تصميم الأجهزة الإلكترونية: الطريق من الفكرة إلى المنتج الحقيقي بين يديك
عند الحديث عن الأجهزة الإلكترونية، فلا بد من ذكر أهم مادة تدخل في صناعة الرقائق الإلكترونية بشكل رئيسي ألا وهي “السيليكون”، حيث شكل اكتشاف السيليكون عام 1824م منعطفاً هاماً في عالم الصناعات بشكل عام، وخلق مجالات واسعة في صناعة الإلكترونيات بشكل خاص. فبعد إدراك الخواص الكهربائية له ودخوله في صناعة الرقائق الإلكترونية كنوع من أنواع أشباه الموصلات، أصبح لاحقاً وجود هذه الرقائق ضرورة ملحّة في جميع أنواع الصناعات (التقنية، العسكرية، الترفيهية، الخدمية، ..إلخ).
مع مرور الوقت، أصبحت الأجهزة الالكترونية تشكّل عصب الصناعة، وغدت المعيار التنافسي الأول بين الشركات العظمى، حيث عملت على تطويرها لمواكبة متطلبات السوق، وزيادة الكفاءة الإنتاجية والسعرية لمنتجاتها، فعلى سبيل المثال -لا الحصر- ما نراه الآن من الأجهزة الإلكترونية في صناعة السيارات ابتداءً من الكاميرات والحساسات والعدادات اللإلكترونية والمكيفات الرقمية وأجهزة القياس وصولاً إلى كمبيوتر السيارة نفسه، والذي يقوم بعملية المعالجة للبيانات الواردة من كافة الأجهزة في السيارة، للحصول على تجربة متكاملة وسهلة للمستهلك، كل هذه التقنيات تجعل من السيارة منتجاً تنافسياً يفرض وجوده بقوة في سوق السيارات.
ولأن الأجهزة الإلكترونية -كما ذكرنا- ضرورة ملحّة في كافة الصناعات، تقوم الشركات بصرف مليارات الدولارات سنوياً للحصول على أجهزة ذات مردود أعلى وإنتاجية أكبر واستهلاك أقل، حيث يمكن تلخيص الخطوات الرئيسية التي يتم اتباعها عند تصميم الأجهزة الإلكترونية على شكل مراحل كالتالي:
المرحلة الأولى: تحديد الأسباب التي دفعت إلى تصميم هذا الجهاز
بما أن الجهاز الإلكتروني يمكن أن يكون إضافة على منتج ما مثل حساس الضوء في هاتفك، أو منتج بحد ذاته مثل الهاتف الذكي نفسه، فإن السبب الذي دفع المهندسون إلى تصميمه هو حتماً واحد من الأسباب الثلاثة الآتية:
-
تصميم الجهاز لحل لمشكلة ما
مثل تصميم أجهزة إنذار الحرائق، حيث تم تصميم أول جهاز كشف حرائق كهربائي أوتوماتيكي عام 1890م بواسطة الفيزيائي “فرانسيس روبنز آبتون Francis Robbins Upton”، حيث بفضله تم التنبؤ بالعديد من الحرائق وإنقاذ الملايين من الأرواح عدا عن حماية الممتلكات من التلف ما يتسبب بخسائر مالية كبيرة.
-
تصميم الجهاز كاختراع جديد
مثل اختراع الماسح الضوئي أو “Scanner” عام 1974م على يد عالم الحاسوب الأمريكي “ريموند كرزويل Raymond Kurzweil”.
-
تصميم الجهاز لتسهيل القيام ببعض المهام
مثل تصميم أول روبوت صناعي عام 1954م على يد المخترع الأمريكي المهندس “جورج ديفول George Devol”، حيث كان قادراً على التقاط الأشياء وتحريك الأجسام الثقيلة من مكان إلى آخر، ولاحقاً تم تطويره للقيام بتلحيم المعادن أو طلاء هيكل السيارة.
المرحلة الثانية: إعداد قاعدة بيانات للوظائف المطلوبة من الجهاز
يتم في هذه المرحلة تحديد المهام المطلوبة من الجهاز بشكل واضح ودقيق، حيث أن الأجهزة الإلكترونية بشكل عام، تُصمَّم بناءً على خوارزميات محددة يتم وضعها اعتماداً على المهام المنوطة بها. فمثلاً لا يمكن للصراف الآلي تشغيل مقاطع الفيديو والألعاب الرقمية، لأنه ببساطة غير مصمم لذلك وبالتالي فهو لا يملك الخوارزميات اللازمة للقيام بهذه المهام.
المرحلة الثالثة: تقدير كلفة الإنتاج الأولية
ويتم ذلك بناءً على عدة معطيات، مثل:
- كميات وأنواع وأسعار المواد الخام التي سيتم استخدامها في تصنيع الجهاز ومدى توافرها.
- تكاليف التصنيع ابتداءً من الخبرات المطلوبة واليد العاملة وصولاً إلى تكاليف التصنيع بواسطة الآلات.
- معرفة الجمهور المستهدف (المستفيد من الأجهزة الالكترونية التي سيتم إنتاجها) والحالة المادية له.
المرحلة الرابعة: تحديد الشروط اللازمة لنجاح هذا الجهاز مع الأخذ بعين الاعتبار المواصفات القياسية العالمية، مثل:
حجم استهلاك الموارد:
وهو أمر ضروري جداً ويؤثر بشكل مباشر على كلفة تشغيل الأجهزة الإلكترونية المُنتَجة، حيث تحظى الأجهزة ذات الاستهلاك المنخفض للموارد بمعدل مبيعات أعلى بسبب زيادة عدد الأشخاص المستفيدين منها ولا سيما في الأجهزة الموجهة للدول النامية.
فمثلاً عند ظهور شاشات LCD، اتجه معظم المستخدمين لشرائها بدل شاشات CRT التي كانت ذات أحجام كبيرة ومعدلات استهلاك طاقة عالية مقارنةً مع شاشات LCD، حيث يتراوح استهلاك الطاقة لشاشات LCD وسطياً بين 25 و50 واط حسب حجمها، في حين يمكن لشاشة CRT بحجم 19 بوصة فقط أن تستهلك طاقة من 70 إلى 150 واط.
الوزن المناسب:
يجب اختيار الحدود المسموحة لوزن الجهاز الذي يتم تصميمه حسب ظروف الاستثمار المتوقعة. فمثلاً من غير المعقول اليوم إنتاج جهاز حاسوب محمول بوزن 5 كيلوغرام، فهذا يعارض الميزة الأساسية للمنتج ألا وهي إمكانية حمله والتنقل به بسهولة.
استخدام مواد ذات جودة عالية:
يؤدي ذلك بشكل رئيسي إلى زيادة العمر التصميمي للمنتج، بالإضافة إلى الحفاظ على البيئة من خلال زيادة نسبة الاستفادة من هذا الجهاز عند إعادة التدوير، حيث تعتبر مكونات الأجهزة الإلكترونية ذات الجودة العالية من المواد التي يمكن إعادة تدويرها واستخدامها بسهولة.
الإنتاجية العالية: أو “المردود العالي”:
والمردود بشكل مبسط هو نسبة الإنتاج إلى الاستهلاك، حيث يجب أن يكون مردود الجهاز أكبر ما يمكن، ليتمكن من تلبية المتطلبات التصميمية بكفاءة عالية وتكلفة تشغيلية أقل ما يمكن. فمثلاً نلاحظ أن معالجات الجيل العاشر من “إنتل Intel” التي تم إصدارها بتقنية تصنيع 10 نانومتر، قد تفوقت على سابقاتها من معالجات الجيل التاسع المُصنعة بتقنية 14 نانومتر من حيث الأداء وذلك عند استهلاك نفس الكمية من الطاقة في كلا المعالجين، أي أن مردود رقاقات الجيل العاشر كان أعلى.
الصيانة السهلة:
تُعد إمكانية إجراء عملية الصيانة بسهولة وسلاسة دون تعقيد بالغ من أهم النقاط التي يجب التركيز عليها عند تصميم الأجهزة الإلكترونية، فعلى الرغم من أن الشركات تنصح بعدم القيام بأعمال الصيانة للأجهزة دون وجود خبراء مختصين، إلا أنه يجب الأخذ بالحسبان احتمال عدم وجود خبراء عند تعطل الجهاز، وعندها سوف يضطر المستهلك إلى محاولة الإصلاح بنفسه، ولهذا السبب يجب تبسيط التصميم قدر الإمكان مع إعداد كتيِّب تعليمات مرفق، يتم شرح أجزاء الجهاز فيه بشكل واضح وذكر الحلول الصحيحة للمشاكلِ المتوقعةِ الحدوث فيه.
مراعاة شروط الاتفاقيات الدولية:
هناك عدة اتفاقيات وضعتها المنظمات الدولية وصادقت عليها دول العالم بهدف الحفاظ على الصحة العامة والبيئة والغلاف الجوي وغيرها. حيث قامت هذه المنظمات بوضع الحدود المسموحة للمنتجات التي يمكن أن تسبب خلل في التوازن البيئي أو أضرار في أشكال الحياة على الأرض، وذلك بناءً على تجارب ودراسات أجراها مختصون في هذه المنظمات، ومنها:
- اتفاقية الحماية من الإشعاع، وفي إطارها قامت اللجنة الدولية المعنية بالحماية من الإشعاع غير المؤيَّن مؤخراً بإعطاء إرشادات خاصة بالتعرض للترددات الكهرومغناطيسية التي تزيد عن 6 جيجا هيرتز المستخدمة في شبكات الجيل الخامس 5G.
- اتفاقية حماية البيئة، حيث شاهدنا فضيحة شركة السيارات الألمانية “فولكس فاجنVW” في سبتمبر/أيلول عام 2015 عندما تلاعبت في قيم الغازات المنبعثة من العادم لسياراتها، وعند إجراء “وكالة حماية البيئة الأمريكية EPA” اختبارات لهذه السيارات على أرض الواقع، وجدت أنها تعطي قيم أكبر بـ 40 مرة تقريباً من تلك المسجلة في الشركة الصانعة، الأمر الذي جعل هذه الشركة تدفع غرامة 4.3 مليار دولار للسلطات الأمريكية بالإضافة إلى تعيين مراقب مستقل للتدقيق في إنتاجها لمدة ثلاث سنوات.
السلامة العامة:
عند تصميم الأجهزة الإلكترونية لا بد من تحديد الظروف التي سيمر بها هذا الجهاز عند استهلاكه بشكل تقريبي، وعليه يجب التصميم على أخطر حالة متوقعة وأخذ الاحتياطات اللازمة للتخفيف من الآثار الجانبية على البيئة المحيطة مع إضافة هامش لزيادة الأمان، حيث وكما نعلم أنه في عام 2017 قامت شركة سامسونغ بسحب جميع أجهزتها من طراز “Note 7” من السوق، بسبب انفجار بطارية بعض الأجهزة أثناء شحنها.
المرحلة الخامسة: دراسة الاختبارات اللازمة لتحقيق الكفاءة المطلوبة
تعدّ هذه المرحلة من أهم مراحل تصميم الأجهزة الإلكترونية بالذات، لأنها تحوي على مكونات دقيقة جداً واحتمال الفشل فيها كبير، لذلك يجب إعداد اختبارات مناسبة ودراستها بعناية بحيث تحاكي أسوء ظروف استهلاك متوقعة، يتم فيها التأكد من عمل هذه الأجهزة بالشكل المطلوب، وبدرجة أمان عالية.
وفي الصور التالية أمثلة على بعض أنواع هذه الاختبارات:
المرحلة السادسة: دراسة عمليات التسويق والضمان
إن تصميم منتج خال من العيوب وطرحه في السوق هو أمر غير كافي لجني الأرباح التي يستحقها، وخاصة إذا كان هذا المنتج هو جهاز إلكتروني، لأن التنافس على الأجهزة الإلكترونية شديد جداً في وقتنا الحالي، ولذلك فالأمر يتطلب مهارات عالية في التسويق.
كذلك فإن الأجهزة الإلكترونية من المنتجات التي تتطلّب خدمة ما بعد البيع، من صيانة واستشارات وتوفر قطع تبديل؛ هنا يأتي دور “الكفالة” في ضمان الجودة والأداء للمستهلك وشدّه إلى شراء الجهاز وهو مرتاح البال. حيث كلما كانت عروض الضمان أفضل، زادت ثقة المستهلك بالمنتج أكثر، تطور الأمر لدرجة أن الشركات توفر ضماناً إضافياً أطول مدفوعاً ولا تكتفي بالضمان الأساسي المجاني.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.