بعد عطاء دام لأكثر من عقدين.. أدوبي تعلن موت تقنية فلاش نهاية 2020
10 د
من منا لم يتلقَ يومًا رسالة تطلب منه تحميل وتثبيت برنامج “فلاش بلاير” على المُتصفح من أجل الاستمتاع بالألعاب ومشاهدة مقاطع الفيديو عبر الويب؟
دائمًا ما كان برنامج Flash Player موجودًا على حواسيبنا، فمُعظم ما كُنا نقوم به على المُتصفح من مشاهدة مقاطع الفيديو، الاستماع للراديو ولعب الألعاب أون لاين كانت بفضل هذا البرنامج، ولكن كما يُقال لكل بداية نهاية ونهاية تقنية فلاش من أدوبي ستكون آخر هذا العام بعد عطاء دام لعقدين من الزمن.
في بيان رسمي من شركة “أدوبي Adobe” أعلنت فيه أنّ نهاية خدمة “فلاش” رسميًا ستكون بتاريخ 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020. وهذا بعد سنوات من التخبط، حيث أعلنت الشركة في عام 2017 أن نهاية هذه الخدمة ستكون قريبة نظرًا لمشاكلها الأمنية الكثيرة وتخلي الكثير من الشركات الرائدة عنها مثل آبل ومايكروسوفت.
في الواقع، هذه الخُطوة التي قامت بها الشركة تُعتبر ذات أهمية بالغة، حيث أنها لاقت استحسان أكبر الشركات في مجال التكنولوجيا والتقنية مثل آبل، جوجل، فيسبوك، مايكروسوفت وموزيلا، لدرجة أن هذه الشركات قامت بإعلام مُستخدميها بما يجري وطمأنتهم بأن هذا القرار في مصلحة المستخدم.
في هذا المقال نتناول كل ما يتعلق بتقنية فلاش، هذه التقنية التي أعطت الكثير لسنوات عدة، بفضلها تمكنا من مشاهدة آلاف المقاطع على يوتيوب، الاستمتاع بألعاب الفلاش عبر المتصفح التي رافقت طفولتنا، الاستماع للراديو والكثير. بدايةً مع تاريخ التقنية، ثم ننتقل لأبرز تطوراتها مرورًا بالأسباب التي أدت لإيقافها، وأخيرًا وليس آخرًا ما الذي يعنيه قرار الإيقاف بالنسبة لك كمستخدم؟
ولادة تقنية “فلاش”
يُعتبر Adobe Flash برنامج مُتعدد الوسائط وظيفته إنتاج تطبيقات الويب والرسوم المتحركة، تطبيقات للحاسوب والأجهزة المحمولة، كما يُمكن بواسطته إنشاء ألعاب للهاتف وتشغيل مقاطع الفيديو الموجودة على الحاسوب أو عبر الويب. الظهور الأول لبرنامج Flash كان سنة 1993 من طرف شركة FutureWave Software وحمل اسم SmartSketch، كان برنامج SmartSketch في البداية مُخصص للرسم، مُوجه لأجهزة الحاسوب التي تعمل بنظام PenPoint OS، لكن وبسبب فشل هذا النظام وعدم رواجه ذلك الوقت تم نقل البرنامج لنظامي ويندوز وماك.
مع زيادة شعبية الإنترنت تلك الفترة، أدركت شركة FutureWave أهمية وجود برمجية تُساهم في إضفاء طابع الحركة على الويب وكذلك منافسة تقنية Macromedia Shockwave التي صدرت سنة 1995، هذه الدوافع جعلت FutureWave تقوم بتعديل برنامجها الخاص SmartSketch عن طريق إضافة ميزات رسوم متحركة لتُصدر بذلك مُنتجها الجديد باسم FutureSplash Animator على الماكينتوش والويندوز.
في شهر نوفمبر من سنة 1996، استحوذت شركة “ماكروميديا Macromedia” على FutureSplash، وأعادت تسمية وإصدار برنامج FutureSplash Animator باسم Macromedia Flash 1.0. هذا الإصدار من برنامج فلاش كان يتكون من جزأين: محرر رسومات Macromedia Flash، ومشغل ملتيميديا يُعرف باسم Macromedia Flash Player.
بعد ذلك في ديسمبر من عام 2005، جاء دور شركة أدوبي للاستحواذ على ماكروميديا بالكامل، بما في ذلك برمجية فلاش، برنامج Dreamweaver، Director/Shockwave وكذلك Fireworks (التي تم إيقافها بعد فترة قصيرة).
في عام 2007، شهدنا أول إصدار من أدوبي لبرنامج فلاش تحت مُسمى Adobe Flash CS3 Professional، وهو الإصدار التاسع كَكُل من أول ظهور للتقنية. وقدمت معه لغة البرمجة ActionScript 3.0، التي كانت تدعم أحدث تطبيقات البرمجة.
كانت تقنية Flash ذائعة الصيت ذلك الوقت، لدرجة أن منصة يوتيوب كانت تعتمد عليها بشكلٍ كامل لإيصال مقاطع الفيديو الخاصة بها لملايين من الناس. لكن مع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين قد تغير الوضع بشكلٍ كامل وذلك بسبب بزوغ تقنيات أخرى مفتوحة المصدر بميزات أكبر وأكثر أمانًا، مثل HTML 5 و CSS 3. ما أدى إلى انخفاض عدد مُستخدمي التقنية والتطبيقات المعمولة بها، وما زاد الوضع سوءًا تزايد المشاكل الأمنية في السنوات الأخيرة، حيث كانت هذه المشاكل بمثابة المسمار الأخير الذي دق نعش فلاش.
تطور تقنية فلاش خلال العشرين سنة الماضية
مرّ برنامج فلاش عبر العديد من المراحل والتحديثات والتطويرات حتى وصل لما هو عليه، وذلك منذ استحواذ أدوبي على شركة ماكروميديا، هذه المراحل كانت من أهم أسباب ثراء محتوى الويب وكذلك برامج الحاسوب وتطبيقات الهاتف لوقتٍ طويل.
كما ذكرنا سابقًا، فإن أول إصدار من أدوبي لبرنامج فلاش “Adobe Flash CS3 Professional” كان سنة 2007، وهو الإصدار الذي قدمت فيه الشركة لغة البرمجة ActionScript 3.0. في سنة 2008، كشفت الشركة عن الإصدار العاشر من البرنامج Adobe Flash CS4، تحسنت العديد من الجوانب في هذا الإصدار، من بينها تطوير إعدادات الأنيميشن وإضافة لوحة إعدادات الحركة -مُشابهة لتلك الموجودة في برنامج Adobe After Effects- القدرة على الرسم والتحكم في المجسمات ثلاثية الأبعاد، بالإضافة للعديد من الميزات الخاصة بالنصوص والرسوم.
تضمن الإصدار العاشر كذلك “3D engine” وهو عبارة عن نظام مُدمج ثلاثي الأبعاد يسمح بتحويل الأشكال إلى مجسمات ثلاثية الأبعاد مع إمكانية التخصيص والتعديل عليها (التموضع، التدوير، التحكم في الحجم)، لكن دون ميزة GPU acceleration وهي تقنية تسريع وحدة معالجة الرسومات.
في نفس السنة، أصدرت الشركة Adobe Integrated Runtime والذي عُرف لاحقًا بالاختصار Adobe AIR، وهو عبارة عن برنامج يقوم بمعالجة أكواد البرمجة وتنفيذها، وقد تم إصداره ليحل محل Flash Player، قدم هذا البرنامج العديد من الإضافات للغة ActionScript 3.0 لإنشاء برامج الحاسوب وتطبيقات الهاتف. باستخدام هذا البرنامج أصبح بإمكان المطورين الوصول إلى ملفات النظام والأجهزة المتصلة مثل عصا التحكم وأجهزة الاستشعار لأول مرة.
في سنة 2011، تم إطلاق الإصدار الحادي عشر من Adobe Flash Player، ومعه الإصدار الأول من Stage3D، وهي برمجية تسمح بعرض مُحتوى ثلاثي الأبعاد مع دعم GPU acceleration لتطبيقات وألعاب فلاش على نِظامي ويندوز وماك.
في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2013 قامت أدوبي بتحسين ميزة 3D كثيرًا، حيث أضافت العديد من المزايا منها: دعم للعرض ثلاثي الأبعاد على نظام أندرويد وiOS، تجميع ألفا (عملية دمج صورة مع خلفية لإنشاء مظهر شفافية جزئية أو كاملة)، texture atlases (وهي صورة تحتوي على عدة صور أصغر حجمًا، وعادة ما يتم تجميعها معًا لتقليل الأبعاد الكلية) والعديد من الميزات الأخرى.
في عام 2014، حقق Adobe AIR نجاحًا باهرًا حيث تم إنشاء أكثر من 100 ألف تطبيق بواسطته، وتم تسجيل أكثر من مليار عملية تثبيت في جميع أنحاء العالم. في ذلك الوقت تم التصويت على البرنامج كأفضل منتج لتطوير تطبيقات في معرض الإلكترونيات (CES) على مدار عامين متتاليين CES 2014 وCES 2015.
وفي سنة 2016، غيرت أدوبي تسمية برنامجها Flash Professional -وهو البرنامج الأساسي لإنشاء محتوى فلاش- إلى Adobe Animate تزامنًا مع تزايد انتشار واستخدام HTML5 مقارنة مع تقنية فلاش.
المشاكل التي جعلت أدوبي تتخلى عن تقنية فلاش
تاريخ تقنية فلاش كان حافلًا بالثغرات الأمنية، لسنوات عديدة عانت التقنية من عدد كبير من المشاكل أخطرها المشاكل المُتعلقة بأمان المُستخدم، هذا ما جعل أدوبي عرضة للانتقاد من طرف العديد من الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا والأمن والحماية، كنتيجة لذلك تم الاستغناء عن تقنية فلاش في العديد من المنصات.
في فبراير 2010، قدمت أدوبي اعتذارًا رسميًا بسبب عدم إصلاح ثغرة أمنية معروفة دامت لأكثر من عام، وفي يونيو من نفس العام أعلنت عن “ثغرة أمنية خطيرة” أخرى في الإصدارات الأخيرة، حيثُ أشارت أن هذه الثغرة تُشكل خطرًا كبيرًا على كل من مشغل أدوبي Flash Player وبرنامج Adobe Reader Acrobat.
بعد ذلك بأشهر قليلة في شهر أكتوبر، خرجت أدوبي لتعلن عن ثغرة خطيرة أخرى تؤثر هذه المرة على الأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد، ليتم نُصح مُستخدمي أندرويد بعد ذلك بتعطيل فلاش وتمكينه عند الحاجة فقط. الثغرات الأمنية التي تُشكل خطرًا على أجهزة أندرويد لم تتوقف هنا، فقد تم كشف ثغرتين خطيرتين واحدة في شهر فبراير من عام 2013 والأخرى في شهر مارس من نفس العام.
كشف تقرير “التهديدات الأمنية المُتعلقة بالإنترنت” الخاص بشركة Symantec للحماية أن ثغرات الـ RCE (تنفيذ تعليمات برمجية عن بعد من خلال ثغرة أمنية Remote Code Execution) في برنامجي أدوبي ريدر وفلاش بلاير كانت ثاني أكثر ثغرة تلقت هجومًا في عام 2009.
نفس التقرير كان قد نصح باستخدام إضافات على المُتصفح تُمكن من تعطيل خدمة فلاش على المواقع غير الموثوقة. في أواخر عام 2009، ساءت الأمور كثيرًا ووصل الأمر إلى أن أصبحت تطبيقات وبرامج أدوبي الشهيرة أكثر الأهداف عرضة للهجوم والاختراق.
شركة McAfee المختصة بالحماية قد توقعت أن تكون برامج أدوبي هدفًا أساسيًا لهجمات الهاكرز في عام 2010 وخاصة فلاش بلاير وأدوبي ريدر. تقرير آخر من شركة Kaspersky Security Network نشرت فيه إحصائيات للربع الثالث من عام 2012 تُظهر أن 47.5% من مستخدميها قد تأثروا على الأقل بواحدة أو أكثر من الثغرات الأمنية الخطيرة. كما سلطت شركة Kaspersky في تقريرها الضوء على ثغرات برنامج فلاش بلاير، حيث تمكن العديد من الهاكرز من تجاوز أنظمة الأمان المدمجة في التطبيق.
ستيف جوبز المدير التنفيذي لشركة آبل في ذلك الوقت انتقد بدوره أدوبي وبرنامجها فلاش بلاير، مُستعينًا بتقرير Symantec الذي يُظهر أن برنامج فلاش يمتلك أحد أسوأ السجلات الأمنية لسنة 2009. بعدها في شهر أبريل من سنة 2010 نشر ستيف بيان يُوضح فيه سبب عدم دعم آبل لتقنية فلاش على منتجاتها (آيفون، آيباد، أيبود توتش)، كما أشار إلى أن سبب تعطل أجهزة ماكنتوش يعود إلى تقنية فلاش في كثير من الأحيان.
وأخيرًا، في 7 أبريل من سنة 2016 أصدرت أدوبي تحديثًا لبرنامج فلاش بلاير لسد ثغرة zero-day memory corruption التي تسمح بتخريب الذاكرة (سُميت بـ zero day لعدم وجود وقت كافي لإصلاح الثغرة المُكتشَفة حديثًا من طرف المطورين، ما يجعلها عرضة للهجوم)، من خلال هذه الثغرة يُمكن إرسال برامج ضارة، كما يمكن استغلالها لتنفيذ تعليمات برمجية عن بُعد.
في الواقع لم تكن المشاكل الأمنية وحدها من دفعت بشركة أدوبي لإيقاف فلاش، فأول مسمار دق نعش التقنية كان سنة 2004، حيث قامت ثلاث شركات رائدة بإنشاء مجموعة خاصة لتطوير لغة HTML بالإضافة إلى لغات برمجة أخرى، هذه الشركات هي آبل، موزيلا وأوبرا. أرادت هذه الأخيرة لغة خاصة بها لمتصفحاتها بدل الاعتماد على تقنيات أخرى مثل فلاش.
العد التنازلي..
خلال سنة 2017، كشف نائب رئيس تطوير المنتجات في شركة أدوبي “Govind Balakrishnan”، أنه في غضون ثلاث سنوات ونصف ستتوقف الشركة عن تطوير وتوزيع برنامج فلاش، ثم وضح أن أدوبي لم تستطع إيقاف فلاش مرة واحدة وأن عملية الإيقاف تتطلب الكثير من الوقت والتدرج في المراحل، وذلك بسبب عدم نضج معايير الويب حسب قوله، وأن مُطوري البرامج والألعاب الذين يعتمدون على تقنية فلاش يحتاجون لبعض الوقت لإعادة برمجة وتجهيز منتجاتهم.
قرار إيقاف تقنية فلاش التي أعطت الكثير للإنترنت منذ سنوات جاء بعد العديد من التخبطات في المشاكل الأمنية، وتوجه أغلب الشركات والمطورين إلى تقنيات بديلة أكثر أمانًا لإنشاء البرامج والألعاب والتطبيقات، مثل لغة البرمجة HTML وبعض اللغات الأخرى.
ما الذي يعنيه توقف خدمة فلاش بالنسبة لك كمستخدم؟
إن كنت من المهووسين بألعاب الأون لاين على الفيسبوك أو على مواقع الويب سيتعين عليك انتظار التطورات التي ستحدث في هذه الفترة، حيث أن الأمر يتعلق بشكلٍ كبير بالمُتصفح الذي تستخدمه وكيفية تكوينه. بنسبة كبيرة سيكون التخلص التدريجي من خدمة فلاش دون حدوث أي مشاكل كبيرة، حتى إن وُجدت سيتم حلها بسرعة.
ما سيحدث هو أن بعض الألعاب ستتوقف، سيتعين على الشركات التي تعتمد على برمجية فلاش الانتقال إلى البديل (لغات البرمجة HTML…)، الكثير من مواقع الويب قد تتوقف عن العمل وبالخصوص تلك المواقع القديمة التي لم يطرأ عليها أي تحديث.
بحلول نهاية عام 2020، كل ما يعتمد على تقنية فلاش سيتوقف عن العمل في جميع المتصفحات الشهيرة، إليكم ملخص ما يُمكن حدوثه:
جوجل كروم: في العام الماضي، بدأ المتصفح في طلب الحصول على إذن تشغيل فلاش على بعض المواقع، وسيواصل ذلك حتى يقوم جوجل بتعطيل فلاش بشكلٍ كامل، تقول جوجل: “سَنحرص على إزالة تقنية قلاش من مُتصفح كروم بشكلٍ كامل بحلول نهاية عام 2020”.
فايرفوكس: في شهر أغسطس بدأ متصفح موزيلا في طلب إذن تمكين فلاش في بعض المواقع، وفي عام 2019 تم تعطيل تقنية فلاش بشكل جزئي في المتصفح لكن مع وجود دعم مستمر حتى نهاية 2020 فقط.
إيدج: استخدم أحدث إصدار من متصفح مايكروسوفت خاصية “click-to-run” يسألك عما إذا كنت تريد تشغيل فلاش على موقع ويب، وهي سياسة استمرت حتى منتصف عام 2018. وفي عام 2019 تم تعطيل تقنية فلاش جزئيًا من المتصفح، وبحلول نهاية عام 2020 سيتم الاستغناء عنها تمامًا.
سافاري: المتصفح التابع لآبل مثل غيره من المتصفحات قام بتعطيل التقنية، لكن مع إمكانية تفعيلها في بعض المواقع التي تحتاجها.
بالنسبة لموقع فيسبوك الذي يضم عددًا هائلًا من ألعاب الفلاش، فإنه يُنبّه المطورين على اتباع المواعيد التي حددتها المُتصفحات للاستغناء عن التقنية، وذلك قبل نهاية عام 2020، حيث ينتهي دعم الألعاب المبنية على برمجة فلاش من الموقع.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.