أن تبيعك حواسك الخمس للشركات التجارية: كيف يعمل التسويق الحسي على جذب العملاء؟
14 د
نادرًا ما تكون المشاهد، أو الأصوات أو الروائح المميزة التي نشهدها في أمكنة مختلفة -الأسواق غالبًا وحديثًا على مواقع التواصل الاجتماعي- هي مجرد صدفة أو حوادث عادية.
في البيئات التجارية، الحواس الخمس المتمثلة بالنظر أو المشاهدة والسمع، والتذوق، والشم، واللمس، ليست مجرد مصطلح علمي عادي، بل تُعتبر أدوات استراتيجية متطورة للتسويق “النفسي”، أي استغلال الحواس الخمس في العملية التجارية، وهو ما يسمى في عالم التجارة “التسويق الحسي (Sensory Marketing)”، اللعب على وتر حواس الإنسان التي تقوده إلى إشباع رغباته، وبالتالي استجراره للشراء وهو سعيد، وبهذه الطريقة، يشترون حواسنا، ثم يعملون على كسب ولائنا أولًا، ومن ثم أموالنا.
اقرأ أيضًا: نحن نساء لا أشياء: عن الصور المبتذلة للنساء ضمن الإعلانات التجارية
ما هو التسويق الحسي وكيف بدأ الاهتمام به؟
يمكننا تعريفه بالتكتيك الإعلاني، الذي يهدف إلى جذب واحدة أو أكثر من الحواس الخمس لدى النفس البشرية، وذلك لتطوير ارتباط عاطفي بين العميل ومُنتَج أو علامة تجارية معينة. تنطوي هذه الاستراتيجية على إشراك حواس العميل في عملية التفكير أثناء الشراء، استغلال معتقدات أو مشاعر أو عواطف أو أفكار العميل، وذلك لتكوين صورة عن هذه العلامة التجارية في ذهنه، تؤثر على حكمه في عمليات الشراء.
بعد أن يجذبك المُنتَج، إما أن تُدمن على شرائه أكثر من عدة مرات حتى تُشبع شهيتك، أو حتى بعد إشباع الشهية، ستدفعك إحدى حواسك الخمس المرتبطة بهذا المُنتَج عند تفعيلها بسبب جزء صغير يخصها في الذاكرة، إلى تذكّره والعودة لشرائه وإدمانه مرة أخرى.
“سيُصبح التسويق يومًا ما أقل نقاشًا بين العلامات التجارية والعملاء، وأكثر من مجرد تجربة حسية مبنية على مفهوم الإدراك المتجسد..” الخبير فيليب كوتلر، أستاذ في جامعة نورث وسترن
كمثال صغير للفهم: إذا كانت رائحة توابل اليقطين في شهر أكتوبر، تدفعك لتذكر رائحة القهوة ذات العلامة التجارية ستاربكس، فهذا ليس محضُ صدفة 😉 فالرائحة التي تفوح من قهوة اللاتيه برائحة اليقطين تابعة للعلامة التجارية ستاربكس بالفعل وهي مميزة بها! أو مثلًا، لدى هيئة الإذاعة والتلفزيون العالمية إن بي سي (NBC) نشيد خاص بعلامتها التجارية، يجذبك بالفعل لسماعه لأنه مميز، وجعل ذلك الإذاعة مميزة بين جمهور التواصل السمعي.
يعود تاريخ اكتشاف هذا النوع من التسويق إلى فترة الأربعينات، والتي بدأ فيها استغلال دور حاسة البصر في الإعلان للتسويق، حيث وكما نعلم، في تلك الفترة كان الترويج لمُنتج يركّز على الإعلانات المرئية بشكل كبير، الملصقات المطبوعة أو اللوحات الإعلانية فلم يكن هناك تلفاز حتى، وكان التركيز الأكبر في جوانب الإعلان هو الاهتمام بتأثيرات الألوان، ومختلف الخطوط التي تحملها اللوحة الإعلانية.
أما عندما عُرفت تقنية الرّائي (التلفاز) في أمريكا بدايةً، بدأ اللّعب على وتر حاسة السّمع، ويُعتَقَد أن أول إعلان تلفزيوني ذو تسويق حسي سمعي، عُرض لأول مرة عام 1948، كان إعلان عن منظف أجاكس (Ajax) من إنتاج شركة كولجيت بالموليفس (Colgate-Palmolive’s)، حيث تم التسويق للمنظف بأغنية jingle.
بعد ذلك، زادت شعبية الإعلانات الحسية التي اعتمدت على حاسة الشم لدى العملاء، وبحث المسوقون عن طُرُق للتسويق لمنتجاتهم بإدخال الروائح لإعلاناتهم، حيث وجدوا أن استخدام الروائح المُنعشة أو الشهية، طريقة جذابة للمستهلكين، وروّجت هذه الطريقة لعلامات تجارية كثيرة في السبعينات، لدرجة أن بعض التجار تقصّدوا وقتها تفويح بعض الروائح في متاجرهم لزيادة المبيعات.
قوة التسويق الحسي: كيف تبيعُنا حواسنا؟
في التسويق المعروف، أي الكلاسيكي الجماهيري “الاعتيادي” المعتمد على الحيل الإعلانية القديمة، يتم التعامل مع الناس كمستهلكين عقلانيين، أي يتصرفون بعقلانية عند مواجهة قرار الشراء، يتصرفون بشكل منهجي يقتضي التعامل مع عوامل المنتجات الملموسة، مثل سعر المُنتَج، وهل يتوافق مع فائدته المرجوّة، وما هي ميزاته وهل هي متوافقة مع السعر؟
بينما يعتمد التسويق الحسي على العاطفة أكثر من التفكير الموضوعي، يستفيد المسوّق العاطفي بشكل خاص من تجارب المستهلكين في حياتهم، التجارب الحياتية ذات الجوانب الحسية والمعرفية والسلوكية، وبعد تحديدها، يمكن للمسوّق اختيار مستهلك وإقناعه في شراء منتج معين اعتمادًا على إحدى حواسه، بدلًا من شراء نفس المنتج بسعر أقل. وهكذا شاع استخدام التسويق الحسي، أهم ما يجب أن تفهمه أنه يعتمد على العاطفة، والتي تحرّك إحدى حواسك الخمس، ومنها إلى عقلك لشراء المنتج.
في الماضي، أي وقتَ شيوع التسويق الكلاسيكي، كان التواصل مع العملاء على أساس خط اتصال ذو جهة واحدة، وهي أن تحدد الشركة ما يريده العميل، وكأن المبيعات تنبع من أفكار فردية. تطوّر الأمر إلى حوارات سمحت للعملاء بتقديم ملاحظاتهم حول المنتجات، وبهذا الشكل ومع الوقت، أصبحت الحوارات متعددة الأبعاد، وسمح ذلك للشركات بتطوير منتجات لها صوتها الخاص لتناجي المستهلك “بحسب رغبته تمامًا”.
وجدت الدراسات أن المستهلك يربط فعلًا العلامات التجارية بتجاربه التي لا ينساها، سواء من حيث الجودة أو السوء، أو حتى بسلوكيات الشراء التي تتعامل بها الشركة المسوّقة، لذا ترى المسوّق الحسي يعمل على إنشاء رابطة عاطفية بين المستهلك والمُنتَج.
عندما تعتمد إحدى الشركات هذا النوع من التسويق لمنتجاتها، فهي تضمن نجاح التسويق لهذا المنتج من خلال تكامل ثلاثة بنود:
- فهم مشاعر المستهلك والعمل على أساسها.
- الاهتمام بالمنتجات ومراقبة الأسواق الجديدة.
- الولاء للعلامة التجارية لمنتجك (أي العمل على ضمان عمليات الشراء الأولى والمتكررة).
حاسة البصر في التسويق الحسي: هل استخدام التأثيرات المرئية في التسويق وهم؟؟
تحتوي عينا الإنسان على ثلثي الخلايا الحسية الموجودة في الجسم ككل، وتُعتبر حاسة البصر أبرز الحواس الخمس، وكانت أولى الحواس المُستخدمة في اختيار المنتجات قبل صناعة الإعلانات الحسية، فالناس كانوا يشترون المنتجات بناءً على شكلها غالبًا، قبل فترة التسويق الحسي هذه، ولكن تم فيما بعد دراسة المؤثرات البصرية في سياق صناعة الإعلانات.
وبالفعل، أصبحت حاسة البصر إحدى أهم الحواس في مجال صناعة الإعلانات، لدرجة أنه تبين فيما بعد أن المؤثرات البصرية في بعض الإعلانات كانت وهمية، فقط لجذب المستهلكين، ولكنها تمكنت من إنشاء هوية للعلامة تجارية، ومنها ما كوّن مشهدًا لا يُنسى للبعض، ابتداءً من تصميم المنتج، ووصولًا إلى طريقة تغليفه والإعلانات المطبوعة عنه.
ما جعل تجربة التسويق الحسي البصري أكثر إثارة هو تطوير أجهزة الواقع الافتراضي VR، والتي أتاحت خلق تجارب حسية للمستهلك قبل التجربة الواقعية، مثلًا، في سلسلة فنادق ومنتجعات ماريوت (Marriot)، يتيح القائمون على المنتجعات فرصة للعملاء تجربة النقل الافتراضي للمادة عبر أجهزة الواقع الافتراضي والتي هي نظارات افتراضية خاصة، والتي بمجرد وضعها، يمكنك تجربة رؤية المعالم السياحية ووجهات السفر وحتى الأصوات قبل حجز الإقامة، وهي إحدى أهم الطرائق التسويقية البصرية.
يستغلّ أصحاب العلامات التجارية تأثير الألوان على أعصابنا البصرية، فقد أثبتت الدراسات أن 90% من قرارات الشراء المفاجئة، تكون مبنية على أساس ألوان المُنتجات، بالإضافة إلى تأثير رؤية العلامة التجارية بمفردها أصلًا، مثلًا، الإشارة الأولى التي تجعل البعض يقررون شراء بيجاما بحد ذاتها بنسبة 90% هي شعار نايكي أو أديداس، علامات تجارية مشهورة جدًا، بمجرد رؤية اللوغو الخاص بها، غالبًا ما تحصل عملية الشراء.
حتى اللون يدخل في تفاصيل العلامة التجارية هنا، فيمكنك ملاحظة أن أغلب البيجامات التي تحمل تلك العلامات هي سوداء ذات خطوط بيضاء أو العكس، لذا يلعب اللون دورًا كبيرًا في تصريف البضاعة، على سبيل المثال، أصبح من الشائع أن نرى مانيكانًا يلبس بنطالًا بنيًا وقميصًا يحمل بالتأكيد لونًا برتقاليًا، مخططًا أو بلون واحد، لأنه درجت العادة التجارية على رؤية هذين اللونين ومناسبتهما لبعضهما، وكذلك الأمر بالنسبة للجينزات، والتي يمكن لبسها مع مختلف القمصان أو الكنزات وغيرها.
لك أيضًا: هل انتهى حقًا عصر الإعلانات التجارية التقليدية؟!
حاسة اللمس في التسويق الحسي
اللمس هو الحاسة الأولى التي يطوّرها الإنسان منذ ولادته، والحاسة الأخيرة التي يبدأ بفقدانها مع التقدم بالعمر. بالنسبة للتسويق الحسي، يختلف الناس في حاجتهم للمس المنتجات، لا يمكن التحكم دائمًا في المنتجات الملوسة، لذا القاعدة الأولى التي يجب أن تعرفها عن التسويق الحسي الملموس هي: “دع العميل يمسك المُنتَج ويتلمّسه”.
في علم الجسد، يعزز لمس المُنتج تفاعل العملاء معه، فأغلبنا عندما يمسك منتجًا ليتفحصه، يشعر لوهلة أنه يمسك هذا الشيء الذي أصبح ملكه هذه اللحظة، أو بمعنى أننا نشعر بملكية هذا المُنتج لمجرد أننا أمسكناه وانتابنا شعور أننا سنشتريه. سواء مُنتَج تجميلي مثلًا، أو ملابس أو أحذية، أو قطعة أثاث، ترانا نتعامل معها باللمس للتأكد من خامة المنتج ناهيك عن أنها في الأصل أغراض جديدة، ولكل جديد بهجة بالتأكيد، وهذا ما يخلق قرار شراء لا بدّ منه.
الموضوع مُثبَت طبيًا عزيزي، فقد أثبتت الأبحاث أن تجارب اللمس اللطيفة لأغلب المنتجات تحفز الدماغ ليطلق هرمون الحب “الأوكسيتوسين“، هرمون اللطافة ورفع مستوى الرفاهية والسعادة، وهناك دراسة تابعة لمجلة هارفارد بيزنس ريفيو، أثبتت أن المصافحة أو التربيت على الكتف، أو اللمس البريء عمومًا يجعل الناس يشعرون بالأمان، وبنفقون المزيد من النقود، وطبعًا هو ما ينتهي بقرار الشراء، لأنك ببساطة سعيد!
طبعًا التسويق اللمسي له سيئة وحيدة وهي عدم القدرة على تطبيقه عن بُعد، لا يمكن ذلك لأنه كما قلنا يجب على العميل أن يتفاعل بشكل مباشر مع المنتج، يتحسسه، ولا يمكن لهذا الأمر الحدوث عبر الإنترنت.
حاسة الشم في التسويق الحسي: أقوى أنواع الإشارات الحسية
علميًا، ثبتَ أن “تشفير رائحة” ما في الدماغ، يعطي معلومات عن الرائحة تكون أكثر متانة وتبقى فترة أطول في الذاكرة من المعلومات الأخرى الحسية، والتي تُخزن بنفس الطريقة. يعتقد العديد من الباحثين أن حاسة الشم أقوى حاسة ارتباطًا بالعاطفة والمشاعر، وبحسب الدرسات، إن أكثر من 75% من مشاعرنا تتولد بسبب روائح مميزة تعلق في ذاكرتنا، إذ يمكن للناس التعرف على الروائح المختلفة وتمييزها بعد فترات طويلة جدًا من الوقت الذي تمت فيه عملية الشم.
اعتمادًا على هذا الموضوع، يقضي أصحاب المحلات التجارية بمختلف أنواعها وقتًا في بثّ الروائج اللطيفة من متاجرهم لتحسين تقييم المتجر بالنسبة للزبون، ولجذب المستهلكين وجعلهم ينخرطون في القطع المختلفة وشراءها لمجرد الروائح الممتعة. يمكننا وصف الروائح وكأنها مخدرات، تسبب إدمانًا للمشتري، سواء الرائحة المميزة لأكلات محلات الوجبات السريعة، محل ألبسة فخمة، ترى أن القطع لها فعلًا رائحة الفخامة، ما يجعلك تفكر في شرائها قبل حتى معرفة السعر.
على سبيل المثال، الشيء الأكثر تخيلًا عند ذكر حاسة الشم هو العطور. تركز صناعات العطر بمختلف أنواعها اليوم على سيطرة رائحة العطر على عقل العميل، ولذا وفقًا لبعض البيانات، يوجد ما لا يقل عن 20 شركة تسويق للعطور في العالم، تعمل بشكل دائم على تطوير روائح العطور للشركات، وذلك لتعزيز وتوثيق هوية العلامة التجارية خاصتها، عدا عن تكييف البيئات الداخلية باستخدام تقنية ضخ الروائح، أي يتم غالبًا إطلاق روائح عطرية ذات سمة جذابة في البيئات الشرائية المغلقة لتحسين شعور المستهلك بالرفاهية وزيادة إقباله على الشراء.
تنتشر اليوم أنظمة تكييف الرائحة في الفنادق والمنتجعات والمنازل ومحلات البيع.. في عالم والت ديزني، يشعر زوار (Magic House) بالراحة عندما يدخلون، والسبب في ذلك رائحة كعك الشوكولا المخبوز، أو مثلًا في سلسلة محلات القهوة العالمية دانكن دونتس (Dunkin’ Donuts)، لاحظ أهمية القهوة المطحونة الطازجة التي تشمّها عند المرور في إحدى فروعها، وكذلك شركة السيدة فيلدز للوجبات الخفيفة أو الكوكيز (Mrs. Fields Cookies)، حيث يُعتبر من أساسيات التسويق الحسي جعل الرائحة تطغى على المكان.
أحد أهم الأمثلة على استخدام حاسة الشم في التسويق الحسي أيضًا هي شبكة الخطوط الجوية السنغافورية، حيث حصلت على براءة اختراع فعلية لرائحتها المميزة بالورد والخزامى والحمضيات، المسماة (Stefan Floridian Waters)، واليوم، تُمزَج هذه الرائحة مع العطور التي تستخدمها مضيفات الرحلة، المناشف التي يتم تقديمها قبل الإقلاع، وتُنثر الرائحة في كل أجزاء كابينة الطائرات السنغافورية.
روائح العمل
يحرص العاملون في الشركات على إبقاء أصيص من الحمضيات أو الريحان أو اللافندر، أو الزنجبيل، في مكاتبهم لأنها روائح مساعدة على الاسترخاء، والبعض يزرع النعناع أو الزعتر أو إكليل الجبل كونها روائح منشّطة فهي تجعل الموظف ذا همّة عالية للعمل. بينما نرى أن أفضل هدية يقدمها العاشق لحبيبته هي الشوكولا، ببساطة لأن روائح الشوكولا تساعد على إثارة الرومانسية، والبعض يقدم الورود، فروائحها أيضًا تثير المشاعر الإيجابية والحب. في دراسة أيضًا، تبين أن روائح البرتقال تهدّئ من روع مرضى الأسنان.
الصوت في التسويق الحسي: هل يمكن لآذاننا أن ترشدنا في عمليات الشراء؟
طبّق هذا الأمر على نفسك: كم من مرة تناقشت وصديقك بشأن المطعم أو الكافتيريا التي ستجلسون فيها لتناول وجبة أو شُرب مشروب بارد والتحدث في مواضيع معينة؟ أتوقع أنكما عندما تقترحان كافيه للجلوس فيه، تختاران مَن لديه مصدر موسيقى عَذبة، أو حتى لديه قفصٌ لعصافير تزقزق.. ستختاران الكافيه الذي فيه أي صوت مُريح للنفس، ومُشتت لصوت الآخرين من حولكما. “الصوت” سمة شائعة للتسويق حتى الآن، حيث يوجد عدد لا يُحصى من الشركات التي لديها علامة تجارية صوتية تدلّ عليها.
سترى أن المتجر الذي يبيعك كتبًا، يضع موسيقى عذبة هادئة، والذي يعرض ألعاب الأطفال، سيحرص على تقديم موسيقى خاصة لآذان الأطفال حتى يجذبهم ويشدّهم، حتى في الاحتفالات الوطنية، تراهم يضعون موسيقا محفّزة! وهو المطلوب، فوفقًا لإحدى الدراسات، يمكن أن يؤثر إيقاع الأغاني تمامًا على سلوك العميل، مثلًا، أدى تشغيل الموسيقى البسيطة في إحدى التجارب في سوبر ماركت إلى زيادة الإيرادات بنسبة 38%، و41% في أحد المطاعم، وعندما تم تشغيل الأغاني الأسرع، أدى ذلك إلى تغيير في سلوك العملاء ومستويات أعلى من التحفيز، وتشجيع الزوار على التصرف بودّية.
يمثل الصوت حوالي 99% من المعلومات اللازم تقديمها عن العلامة التجارية، ويُستخدم بكثرة خاصة بعد اختراع الراديو والتلفاز، يمكن تشبيه تأثيره على المستهلك بنفس تأثير كلام السياسيين على شعبهم! تحفيز ورفع مستوى الأدرينالين، ثم شراء وصرف المال.. اليوم، تنفق الكثير من العلامات التجارية مالها ووقتها في اختيار موسيقى أو أناشيد خاصة بمنتجاتها لجذب المُستهلك، كشركات البيع بالتجزئة الكبيرة الخاصة ببيع الملابس والاكسسوارات، مثل غاب (The Gap)، وبيد باث اند بيوند (Bed Bath & Beyond)، تستخدم برامج موسيقى متخصصة لجذب حواس العملاء.
يمكن للتسويق الحسي السمعي أن يحفر اسم المُنتَج في رأس العميل، يساعده تمامًا على التذكر، على سبيل المثال، الموسيقى في الإعلانات التلفزيونية، وكلما كان الإعلان متناسق من حيث الحركة، تطابق الكلمات والإيقاع مع ما يحدث على الشاشة، بالإضافة إلى كون الكلمات جديدة ومميزة ومتناسقة، وليست مجرد كلمات مع موسيقى كما يحدث في معظم إعلانات الدول العربية 🙄، هنا فعلًا يُحفر الإعلان بسبب موسيقاه في ذاكرتنا، وحتى لو لم يكن غَرَض الإعلان مغريًا بالنسبة لك، سيبقى في ذاكرتك طويلة الأمد.
اطلع على: تمس القلوب قبل الجيوب: إعلانات تجعلك ترى إنسانيتك فيها قبل أن ترى المنتج
التذوق 👅
يمكننا ككائنات بشرية تحديد 5 أنواع من المذاقات: الحلو، والمالح، والمرّ، والحامض، والأومامي (Umami)؛ كلمة يابانية تعني طعم لاذع خفيف، ولكن الانجذاب إلى طعام بذاته يحتاج إلى عوامل أخرى غير مذاقه، شكله مثلًا، ورائحته وهي الأهم! يُعتبر التذوق أيضًا ميزة تسويقية صعبة الإرضاء نوعًا ما، فبحسب الدراسات، تختلف حاسة التذوق من شخص لآخر اختلافًا كبيرًا، إذ أن مذاق كل شخص فينا يعتمد بنسبة لا تقل عن 78% على جيناتنا.
على الرغم من صعوبة جاذبية التذوق الجماعية، فللتسويق التّذوّقي حصّة كبيرة من عملية التسويق المعتمدة على حواس العميل، فعندما تمرّ في السوق، لا يمكنك سوى المرور بأي مطعم تفوح منه رائحة الطعام الذكية، حتى لو لم تكن جائعًا، أحيانًا تصميم المطعم، الكراسي والطاولات، الألوان (خاصة بالتسويق البصري)، وأهم شيء، عندما ترى عيّنة من الطعام أمامك، ويظهر لك من العلامات الموجودة في المطعم مدى نظافة طاقمه.
ولكن ما يجعل التسويق الحسي التذوقي غيرُ كافٍ في سياسة التسويق على الإنترنت هو صعوبة نقل النكهة، كأس النبيذ، أو طبق الدجاج أو غيره، لا يمكنك نقل النكهة وتحريك المشاعر من وراء شاشة كمبيوترك، لذا تحتاج نهج “هجين” من التسويق، وهذا ما يقوّض المنافسة بين العلامات التجارية الخاصة بالأطعمة والمشروبات، حيث تعمل على تزويد جمهورها بعينات مجانية من المنتجات، وتحاول إيصال جودة النكهة من خلال المتذوقين للأطعمة، وكل ذلك يمكن فقط بثّه مباشرًا عبر الإنترنت، مشاركته من الجمهور، وإيصاله للعامة، وبذلك يعمل التسويق الحسي البصري عمله هنا.
اقرأ أيضًا: ماذا تبقى من مصداقيته؟ مارك زوكربيرج 14 عامًا من الاعتذارات الكاذبة
بعض الأمثلة عن نجاح التسويق الحسي
العلامة التجارية من شركة فيزا (Visa)
شركة فيزا تدير أكبر شركة للمدفوعات الإلكترونية في العالم، اكتشفت الشركة أن المؤثرات الصوتية تلعب دورًا كبيرًا في كيفية قيام المستهلكين بعملية الشراء، لذا عملت بجهد لتطوير “صوت خاص”، يوحي للمستخدم بعد أن يكون قد استخدم بطاقته للشراء، أن عملية الشراء قد تمت بنجاح وأمان، وهذا ما يوفّر لحاملي بطاقات Visa الأمان والثقة، والتي أصبحوا يربطونها بالعلامة التجارية Visa.
شركة آبل (Apple)
تستغل هذه الشركة العديد من الحواس في عملية تسويقها وليس حاسة واحدة، بدءًا من متاجرها، والمصممة بطريقة تجعلك توقن بأنها شركة عالمية حديثة وراقية وعالية الجودة، المتاجر بيضاء بسيطة ونظيفة، وهذا ما يمنح العملاء الشعور بالراحة والثقة في التعامل، كما يوفر مظهر عبوات أجهزتها ذات الشعور، ويمكنك استشعار التقنية العالية من خلال تحسس الجهاز نفسه.
بالإضافة إلى البصر واللمس، تستهدف الشركة عملاءها من خلال الصوت، وذلك بصوت القفل المميز للجهاز، يمكنك تمييز جهاز الآيفون من بين مئات الأجهزة عندما يصدر “ضوضاء” القفل الخاصة به. صوت النقر ذاك متشابه لجميع أجهزة آيفون ولا يُنسى، وعالمي بين جميع هذه الأجهزة، ما يوفر إحساسًا بالأمان أولًا، وبالاتساق والألفة بين المستخدمين ثانيًا.
العلامة التجارية الحسية “الصوتية” من شركة ماستركارد (Mastercard)
تستخدم شركة ماستركادر العلامة الحسية التجارية الصوتية لإنشاء هويات للمستهلكين باستخدام بطاقاتهم الائتمانية، ولنكن دقيقين، باستخدام “هوياتهم الصوتية (Sonic Identity)”. يسمع العميل “صوتًا” مميزًا ناجمًا عن تقاطع الدائرتين الحمراء والصفراء في شعار ماستركارد، وهو ما يدل على إتمام صفقة التسوق باستخدام بطاقات العلامة ماستركادر خاصته، سواء كان التسوق عبر الإنترنت أو في المتجر.
لاحظ أيضًا في عملية تقاطع الدائرتين، الصوت في الحقيقة ليس ناجمًا عن تقاطعهما إنما هو متناسق مع هذا التقاطع، ومع ذلك، يعطي تقاطع الدائرتين تجربة “مرئية” خيالية مُبهرة للعميل، تجعله ببساطة يشعر بأمان عملية الشراء.
في الختام، استراتيجية التسويق الحسي ربما ليست باستراتيجية جديدة، فقد كان أغلبها موجودًا ولكن بدون أن نشعر، أو نولي اهتمامًا ونركّز بوجوده، واليوم ومع معرفة مدى قوة هذه الاستراتيجية في عالم الاقتصاد والتسويق، انقادت معظم الشركات الحديثة إلى التركيز عليها وتطبيقها، وليس التركيز على الإعلان نفسه، إنما في ما وراء الإعلان للسيطرة على إحساس العميل. يجب أن تحاول إشراك جميع الحواس في عملية التسويق، أو على الأقل بعضها.
اقرأ أيضًا: الماركات كذبة اخترعها الأغنياء وصدقها الفقراء
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.