السفسطائية.. ما هي؟
تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك
سنتكلم هنا عن مصطلح السفسطائية أحد المصطلحات الفلسفية المعروفة في محاولةٍ لتوضيح معناها، وبعضِ المعلومات عن أول من رفع راية هذه الحركة من المفكرين والفلاسفة والأفكار التي شكّلت ركيزةً لمن أتى بعده من أتباع السفسطائية؛ وقد يكون أهل الاختصاص ممن تعمقوا في مجال الفلسفة أقدر على توضيح هذا المصطلح، لكني حاولت قدر الإمكان الإجابة عن سؤال ما هي السفسطائية، مع تقديم لمحةٍ موجزةٍ عن بعض النواحي الإيجابية التي أضافتها على الحياة الاجتماعية خلال القرن الخامس قبل الميلاد في بلاد الإغريق.
مفهوم السفسطائية (Sophism)
هي إحدى المدارس الفلسفية التي ظهرت في بداية مرحلة فلسفة ما قبل سقراط في اليونان، ويعود أصل المصطلح Sophism إلى اللغة اليونانية مُشتقًا من كلمة Sophos أو Sophia والتي تعني الحكمة أو الحكيم؛ حيث استُخدم في البداية للإشارة إلى خبرةٍ معينةٍ في مجالٍ محددٍ من مجالات المعرفة أو الدهاء، ليُستخدم بعد فترةٍ للدلالة إلى الشعراء قبل أن يأخذ منحًا جديدًا من خلال التعبير عن الحكمة بشكلٍ عام والحكمة المتعلقة بالأمور البشرية بشكلٍ خاص.
اتَّخذ مصطلح السفسطائية لاحقًا طريقًا مغايرًا، حيث ارتبط بمجموعةٍ من المثقفين المتنقلين الذين عمدوا إلى تعليم مناهج ومفاهيم حول التميز والفضيلة مقابل مبالغ مالية كبيرة، إضافةً لتبنيهم فرضياتٍ عديدة تتعلق بطبيعة اللغة والثقافة، كما استفادوا من فن البلاغة (الفصاحة) للوصول إلى أهدافهم في إقناع الآخرين.
السفسطائيون خلال القرن الخامس قبل الميلاد
بعد انتشار السفسطائية في اليونان عامةً وفي أثينا خاصةً، عُرف أتباع هذه الحركة أو المذهب باسم السفسطائيين، حيث اقتصر وجودهم خلال النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد في أثينا على مجموعةٍ من المفكرين غير المنظمين اعتمدوا على الجدل والبلاغة في نشر أفكارهم ومعتقداتهم وتعليم خبراتهم للناس.
ولأن السفسطائية كانت ذات أهميةٍ بالغة في الحياة الاجتماعية والنظام السياسي في أثينا، فقد شكّلت هذه الحركة مصدرًا لجني الأموال لكل من أتقنها، لكن كان لهذا الأمر أثرٌ سلبيٌّ عندما اتجه الكثيرون إلى اعتماد الخبرات الخطابية في التعامل مع الحالات القضائية غير العادلة والسلطة السياسية، والذي تجلى في تدني مستوى نظرة الناس لمن يتبعون السفسطائية وأفكارها والتعاليم المرتبطة بها.
تعود السفسطائية في الأساس إلى معتقدات بروتاغوراس، والذي يُعتبر أول سفسطائيٍّ إلى جانب عددٍ من الفلاسفة كانوا من أوائل دعاة هذا المذهب أمثال جورجياس وبروديكوس وهيبياس وثراسيماخوس وليكوفرون وكاليكلس وأنتيفوس وكراتيلوس، لكن سُرعان ما لاقت انتقاداتٍ وجهها لها الفيلسوف اليوناني سقراط والتي ذكرها أفلاطون في أعماله، حيث أوضح سوء الفهم الذي أدى إلى اعتبار سقراط كأحد الفلاسفة السفسطائيين وذكر الخلاف في وجهات النظر بينه وبينهم.
أتى بعض الفلاسفة السفسطائيون بمفاهيمَ مختلفةٍ حول الأخلاق والمعرفة، ووجّه بعضهم انتقاداتٍ للأديان والقانون والأخلاق مع أن معظمهم كان معتنقًا للأديان، فيما كان البعض ملحدًا؛ أما أفلاطون وسقراط فوجّها انتقاداتٍ إلى الأسس الفلسفية لهذه الحركة كالنسبية الأخلاقية، والمفهوم العلماني للسعادة والتشكيك بالأمور المتعلقة بالمعرفة.
السفسطائية المعاصرة
يُستخدم مصطلح السفسطة للدلالة على أي جدالٍ أو نقاشٍ يقوم على النفاق، أما المعنى الحديث لها فيُقصد منه توجيه الاحتقار والازدراء للبلاغة (الخطابة) المستخدمة لشدّ انتباه الناس وفق طرقٍ لا تعتمد على استخدام جملٍ تقوم على الامتناع المنطقي بالفكرة المطروحة.
بالرغم من اشتراك السفسطائية القديمة مع المفهوم المعاصر لها بالاهتمام بالإنسانية المدنية واتّباع المذهب البراغماتي (الواقعي) للوصول إلى الحياة المدنية، إلا أن أكثر ما شغل السفسطائية المعاصرة محاولاتها لاستعادة معتقداتها القديمة، وإحيائها من جديد بالاعتماد على مفاهيم وأفكارٍ تعود إلى مرحلة ما بعد الحداثة، من أجل توحيد كافة الأفكار السفسطائية القديمة والحديثة منها وفق منظورٍ راسخٍ.
السفسطائية والديمقراطية
لعب السفسطائيون أدوارًا اجتماعيةً هامةً كان لها أثرٌ كبيرٌ على النظام السياسي في أثينا ظهر من خلال الأحداث التاريخية، حيث أصبحت أكثر ديمقراطيةً خلال فترة ازدهار الحركة السفسطائية وانتشار تعاليمها.
لم ترتبط الديمقراطية في أثينا مباشرةً بوجود السفسطائيين، لكن كان لمشاركاتهم في المجالات النفسية والثقافية دورٌ في نموها، حيث اعتمدوا على الخبرة أثناء النقاشات العامة التي كانت مُتبّعةً كطريقةٍ لصناعة القرارات؛ وهذا ما أتاح إبداء نوعٍ من التقبل تجاه معتقدات الآخرين وأفكارهم، فسمح ذلك بزيادة نفوذ السفسطائيين ضمن مجلس مدينة أثينا الأمر الذي ساهم بتطوير القوانين.