على السريع… عشرُ مفارقات علمية من الجيد أن تعرفها!

مفارقات علمية عليك معرفتها
نجوى بيطار
نجوى بيطار

8 د

لا بدَّ وأنّك خضت يومًا حوارًا تناسبت فيه صلابة موقفك طردًا مع مقدار استنادك على وقائع وحقائق علمية، لقد فرض المنطق العلمي نفسه فيصلًا لا لُبس فيه. لكن في هذه الرحلة القصيرة ستكتشف أنَّ هذا الكيان المشذب عانى تناقضات ومفارقات، نجحت عقول البشر في حل بعضها، وما زلنا ننتظر حلولًا لأُخرى.

كبشر، تطورنا لنتلاءَم مع محيطنا ولندرك العالم من حولنا انطلاقًا من مفاهيم يومية بسيطة، إذ يمكننا أن نفهم أمورًا من قبيل أنّ أقرب النجوم إلينا هو القنطور الأكبر، فعند مستوى ذهني معين يمكننا تخيّل موقع القنطور الأكبر هذا، لكنّ البلبلة ستصيب الكثيرين لدى القول أنَّ المسافة هي “أربع سنين ضوئية”.

للعديد من المفارقات العلمية، كالعلم نفسه، جذورها المتأصلة في الرياضيات والفلسفة. وعلى الرغم مما قد تخبرنا به حواسنا، لهذه الألغاز قوىً تنبؤية كما أنَّها تفصح عن بعضٍ من الكيفية التي يعمل بها كوننا عمليًا، وفي مقالنا هذا سنستعرض عشرًا من هذه المفارقات العلمية المعروفة، فإن وجدت فهم ذلك أمرًا صعبًا، لا داعٍ للقلق، فقد كافحت أعظم العقول العلمية المعروفة لتفسير بعض منها:


1- أحجية أولبرز Olbers’ Paradox

هذه المفارقة في صلب علم الكونيات وهي نتاج ملاحظةٍ بسيطة لكوننا ويمكنك ملاحظتها كلّ ليلة، ومن أيّ مكان. تتلخص هذه المفارقة بما يلي: إن كان الكون بهذا القدم وعدد نجومه غير متناهٍ، لِمَ لا يبهر سطوع السماء أبصارنا؟!

أوّل من اقترح إجابةً لهذا السؤال هو كاتب قصص الرعب “إدغار آلان بوي” قبل قرنٍ من ولادة علم الكون الحديث، الإجابة البسيطة (وهي صحيحة) لتساؤلنا عن سبب عدم إصابتنا بالعمى من شدة سطوع السماء أينما نظرنا هي أنّ للكون عمرًا محدودًا وعدد نجومه كذلك، بالإضافة إلى أنّ اتساع الكون والزمن اللازم لوصول الضوء ينصّ على أنَّ النجم الذي تراه ساطعًا في السماء ربما أفل اليوم، أو في مراحل احتضاره الأخيرة.



2- معضلة هول مونتي The Monty Hall Problem

فيديو يوتيوب

هذه المشكلة على صلةٍ وثيقةٍ بالإحصاء الرياضي، وقد عُرضت في برنامجٍ شهير قدّمه مذيعٌ اسمه هول مونتي. في هذا البرنامج، سيختار متسابقٌ بابًا من ثلاثة أبواب خلف أحدها سيارة، ستزداد فرصك بالفوز حقًّا إن غيرت الباب الذي تختاره بعد الجولة الأولى، فمنطقيًّا سيصبح فضاء العينة 2 بدلًا من 3، ويبدو أنَّ فرصتك بالفوز ستصبح حينها 50%، لكنّها عمليًّا 66% لصالحك في هذه العملية، وقد تحدّث هول نفسه عن ذلك في مقابلةٍ عام 1991 مشيرًا إلى أنَّ تفاعله مع المتسابقين كان يغير التأثيرات الإحصائية.



3- مفارقة الشمس الخافتة The Faint Sun Paradox

تقترح النماذج الحالية للتطوّر النجمي أنَّ الشمس كان ينبغي أن تكون أقل خفوتًا بكثير في عمر الأرض المبكر… حسنًا، كيف تجنبنا “كرةً أرضيةً ثلجيةً”؟.

معضلة الأرض المبكرة المناخية هذه لم تُحلَّ بالكامل بعد، لكن هنالك بعض الفرضيات المثيرة للاهتمام. تقول أحدها بهيمنة الغازات البركانية على الغلاف الجوي للأرض المبكرة، كما يقول طرحٌ آخر أنَّ الشمس كانت أكبر كتلة وطاقة في تاريخها المبكر مما يُعتقد. وحين ننظر إلى المريخ، نعلم أنَّه يومًا ما كان يتمتع بدفء الأرض، كما كان قادرًا على امتلاك ماءٍ سائلٍ جارٍ على سطحه، رغم بعده عن الشمس.



4- مفارقة زينون Zeno Dichotomy Paradox

فكرة هذه الأحجية هي للفيلسوف الإغريقي زينون الذي أراد أن يثبت لمعارضيه من روّاد الفلسفة والعلوم الإغريقية خطأ ما كان سائدًا، تتلخص بقوله أنَّ وجود عدد لا نهائي من النقاط بين نقطتين يجعل من المستحيل الوصول من نقطة البداية حتى النهاية بالانتقال نصف المسافة بينهما في كلّ مرة، فإذا كان لدينا نقطتين أ و ب وقطعنا نصف المسافة بينهما، ثم نصف المسافة المتبقية ثم نصف التي تليها، لن نصل أبدًا. لقد قبل زينون بالنتيجة القائلة بالوصول من نقطة البداية حتى النهاية، ثم عمل على الرياضيات المتعلقة بذلك، ليصل إلى نتائج مستحيلة.

بالطبع، بوجود مفهوم النهايات حاليًا والعدد صفر (الذي لم يوجد حينها) تمكن العلماء من حل هذه المفارقة، ومن الجدير بالذكر أنَّ زينون عُرف بقدرته على المجادلة، وله مفارقات أُخرى كمفارقة السهم المنطلق، حيثُ انطلق من أنَّ للسهم المنطلق مكانًا محددًا في الفراغ عند لحظةٍ معينةٍ، وهذا الفضاء الذي يشغله وحيدًا، وبالتالي نصل بناءً على ذلك إلى نتيجةٍ مفادها أنَّ السهم لا يتحرك، انطلاقًا من التعريف القائل بأنَّ الجسم المتحرك هو الجسم الذي يشغل فضاءات متعددة!



5- مفارقة ورقة الشاي The Tea Leaf Paradox

هي أمرٌ نلحظه في حياتنا اليومية، فعندما نحرك السائل في كوب الشاي تتجمع أوراق الشاي في منتصف الكوب. بالطبع لن يسترعي الأمر اهتمامًا ما لم يخالف أمرًا شائعًا، فالمسَلّم به أن تسبب قوة الطرد المركزي الناتجة عن الدوران حركة أوراق الشاي نحو حواف الكأس، لكنّ الذي حدث غير ذلك. وللمزيد، لقد استرعى ذلك انتباه آينشتاين أبو الزمكان الذي قدّم تفسيرًا، وإليكم الإجابة: إنّ الدوران الشاقولي للمائع أسرع في الأعلى، مما يخلق تدرّجًا في الضغط، ويصبح الضغط عند أطراف السائل أعلى منه في المنتصف، فيبدأ تدفق السائل حاملًا معه الأوراق من الحواف إلى المنتصف.



6- قطة شرودينغر Schrödinger’s Cat

لعلّها من أشهر المفارقات، هذه المفارقة تشرحها فيزياء الكم، فهذه التجربة الذهنية توضح أنَّ الحالة عند المستوى دون الذري تُحدد بالمشاهدة والقياس، فمشاهدتنا هي التي تملي حالة المادة في لحظةٍ ما. لقد دعانا شرودينغر للتفكير بزجاجةٍ من غازٍ سام موضوعة مع قطة في صندوق، ويتوقف انفجار الزجاجة على تحلل جسيمات مشعة، وهي الحالة التي لا يمكننا معرفتها دون قياس. ينتج عن ذلك أنَّ القطةَ ميتةٌ وحيةٌ في الوقت عينه حتى إجراء القياس. قد يبدو ذلك في قمة الغرابة، لكن هنالك أدلةٌ تقوم على المشاهدة تشير إلى أنَّ العالم دون الذري يعمل بهذه الطريقة.



7- ازدواجية الضوء The Duality of Light

كيف يمكن للضوء أن يسلك سلوكًا ماديًّا وموجيًّا في الوقت ذاته؟ سيتعارض ذلك مع المنطق السائد، فللمادة والأمواج طبيعتان مختلفان، لكنّ أدلّةً دامغة تشير إلى أنَّ الضوء يسلك هذا السلوك تمامًا. ويُعدُّ الفعل الكهرضوئي دليلًا لا لبس فيه على سلوك الضوء سلوكًا جسيميًا (تعتمد الألواح الشمسية في عملها على هذه الخاصة). في حين توضح تجربة الشق المزدوج نموذجًا يتداخل فيه الضوء ويتشتت، وهو أمرٌ من خصائص الأمواج.



8- مفارقة التوأم النسبية The Twin Paradox of Relativity

مفارقة التوأم النسبية

يتحدث رائد الفضاء سكوت كيلي مع شقيقه، رائد الفضاء السابق مارك كيلي، إلى وسائل الإعلام عن مهمة سكوت كيلي لمدّة عام على متن محطة الفضاء الدولية. تاريخ الصورة: 19 يناير 2015.

أكثر مفارقات نسبية أينشتاين الخاصة جدلًا، تقوم على التساؤل الآتي: ما تأثير اقترابك من سرعة الضوء على الزمن؟ طبعًا حديثنا يدور عن أمور بعيدة عن أنّ مثل هذه السرعة ستبعثر أجزاءك في الفضاء، إنّها فرضٌ على أيّ حال.

بفضل الفيزياء الحديثة، أصبحنا جميعنا نعلم أنَّ الزمان والمكان مرتبطان عضويًّا، فكلمّا اقتربنا من سرعة الضوء، يبدو الزمن وكأنَّه يمرّ بطيئًا من زاويتك المرجعية الخاصة (جملة المقارنة الخاصة بك). لقد تمّ قياس هذا النوع من التأثير فعليًّا باستخدام الأقمار الصناعية والساعات فائقة الدقة، فمن نقطتك المرجعية، قد تستغرق رحلةٌ حول المجرة بسرعةٍ تبلغ 99،9% من سرعة الضوء بضع سنوات، لكنّك ستدرك لدى عودتك إلى الأرض أنَّ عائلتك وأصدقاءك، وكلّ من تعرفهم قد قضوا منذ مئات آلاف السنين.

وضع أينشتاين هذه المفارقة سعيًا منه لتوضيح بعض المفاهيم المترتبة على النسبية الخاصة مثل التأخير الزمني والانكماش الطولي ونسبية الآنية، فهو افترض وجود توأم يسافر أحدهما في الفضاء بسرعةٍ قريبةٍ من سرعة الضوء، في حين يبقى الآخر على الأرض. لبّ المفارقة يكمن في أنَّ كلًّا من التوأمين ينظر إلى الآخر على أنَّه مسافرٌ بالنسبة له، ويفترض كلٌّ منهما أنَّ الآخر أصغر منه، في حين يكتشف الرحالة الفضائي أنَّه ما زال طفلًا في حين أصبح الآخر رمادًا. بالطبع لا يعني ذلك أبدًا أنّه مخطئ، فهو محق نظرًا إلى مرجعيته، وأخوه كذلك محق بالنسبة لمرجعيته الخاصة، إذ أنَّ الحقيقةَ عينها نسبيةٌ هنا.



9- شياطين ماكسويل Maxwell’s Demon

تتجلى هذه المفارقة غريبة الاسم بما يلي: القانون الثاني في الترموديناميك هو حالة يقين إحصائي غير مشكوكٍ فيه، لكن هنالك تناقضات مؤقتة خرجت عنه. تصوِّر شياطين ماكسويل صمامًا بين حجرتين يسمح بانتقال الجزيئات الأسرع من حجرةٍ إلى الأُخرى، بما يبدو وكأنَّه اختراق للقانون الثاني في الترموديناميك. مع ذلك تجدر الملاحظة أنَّ التناقص الصافي للأنتروبي آنيٌ فقط بحيث لا يُعدُّ ذلك خرقًا حقيقيًّا للقانون الثاني، وسيسمح للجزيئات الأبطأ حركة بالحركة بالاتجاه المعاكس عبر الحاجز.

إنَّ الأنظمة الترموديناميكة، كالكائنات الحية مثلًا، يمكنها أن تخوض معركةً مع القانون الثاني هذا، لكنّ الفوز دومًا للأنتروبي.

جديرٌ بالذكر أنَّ نصّ القانون الثاني في الترموديناميك هو: “الأنتروبي الكلية لنظامٍ معزول يمكنها أن تزداد مع مرور الوقت، أو أن تظل ثابتةً في الحالات المثالية للأنظمة المعزولة عندما يكون النظام في حالة ثابتة، أو يمرّ بعملية عكوسة”.



10- المفارقة الفرنسية The French Paradox

يُفرط الفرنسيون في الشراب والتدخين والطعام لكنّهم يحافظون نسبيًّا على رشاقتهم!! لقد شغل ذلك الباحثين الطبيين لأعوام. عزا البعض ذلك إلى وجود مركب الريسفيراترول (وهو أحد متعددات الفينول المضادة للأكسدة) في نبيذهم الأحمر فهو يقي من الإصابة بالسرطان وأمراض القلب. كما أشار البعض إلى المستويات العالية لفيتامين K2 (الميناكينون) في أجسامهم، وهو يمنع تصلب الشرايين.

قد نحل هذه المفارقة بالنظر نمط المعيشة، فالعديد من الأوروبيين ومنهم الفرنسيين يمارسون رياضة المشي وركوب الدراجات يوميًا، وهو أمرٌ لم تألفه شعوبٌ كثيرةٌ حول العالم بغض النظر عن المستوى الثقافي والاقتصادي لها، فأغلب الأمريكيين لا يفعلون ذلك!!!

ذو صلة

وختامًا، كبشرٍ قدّم لهم العلم الكثير لم نقف عند المفارقات، لقد استخدمناها حتى في تطبيقات حياتنا اليومية، وقد أثبتت أنَّ أكثر الأنظمة ثباتًا يتمرد أحيانًا على قوانينه الخاصة.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة