ما هي الصحافة الاستقصائية وما عناصرها
تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك
خلقت صناعة الأخبار قدرًا كبيرًا من المعلومات اليومية، حيث تتالى العناوين خلف العناوين، والقصص وراء القصص، وتغطي مجموعة متعددة من المواضيع والشؤون، وتستجيب في القسم الأكبر للأحداث الجارية والأحداث الإخبارية. وتسيطر عوالم السياسة، والاقتصاد والمجتمع والترفيه والرياضة على العناوين. وتتجلى معركة الصحفيين اليومية لإنتاج إعلام لكل المنصات من المطبوعة إلى الرقمية، في إحداث توازن بين تغطيتهم لما يرغب الجمهور في معرفته، وبين ما يشعر المهنيون أنه بحاجة لمعرفته. هذا هو التحدي المستمر أمام كل الصحفيين. فالطبيعة المتطورة باستمرار للتقنيات الرقمية، وتأثيرها على الصحافة جمع الأخبار ونشرها، يعني تغيّر طريقة الحصول على مصادر، والبحث وتطوير قصص استقصائية. لكن الضغط للحصول عليها بشكل صحيح وإخبار الجمهور ما لا يعرفه - لكن يجب أن يعرفه - بقي على حاله.
يقول الكاتب البريطاني جورج أورويل (George Orwell): "الصحافة هي نشر ما لا يريد شخص آخر نشره، وكل شيء آخر هو علاقات عامة". بالنسبة لمعظم الصحافة، تتطلب حتى الأخبار اليومية عناصر من الاستقصاء، فقد احتلت الصحافة الاستقصائية منذ سنوات مكانًا مرموقًا بين أنواع الصحافة المختلفة، وتعريف الصحافة الاستقصائية ليس بالسهولة التي يبدو عليها، فبعض الصحفيين مثلًا يشعرون أنها الصحافة الاستقصائية فئة منفصلة عن غيرها، ويرون وجوب أن تكون كل الصحافة استقصائية، بينما يعتقد آخرون أن العبارة برمتها متأثرة بهوليوود، وأن تقارير الصحافة الاستقصائية صعبة وقوية فعلًا.
تعريف الصحافة الاستقصائية
حسب اليونسكو فالصحافة الاستقصائية ((Investigative Journalism: تعني كشف النقاب عن أمور يخفيها أشخاص في موقع السلطة عن قصد أو بدون قصد جراء اختفاءها وراء ركام كبير من الحقائق والظروف، وتحليل كل الحقائق المرتبطة وتقديمها للجمهور. وبهذه الطريقة تساهم الصحافة الاستقصائية في حرية التعبير وتطور الإعلام، وهما غاية المنظمة القصوى.
مميزات الصحافة الاستقصائية ومهامها
تتميز الصحافة الاستقصائية بالبحث الطويل المعمق، الذي قد يمتد لشهور وسنوات حول موضوع واحد. فهي لا تحدث بين ليلة وضحاها، بل تتطور عبر عدة مراحل من التخطيط، إلى البحث، والتقرير، ويجب أن تخضع لمعايير عالية من الدقة والبرهنة.
قد يأخذ البحث شكلاً سريًا، أو يكون استخلاص نتائج عن طريق التنقيب عن بيانات، لكن مهما أعطى، عليه أن يجسّد أكثر من مجرد تأكد بسيط من الفكرة الأصلية، بل ينبغي أن تكشف القصة النهائية معلومات جديدة أو تلقي الضوء على المعلومات القديمة المتاحة بشكل جديد، كأن تكشف أهميتها. يمكن لمصدر واحد أن يقدم اكتشافات مذهلة، للوصول إلى رؤى أو معلومة مخفية بطريقة أو أخرى، لكن لا يصنف التحقيق كاستقصائي مالم يتم التأكد من قصة المصدر بمقارنتها بمصادر أخرى تجريبية أو وثائقية أو بشرية، وتوضيح معانيها.
يتطلب التحقيق الاستقصائي مصادر أكثر، وفريق عمل أفضل، والمزيد من الوقت، مقارنة بالتقرير الإخباري العادي. فمعظم القصص هي نتيجة لاستقصاءات فريق.
ويحقق المراسلون في دليل قد يكشف فسادًا، أو يراجعون سياسات حكومية أو مؤسساتية، أو يلفتون الانتباه إلى اتجاهات اجتماعية، واقتصادية، وسياسية أو ثقافية. بينما ينطلق المراسلون التقليديون بمواد تزودهم بها منظمة ما - إبلاغ من الحكومة أو منظمة غير حكومية - غالبًا ما يصدر التقرير الاستقصائي من مبادرة مراسل، يكون قد تلقى رسائل الكترونية مجهولة المصدر تحتوي على مئات من الملفات غير المثبتة، أو أخبرته جهة اتصال متعاونة بإشاعة عن مؤامرة ما. وعلى أي حال، يكمن هدف الصحافة الاستقصائية في كشف شؤون تتعلق بالمصلحة العامة تم إخفاؤها بطريقة ما، عن قصد أو دون قصد.
والدليل الواضح لما يشكل "مصلحة عامة" هو مدى تأثر المجتمع سلبيًا بهذه المعلومة إذا لم تنكشف، أو مدى استفادته منها على الصعيد المادي أو من حيث اتخاذ القرار الجيدة، فأحيانًا المعلومة التي تفيد مجتمعًا ما قد تضر بآخر؛ مثلًا: قد يطلب سكان الغابات أسعارًا أعلى إذا علموا القيمة التسويقية للأشجار ما يسبب بانهيار شركات قطع الأشجار، بشكل طبيعي، لن ترغب هذه الصناعة في كشف معلومات كارتفاع أسعار الأشجار.
قد لا تؤثر قصص الشأن العام بالضرورة على البلد بأكمله، وعندما تفعل ذلك، تتحول إلى شأن وطني، لسوء الحظ، غالبًا ما تستخدم الحكومات هذا المصطلح لتبرير أفعال غير قانونية أو خطيرة أو غير أخلاقية. أو لثني الصحفيين عن الاقتراب من مشكلات محددة.
عناصر الصحافة الاستقصائية ومقوماتها
- إعداد تقرير أصيل ومنهجي وعميق: يأخذ الصحفي الاستقصائي الوقت الكافي، ويتعمق في شيء ما بطريق منظمة ومنهجية ليفهم جيدًا ماذا يحدث في العالم، وسيكون عندها العمل أصيلًا ومبتكرًا بقدر ما هو عميق.
- وضع فرضية: الصحفيون الاستقصائيون الجيدون يفكرون مثل المدّعي العام الشريف أو المحقق البوليسي الماهر. يضعون فرضية حول ما سيقدمون عليه، يستخدمون طريقة علمية، ويضعون نظرية ويجدون الحقائق التي تدعمها؛ وهي واحدة من أصعب أجزاء الصحافة الاستقصائية.
- تحليل المستندات والبيانات العامة: يشمل العنصر الثالث من الصحافة الاستقصائية، استخدام الكثير من التسجيلات والمعلومات العامة، وغالبًا ما يتحدث الصحفيون الاستقصائيون كثيرًا حول تتبع هذه المسارات، مسارات الأشخاص، وتمويل المؤسسات والمسؤولية. يقومون بذلك عبر الأوراق، وجمع قدر ما يستطيعون من التسجيلات العامة، تتسرب إليهم المستندات والبيانات، ويحللونها ليتتبعوا المسارات.
- كشف أمور تخص المصلحة العامة كانت سرية أو مخفية: يتعامل الصحفيون الاستقصائيون غالبًا مع معلومات سرية، ومع أشياء لا يرغب مسؤولون في السلطة في كشفها، لأنها تُظهر استغلال لموقعهم أو سلطتهم في المجتمع. ويعتبر إيجاد مثل هذه الأمور وكشفها ما حدث للعامة جزءًا من عمل الصحافة الاستقصائية.
- التركيز على العدالة والمسؤولية الاجتماعية: توجد الكثير من هذه النداءات في مهنة الصحافة الاستقصائية تجاه المسؤولية الاجتماعية. مهمتها محاسبة الشركات، والمؤسسات، والأشخاص، حيث يؤمن الصحفيون الاستقصائيون بتصحيح الأخطاء.