راتبها الأسبوعي 900 ألف دولار … هل كانت ماريسا ماير فعلًا سبب انهيار ياهو؟
7 د
صدمت صفقة استحواذ فيريزون على ياهو الجميع، وخاصةً مع قيمة الصفقة القليلة جدًا 4.85 مليار دولار، الّتي لا تليق بشركة مثل ياهو، وهي الّتي لم تقبل عشرة أضعاف هذا الرقم الّذي عرضته شركة مايكروسوفت. لكن لكل شيء نهاية وهذه هي نهاية ياهو، لينسدل الستار وليصل عصر واحد من أهم الأسماء الرائدة في عالم الإنترنت إلى نهايته.
لكن ياهو ليست كغيرها من الشركات، لذلك لم تمر صفقة الاستحواذ عليها مرور الكرام، وإنّما أُشبِعت تحليلًا ودراسةً من قبل المختصين والمراقبين لعلهم يفهمون ما حدث، وما الطريق الّذي أدّى إلى هذه النهاية المفاجئة.
واحدة من أهم النقاط الّتي نالت نصيبًا كبيرًا من الاهتمام، هي رئيسة ياهو التنفيذيّة ماريسا ماير، ليس فقط لأنّ صفقة الاستحواذ تمّت في ولايتها، ولكن لأنّها ستخرج من هذا كله بما يقارب ربع مليار دولار كتعويض نهاية خدمة، وهذا ما عدّه الكثيرون قمة التناقض، فكيف تحصل تلك الّتي دمرت الشركة _على حسب قولهم _ على هذه الأموال الضخمة، الّتي تُعتبر كثيرة جدًا حتى بمعايير وادي السيليكون نفسه.
وضعت نيويورك تايمز قصة السيدة ماير على منضدة التشريح، محاولةً فهم كيف حصلت على ما يوازي راتب أسبوعي قدره 900 ألف دولار، بالرغم من أنّ أوضاع الشركة الّتي ترأسها لم تكن على ما يرام، واستمرت قيمتها السوقيّة بالهبوط حتى وصلت إلى ماهي عليه الآن.
فلنعد إلى البداية
السيّدة ماير هي مثال للمرأة الخارقة؛ لأنّها حصلت على ماجستير في علوم الحاسب، واحتلت المرتبة العشرين على السلم الوظيفي في غوغل، وربّت ثلاثة أطفال، وما تزال تكتب البرامج على سبيل التسلية، وفوق كل هذا تظهر في كل مكان بكامل أناقتها. باختصار تُعتبر ماير كنجمة في وادي السيليكون، كتلك النجمات الّتي توجد في هوليود.
قَدُمت السيّدة ماير من غوغل إلى ياهو في عام 2012 لتكون المنقذة لوضع الشركة، حيث تمّ تعيينها من قبل أحد أعضاء مجلس إدارة ياهو، دانيال س. لوب، الذي كان مهتمًا بشكل خاص في إيجاد وسيلة لحجز حصة لياهو في شركة علي بابا، تلك الشركة الواعدة الّتي كانت تنمو باطراد لتصبح أهم شركة في الصين، فقام السيّد لوب بحض مجلس الإدارة لتجنيد نجمة مثل السيّدة ماير لجعل الناس متحمسين مرةً أخرى لياهو التي كانت تتعثّر على مدى السنوات الماضية.
لجذب السيدة ماير من جوجل وتعويضها عن المميزات الّتي ستفقدها هنالك، عرض مجلس إدارة ياهو عليها اتفاق عمل مربح. حيث تلقت في البداية أسهم مقيّدة بقيمة 35 مليون دولار وخيارات أسهم بقيمة 21 مليون دولار، استنادًا إلى أسعار الأسهم لعام 2012 لشركة ياهو، بالإضافة إلى راتب نقدي ومكافأة.
كانت بدايات ماير في ياهو ناجحة للغاية، ففي يوم الاثنين 16 يوليو 2012، الذي ترأست فيه ياهو، كان سعر سهم ياهو 15.65 $، لكن في يوم الجمعة التالي، أُغلق السعر عند 50.60 $. مما حقق لياهو أداء أفضل من شركات التكنولوجيا الأخرى الكُبرى مثل مايكروسوفت وأوراكل، وحققت أرباح تساوي أرباح ألفابت الشركة الأم لجوجل المنافس المباشر لياهو. كانت استفادة المساهمين كبيرة، وكذلك استفادت السيدة ماير، فمع انتهاء يوم الجمعة كانت قد حققت أرباح تساوي حوالي 239 مليون دولار، على أساس سعر السهم في ذلك اليوم، وهذه الأموال هي الخطوة الأولى لفهم كيف ستخرج ماير من ياهو بربع مليار دولار تقريبًا.
شركة علي بابا وياهو اليابان خطوة أُخرى على طريق الفهم
تمثل هاتان الشركتان ربما الحسنتان الوحيدتان لأداء ياهو على مدى السنوات السابقة، بفضل نظرة ثاقبة لأحد مؤسسي ياهو، قامت الشركة بالاستثمار فيهما عام 2005، وهي تملك حصة تصل إلى 24 في المئة في شركة علي بابا تقدر الآن بحوالي 48 مليار دولار، وكذلك حصة في ياهو اليابان بنسبة 36 في المئة تقدر بتسعة مليارات دولار، ولم تدخل هذه الحصص في صفقة الاستحواذ. لكن السؤال ما علاقة هاتين الشركتين بالسيّدة ماير؟
في الحقيقية كل مستحقات السيدة ماير في نهاية المطاف ستحصل عليها من المكاسب التي حققتها استثمارات ياهو اليابان وشركة علي بابا. تلك الاستثمارات كانت أحد الأسباب الرئيسية أصلًا في قدوم ماير إلى ياهو، فبعدما جاءت السيدة ماير قامت بتعيين خبيرة تجارية من ذوي الخبرة هي جاكلين ريس؛ لتكون الاتصال الرئيسي مع شركة علي بابا وقادتها جاك ما وجوزيف تساي، وكان لريس دور كبير في مساعدة الشركة الصينية خلال الطرح العام الأولي التي قامت به، كما أعادت التفاوض على اتفاق تمّ توقيعه _قبل قدوم ماير _ كان سيجبر ياهو على بيع 122 مليون سهم إضافية في الطرح. هذا الاتفاق شكّل مكسب كبير لياهو حيث تساوي قيمة هذه الأسهم الإضافية الآن حوالي 15 مليار دولار.
إنّ ارتفاع قيمة تلك الاستثمارات ليست إلّا نتاج تحرّكات تجاريّة رائعة من قبل السيدة ماير، وهذه التحرّكات هي السبب الأساسي في ارتفاع أسهم ياهو، حيث يمكن تشبيه الأمر ببساطة بشركة نفط، فبعد قدوم ماير ارتفعت أسعار النفط فجأة وحدثت الطفرة.
إذًا هل استحقت السيّدة ماير أموالها أم لا؟
يرى الكثيرون أنّ السيّدة ماير استحقت كل سنت حصلت عليه، فبكل بساطة تضاعف سعر سهم ياهو أكثر من ثلاثة أضعاف خلال فترة ولايتها، كما أنّها تعاملت بشكل مثالي مع الاستثمارات في اثنتين من أقوى الشركات في آسيا؛ مما جعل المساهمون في ياهو يملكون الآن استثمارات تقدّر بـ 57 مليار دولار.
يقول ديفيد وايز، الذي يرأس إحدى الشركات تقدم المشورة للهيئات التنفيذية في الشركات: “إنّ العلامة الأفضل التي يمكن أن نحكم من خلالها على شركة ما على مدى فترة طويلة من الوقت، هي مكاسب المساهمين في البورصة، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، لا يمكن للمساهمين في ياهو أن يكونو أفضل بكثير من هذا”.
بالتالي استحقت السيدة ماير مُعظم أجورها الّتي كانت في معظمها عبارة عن أسهم بجانب حصولها على مكافآت ورواتب. لكن ليس كل المراقبين يعتقدون بأنّ السيدة ماير تستحق هذه الأموال، فلم تكن صفحة إدارتها لياهو بيضاء بشكل كامل، بل شابتها بعض النقاط السوداء الّتي يمكن تلخيصها كما يلي:
- غاب عن السيّدة ماير الثورة الّتي تحدث في عالم الهواتف الذكيّة، وبالتالي لم تكن تملك _كغيرها من المدراء الّذين تعاقبوا على ياهو _ استراتيجيّة حقيقية للوصول إلى العملاء الّذين كانوا يهاجرون الحواسب باتجاه الهواتف الذكيّة بشكل متواصل.
- قامت ماير بالعديد من صفقات الاستحواذ، وأهمها استحواذها على منصة تمبلر للتدوين بأكثر من مليار دولار، ولكن هذه الصفقات لم تُقدّم الكثير لياهو، وفشلت السيدة ماير إلى حد كبير في مساعيها لجعل ياهو “عادة يومية” لمزيد من المستخدمين كما فيسبوك وغوغل.
- واحدة من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها ماير هي تعيين زميل سابق من غوغل، هو هنريك دي كاسترو، ليكون الرئيس التنفيذي للعمليات والإشراف على جهود ياهو الإعلانية، ولكنه ترك العمل بعد 14 شهرًا فقط، مما أدى خسارة 58 مليون دولار كتعويضات له.
- قامت ماير بتخصيص أكثر من 1000 موظّف في أبحاث ياهو، تلك الأبحاث تمّ التخلي عن الكثير منها دون الاستفادة منها، كما أنّها راهنت كثيرًا على مساعد شخصي كسيري آبل، وكورتانا مايكروسوفت دون أن تنجح في ذلك.
بالإضافة إلى كل ذلك تمّ في عهد السيدة ماير اثنتين من أكبر انتهاكات الخصوصيّة في التاريخ، كما خسرت ياهو الكثير من المعلنين ونصف موظفي الشركة، مما جعل السيّدة ماير تتخلى عن مكافأتها ومستحقاتها في أكثر من مرّة، كما حدث في نهاية عام 2016 وتخليها عن جوائز الأسهم لعام 2017، أي حوالي 14 مليون دولار.
هل كان بإمكان ماير أن تفعل أكثر مما فعلت؟
في وادي السيليكون تحديدًا لا يحدد قيمتك إلّا عملك، حيث يمثل هذا المكان وادي ذئاب حقيقي، ستؤكل من قبل أعدائك إن لم تأكلهم أولًا، لذلك ترى المنافسة على أشدها ولا مكان للضعيف نهائيًّا، ولأنّ النصر في معارك وادي السيليكون يتحدد بشكل كبير بكون الرئيس التنفيذي كفء وقادر على السير بالشركة نحو النجاح، فلذلك يضع الكثيرون اللوم على ماير في ما حدث لياهو.
ولكن حالة ياهو حالة خاصة، فلم يكن انهيارها ليتأجل بغض النظر عمن سيكون على رأسها، حيث يرى الخبراء بأنّ ياهو غير قابلة للتغيير، فحمضها النووي يجبرها على أن تكون ما هي عليه ولا غير ذلك، كانت تحتل مكانة قوية في أوائل القرن الحالي ولكن كل هذا ذهب إلى غير رجعة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.