البيانات الضخمة Big Data.. من الثورة الرقمية إلى سباق التسلح التكنولوجي

رابعة نور الدين
رابعة نور الدين

8 د

في عصر الثورة الصناعية الرابعة، وفي ظل التطور التكنولوجي الهائل وما نتج عنه من حدوث انفجار في البيانات الرقمية عبر قنوات التواصل، التي انتشرت بفعل سهولة الاستخدام، ما زاد من حجم البيانات حول العالم عرف باسم “طوفان البيانات”، وأصبحت البيانات الضخمة Big Data هي شريان رئيسي في جميع ميادين الحياة، خصوصاً مع تصاعد انتشار التكنولوجيا، أتيحت الفرصة لهذا النوع من البيانات الرواج والانتشار، حيث ارتبطت بعدة عمليات أخرى مثل (التسوق، الإدارة، دعم عمليات اتخاذ القرارات بما يتفق مع تفضيلات المواطنين)، وغدا حجم البيانات في العالم في تزايد مطرد، بفعل انتشار التكنولوجيا وتقنياتها إلى جميع ميادين الحياة، حيث ورد في التقرير السنوي الصادر عن الأمم المتحدة عام 2017 أن حجم البيانات تزايد بشكل كبير جداً خلال العامين السابقين لنفس السنة بنسبة 90%، وأن البيانات قابلة للزيادة بشكل سنوي بنسبة 40%.


البيانات الضخمة.. ماذا تعني؟ 

يستخدم مصطلح البيانات الضخمة (Big Data) لوصف كمّ هائل من البيانات المنظمة وغير المنظمة التي يتم تداولها بشكل يومي، وتتكون من البيانات في عدة أشكال مختلفة؛ (صور – نصوص – رسائل صوتية – غيرهم)، وفي بيان صادر عن مؤسسة (International Data Corporation)، فإن حجم البيانات في العالم خلال عام 2020 سيبلغ (44 تريليون جيجا بايت)، ومن المتوفع أن تصل الى ما يقرب من 180 زيتا بايت في عام 2025.


كيف نشأ هذا النوع من البيانات؟

يشير مصطلح البيانات الضخمة إلى البيانات الكبيرة جداً التي يصعب معالجتها بالطرق التقليدية، وعليه فإنه مفهوم حصر وجدولة، ولكن مفهوم البيانات الضخمة لم يكن له رواج إلا في بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما ظهرت صياغة المحلل الصناعي “دوج لاني” عن ما يعرف بالبيانات الضخمة متغيراتها الثلاث، التي يمكن ذكرها كما يلي:

البيانات الضخمة

صورة توضح أهم المعايير التي تصنف على أساسها البيانات الضخمة.

الحجم: حيث تجمع الشركات البيانات من مجموعة مختلفة من المصادر مثل؛ الأجهزة الذكية، المعاملات التجارية والمالية، ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات أو المواقع أو الأماكن التي يستخدمها الإنسان لأهداف متنوعة، وتلعب منصة (Apache Hadoop)، -هي منصة رقمية مفتوحة المصدر تستخدم لتخزين البيانات الضخمة- دور هام في تخزين هذا النوع من البيانات.

السرعة: مع انتشار انترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي تزايدت حركة تدفق البيانات إلى الشركات بشكل غير مسبوق، فكان لا بد من وجود أجهزة وتقنيات تعمل بجودة عالية لاستقبال هذه المعلومات وتخزينها بنفس القدر من السرعة في التدفق، لذا تستخدم أجهزة الاستشعار والمعدات الذكية، والأجهزة الراديوية (RFID) لتخزين البيانات بسرعة وبانتظام، جدير بالذكر أن سرعة تدفق البيانات تتميز بالتغير المستمر في تدفقها.

التنوع: ويقصد به أن البيانات لا تكون في شكل واحد بل تأتي في أشكال تقليدية وغير تقليدية من الرسائل، والصور، التسجيلات الصوتية وغيرها من المعاملات اليومية.

 فهذه المعايير الثلاث تعتبر هي الأساس الذي يتم على أساسها تصنيف البيانات إذا ما كانت بيانات عادية أو مجرد بيانات كبيرة، أو بيانات ضخمة، على سبيل المثال البيانات اليومية لكل فرد على حدا لا تعتبر بيانات ضخمة، و مجموع البيانات التي يشاركها الفرد على منصات التواصل الاجتماعي أو يحتفظ بها على جهاز خاص لا تعتبر بيانات ضخمة، ولكن مجموعة التغريدات على منصة “تويتر” أو المنشورات على منصة “فيس بوك” يومياً تعتبر بيانات ضخمة لتوافر الشروط المذكورة بعاليه.

هل هناك صور مختلفة للبيانات الضخمة؟

هناك ثلاث أنواع للبيانات الضخمة يمكن ذكرهم كما يلي:-

1-  “البيانات المهيكلة” هي بيانات دقيقة ومرتبة بشكل منتظم في جداول أو أشكال ثابتة، مثل البيانات المسجلة لعملاء شركة ما على برنامج (Excel).

2-  “البيانات غير المهيكلة” وهي التي تدفق بشكل عشوائي غير منظم لأنها تأتي من أكثر من شخص بخلفيات ومعلومات مختلفة وقد تجمعهم تفضيلات وقد لا تجمعهم، مثل المحتوى المعروض على منصة YouTube.

3-  “البيانات شبه المهيكلة” وهي البيانات التي تتشابه مع النوع الأول ولكنها غير مرتبة في جداول أو أشكال بيانية.

البيانات الضخمة

لماذا تشكل البيانات الضخمة أهمية في حياتنا؟

“طريقة فهمنا للبيانات والابتكارات يمكن أن تحسن طريقة تعاملنا مع كافة الأشياء إلى الأفضل” هذه مقولة شهيرة قالها الرئيس الأمريكي السابق (باراك أوباما)، إن أهمية البيانات لا تكمن في كمّ البيانات المملوكة للوحدات، بل تكمن أهميتها في الكيفية التي تستخدم بها، فحسن استخدام هذه البيانات يعظّم من دورها وأهميتها فيما يلي:

1- تعمل على توفير التكلفة خصوصاً للوحدات العاملة في المجال الاقتصادي.

2- تقليل الوقت والجهد لسرعة وجود البيانات اللازمة لأي عملية سواء إنتاجية أو تسويقية أو غيرها.

3- تساعد على معرفة الذوق العام للمستهلكين بشكل واضح، مما يساهم في دفع عملية التطوير والإنتاج بما يتلاءم معه.

4- تساعد بشكل حقيقي في عمليات اتخاذ القرار على مختلف المستويات، سواء المؤسسات الاقتصادية أو على مستوى الدول نفسها، وهذا ما سيتم الحديث عنه بعد قليل.

لقد أدركنا أنه بإمكاننا الجمع بين العلوم الاجتماعية وعلوم الكمبيوتر لإيجاد معنى من مجموعات البيانات الضخمة من النصوص…

كيف تؤثر البيانات الضخمة على قرارات الدول؟

في تقرير مؤسسة (RAND) المنشور عام 2017 حول ما هي الأسئلة التي يثيرها مفهوم البيانات الضخمة، حيث قام عالمي الاجتماع والسلوك “بيل مارسيلينو، وزيف وينكلمان” بإثارة فكرة أنه يمكن إيجاد معنى من الجمع بين العلوم الاجتماعية وعلوم الكمبيوتر، حيث عمل مارسيلينو في مجال تحليل البيانات الضخمة وربطها بالأمن القومي للدول، خصوصاً بعد هجمات 11 سبتمبر، وقامو سوياً بعمل تحليل للبيانات الضخمة لمستخدمي العديد من المنصات الاجتماعية لقياس بعض المتغيرات المتعلقة بالانضمام للحركات الإرهابية، وكيف تؤثر صناعة القرار السيئة داخل الدول في دعم توجه الشباب نحو الانضمام لمثل هذه الجماعات.


تطبيقات استخدام البيانات الضخمة

كما سبق التوضيح فإن البيانات الضخمة تعتبر ثروة إن تم استخدامها بشكل صحيح في عدة مجالات مثل؛ التعليم، الصحة، الاقتصاد، الصناعة.

أولاً – التعليم

إن إعتماد الأنظمة التعليمية على البيانات الضخمة وتحليلاتها يساهم في توحيد المرجعية العلمية للمؤسسات التعليمية، بالإضافة الى توفير سجلات مراجعة ومتابعة بصفة دائمة للكل الفاعلين في العمليات التعليمية، إذ توفر نظام تعليمي متكامل، كما أنها توفر نوع من التفاعل والتناغم بين المنظومة التعليمة وغيرها من المنظومات المرتبطة بالاقتصاد وتوفير احتياجات السوق، وإحداث توافق بين الجانب النظري والعملي.  

 ثانياً – الصحة

يمكن من خلالها تحسين السجلات الإلكترونية للمرضى، ووضع تصورات للمخاطر الصحية المتوقعة مستقبلاً وكيفية التعامل معها، يوفر بيانات دقيقة وشاملة حول الكوارث والأوبئة مما يمكن المتخصصين من إيجاد المعلومات الكافية حول سبل الوقاية، ويعزز إمكانية وجود أنظمة صحية جديدة ومتطورة.

ثالثا- الاقتصاد

يوفر وجود البيانات الضخمة صناعات وأسواق ومنتجات جديدة مبنية على تفضيلات الأفراد، ويمكن أن تكون الصناعات التي تساهم البيانات الضخمة في خلقها، هي صناعة البيانات نفسها، فمن الممكن أن تقوم الشركات بعمليات تحليل وجدولة البيانات وبيعها لغيرها من الشركات سواء على المستوى المحلي أو الدولي، كما أن طبيعة البيانات التي تحتاج إلى معالجة وعمليات تنطوي على المتابعة والتدقيق، من الممكن أن تساهم في تحسين جودة بيئة العمل، ورفع الإنتاجية وزيادة نسبة رضاء العاملين.

رابعا – الصناعة

يمكن أن تساهم البيانات الضخمة في خفض تكاليف الإنتاج وابتكار طرق جديدة أقل تكلفة في التصنيع، ودعم قرارات صنّاع القرار في المؤسسات الصناعية ما يترتب عليه زيادة المنافسة والابتكار.


البيانات الضخمة قيمة مضافة للدول

البيانات الضخمة

تعتبر الصين من أوائل الدول التي أدركت أهمية البيانات في عملية اتخاذ القرارات فعمدت على بناء شركات ومراكز بيانات لتوفير المعلومات اللازمة لعمليات اتخاذ القرارات، ومن أهمها؛ شركة “Yitu” التي تعتبر واحدة من أهم شركات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات حول العالم، حيث أنها تمتلك أكبر مخزون لصور اشخاص حول العالم يغطي مليار ونص شخص، وتستخدم البيانات والمعلومات المتاحة لديها في مساعدة السلطات الصينية في كافة المجالات، كما أنها تضع خطط للمستثمرين بناءً على تحليلها لبيانات العملاء، وتتدخل في المجال الصناعي بما يعرف بالتعلم العميق “Deep Learning” والذي يعتمد على أن تحليل البيانات يساهم في زيادة الأرباح بنسبة 9% وهي نسبة كبيرة لا يمكن الاستهانة بها.

وبفعل اهتمامها بالبيانات اكتسبت الحكومة الصينية ثقة كبيرة بسبب تملكها لثروة كبيرة ما أدى إلى اعتماد التكنولوجيا أحد أركان الخطة المركزية للصين 2025 “خطة صنع في الصين” التي تستهدف تزعم العالم تكنولوجيا في عام 2030.

كما أن حسن استخدام الصين للبيانات جعلها شوكة في حلق العملاق الامريكي، ودفع لشن حروب تجارية عليها خوفاً من تقدمها بسبب تمكنها من الجانب التكنولوجي، فقد أثبتت التكنولوجيا أن النزاع على زعامة العالم وتحقيق التنمية الشاملة لا يكون إلا بالتكنولوجيا.

بالاضافة إلى الصين، تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أولى الدول التي عرفت أهمية البيانات الضخمة أيضاً، ولهذا السبب قامت بإنشاء بوابة الكترونية للبيانات تعرف بإسم (Data.gov)، وذلك وتضم حوالب 200 ألف قاعدة بيانات مفتوحة في عدة مجالات، إيماناً بأن وجود معلومات حقيقية يساهم في زيادة الشفافية والمصداقية بين المواطن والدولة، وقد حذت بعض الدول العربية حذوها مثل السعودية، والأمارات، وقطر، من حيث الاهتمام بالبيانات الضخمة.

مما سبق توضيحه نستنتج أن البيانات الضخمة وحسن استخدامها يساهم في تحسين جودة عملية اتخاذ القرارات، وهذا لا يعني أنها ستكون صحيحة بشكل دائم ولكن ستكون التكلفة والتداعيات مدروسة وكل الفرضيات مراعاة، إذ أن البيانات من الممكن، في حالة إداراتها بشكل صحيح أن تعمل على إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية، الأمر الذي أدي بحكومات دول كبرى ومؤثرة للاعتراف بأهمية البيانات وخصصت جزءاً من مواردها لدعم هذا المجال.

البيانات الضخمة

مستقبل البيانات الضخمة

يتوقع معظم الباحثين والمتخصصين في علم البيانات استبعاد إمكانية تباطؤ النمو في عمليات إنتاج البيانات، فمن المتوقع أن تزداد وتيرة إنتاج البيانات، وفي المقابل يتزايد اهتمام الدول بهذه الثروة الضخمة التي لا تقل أهمية عن مواردها الطبيعية، فتوقع حدوث نمو في الأطر القانونية لاستخدام البيانات على مستوى الدول ذاتها أو على المستوى الدولي التبادلي لتنظيم عمليات تبادل البيانات، ويتوقع أن تتطور آليات وأساليب المتابعة والمعالجة للبيانات، بحيث تكون النتائج صحيحة بنسبة كبيرة، وبالتالي توفير الوقت والجهد، وتقليل الخسائر في الجانب الاقتصادي، وإحداث تناغم بين مختلف الميادين.

وفي نفس الإطار يتوقع المتخصصين أن تكون البيانات الضخمة مستقبلاً أكثر انفتاحاً بحيث يسهل قراءتها والوصول إليها.

ذو صلة

شاركنا توقعك عن مستقبل البيانات الضخمة في المنطقة العربية في وجهة نظرك؟ وما هي الأسباب التي لا تجعل لهذا المصطلح المهم رواجاً داخل منطقتنا؟

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة