لماذا علينا تعلم الحوسبة الكمومية؟ استعراض للقوة المحرّكة لتكنولوجيا المستقبل
6 د
تجذب الحوسبة الكمومية اهتمامًا متزايدًا من المحترفين والأكاديميين بسبب إمكانياتها، إذ توفر تسريعًا مضاعفًا حتى لبعض فئات الخوارزميات. فبالنسبة لعلماء البيانات، يُعد تعلم الآلة الكمومي (QML) مجالًا واعدًا للدراسة، حيث يُستخدم الحاسوب الكمومي لتطوير نماذج كمومية.
إن تعلم الآلة الكمومي لديه إمكانية عالية جدًا، لأنه يُبنى على الطابع الاحتمالي الأصلي للحوسبة الكمومية، وتحديدًا على مفاهيم مثل الكيو بت والحالات الكمومية والتراكب والتشابك والقياس والبوابات والدوائر والضوضاء. في هذا المقال، سنقدم هذه المفاهيم بطريقة بسيطة جدًا.
لماذا علينا تعلم الحوسبة الكمومية؟
الحوسبة الكمومية هي مجال من مجالات البحث في علوم الحاسوب والفيزياء الكمومية، وتهدف إلى تطوير أجهزة حاسوب كمومية تستخدم الخصائص الفريدة للميكانيكا الكمومية، مثل التداخل والتشابك، للقيام بعمليات حوسبة بطرق لا يمكن للحواسيب الكلاسيكية القيام بها.
ببساطة وبعيدًا عن التعقيد، لأنها الحل الأمثل للمشاكل المعقدة في العديد من التطبيقات والصناعات، بما فيها التمويل والصناعات الكيميائية والنقل، وحتى الأمن السيبراني. فببضع ساعات، بل ببضع الدقائق في بعض الحالات، يمكن حل المستحيل والعثور على إجابات للكثير من المشاكل التي أربكت العالم والعلم لسنوات مضت، ناهيك عن إطلاق عنان الشركات بقدرات خارقة كان يُعتقد بأنها مستحيلة المنال في يومٍ من الأيام.
السبب الثاني الذي يدفعك لتعلم الحوسبة الكمومية أنّ جوهرها قائم على الأحداث الاحتمالية، وهو جوهر نماذج التعلم الآلي التي تعزز تطور تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مما يجعلك تفهم أكثر وأكثر كيف تتم الأمور وكيف تعمل.
لن نقول بأنّ هذا سيحدث بين ليلةٍ وضحاها لكن الوعود ستوفى في قادم الأيام، حتى وإن لم تستطع الشركات جني ثمار جهدها في هذا المجال قريبًا، لكنها ستشهد مكاسب تستحق العناء مستقبلًا. فالإمكانات والابتكارات متوفرة بكثرة والتقدم التكنولوجي يقفز مراحل عديدة بسرعة هائلة، ولم يبقَ سوى فهم كيفية التعامل مع كل الإمكانات بفعالية. وكيف يجب تسخيرها لخدمتهم ليصبح كل شيء محتمل وبشدة.
سلوك الجسيمات في الحواسيب الكمومية
اعتمدت الحواسيب والأجهزة الكمومية في تصميمها على سلوك الجسيمات ما دون الذرية، أي الفوتونات والنيوترونات والإلكترونات ومثيلاتها، ولفهم الحالة الكمومية أكثر سنأخذ الإلكترون كمثال، ولكن يمكن دراسة أي جسيم آخر.
يدور الإلكترون حول محور في حالته الطبيعية، قد يكون ذلك الدوران للأعلى أو للأسفل، لكن وفقًا لمبدأ عدم اليقين لهايزنبرج فإن ذلك ليس أمرًا محتمًا، إذ من الممكن أن يكون احتمال دورانه في اتجاه بنسبة 100% ومكملته في الاتجاه الآخر باحتمال 0%، لكن أيضًا قد تظهر بعض السيناريوهات الأخرى بحيث لا تنعدم احتمالية إحدى الحالتين.
في مثالنا تسمى كل حالة من الحالات بالحالة الكمومية وجميعها لا يمكن التأكد من نسبتها الكاملة 100%، وهذا ما نسميه التراكب الكمي. فالتراكب يحدث عند عدم معرفة حالة النظام إن كان يدور للأعلى أم للأسفل بشكل محتم.
الحوسبة الكمومية والحوسبة الكلاسيكية
منذ ثمانينات القرن الماضي والحوسبة الكمومية موجودة، إلا أنّ الدليل الحقيقي الأول لقدرتها في التفوق على الحواسيب الكلاسيكية في حل أعقد المشاكل كان أواخر العام 2019، حين أعلنت جوجل عن حاسوبها الكمي الذي استطاع حل حسابات معقدة للغاية خلال 200 ثانية فقط.
تختلف الحوسبة الكمومية اختلافًا جذريًا عن الحوسبة المعروفة اليوم بالحوسبة الكلاسيكية. والتي تقوم عليها مختلف أنظمة تشغيل الحواسيب والخوادم ومحطات العمل، بالتأكيد لن تحل محلها لكنها ستكون الحل المنتظر للكثير من المشاكل المحددة والمعقدة للغاية ذات الطابع الإحصائي التي يصعب على تلك الأجهزة حلها.
أربع قدرات رئيسية تميز الحواسيب الكمومية عن نظيرتها الكلاسيكية، وهي؛
- المحاكاة الكمومية المتمثلة بقدرتها على نمذجة أعقد الجزيئات.
- قدرتها على إيجاد حلول للمشاكل متعددة المتغيرات بسرعة فائقة وهو ما يعرف بالتحسين.
- الذكاء الاصطناعي الكمي في ظل توفر خوارزميات أفضل مدعومة بالتعلم الآلي.
- التحليل الأولي الذي يتوقع منه إحداث ثورة في عالم التشفير.
الكيوبتات مقابل البتات
إن كنت مطلعًا بعض الشيء على علم الحواسيب والمتحكمات، لا بدّ أن تكون على عِلم بأنّها تعتمد على الترميز الثنائي في برمجتها، فهي تستخدم البتات كواحدة بيانات، والبت هو عبارة عن ترميز يحمل قيمة صفر أو واحد.
لكن الأمر في الحوسبة الكمومية يختلف كما قلنا سابقًا، فهي تعتمد على وحدة الكيوبتات، أو البت الكمي، الأكثر ثراء من البت الكلاسيكي بالنسبة للحالات والإمكانات كواحدة أساسية للبيانات، علاوةً على قدرته على تخزين بيانات أكثر بكثير من الكلاسيكي، يمكن أن يكون الكيوبت صفر أو واحد. وقد يكون مزيجًا منهما في نفس الوقت، أعلى من واحد أو أقل من صفر، وفقًا لما يُعرف بمبدأ التراكب.
من هنا اكتسبت الحواسيب الكمومية سرعتها وقدرتها على معالجة الأوامر بمعدل أكبر بكثير من الحواسيب والخوادم الحالية الكلاسيكية، فهي قادرة على معالجة عدة عمليات حسابية بمدخلات مختلفة في الوقت ذاته، بينما لا تقدر الأجهزة الكلاسيكية على التعامل سوى مع مجموعة واحدة من المدخلات وإجراء عملية حسابية واحدة في كل مرة.
عندما يتعامل حاسوب كمي مع n كيوبت مثلًا، فإنّه قادر على إجراء عمليات حسابية في الوقت نفسه على حوالي n2 من المدخلات، هل أصبح الموضوع أوضح هكذا؟
قد يكون واضحًا فعلًا، لكن مع القليل من البحث حول التفاصيل الدقيقة التي تقبع خلف كيف استطاع الحاسوب الكمي القيام بذلك فعليًا، فإنّ ذلك يتطلب الاطلاع على بعض التحديات والعوائق التي تعترض تحقيق أجهزة الكمبيوتر الكمومية لذلك.
تحديات الحوسبة الكمومية التقنية
لعل أعظم العقبات التي تظهر هي عقبات تقنية بحتة. مثلًا، تُعرف الكيوبتات بأنّها متقلبة، إذ من المعلوم بأنّ أي بت في أي حاسوب عادي يجب أن يحمل احتمالين لا أكثر هما الصفر والواحد، ويجهد الحاسوب بجد لضمان عدم تداخل أي بت موجود في وحدة المعالجة المركزية مع أي بت آخر عليها، لكن من الناحية الأخرى قد تمزج البتات الكمومية بين الاحتمالين، والأمر الأعقد من ذلك قد تتفاعل مع الكيوبتات الأخرى، كل ذلك يتطلب قدرة معالجة هائلة لفهم الأوامر، لكنه بالمقابل هو الأمر الذي يعطيها القدرة على إجراء عدة حسابات في وقت واحد.
التحكم بتلك التفاعلات معقد للغاية، قد تُفقد بعض المدخلات أو تتغير نتيجةً للتقلب، وهذا يعني عدم دقة نتائج العمليات، لعل هذا الأمر أكبر العقبات التي تقف أمام بناء حاسوب كمي كبير الحجم، فهو يتطلب ربط ملايين البتات الكمومية ببعضها بشكل متماسك جدًا، بما يضمن عدم تغير أو فقدان أي بت منها، وهو ما لا تستطيع الحواسيب الكمومية الموجودة اليوم التعامل معه، وحتى مع أي شيء قريب منه.
تعمل الشركات البرمجية بمستوياتها المختلفة، سواء شركات ناشئة أو معاهد الأبحاث الكبيرة التابعة لأهم الشركات كجوجل ومايكروسوفت، للتغلب على هذه التحديات، من خلال بناء خوارزميات متطورة لا تشبه المستخدمة حاليًا واستخدام أجهزة متطورة وتطبيقات وبرامج تساعد في تحويل البيانات المتوفرة إلى تنسيق جاهز للبت الرقمي، ما يزال الطريق طويل أمامهم.
النطاقات بدلًا من الإجابات
تقديم إجابة محددة بعد معالجة مدخلات محددة هي مهمة الحواسيب، الأمر ليس كذلك في الحواسيب الكمومية، فبعد أن ينتهي إدخال وحدات متعددة من البيانات في الكيوبتات، تتفاعل الكيوبتات مع نظيراتها الأخرى، يسمح ذلك بإجراء عدة عمليات حسابية في وقت واحد، وبالتالي سرعة أكبر من حواسيب اليوم.
لكن تلك الميزة تضعف أمام عدم تقديمها لإجابة واضحة واحدة، إنّها تُقدم نطاق ضيق من الإجابات المحتملة، مما يجعلها أقل دقة، وهو أحد أهم أسباب عدم حلولها محل أنظمة اليوم، بل سيقتصر استخدامها على بعض المشكلات المحددة والمعقدة لدرجة لا تُصدق، بحيث سيكون التخلص من مجموعة ضخمة من الاحتمالات ذو توفير هائل من الوقت.
في النهاية، من المؤكد بأنّ علم الحوسبة الكمومية علم واعد بالمزيد من الابتكارات والتسهيلات إلا أنّ الأمر الغير مؤكد حتى الآن كيف سيتم استثمار هذه القدرات وفي أي المجالات، هل ستكون نافعة أم ضارة؟ هذا ما ستكشفه قادم الأيام.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.