نموذج ميتشيغان للقيادة الفعالة: ركز على العلاقة مع الموظف ثمّ وجّه الإنتاج
6 د
إن القيادة كالقراءة أو الرياضيات أو أي مجال آخر يتمثّل بمهارات وسلوكيّات يمكن لأي فرد تعلّمها، وتطوير الشخصية القيادية هو رحلة نمو تستمر مدى الحياة بحيث يمكنك إحراز التقدم من خلال التوجّه والتركيز على الأهداف الواضحة والتجارب المقصودة وقبول الانتقادات والتعليقات السلبية والإخفاقات، والتدريب على القيادة وتطويرها يكون أكثر فعالية عندما يعتمد على بيانات مستندة على التعلم التجريبي والممارسة القائمة بالثقة والعمل الجدّي ليتم دمجها مع رحلة تعلم القيادة الخاصة والمميِّزة لكل فرد.
لذا أُجريت الدراسات المتخصصة في القيادة، وكان أبرزها دراسات ميتشيغان التي قادها عالم النفس “رينسيس ليكارت” والذي قام بدراسة الرضى بين العمال من خلال العلاقة بين إنتاجية الموظف والسلوك الإشرافي القيادي.
ما هو نموذج ميتشيغان للقيادة؟
نموذج ميتشيغان للقيادة هو إطار عمل لتعريف القيادة بحيث يوفّر صيغة واضحة لفهم المهارات والسلوكيات القيادية التي تمّ صقلها بالفعل من قبل المتعلمين وإظهار المهارات التي تحتاج إلى تطوير وتحسين. تم إقرار نموذج ميتشيغان للقيادة بعد نصف قرن من الممارسة الواقعية والبحث التجريبي، حيث يعمل النموذج على تبسيط التعقيدات الكبيرة في المفهوم من خلال استخدام إطار القيم التنافسية Competing Values Framework” (CVF)”.
وقد تم تحسين هذا المفهوم من قبل “روبرت كوين” و”كيم كاميرون” وأعضاء آخرين في هيئة التدريس من جامعة ميتشيغان، وبعدها اعتُمِد هذا النموذج على نطاق واسع من قبل عدد كبير من القادة والشركات حول العالم، أما الآن فهو أساس دورات التعليم والتنمية والممارسات الاستشارية وغيرها من برامج تطوير المهارات القيادية، كما تم الاعتراف به من قبل الصحيفة البريطانية Financial Times عام 2003 كواحد من بين أهم 40 إطارًا إداريًا في التاريخ.
يعترف إطار العمل الخاص بنموذج ميتشيغان بوجود مفارقة رئيسية في القيادة ترتبط بعاملين أساسيين موجودين في جميع الفرق والمنظمات والأفراد ويشكلان المادة الأساسية للقيادة:
العامل الأول: الحاجة إلى تعزيز مفاهيم إنسانية مثل الودّ والتعاون والعلاقات الإيجابية (باللون الأصفر)، بالإضافة إلى الحاجات التنافسية من أجل توفير الوقت والجهد وتحقيق النتائج والأهداف (باللون الأزرق).
العامل الثاني: الإصرار الذي يجب على القادة من خلاله تحقيق السيطرة والاستقرار والتكامل (باللون الأحمر) بالإضافة إلى تعزيز قوة التغيير والابتكار والتعلم (باللون الأخضر).
لقد أنتجت جامعة ميتشيغان بعضًا من أهم دراسات القيادة بكونها واحدة من أهم المراكز الرائدة لبحوث العلوم الاجتماعية، فبعض الدراسات التي يعود تاريخها إلى خمسينات القرن الماضي حددت أسلوبين عريضين للقيادة وهما:
- توجيه الموظف: من خلال العلاقة الإنسانية معه والاهتمام بحاجياته ورفاهيته وتطوره.
- توجيه الإنتاج: كالإشراف الجادّ على الموظفين والاهتمام بالجانب التقني للعمل بالإضافة إلى المعايير الصارمة والإجراءات والقواعد الخاصة بالعمل.
وحددت الدراسات أيضًا ثلاث خصائص مهمة للقادة الفعالين: السلوك المركز على المهام، السلوك الموجه للعلاقات، والقيادة التشاركية.
يعد نموذج ميتشيغان للقيادة ودراسات جامعة ولاية أوهايو التي أجريت في أربعينات القرن الماضي من أكثر دراسات القيادة السلوكية أهمية وشهرة، ولا يزال يتم الاستشهاد بها حتى يومنا هذا.
النقاط الرئيسية للقيادة في دراسات ميتشيغان
- حددت دراسات ميتشيغان الخاصة بالقيادة الأساليب القيادية التي نتجت عنها أعلى مستويات الرضى للموظفين وإنتاجيتهم، حيث صنف نموذج ميتشيغان الأساليب القيادية بنوعين: إما رضى الموظف والتركيز المباشر عليه من قبل الإشراف العام، أو توجّه الإنتاج الذي يركّز على الأنشطة لتنفيذ المهام المختلفة.
- حدّد البحث أن أسلوب “توجيه الموظف” أعطى نتائج أفضل وأكثر إيجابية مقارنة بأسلوب “توجيه الإنتاج”، حيث أدى اتّباع أسلوب توجيه الإنتاج إلى عدم رضى الموظفين وبالتالي قلّة إنتاجيتهم.
- نوّهت الدراسات إلى أن تركيز علاقة الموظف مع المدراء العامين وليس الإشراف المباشر (أسلوب توجيه الموظف) أدى إلى نتائج أفضل، فالموظفين لديهم احتياجات يجب على أرباب العمل معالجتها والعناية بها من أجل تحسين الإنتاجية، وفي المقابل يركّز توجيه الإنتاج على العناصر الفنية للتوظيف وأن الموظفون والعناصر البشرية هم الوسيلة الأساسية لإكمال الإنتاج.
انتقادات لنموذج ميتشيغان للقيادة
جوهر نموذج ميتشيغان يؤكِّد على أن ازدياد إنتاجية الموظفين وانخراطهم في واجباتهم ومهامهم يكون في ظروف أقل من الضغط والتحكم المباشر، ومع ذلك لا تخلو هذه الدراسات من انتقادات وتساؤلات حول المنهجية والنتائج الخاصة بها، فأحد هذه الانتقادات هي عدم الأخذ في عين الاعتبار المتغيرات الظرفية.
بمعنى آخر: قد تتخذ القيادة أسلوبًا فعّالًا في موقف ما لكنه قد لا يصلح في موقف آخر، فالظرف ومعطيات الموقف هما اللذان يحددان الأسلوب الفعّال لاتّباع القيادة، ولذلك قد تعتبر الدراسة مقيدة نوعًا ما لأنها لا تأخذ في الاعتبار جميع ظروف وأنواع المنظمات والموظفين والقادة، فقد يكون أسلوب القيادة الذي طرحه نموذج ميتشيغان متطرف حيث أن استخدام نفس أسلوب القيادة في شركتين مختلفتين قد يؤدي إلى فشل واحدة ونجاح الأخرى بحسب معطيات الظرف، فالأفضل أن يكيِّف القادة سلوكياتهم وأساليبهم بحسب الحاجة والزمان والمكان بدلًا من الثبات والالتزام بنمط واحد لا غيره.
فشلت الدراسات في تحديد ما إذا كان أسلوب القيادة هو نتيجة أو سبب، هل تركيز القيادة على الموظفين تجعل الفريق أكثر إنتاجًا أو إنتاجية الفريق تدفع القائد للتركيز على الموظف؟ قد يؤثر أداء الموظف على القائد، فإما أن يكون أكثر تدريبًا له في حال كانت المهمة معقدة وبحاجة لمزيد من التوجيه، أو أن يثبت الموظف قدرته على التعامل مع المهمة بسلاسة من دون الحاجة إلى تحكم مباشر من القائد، وبالتالي منح الموظفين قدرًا أكبر من الاستقلالية.
اقرأ أيضًا: كتب شيقة لرواد الأعمال ومديري القرن الحادي والعشرين عن القيادة الفعالة
تاريخ مفهوم القيادة
في أربعينات القرن الماضي ركزت معظم دراسات القيادة على السمات الشخصية للأفراد التي جعلت منهم قادةً أبطالًا وليسوا أتباعًا، حيث مهّد “توماس كارلايل” الطريق لنظرية “الرجل العظيم” ثم تبعه باحثون آخرون في محاولة لتحديد نوع الصفات التي تجعل القائد عظيمًا.
وتستمر بحوث القيادة فتظهر أساليب وسلوكيات قيادية جديدة في القرن الحادي والعشرين عمل العلماء على تحديدها وتعزيزها، فقد استُخدمت العديد من الطرق لتحديد وشرح العوامل التي تشكّل مفهوم القيادة وتحدد سلوكيات ممارستها، مثل الأساليب الكمية كالاستبيانات والمسوحات والدراسات الإثنوغرافية بالإضافة إلى الدراسات النوعية والاختبارات التشخيصية، حيث تحدد جميع تلك النظريات علاقة القائد بعناصر الفريق أو المنظمة وتفحص أساليب وأنماط القيادة مع المعرفة الشاملة بسلوك القائد وفعاليته.
كانت نظرية “الرجل العظيم” أساسًا لمرحلة نظرية السمات في القيادة، ففي بداية القرن العشرين أصبحت الفروق التفصيلية الدقيقة في الإدارة تتحدد وتتوضّح، وقد كان لبلوتارخ وأفلاطون ولاو تسو ومكيافيلي تأثيرًا كبيرًا على تعريف الحكام والأبطال من خلال تعليماتهم وآرائهم المشتركة حول ماهي ماهيّة أن تكون قائداً.
لكن بالطبع لم يستخدموا كلمة “قائد” أو “زعيم” فهي كلمات لم تدخل اللغة الإنجليزية حتى القرن التاسع عشر، وبفضلهم كان لمفهوم “القائد” كبطل تعريفًا محددًا وواضحًا لمئات السنين، ففي عام 1840 أكّد الكاتب الاسكتلندي “توماس كارلايل” أن تاريخ العالم ما هو إلا سيرة ذاتية لرجال عظماء، فقد نشرت نظرية “الرجل العظيم” فكرة أن التاريخ يمكن قراءته وتفسيره من خلال تأثير الرجال العظماء والقرارات التي اتخذوها، وقد تم التعرف على هؤلاء العظماء من خلال الذكاء والكاريزما والحكمة.
اقرأ أيضًا: لتنجز مشروعك في حدود الوقت والميزانية: هذا ما عليك معرفته عن إدارة المشاريع
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.