الشمس، وتحت تأثير حركة الأمواج المتلاحقة.
فعند تواجد القمر في مساراتٍ معينةٍ تقابل تواجد مساحاتٍ كبيرةٍ من الماء يحدث المد العالي، أما المد المنخفض يحدث عند تواجد القمر مقابل مناطق ذات كمياتِ مياهٍ أقل. هناك كوكب آخر لا يقلُّ تأثيره على ظاهرة المد والجزر عن القمر وهو الشمس. الشمس بسبب كبر كتلتها تتمتع بقوة جذبٍ هائلةٍ. عندما تتوضع الأرضُ والقمرُ والشمسُ على خطٍ واحدٍ يحدث ما يسمى “المد الربيعي” أو بالإنجليزية “spring tides”؛ حيث يكون المد في أعلى مستوياته. هذه الظاهرة تحدث كل شهرٍ. يستمر المد العالي فترة أسبوعٍ وبعدها يحدث الجزر حيث تتغير وضعية الشمس والقمر بالنسبة لبعضهما ويتوضعان بزاوية 90 درجةٍ بالنسبة لموقعهما.
وبما أن كتلة القمر لا تبلغ سوى 100/1 من كتلة الأرض فإن تأثير القمر يختلف أثناء دوران الأرض في النهار فالمد يكون نشطاً وخاصةً في المحيطات وهكذا تختلف شدة ظاهرة المد والجزر حسب اختلاف أحجام البحار والكتل المائية والشواطئ الصخرية التي تقف مجتمعةً في وجه هذه الظاهرة. السفن التجارية والناقلات الكبيرة تأخذ ظاهرة المد والجزر بعين الاعتبار لما لها من تأثيرٍ كبيرٍ على الملاحة البحرية حتى أثناء رسوها في الموانئ.
مراحل المد والجزر
وتحدث ظاهرة المد والجزر بسبب الجاذبية، حيث أن أي شيء في الكون له كتلة وله مجال جاذبية خاص به، القمر بدوره له مجال جاذبية خاص به وهذا المجال قوي بما فيه الكفاية لإنشاء شد على المحيطات في الأرض، ولأن القمر يدور حول الأرض فإن قوة الجذب تختلف حسب الموقع وحسب الوقت خلال اليوم، فالقمر مسؤول عن ارتفاع المياه خلال المد على الجانب من الأرض المقابل للقمر، أما الجذر يحدث عند انخفاض مستوى المياه على الجانب البعيد عن القمر.
وتحدث ظاهرة المد والجزر على عدة مراحل، تبدأ المرحلة الأولى عند ارتفاع منسوب مياه البحر لتقوم بتغطية مناطق ساحلية أوسع وتصل المياه إلى أعلى مستوياتها ويحدث المد، وبعدها تأتي المرحلة الثانية تتراجع المياه عن الشواطئ وتظهر المنطقة الساحلية بشكل أوضح وتتوقف مياه البحر عن التراجع ويحدث الجزر.
بالإضافة لتأثير جاذبية القمر على حدوث ظاهرة المد والجزر، فإن جاذبية الشمس من العوامل المهمة في حدوث هذه الظاهرة بالإضافة إلى تأثير القوة الناشئة عن دوران الأرض حول نفسها، أثناء دوران الأرض حول نفسها خلال 24 ساعة فإن القمر يدور معها حيث يحدث حالتي مد وجزر في اليوم الواحد.
ويحدث المد والجزر التام عندما تكون الشمس والأرض والقمر على مستوى واحد، حيث تساهم جميع قوى الجذب في إنشاء المد الأعلى والأكثر وضوحًا، أما المد والجزر الناقص يحدث في المرحلة الأولى والثالثة للقمر قبل اكتماله ويكون تأثير التجاذب للشمس والقمر على الأرض يكون بشكل متعاكس فيكون التأثير المجمل أقل لذلك يكون المد أضعف في هذه الحالة والجذر يكون الأقوى والأوضح.
متى بدأت دراسة ظاهرة المد والجزر
المد والجزر (Tides) من أقدمِ الظواهرِ المدروسةِ في مجالِ البحثِ العمليّ حيثُ يعودُ تاريخُ دراستها الى 330 قبل الميلاد عندما كان عالم الفلكِ والمستكشف اليوناني Pytheas ُيبحرُ من منزله فيMassalia (فرنسا الحالية) الى الجزر البريطانية. أثناء الرحلة اكتشف العالم اليونانيُ الظاهرة وقام بكتابة كتابٍ بعنوانِ (On the Ocean) الذي ناقشَ قضايا علميةً منها تأثيرُ القمرِ على المدّ والجزر.
وتتمثل ظاهرة المدّ والجزر بتغير مستوى منسوب مياه البحر. لتفسير آلية حدوث هذه الظاهرة نبدأ بتوضيح أن لكل كتلةٍ مجال ُجاذبيةٍ خاصٍ بها فالقمر على سبيل المثال له مجالُ جاذبيةٍ معينٍ كافي للتأثير على البحار والمحيطات وبما أن القمر يدور حول الأرض فإن تأثيره على البحار والمحيطات يختلف حسب موقعه حول الأرض والوقت الذي يمرُّ فيه حول نقاطٍ من الأرض.
وهكذا فإن ظاهرة المد والجزر تظهر لأن جانب الكرة الأرضية الأقرب إلى القمر يخضع إلى قوى جاذبية قوية من القمر، بينما يعاني الماء الموجود على الجانب الآخر من قوى جذب أضعف، ويمكن تسهيل الأمر بالقول وكأنّ القوى التي تسبب توليد المد والجزر تجعل الماء الموجود على الأرض يأخذ شكل بيضاوي.
ولا يمكننا تجاهل تأثير الشمس أيضًا على حركة المد والجزر، لكن القمر ذو الحصة الأكبر، حيث تتناسب القوة المولدة للمد والجزر طرديًا مع ناتج ضرب كتلتي الشمس والقمر وعكسيًا مع مكعب المسافة بينهما، لذا فإن القمر هو المهيمن على العلاقة، وذلك لأنّه أقرب بكثير إلى الأرض من الشمس بغض النظر أنّ كتلته أقل بكثير من كتلة الشمس، لذا فإن قوة المد والجزر الناتجة عن الشمس ليست سوى 0.46 من القوة الناتجة عن القمر.