ما هي الأبنية صفرية الطاقة؟ كيف تحقق غايتها وهل تكون مستقبل البناء؟

تشكل الطاقة بأنواعها المختلفة عصب حياتنا وأساس استمرارنا، حيث لا يخلو جانب من جوانب الحياة من أحد هذه الأنواع، فلولا الكهرباء مثلا لما استطعت شحن جهازك الذكي لقراءة هذا المقال، لكن لسوء الحظ فإنّ 80% من الطاقة المستهلكة عالمياً تأتي من مصادر غير متجددة مثل النفط والغاز، وقد يأتي اليوم الذي تنفذ فيه، كما أنها المصدر الأساسي لانبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون المرتبط مباشرةً بالتغير المناخي، الذي يعد القضية الأبرز التي تواجه البشرية.

تشير معظم الإحصاءات إلى أنّ استهلاك المباني السكنية يشكّل حوالي 30% إلى 40% من إجمالي موارد الطاقة في العالم، وتسهم في انبعاث 33% من ثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى فواتير الطاقة المرتفعة والمتزايدة باستمرار، كلها أسباب جعلت تحسين استهلاك الطاقة وإنتاجها الذاتي في هذه المباني أمراً بالغ الأهمية، فتوجهت غالبية الأبحاث إلى الأبنية المكتفية ذاتياً بالطاقة أو الأبنية صفرية الطاقة (Zero-energy buildings (ZEB وهي ما سنتعرف عليه في مقالنا هذا.

الأبنية صفرية الطاقة عبارة عن أبنية سكنية أو تجارية، تحسّن كفاءة استهلاك الطاقة، بالإضافة إلى تحقيق التوازن ما بين الطاقة المستهلكة والطاقة المولّدة من قبل البناء نفسه، وذلك من مصادر متجددة كالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، أي ببساطة هي الأبنية التي تنتج مقدار من الطاقة مساوي تقريبا للاستهلاك، وهذه الأبنية متصلة بالشبكة الكهربائية العادية أيضاً، حيث يمكن بيع الفائض من الطاقة المنتجة أو استجرار كمية إضافية عند الحاجة.

من أبسط الطرق في سبيل تخفيض استهلاك الطاقة، تحقيق عازلية عالية للأرضيات والجدران والأسقف للأبنية صفرية الطاقة، والطريقة الأكثر فعالية للحصول على عزل ممتاز هي استخدام صيغ الإسمنت العازل (Insulated concrete forms (ICFs، وهي عبارة عن إسمنت معزول بطبقات خارجية من مادة عازلة، منخفضة الكلفة وقوية وصديقة للبيئة.

وهي عبارة عن نوافذ خاصة بالأبنية صفرية الطاقة مؤلفة من طبقتين او ثلاث من الألواح الزجاجية، منخفضة الإشعاع لتمرير أو حجب حرارة الشمس، وهي أيضاً ذات إطارات من الألمنيوم المعالج حرارياً، لتقليل نقل الحرارة من الداخل إلى الخارج وبالعكس، حيث تثبّت بإحكام لتخفيض تسرب الهواء والضجيج الخارجي.

عبارة عن مصفوفة خلايا فولطية ضوئية (Photovoltaic (PV، تنتج جهد مستمر يتم تحويله باستخدام محول جهد (Inverter) إلى جهد متناوب، ليتم استخدامه فيما بعد لتغذية البناء بالطاقة الكهربائية اللازمة، ويتم قياس الطاقة المنتجة، فعندما تنتج المصفوفة كمية طاقة فائضة عن الحاجة، يتم إرسالها عبر الشبكة الكهربائية العادية، وعندما ينخفض الإنتاج إلى ما دون المستوى المطلوب، يتم تعويض النقص من الشبكة. تتميز هذه الخلية بعمرها الطويل وسعرها الذي انخفض بشكل ملحوظ مؤخراً.

اقرأ المزيد: أمازون تعمل على إتاحة شحن مجاني خلال يوم واحد

يتم استخدام مضخات تسخين هوائية لتدفئة الأبنية صفرية الطاقة، وهي عبارة عن نظام ينقل الحرارة من داخل إلى خارج البناء وبالعكس، حيث تستطيع هذه المضخات تدفئة البناء عند انخفاض درجات الحرارة في الخارج حتى حدود -23 درجة مئوية، ويمكن استخدامها في نظام تدفئة مركزي أو كوحدات صغيرة، كما أن هناك تجهيزات هوائية جديدة تعتمد على مبردات غاز ثاني أكسيد الكربون تقدم أداءً أفضل.

في الأبنية صفرية الطاقة التجارية الضخمة التي تتطلب استخدام كميات كبيرة من الماء الساخن، يكون الخيار الأفضل نظام تسخين شمسي يقوم بتدوير الماء الساخن، بينما في الأبنية التي تتطلب استخدام كمية قليلة من الماء الساخن، يمكن استخدام سخّان كهربائي مغذى من الخلايا الشّمسية (PV).

هي أنظمة إدارة ذكية للأبنية صفرية الطاقة، تقوم بإطفاء الأجهزة الإلكترونية غير الضرورية عند مغادرة السكان، وضبط درجة الحرارة لكل غرفة اعتماداً على حساسات حرارة منتشرة في هذه الغرف، بالإضافة إلى ضبط الإضاءة بما يتناسب مع كمية الضوء الطبيعي الداخلة من النوافذ، وغيرها من الإجراءات التي تقلل من الاستهلاك ما أمكن.

اقرأ المزيد: ظاهرة تطبيق تيك توك TikTok الذي سرق ما تبقى من عقول المستخدمين!

من المؤكد أن تكلفة إنشاء الأبنية صفرية الطاقة أكبر من تكلفة إنشاء بناء عادي، ويعود السبب إلى التقنيات المتطورة المستخدمة والمتطلبات الإضافية لهذا النوع من الأبنية، وحسب دراسة حديثة أجراها معهد (Rocky Mountain Institute (RMI فإنَّ كلفة البناء صفري الطاقة تفوق كلفة إنشاء بناء عادي بمقدار 7.3%، لكن هل يعني هذا أن صفقة الأبنية صفرية الطاقة خاسرة؟

بالطبع لا، إنّ صفقة الأبنية صفرية الطاقة صفقة رابحة غالباً، لأن التوفير في فواتير الطاقة على المدى البعيد يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، فبحسب الدراسة السابقة يمكن استعادة تكلفة البناء بالكامل خلال مدة تتراوح بين 7.8 إلى 13.8 سنوات من التوفير في الفواتير، ويزداد المربح مع ارتفاعات أسعار الطاقة المستقبلية، كما أن تكلفة المكونات الأساسية لهذه المباني في انخفاض مستمر.

تعد الولايات المتحدة الأمريكية حالياً التجمع الأكبر للأبنية صفرية الطاقة حيث يقدر عددها بـ 5000 منزل للعائلات المفردة وحوالي 7000 مجمع سكني يضم عدّة عائلات، ومن المقدر أن يزداد هذا العدد الى أكثر من 100,000 بناء في عام 2020، ولا يقتصر الأمر على المنازل السكنية فإدارة مطار سان فرانسيسكو الدولي وضعت برنامجاً في عام 2017 ليكون أول مطار صفري الطاقة في العالم بحلول العام 2021.

كما أن عدداً كبيراً من الدول حول العالم كالصين واليابان وهولندا وفرنسا والمملكة المتحدة وغيرها تتجه نحو هذه الأبنية، ففي الصين يعد برج نهر بيرل (Pearl River Tower) من أكبر الأبنية صفرية الطاقة في العالم ويحتوي على 71 طابقاً، وفي اليابان مبنى (Sekisui) سيكون أول بناء صفري الطاقة حيث سيضم 12 شقة سكنية.

هل تخطط للتخلص من فواتير الطاقة واقتناء أحد هذه المنازل في المستقبل؟ شاركنا رأيك في التعليقات.