ما المقصود بالمصداقية وكيف تُبنى
يقول رأي عالم النفس دان أوكييف (Dan O’Keefe) إن المصداقية هامة جدًا لأن الناس غالبًا ما يختارون طريقة استجابتهم لرسالة مقنعة استنادًا إلى رأيهم بالمُتصل وليس بمحتوى الرسالة نفسها. إذًا فالمصداقية شرط جوهري لنجاح كل التعاملات على جميع الأصعدة والمجالات.
وتتحدد قدرة المتصل في التأثير على الجمهور بشكل كبير على المصداقية التي يحوزها من هذا الجمهور، ويعد التواصل الشفهي أو الكتابي مع الجمهور الخارجي، والمناقشات السابقة مع الجمهور، وتنظيم الأفكار واستخدام الأدلة، أمور أساسية في تأسيس مصداقية أي شخص. وعلى ذلك لابد لنا من التعرّف على المقصود بالمصداقية، وكيف يستطيع الشخص أيّا كان موقعه أن يكتسبها.
تعريف المصداقية
ورد في قاموس Dictionary أن المصداقية (Credibility) هي خاصية أن يكون الشيء قابلًا للتصديق أو أهلًا للثقة. وجاء أيضًا أن المصداقية هي الخاصية التي يرى بها الآخرون شخصًا ما على أنه مرشد موثوق، وقابل للتصديق، وواثق بنفسه من خلال تقديم مستوى عال من الخبرة في موضوع معين. السمة الأكثر أهمية في المصداقية أنها متغير نسبي. يمكن اعتبار هذه الخاصية متغير قائمًا على الاتصال من حيث أنها حصيلة سلوك اتصالي معين، سواء بتحليل الوضع التنظيمي أو العلاقات الشخصية.
أهمية المصداقية في الإدارة
القدرة على التأثير على الآخرين أمر جوهري لنجاح المدير، لأنه يحتاج لتحفيز فريقه، وبناء إجماع، والسيطرة على الشكوك، وهي مطلوبة أكثر من كون المدير متحدثُا أو كاتبًا، وهي أيضًا أساسية للإقناع، وكما قال أرسطو: "لكي يؤثر القائم بالاتصال على الجمهور، عليه أن يظهر على أنه شخص جيد".
أهمية تأسيس المصداقية
المصداقية هي قوة الإيحاء بالصدق، وهي سمة شخصية ومهنية حاسمة، والسبب أن المصداقية تحدد من يكون الشخص كشخص، ومن يكون في العمل، كما تحدد من يكون كموظف، وكمشرف وكمدير، والأكثر أهمية من يكون كقائد.
كقائد، المصداقية تدفع موظفيك ليروك كمصدر معتمد للمعلومات الموثوقة (إن كان ذلك بشكل يومي، أو في المناسبات التي يجب أن تكون حاسمًا فيها)، ومن أجل النزاهة، واتخاذ القرار الفعال. يطور الأشخاص الذين يملكون مصداقية ويزرعون الثقة المكتسبة المتبادلة والاحترام. ويطور القادة الذين يتمتعون بالمصداقية ثقافة المؤسسة مع معنويات عالية، وأداء فريق رفيع، وعلاقات فعالة.
كيف يبني القائد مصداقيته
يجب على القائد بناء مصداقيته، حتى يثق به من حوله، وفيما يلي الطرق الأكثر أهمية التي يمكنه تطبيقها لتعزيز مصداقيته:
- الخبرة والاطلاع الواسع
أن يكون قارئًا نهمًا ليتعلم أكثر ما يمكن حول مجاله، وأن يتطوع للمشاريع وغيرها من المهام التي تعمق معرفته، وأن يطرح أسئلة عميقة لا يسألها الآخرون، ولفعل كل ذلك لابد من المعرفة، بالإضافة إلى الاستشهاد بمصادر موثوقة، لأنها تدعم النقاش بشعور الخبرة.
- الودية
كن ودودًا، لكن الأهم أن تكون محبوبًا. يقول البروفيسور في الاتصال بفرجينيا الغربية James McCroskey، إنّ المحافظة على الود مع الجمهور هو المتنبئ الأهم للمصداقية، لأن القائم بالاتصال يظهر بأنه مهتم بشدة. وقسم الود إلى ثلاث فئات: التفهم، والتعاطف، والقدرة على الإقناع.
- الكفاءة
بفهم مجاله المختار.
- الاستقامة
منح المعلومات المؤكدة والصادقة.
- تحمل المسؤولية
والمصداقية عن قراراته وخياراته.
- الثقة
السماح لموظفيه وفريقه بأن يقوموا بعملهم.
- الجرأة والثقة بالنفس
تفويض المسؤولية والثقة بموظفيه.
- الولاء
ليس بمراقبة أفضل اهتمامات فريق عمله، وإنما بأن يكون قدوة، وبالدعم المستمر لهم، فالولاء يُقابل بالولاء.
- الشخصية القوية
العمل بجد، وتحقيق نتائج إيجابية، وعدم السماح بتسرب التشاؤم واليأس.
- الحكم السليم
استخدام حكم شامل بالاعتماد على حقائق ومعلومات موثوقة.
- الإنصات إلى الآخرين
بأن يكون متاحًا للاستماع ومعالجة ما يقال له.
- التواصل
التجهّز بالصدق، والانفتاح، والاتصال ثنائي الاتجاه على كل مستويات المؤسسة.
- القدوة
تبدأ ثقافة المؤسسة من الأعلى إلى الأدنى، ألا يستخدم نهج:" قم بما أقول لك" بل "قم بما أقوم به".
- العمل لمصلحة الآخرين
يدرك الأفراد على المستوى الشخصي أو المهني، إن كان القائد يعمل لصالحهم أم يسعى لمصلحته فقط، أن يتعامل باحترام مع الغير، ويقدم اقتراحات تفيد الجمهور حتى لو ليست في مصلحته.
- الكمال
أن تمتع بمبادئ أخلاقية راسخة مثل الشرف، والشخصية الجيدة، والفضيلة، والأدب والحشمة، والنزاهة، والصدق، والموثوقية وغيرها.
المصداقية في الإعلام
يعنى الباحثون المهتمون بمفهوم المصداقية عمومًا بتصورات الجمهور عن وسائل الإعلام، وليس بمصداقية الإعلاميين الفعلية، ويُدرس إدراك الجمهور لمصداقية وسائل الإعلام (Media Credibility) باستخدام مفاهيم متعددة، تشمل مصداقية وسائل الإعلام، والثقة بوسائل الإعلام، والسخرية الإعلامية والشك في وسائل الإعلام، وغيرها.
التشكيك في موضوع مصداقية أنواع وسائل الإعلام على اختلافها ليس ظاهرة جديدة، فقد قامت الباحثة (Gaziano) عام 1988 بتحليل نقاط الاتفاق والاختلاف بين أربع استطلاعات رأي عام 1985م، وبينت أنه يمكن تفسير التضارب بين نتائج المسوح جزئيًا بوساطة القياس، خاصة الاختلافات في صياغة السؤال، وعدد بدائل الاستجابات المسموح بها، ونوعها، ومجموعة من مؤشرات المصداقية المختلفة.
بعد عدة عقود، تم تحديد أن للمصداقية ثلاث فئات هي المصدر، والوسيلة، والرسالة. كما وجد نوعان من المؤشرات؛ تكويني أو Formative (عناصر مساهمة في مصداقية الرسالة)، وانعكاسي أو Reflective (عناصر تعكس مصداقية الرسالة). تأتي أهمية هكذا دراسات في جانب منها لتذكير الباحثين المستقبليين بفصل مقاييس مصداقية المصدر عن تلك الخاصة بمصداقية الرسالة.