نظرية دالتون الذرية
أحدثت نظرية دالتون الذرية عام 1804 ثورةً علميّةً في ذلك الوقت وروّجت لمفاهيمَ جديدةٍ غيّرت نظرة العلماء إلى كوننا الواسع بمكوّناته وعناصره الدقيقة، ولقد ساهم العالم دالتون في إرساء أسس أهم النظريّات العلميّة التي شرحت طبيعة تكوين الكون والتي تُعرف باسم نظرية دالتون الذرية.
لكن، علامَ تنصّ تلك النظرية الذرية بالضبط؟ وما هي فروض هذه النظرية؟ وما هو نموذج دالتون للذرة؟ في مقالنا هذا سنجيب عن جميع هذه التساؤلات ونستعرض شرحًا وافيًا حول نظرية دالتون الذرية وفرضيّاتها، وكذلك العيوب والانتقادات الموجّهة إليها.
العالم جون دالتون
العالم جون دالتون (John Dalton) هو عالمٌ إنكليزيٌّ شهيرٌ، ولد في إنكلترا عام 1766 وكان كيميائيًّا وفيزيائيًّا ضلوعًا، وقد اشتُهر بلقب الأستاذ؛ حيث علّم في إحدى المدارس الإنكليزية وهو بسن الثانية عشر! انتقل العالم جون دالتون في العشرين من عمره إلى مدينة مانشستر حيث تمكّن من الانطلاق في أولى تجاربه وأبحاثه، وقد تطرّق للعديد من المجالات العلميّة وكان له بصمةٌ فريدةٌ في كلٍّ منها، سيّما في علوم الكيمياء والفيزياء.
تُعتبر النظرية الذرية أبرز أعماله، وقد دُعيت باسمه تقديرًا لجهوده الكبيره في هذا المجال. وقد طرح العالم دالتون نظريّته الشهيرة عام 1808 والتي انتشرت في أوساط علماء الذرة، والباحثيين الكيميائيّين بشكلٍ كبيرٍ في ذلك الوقت وأصبحت منذ ذلك الوقت معروفةً باسم نظرية دالتون الذرية (Dalton's Atomic Model).
نظرية دالتون الذرية
درس العالم دالتون أوزان العديد من العناصر والمركّبات، وتوصّل من خلال الأبحاث والدراسات التي أجراها إلى أن العناصر تتفاعل مع بعضها بنسبٍ ثابتةٍ تتعلّق بوزن هذه العناصر أو حجمها فيما لو كانت ذات طبيعةٍ غازيةٍ. بمعنى آخر توصّل دالتون إلى أن المركّبات الكيميائية أثناء تشكّلها أو تفكّكها فإن نسبة كتل وحجوم العناصر الداخلة في تركيبها تكون ثابتةً دومًا، داعمًا بذلك قانون النسب الثابتة للعالم بروست. كما لاحظ دالتون أن العناصر نفسها قد تتفاعل مع بعضها بطُرقٍ مختلفةٍ، وتشكّل بالتالي مركّبات جديدة متباينة الخصائص والصفات الكيميائيّة.
نُشرت الورقة البحثيّة الخاصّة حول نظرية دالتون الذرية عام 1808 تحت عنوان الفلسفة الكيميائية الجديدة، والتي لاقت العديد من التأييد كما ولاقت العديد من الانتقادات كما سنبيّن في نهاية مقالنا.
نموذج دالتون للذرة
طرح دالتون بناءً على أبحاثه المكثّفة نموذج دالتون للذرة والذي يُشار إليه في بعض الأحيان بنموذج كرات البيلياردو، حيث مُثّل نموذج الذرة في نظرية دالتون الذرية على أنها كرة، ولم يكن مفهوم النواة والإلكترونات معروفًا في ذلك الوقت.
قدّم دالتون فيما بعد ترسميًّا لبعض العناصر الكيميائية وفقًا للنموذج الذي تخيّله (كما في الصورة)، وعلى الرغم من أن هذا الترسيم كان بعيدًا عن النموذج الحقيقي للذرة الذي اكتُشف لاحقًا، إلّا أنّ نموذج دالتون للذرة كان الأوّل من نوعه في وصف وتمثيل العناصر الكيميائيّة المختلفة.
فروض نظرية دالتون الذرية
تضمّنت نظرية دالتون الذرية ستّة بنود أساسيّة هي:
- تتألف المواد من حولنا من عناصرَ صغيرةٍ غير مرئيّةٍ تُدعى بالذرّات.
- تكون ذرّات العنصر الكيميائي الواحد متشابهةً بالشكل والكتلة، في تكون مختلفةً مع ذرّات العناصر الكيميائية الأخرى.
- لا يمكن تدمير الذرّات أو خلق ذرّاتٍ جديدةٍ.
- يمكن لذرّات العناصر المُختلفة أن تتفاعل مع بعضها بنسبٍ ثابتةٍ وتتّحد لتشكّل مزيجًا من الذرّات (المركبات).
- يمكن لذرّات العنصر الكيميائي نفسه أن تتّحد مع بعضها البعض بأكثر من شكلٍ لتعطي نموذجين أو أكثر من المركّبات.
- الذرة هي أصغر وحدة ماديّة يمكن أن تُشارك في التفاعلات الكيميائية.
عيوب نظرية دالتون الذرية
على الرغم من أن نظرية دالتون الذرية تضمّت أفكارًا فريدةً وجديدةً في عصره، إلّا أن الأمر لم يخلُ من بعض الانتقادات والعيوب، لا سيّما بعد الاكتشافات العمليّة الحديثة، والتي وُجّهت إليها. من جُملة الانتقادات تلك نذكر:
- يذكر نموذج دالتون للذرة أنّها غير قابلةٍ للانقسام، ولكن تبيّن فيما بعد أن ذلك ليس صحيحًا، وأن الذرّة تتألف من وحداتٍ أصغر هي الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات، ومع ذلك استمرّت صحّة فرضية دالتون التي تشير إلى أن الذرة هي أصغر وحدة في أي تفاعلٍ كيميائيٍّ قائمةً وصحيحةً.
- طِبقًا لما تشير إليه نظرية دالتون، فإن ذرات العنصر الكيمائي نفسه تكون متشابهةً تمامًا بالشكل والكتلة والخصائص الكيميائية والفيزيائية. ولكن تبيّن أن هذه الفرضيّة ليست صحيحةً أيضًا، حيث اكتشف العلماء أن هنالك ذرّاتٍ من العناصر الكيميائيّة نفسها لها كثافات وأوزان وخصائص مختلفة، وهي ما أطلق عليه العلماء اسم النظائر، فعنصر الكلور (Cl) على سبيل المثال له نظيران بكتلةٍ ذريةٍ تبلغ 35 للأول و37 للثاني.
- كما تشير نظرية دالتون الذرية إلى أن ذرات العناصر الكيميائية المختلفة تكون متباينةً بالشكل والكتلة، ولكن هذا ليس صحيحًا دومًا، على سبيل المثال إن لكلٍّ من ذرة الآرغون (Ar) وذرة الكالسيوم (Ca) الكتلة الذريّة نفسها والتي تبلغ 40، وتُدعى هذه الذرات في هذه الحالة بـ المُتكاتلات (أو الأيزوبارات Isobars).
- عجزت نظرية دالتون الذرية أيضًا عن تفسير خاصيّة التآصل (Allotropy)؛ والتي تشير إلى وجود عدّة أشكالٍ للعنصر الكيميائي ذاته بسبب تباين بُنيتها البلورية مع بقاء بنيتها الكيميائية ذاتها، ومثالٌ على ذلك وجود الكربون بعدّة حالاتٍ مُختلفةٍ، كالفحم والغرانيت والألماس، حيث أن بنيتها وأصلها واحدٌ وهو الكربون.
على الرغم من الانتقادات والعيوب التي وُجّهت إلى نظرية دالتون الذرية إلّا أنّها لازالت إحدى أهم النظريات التي شكّلت الحجر الأساس الذي بُنيت عليه العديد من النظريات الكيميائية والفيزيائية فيما بعد.